مناقب آل ابی طالب المجلد 10

اشارة

عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.

مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.

مشخصات ظاهری:12ج

وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)

يادداشت:ج.9. (چاپ اول)

شماره کتابشناسی ملی:2481606

ص: 1

اشارة

مناقب آل أبي طالب

تأليف الإمام الحافظ رشيد الدين أبي عبد اللّه محمد بن علي بن شهرآشوب

الجزء العاشر

تحقيق السيد علي السيد جمال أشرف الحسيني

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

باب في إمامة أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام

اشارة

ص: 5

ص: 6

فصل 1 : في المقدمات

اشارة

ص: 7

ص: 8

الآيات

وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ

الحمد للّه العالم بدقيق الأمور وجليله ، المنعم بكثير الخير وقليله ،الرحمن العاطف بسرّ الذنب العظيم ورذيله ، هدى المؤمن بظاهر برهانه ونيّر دليله ، وجمع لباس سنّة نبيّه وملّة خليله ، ثم قال : « وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ » .

وقال أبو عبد اللّه عليه السلام وقد ذكر عنده الحسين عليه السلام : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ »(1) .

وقال - عزّ وجلّ - : « وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً »(2) .

وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا . .

وقال : « وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤمِنِينَ » أي الأئمة(3) .

ص: 9


1- أمالي الطوسي : 317 ح 644 .
2- تفسير فرات : 137 ح 163 .
3- تفسير العياشي : 1/77 ح 62 .
وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ

الأعرج عن أبي هريرة قال : سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قوله : « وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ » قال : جعل الإمامة في عقب الحسين عليه السلام يخرج من صلبه تسعة من الأئمة عليهم السلام ، منهم مهدي هذه الأمّة(1) .

المفضّل بن عمر قال : سألت الصادق عليه السلام عن هذه الآية ، قال : يعنيبهذه الآية الإمامة جعلها في عقب الحسين عليه السلام إلى يوم القيامة .

فقلت : كيف صارت في ولد الحسين عليه السلام دون ولد الحسن عليه السلام ؟

فقال : إنّ موسى وهارون كانا نبيّين ومرسلين أخوين ، فجعل اللّه النبوة في صلب هارون دون صلب موسى عليه السلام .

ثم ساق الحديث إلى قوله : « وَهُوَ الْحَكِيمُ » في أفعاله « لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ »(2) .

السدي قوله : « فِي عَقِبِهِ » أي في آل محمد(3) صلى الله عليه و آله ، أي نولّي بهم إلى يوم القيامة ، ونتبرّأ من أعدائهم إليها .

حماد بن عيسى الجهني عن الصادق عليه السلام قال : لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين عليهماالسلام، إنّما هي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب(4).

ص: 10


1- كفاية الأثر للخزاز القمي : 86 .
2- الخصال : 305 ح 84 ، كمال الدين للصدوق : 359 باب 33 .
3- تفسير التبيان للطوسي : 9/193 ، تفسير مجمع البيان : 9/76 .
4- الإمامة والتبصرة : 57 ، الكافي : 1/286 ح 4 ، كمال الدين للصدوق : 414 باب 40 ح 2 . ، الغيبة للطوسي : 226 ح 191 .

زيد بن علي عليه السلام في هذه الآية : لا تصلح الخلافة إلاّ فينا(1) .

وفي الخبر : لمّا حضرت الحسين عليه السلام الوفاة لم يجز له أن يردّها إلى ولد أخيه ، لقول اللّه تعالى : « وَأُولُوا الأَْرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ » ، فكان ولده أقرب إليه رحما من ولد أخيه ، وأولاده - هكذا - أولىبها ، فأخرجت هذه الآية ولد الحسن عليه السلام عن الإمامة وصيّرتها إلى ولد الحسين عليه السلام فهي فيهم أبدا إلى يوم القيامة(2) ، ولقول اللّه تعالى : « وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً » ، فكان علي بن الحسين عليهماالسلام بدم أبيه أولى وبالقيام(3) به أحرى .

وقال عبد اللّه بن الحسين(4) : إنّ الإمامة في ولد الحسن والحسين عليهماالسلام ، لأنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، وهما في الفضل سواء ، إلاّ أنّ للحسن عليه السلام على الحسين عليه السلام فضلاً بالكبر والتقديم ، فكان الواجب أن تكون الإمامة إذا في ولد الأفضل .

فقال الربيع بن عبد اللّه : إنّ موسى وهارون عليهماالسلام كانا نبيّين مرسلين ، وكان موسى عليه السلام أكبر من هارون عليه السلام وأفضل ، فجعل اللّه النبوة في ولد هارون عليه السلام دون ولد موسى عليه السلام ، وكذلك جعل اللّه - عزّ وجلّ - الإمامة

ص: 11


1- الاحتجاج : 1/152 ، كتاب سليم : 207 .
2- تفسير العياشي : 2/72 ح 87 .
3- في نسخة النجف : « بالقائم » .
4- كذا في جميع النسخ إلاّ أنّ في المخطوطة وضع على كلمة « الحسين » علامة تصحيح دون أن يذكر التصحيح ، وفي علل الشرائع : « عبد اللّه بن الحسن » .

في ولد الحسين عليه السلام لتجري في هذه سنن من قبلها من الأمم ، حذو النعل بالنعل .

فبلغ ذلك الصادق عليه السلام ، فقال : أحسنت يا ربيع(1) .

ومن ذلك حديث الرضا(2) عليه السلام .

الاستدلال بالحساب

ويستدلّ من الحساب على أنّ الإمامة في أولاد الحسين عليه السلام : أنّ لفظة « الحسين » مائة وثمانية وعشرين زيادة بعشرة ، والحسين عليه السلام وأولاده عشرة .

قال القاضي بن قادوس البصري :

هي بيعة الرضوان أبرمها التقى

وأنارها النصّ الجليّ وألجما

ما اضطر جدّك في أبيك وصيّة

وهو ابن عمّ أن يكون له انتمى

وكذا الحسين وعن أخيه حازها

وله البنون بغير خلف منهما

* * *

ص: 12


1- علل الشرائع : 1/209 بابا 156 ح 12 .
2- في علل الشرائع للصدوق : 1/208 ح 10 : حدّثنا علي بن أحمد بن عبد اللّه البرقي عن أبيه عن جدّه عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن محمد بن عيسى عن محمد بن أبي يعقوب البلخي قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام قلت له : لأيّ علّة صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن عليهماالسلام ؟ قال : لأنّ اللّه - عزّ وجلّ - جعلها في ولد الحسين عليه السلام ولم يجعلها في ولد الحسن ، واللّه لا يُسأل عمّا يفعل .
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّاهُمْ فِي الأَْرْضِ . .

موسى بن جعفر والحسين بن علي عليهم السلام في قوله تعالى : « الَّذِينَ إِنْمَكَّنّاهُمْ فِي الأَْرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ » قال : هذه فينا أهل البيت(1) .

.. فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

أبو بصير عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : « قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » الوصيّة لعلي عليه السلام بعدي ، نزلت مشدّدة .

فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

الباقر عليه السلام في قراءة علي عليه السلام ، وهو التنزيل الذي نزل به جبرئيل عليه السلامعلى محمد صلى الله عليه و آله : « فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » لرسول اللّه صلى الله عليه و آله والإمام بعده(2) .

لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا

الباقر عليه السلام في قوله تعالى : « لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا » الآية ، قال : هم يزعمون أنّ الإمام يحتاج منهم إلى ما يحملون إليه .

ص: 13


1- تفسير فرات : 274 ح 369 .
2- تفسير العياشي : 1/194 .
التباع خمسة

التباع خمسة ، ولكلّ قوم منهم يوم :

تباع السلطان ، ولهم النيران : « وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا » .وتباع الشياطين ، وهم الملاعين : « وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ » .

وتباع أئمة الهوى ، ولهم الردى : « وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ » .

وتباع الأئمة ، ولهم الجنّة .

فقال في رسول اللّه صلى الله عليه و آله « فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ » .

وفي شأن علي عليه السلام : « وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ » .

وفي شأن الأئمة الإثني عشر عليهم السلام : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ » .

تزويجه ابنة يزدجرد

لمّا ورد بسبي الفرس إلى المدينة أراد عمر بيع النساء ، وأن يجعل الرجال عبيد العرب ، وعزم على أن يحملوا العليل والضعيف والشيخ والكبير في الطواف وحول البيت على ظهورهم .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : أكرموا كريم قوم وإن خالفوكم ، وهؤلاء الفرس حكماء كرماء ، فقد ألقوا الينا بالسلم ، ورغبوا في الإسلام ، فقد أعتقت منهم لوجه اللّه حقّي وحقّ بني هاشم .

فقالت المهاجرون والأنصار : قد وهبنا حقّنا لك - يا أخا رسول اللّه صلى الله عليه و آله - ، فقال : اللّهم فاشهد أنّهم قد وهبوا وقبلت وأعتقت .

ص: 14

فقال عمر : سبق إليها علي بن أبي طالب ، ونقض عزمتي في الأعاجم !

ورغب جماعة من بنات الملوك أن يستنكحوهن، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:

نخيّرهن ولا نكرههن ، فأشار أكبرهم إلى تخيير شهربانويه بنت يزدجرد ،فحجبت وأبت .

فقيل لها : أيا كريمة قومها ، من تختارين من خطّابك ؟ وهل أنت راضية بالبعل ؟ فسكتت .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : قد رضيت ، وبقي الاختيار بعد ، سكوتها إقرارها .

فأعادوا القول في التخيير ، فقالت : لست ممّن تعدل عن النور الساطع والشهاب اللامع الحسين عليه السلام ، إن كنت مخيّرة .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لمن تختارين أن يكون وليّك ؟

فقالت : أنت .

فأمر أمير المؤمنين عليه السلام حذيفة بن اليمان أن يخطب ، فخطب وزوّجت من الحسين(1) عليه السلام .

قال ابن الكلبي : ولّى علي بن أبي طالب عليهماالسلام حريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق ، فبعث بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى ، فأعطاها علي عليه السلام ابنه الحسين عليه السلام ، فولدت منه عليا عليه السلام .

وقال غيره : إنّ حريثا بعث إلى أمير المؤمنين عليه السلام بنتي يزدجرد ،

ص: 15


1- دلائل الإمامة : 196 .

فأعطى واحدة لابنه الحسين عليه السلام ، فأولدها علي بن الحسين عليهماالسلام ، وأعطى الأخرى محمد بن أبي بكر ، فأولدها القاسم بن محمد ، فهما ابنا خالة(1) .

في الحساب

الحسين بن علي ميزانه من الحساب : إمام المسلمين بالحقّ ، لتقابلهما في أربعمائة وسبع وتسعين .

قال الزاهي :

يا سادتي يا آل ياسين ومن

عليهم الوحي من اللّه هبط

لولاكم لم يقبل الفرض ولا

رحنا لبحر العفو من أكرم شط

أنتم ولاة العهد في الذرّ

ومن هواهم اللّه علينا قد شرط

ما أحد قايسكم بغيركم

ومازج السلسل بالشرب اللمط

إلاّ كمن ضاهى الجبال بالحصى

أو قايس الأبحر جهلاً بالنقط

* * *

وقال كشاجم :

آل الرسول فضّلتم

فضل النجوم الزاهره

وبهرتم أعداءكم

بالمأثرات السائره

ولكم من الشرف ال

بلاغة والحلوم الوافره

وإذا تفوخر بالعلى

فيكم علاكم فاخره

ص: 16


1- روضة الواعظين : 201 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/267 ، الإرشاد للمفيد : 2/137 .

وقال البشنوي :

يا ناصبي بكلّ جهدك فاجهد

إنّي علقت بحبّ آل محمد

الطاهرين الطيّبين ذوي الهدى

طابوا وطاب وليّهم في المولد

واليتهم وبرئت من أعدائهم

فاقلل ملامك لا أبا لك أو زد

فهم أمان كالنجوم وإنّهم

سفن النجاة من الحديث المسند

* * *

ص: 17

ص: 18

فصل 2 : في معجزاته عليه السلام

اشارة

ص: 19

ص: 20

ولد عليه السلام لستّة أشهر وعاش

كتاب الأنوار : إنّ اللّه - تعالى - هنّأ النبي صلى الله عليه و آله بحمل الحسين عليه السلاموولادته ، وعزّاه بقتله ، فعرفت فاطمة عليهاالسلام فكرهت ذلك .

فنزلت : « حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً » ، فحمل النساء تسعة أشهر ، ولم يولد مولود لستّة أشهر عاشغير عيسى والحسين(1) عليه السلام .

ارتضع من لسان النبي صلى الله عليه و آله

غرر أبي الفضل بن حيزانة بإسناده : إنّه اعتلت فاطمة عليهاالسلام لمّا ولدت الحسين عليه السلام وجفّ لبنها ، فطلب رسول اللّه صلى الله عليه و آله مرضعا ، فلم يجد ، فكان يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصّها ، ويجعل اللّه له في إبهام رسول اللّه صلى الله عليه و آله رزقا يغذوه .

ويقال : بل كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يدخل لسانه في فيه ، فيغرّه كما يغرّ الطير فرخه ، فيجعل اللّه له في ذلك رزقا .

ففعل ذلك أربعين يوما وليلة ، فنبت لحمه من لحم رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله .

ص: 21


1- دلائل الإمامة : 72 ، الهداية الكبرى للخصيبي : 202 .
2- انظر الإمامة والتبصرة : 52 ، علل الشرائع : 1/206 باب 156 ح 3 .

برّة ابنة أميّة الخزاعي قالت : لمّا حملت فاطمة بالحسن عليهماالسلام خرج النبي صلى الله عليه و آله في بعض وجوهه ، فقال لها : إنّك ستلدين غلاما قد هنّأني به جبرئيل عليه السلام ، فلا ترضعيه حتى أصير إليك .

قالت : فدخلت على فاطمة عليهاالسلام حين ولدت الحسن عليه السلام ، وله ثلاث ما أرضعته .

فقلت لها : أعطنيه حتى أرضعه ، فقالت : كلا ، ثم أدركتها رقّة الأمّهات فأرضعته .فلمّا جاء النبي صلى الله عليه و آله قال لها : ماذا صنعت ؟ قالت : أدركني عليه رقّة الأمّهات فأرضعته ، فقال : أبى اللّه - عزّ وجلّ - إلاّ ما أراد .

فلمّا حملت بالحسين عليه السلام قال لها : يا فاطمة ، إنّك ستلدين غلاما قد هنّأني به جبرئيل عليه السلام ، فلا ترضعيه حتى أجيء إليك ، ولو أقمت شهرا ، قالت : أفعل ذلك .

وخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بعض وجوهه ، فولدت فاطمة الحسين عليهماالسلامفما أرضعته حتى جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال لها : ماذا صنعت ؟ قالت : ما أرضعته ، فأخذه فجعل لسانه في فمه ، فجعل الحسين عليه السلام يمصّ حتى قال النبي صلى الله عليه و آله : إيها حسين ، إيها حسين .

ثم قال : أبى اللّه إلاّ ما يريد ، هي فيك وفي ولدك ، يعني الإمامة(1) .

ص: 22


1- الخبر عامّي ولا ينتهي إلى معصوم ، وما كانت سيّدة النساء عليهاالسلام لتعصي سيّد الأنبياء صلى الله عليه و آله ، فما ورد في الخبر ممّا يوافق عصمة الطاهرة البتول ، ويخبر عن منقبة للسبطين سيّدي شباب أهل الجنّة قبلناه .

حفر في كربلاء فنبع ماء طيّب

ولمّا منع الماء عن الحسين عليه السلام أخذ سهما ، وعدّ فوق خيام النساء تسع خطوات ، فحفر الموضع ، فنبع ماء طيّب ، فشربوا وملأوا قربهم .

إخباره مروان بسقوط ردائه . .

وروى الكلبي أنّه قال مروان للحسين عليه السلام : لولا فخركم بفاطمة عليهاالسلام بمكنتم تفخرون علينا ؟!

فوثب الحسين عليه السلام ، فقبض على حلقه فعصره ، ولوى عمامته في عنقه حتى غشي عليه ، ثم تركه ، ثم تكلّم ، وقال في آخر كلامه :

واللّه ما بين جابرسا وجابلقا رجل ممّن ينتحل الإسلام أعدى للّه ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذ كان ، وعلامة قولي فيك أنّك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك .

قال : فواللّه ما قام مروان من مجلسه حتى غضب ، فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه(1) .

هروب الحمى من الحسين عليه السلام

زرارة بن أعين سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يحدّث عن آبائه عليهم السلام : أنّ مريضا شديد الحمى عاده الحسين عليه السلام ، فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمى

ص: 23


1- الاحتجاج : 2/24 .

عن الرجل ، فقال له : رضيت بما أوتيتم به حقّا حقّا ، والحمى تهرب عنكم ، فقال له الحسين عليه السلام : واللّه ما خلق اللّه شيئا إلاّ وقد أمره بالطاعة لنا .

قال : فإذا نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول : لبيك ، قال : أليس أمير المؤمنين عليه السلام أمرك أن لا تقربي إلاّ عدوّا أو مذنبا لكي تكوني كفارة لذنوبه ، فما بال هذا ؟

وكان المريض عبد اللّه بن شداد بن الهادي الليثي(1) .

رجل تحرّش بامرأة في الطواف

فلصقت يداهما وخلّصهما الحسين عليه السلام

تهذيب الأحكام : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ امرأة كانت تطوف وخلفها رجل ، فأخرجت ذراعها ، فمال بيده حتى وضعها على ذراعها ، فأثبت اللّه يده في ذراعها حتى قطع الطواف ، وأرسل إلى الأمير ، واجتمع الناس .

وأرسل إلى الفقهاء ، فجعلوا يقولون : اقطع يده ، فهو الذي جنى الجناية ، فقال : هاهنا أحد من ولد محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقالوا : نعم ، الحسين بن علي عليهماالسلام قدم الليلة .

فأرسل إليه فدعاه ، فقال : انظر ما لقي ذان ، فاستقبل الكعبة ، ورفع يديه ، فمكث طويلاً يدعو ، ثم جاء إليها حتى تخلّصت يده من يدها ، فقال الأمير : ألا نعاقبه بما صنع ؟ قال : لا(2) .

ص: 24


1- اختيار معرفة الرجال للطوسي : 1/299 ح 14 .
2- تهذيب الأحكام للطوسي : 5/470 ح 1647 .

تكلّم ببعض فضائلهم فدهش الرجل ووله

وروى عبد العزيز بن كثير : إنّ قوما أتوا إلى الحسين عليه السلام وقالوا : حدّثنا بفضائلكم ، قال : لا تطيقون ، وانحازوا عنّي لأشير إلى بعضكم ، فإن أطاق سأحدّثكم .

فتباعدوا عنه ، فكان يتكلّم مع أحدهم حتى دهش ووله ، وجعل يهيمولا يجيب أحدا ، وانصرفوا عنه .

أمر الغلام الصغير فنطق بإذن اللّه

صفوان بن مهران قال : سمعت الصادق عليه السلام يقول : رجلان اختصما في زمن الحسين عليه السلام في إمرأة وولدها ، فقال هذا : لي ، وقال هذا : لي .

فمرّ بهما الحسين عليه السلام ، فقال لهما : فيماذا تمرجان(1) ؟ قال أحدهما : إنّ الامرأة لي .

فقال للمدعي الأوّل : اقعد ، فقعد ، وكان الغلام رضيعا ، فقال الحسين عليه السلام : يا هذه ، اصدقي من قبل أن يهتك اللّه سترك ، فقالت : هذا زوجي ، والولد له ، ولا أعرف هذا .

فقال عليه السلام : يا غلام ، ما تقول هذه ؟ انطق بإذن اللّه تعالى ، فقال له : ما أنا لهذا ولا لهذا ، وما أبي إلاّ راع لآل فلان ، فأمر عليه السلام برجمها .

قال جعفر عليه السلام : فلم يسمع أحد نطق ذلك الغلام بعدها .

ص: 25


1- المرج : الخلط ، ومرج الناس : اختلطوا ، والمرج : الفتنة المشكلة ، ومرج الأمير رعيّته : إذا تركهم يظلم بعضهم بعضا .

إرائة الأصبغ مخاطبة النبي صلى الله عليه و آله لأبي دون

الأصبغ بن نباتة قال : سألت الحسين عليه السلام ، فقلت : سيّدي أسألك عن شيء أنا به موقن ، وإنّه من سرّ اللّه ، وأنت المسرور إليه ذلك السرّ !

فقال : يا أصبغ ، أتريد أن ترى مخاطبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأبي دون يوممسجد قبا ؟

قال : هذا الذي أردت .

قال : قم - فإذا أنا وهو بالكوفة - فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتدّ إليّ بصري .

فتبسّم في وجهي ، فقال : يا أصبغ ، إنّ سليمان بن داود أعطى « الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ » ، وأنا قد أعطيت أكثر ممّا أعطي سليمان .

فقلت : صدقت - واللّه - يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

فقال : نحن الذين عندنا علم الكتاب ، وبيان ما فيه ، وليس لأحد من خلقه ما عندنا ، لأنّا أهل سرّ اللّه ، فتبسّم في وجهي ، ثم قال : نحن آل اللّه وورثة رسوله صلى الله عليه و آله .

فقلت : الحمد للّه على ذلك .

ثم قال لي : ادخل ، فدخلت فإذا أنا برسول اللّه صلى الله عليه و آله محتب في المحراب بردائه ، فنظرت فإذا أنا بأمير المؤمنين عليه السلام قابض على تلابيب الأعسر ، فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يعضّ على الأنامل وهو يقول : بئس الخلف خلفتني أنت وأصحابك ، عليكم لعنة اللّه ولعنتي . . الخبر .

ص: 26

إخباره بموضع قتله تعريضا بابن الزبير

كتاب الإبانة : قال بشر بن عاصم : سمعت ابن الزبير يقول : قلت للحسين بن علي عليهماالسلام : إنّك تذهب إلى قوم قتلوا أباك وخذلوا أخاك !فقال : لئن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن يستحلّ بي مكة(1) ، عرض به عليه السلام .

كفّ جبرائيل في كفّه

كتاب التخريج عن العامري بالإسناد عن هبيرة بن بريم عن ابن عباس قال :

رأيت الحسين عليه السلام قبل أن يتوجّه إلى العراق على باب الكعبة ، وكفّ جبرئيل عليه السلام في كفّه ، وجبرئيل عليه السلام ينادي : هلمّوا إلى بيعة اللّه .

أصحابه مكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم

وعنّف ابن عباس على تركه الحسين عليه السلام فقال : إنّ أصحاب الحسين عليه السلام

لم ينقصوا رجلاً ، ولم يزيدوا رجلاً ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم .

وقال محمد بن الحنفية : وإنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم .

ص: 27


1- تاريخ دمشق : 14/203 ، سير أعلام النبلاء : 3/293 ، البداية والنهاية : 8/174 .

قال السوسي :

أنتم سماء للسماوات العلى

والخلق أرض تحتكم ومهاد

أنتم معاد الخلق يوم معادهم

واليكم الإصدار والإيراد

أنتم صراط اللّه أنتم حبله ال-

-ممدود أنتم بيته المرتاد

بهواكم صلح الفساد وهكذا

يهوى سواكم للصلاح فساد

لو لم نسبّح في الصلاة بذكركم

كانت تردّ صلاتنا وتعاد

بهواكم عرف الرشاد وليّكم

لولاكم لم يعرف الإرشاد

أنتم لشيعتكم بحور ماؤها

عذب بها يتنعّم الوراد

أنتم مواسمهم إذا حجّوا

وأعياد بها صحّت لنا الأعياد

* * *

وقال السروجي :

خير البريّة آباء وأشرفها

قدرا وأسمحها كفّا لمبتذل

صدورهم لبحور العلم داعية

ظهورهم قبلة من أفضل القبل

اللّه اختارهم من خلقه حججا

على البريّة يوم الجمع للرسل

من دوحة من جنان الخلد نابتة

وفرعها ثابت للواحد الأزلي

محمد أصلها والطهر حيدرة

وفاطم وبنوها أطيب الأكل

وحسن أوراقها قوم بها علقوا

فيالها دوحة جلّت عن المثل

* * *

ص: 28

فصل 3 : في آياته بعد وفاته عليه السلام

اشارة

ص: 29

ص: 30

بكاء السماء عليه

الباقر عليه السلام في قوله تعالى : « فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَْرْضُ » يعني علي بن أبي طالب عليهماالسلام، وذلك أنّ عليا عليه السلام خرج قبل الفجر متوكئا على عنزة(1)، والحسين عليه السلام خلفه يتلوه حتى أتى حلقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فرمى بالعنزة ، ثم قال : إنّ اللّه - تعالى - ذكر أقواما ، فقال : « فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَْرْضُ » واللّه ليقتلنّه ، ولتبكي السماء عليه(2) .

أبو نعيم في دلائل النبوة ، والنسوي في المعرفة ، قالت نضرة الأزدية : لمّا قتل الحسين عليه السلام أمطرت السماء دما ، وحبابنا وجرارنا صارت مملوءة دما(3) .

وقال قرطة بن عبيد اللّه : مطرت السماء يوما نصف النهار على شملة بيضاء ، فنظرت فإذا هو دم ، وإذا هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام .وقال الصادق : بكت السماء على الحسين عليه السلام أربعين يوما بالدم .

زرارة بن أعين عن الصادق عليه السلام قال : بكت السماء على يحيى بن زكريا

ص: 31


1- العنزة : أطول من العصا وأقصر من الرمح ، وفيها زجّ كزجّ الرمح .
2- كامل الزيارات لابن قولويه : 180 باب 228 ح 1 و21 و24 .
3- الثقات لابن حبان : 5/487 ، تاريخ دمشق : 14/227 ، دلائل الإمامة : 6/471 ، الخصائص الكبرى : 2/214 ، لم أعثر عليه في المصدرين المتوفرين لدي .

وعلى الحسين بن علي عليهم السلام أربعين صباحا ، ولم تبك إلاّ عليهما .

قلت : فما بكاؤها ؟ قال : كانت الشمس تطلع حمراء وتغيب حمراء(1) .

أسامة بن شبيب بإسناده عن أمّ سليم قالت : لمّا قتل الحسين عليه السلام

مطرت السماء مطرا كالدم ، احمرّت منه البيوت والحيطان(2) .

وروى قريبا من ذلك في الإبانة(3) .

تفسير القشيري ، والفتال قال السدي : لمّا قتل الحسين عليه السلام بكت عليه السماء ، وعلامتها حمرة أطرافها(4) .

حمرة أطراف السماء بعد قتله

محمد بن سيرين قال : أخبرنا : أنّ حمرة أطراف السماء لم تكن قبل قتلالحسين(5) عليه السلام .

ص: 32


1- تفسير مجمع البيان : 9/109 ، كامل الزيارات لابن قولويه : 183 باب 28 .
2- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/166 ح 1099 ، تاريخ دمشق : 14/288 ، تاريخ الإسلام للذهبي : 5/16 .
3- لم أعثر عليه في الإبانة المتوفر لدي .
4- تفسير جامع البيان للطبري : 22/33 ، تفسير اللباب لابن عادل : 14/169 ، النكت والعيون : 4/100 ، تفسير ابن عبد السلام : 6/29 ، ولم أعثر عليه في تفسير القشيري المتوفر لدي .
5- مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي : 2/266 ح 730 ، الإرشاد للمفيد : 2/132 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/114 رقم 2840 ، تفسير الثعلبي : 8/353 ، اعلام الورى : 1/429 ، تاريخ دمشق : 14/288 .

تاريخ النسوي : روى حماد بن زيد عن هشام عن محمد قال : تعلم هذه الحمرة في الأفق ممّ هي ؟ ثم قال : من يوم قتل الحسين(1) عليه السلام .

الأسود بن قيس : لمّا قتل الحسين عليه السلام ارتفعت حمرة من قبل المشرق ، وحمرة من قبل المغرب ، فكادتا تلتقيان في كبد السماء ستّة أشهر(2) .

كسفت السماء لقتله

تاريخ النسوي : قال أبو قبيل : لمّا قتل الحسين بن علي عليهماالسلام كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنّها هي(3) .

مطرت السماء دما ورمادا

وفي حديث ميثم التمار : وتمطر السماء دما ورمادا(4) .

ص: 33


1- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/102 ، تاريخ دمشق : 14/228، حلية الأولياء : 2/76 .
2- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/167 ح 1104 ، تاريخ دمشق : 14/226 .
3- السنن الكبرى للبيهقي : 3/337 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/114 رقم 2838 ، تاريخ دمشق : 14/227 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/102 .
4- أمالي الصدوق : 189 مج 27 ح 198 ، علل الشرائع : 1/228 باب 162 ح 3 . روى الصدوق مسندا عن جبلة المكية قالت : سمعت ميثما التمار - قدس اللّه روحه - يقول : واللّه لتقتلن هذه الأمّة ابن نبيها في المحرم لعشر يمضين منه ، وليتخذنّ أعداء اللّه ذلك اليوم يوم بركة ، وإنّ ذلك لكائن ، قد سبق في علم اللّه تعالى ذكره ، أعلم ذلك بعهد عهده إليّ مولاي أمير المؤنين - صلوات اللّه عليه - ، ولقد أخبرني أنّه يبكي عليه كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار ، والطير في جوّ السماء ، وتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض ، ومؤمنو الإنس والجنّ ، وجميع ملائكة السماوات ، ورضوان ومالك وحملة العرش ، وتمطر السماء دما ورمادا . ثم قال : وجبت لعنة اللّه على قتلة الحسين عليه السلام ، كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع اللّه إلها آخر ، وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس . قالت جبلة : فقلت له : يا ميثم ، وكيف يتّخذ الناس ذلك اليوم الذي يقتل فيه الحسين بن علي عليهماالسلام يوم بركة ! فبكى ميثم - رضي اللّه عنه - ثم قال : سيزعمون بحديث يضعونه أنّه اليوم الذي تاب اللّه فيه على آدم عليه السلام ، وإنّما تاب اللّه على آدم عليه السلام في ذي الحجة ، ويزعمون أنّه اليوم الذي قبل اللّه فيه توبة داود عليه السلام ، وإنّما قبل اللّه توبته في ذي الحجة ، ويزعمون أنّه اليوم الذي أخرج اللّه فيه يونس عليه السلام من بطن الحوت ، وإنّما أخرجه اللّه - تعالى - من بطن الحوت في ذي القعدة ، ويزعمون أنّه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح عليه السلام على الجودي ، وإنّما استوت على الجودي يوم الثامن عشر من ذي الحجة ، ويزعمون أنّه اليوم الذي فلق اللّه فيه البحر لبني إسرائيل ، وإنّما كان ذلك في ربيع الأول . ثم قال ميثم : يا جبلة ، اعلمي أنّ الحسين بن علي عليهماالسلام سيّد الشهداء يوم القيامة ، ولأصحابه على سائر الشهداء درجة . يا جبلة، إذا نظرت إلى الشمس حمراء كأنّها دم عبيط ، فاعلمي أنّ سيّدك الحسين قد قتل. قالت جبلة : فخرجت ذات يوم ، فرأيت الشمس على الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة ، فصحت حينئذ وبكيت ، وقلت : قد واللّه قتل سيّدنا الحسين بن علي عليهماالسلام .

قال الحميري :

بكت الأرض فقده وبكته

باحمرار له نواحي السماء

بكتا فقده أربعين صباحا

كلّ يوم عند الضحى والمساء

* * *

ص: 34

وقال المعرّي :

وعلى الدهر من دماء الشهيدين

علي ونجله شاهدان

وهما في أواخر الليل فجران

وفي أولياته شفقان

* * *

إخباره ابن سعد أنّه لا يأكل من برّ العراق بعده إلاّ قليلاً

وروي أنّ الحسين بن علي عليهماالسلام قال لعمر بن سعد : إنّ ممّا يقرّ لعيني أنّك لا تأكل من برّ العراق بعدي إلاّ قليلاً(1) .

فقال مستهزئا : يا أبا عبد اللّه في الشعير خلف(2) .

فكان كما قال لم يصل إلى الري وقتله المختار .

شهد النبي صلى الله عليه و آله قتله

جامع الترمذي ، وكتاب السندي ، وفضائل السمعاني : إنّ أمّ سلمةقالت : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المنام وعلى رأسه التراب ، فقلت : ما لك يا رسول اللّه ؟ فقال : شهدت قتل الحسين عليه السلام آنفا(3) .

ص: 35


1- تاريخ دمشق : 45/48 ، الفتوح لابن أعثم الكوفي : 5/93 ، الإرشاد للمفيد : 2/132 .
2- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/348 .
3- سنن الترمذي : 5/323 رقم 3860 ، المستدرك للحاكم : 4/19 ، المعجم الكبير للطبراني : 23/373 ، التاريخ الكبير للبخاري : 3/324 رقم 1098 ، تاريخ دمشق : 14/238 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/109 .

جبرائيل يخبر النبي صلى الله عليه و آله بقتل الحسين عليه السلام

ابن فورك في فصوله ، وأبو يعلى في مسنده ، والعامري في إبانته من طرق ، منها عن عائشة وعن شهر بن حوشب :

إنّه دخل الحسين بن علي عليهماالسلام على النبي صلى الله عليه و آله ، وهو يوحى إليه ، فنزل الوحي على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو منكبّ على ظهره ، فقال جبرئيل عليه السلام : تحبّه ؟

قال : ألا أحبّ ابني !

فقال : إنّ أمّتك ستقتله من بعدك ، فمدّ جبرئيل عليه السلام يده ، فإذا بتربة بيضاء ، فقال : في هذه التربة يقتل ابنك هذا ، يا محمد ، اسمها الطف(1) . . الخبر .وفي أخبار سالم بن الجعد : أنّه كان ذلك ميكائيل عليه السلام(2) .

وفي مسند أبي يعلى : أنّ ذلك ملك القطر(3)(4) .

ص: 36


1- مسند أبي يعلى : 6/129 رقم 3402 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/134 ح 1074 ، كامل الزيارات لابن قولويه : 130 باب 17 ح 146 ، أمالي الطوسي : 314 ح 638 ، ابن حبان : 12/142 ، منتخب مسند عبد بن حميد : 443 رقم 1533 ، المعجم الأوسط للطبراني : 6/249 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/107 رقم 2814 ، بشارة المصطفى : 332 ، اعلام الورى : 1/94 .
2- أمالي الطوسي : 314 ح 639 .
3- مسند أبي يعلى : 6/129 رقم 3402 ، مسند أحمد : 3/242 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/106 رقم 2813 .
4- ولا مانع من حصول ذلك عدّة مرّات .

النبي يدفن الحسين عليه السلام وأصحابه

أحمد في المسند عن أنس ، والغزالي في كيمياء السعادة ، وابن بطّة في كتابة الإبانة من خمسة عشر طريقا ، وابن حبيش التميمي ، واللّفظ له :

قال ابن عباس : بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخا عظيما عاليا من بيت أمّ سلمة ، وهي تقول : يا بنات عبد المطلب ! اسعدنني وابكين معي ، فقد قتل سيّدكنّ .

فقيل : ومن أين علمت ذلك ؟

قالت : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله الساعة في المنام ، شعثا مذعورا ، فسألته عن ذلك .

فقال : قتل ابني الحسين عليه السلاموأهل بيته فدفنتهم .

قالت : فنظرت فإذا بتربة الحسين عليه السلام التي أتى بها جبرئيل عليه السلام من كربلاء وقال : إذا صارت دما فقد قتل ابنك ، فأعطانيها النبي صلى الله عليه و آله ، فقال : اجعليها في زجاجة ، فليكن عندك ، فإذا صارت دما فقد قتلالحسين

عليه السلام ، فرأيت القارورة الآن صارت دما عبيطا يفور(1) .

صار الورس دما واشتعل النجم نارا

تاريخ النسوي ، وتاريخ بغداد ، وإبانة العكبري ، وقال سفيان بن عيينة : حدّثتني جدّتي :

ص: 37


1- أمالي الطوسي : 315 ح 640 .

إنّ رجلاً ممّن شهد قتل الحسين عليه السلام كان يحمل ورسا(1) ، فصار ورسه دما(2) .

ورأيت النجم كأنّ فيه النيران يوم قتل الحسين عليه السلام ، يعني بالنجم النبات .

استعملت امرأة ورسا منهوبا فبرصت

محمد بن الحكم عن أمّه قالت : انتهب الناس ورسا من عسكر الحسين عليه السلام ، فما استعملته امرأة إلاّ برصت(3) .

عقاب رجلين من قتلة الحسين عليه السلام

أمالي أبي سهل القطان يرويه عن ابن عيينة قال : أدركت من قتلة الحسين عليه السلام رجلين :

أمّا أحدهما : فإنّه طال ذكره حتى كان يلفّه ، وفي رواية : كان يحمله على عاتقه .

ص: 38


1- الورس : نبات كالسمسم أحمر قانٍ يشبه سحيق الزعفران ، وهو صبغ يتّخذ منه الحمرة للوجه . مجمع البحرين .
2- تاريخ بغداد : 4/68 وفيه : « .. أنّ حمالاً كان يحمل ورسا فهوى قتل الحسين عليه السلام .. » ، وكذا في تاريخ دمشق : 14/231 ، أخبار اصبهان : 2/183 .
3- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/166 ح 1098 ، الثاقب في المناقب : 337 ح 281 .

وأمّا الآخر : فإنّه كان يستقبل الرواية ولا يروى(1) ، وذلك أنّه نظر إلى الحسين عليه السلام وقد أهوى إلى فيه بماء وهو يشرب ، فرماه بسهم ، فقال الحسين عليه السلام : لا أرواك اللّه من الماء في دنياك ولا آخرتك .

وفي رواية: أنّ رجلاً من كلب رماه بسهم فشكّ شدقه ، فقال الحسين عليه السلام:

لا أرواك اللّه ، فعطش الرجل حتى ألقى نفسه في الفرات ، وشرب حتى مات(2) .

اللّهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا

المقتل عن ابن بابويه ، والتاريخ عن الطبري : قال أبو القاسم الواعظ : نادى رجل :

يا حسين ، إنّك لن تذوق من الفرات قطرة حتى تموت أو تنزل علىحكم الأمير .

فقال الحسين عليه السلام : اللّهم اقتله عطشا ، ولا تغفر له أبدا .

فغلب عليه العطش ، فكان يعبّ المياه ويقول : وا عطشاه ، حتى تقطّع(3) .

ص: 39


1- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/104 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/119 رقم 285 ، تاريخ دمشق : 14/234 .
2- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/107 .
3- تاريخ الطبري : 4/312 ، روضة الواعظين : 182 ، الإرشاد للمفيد : 2/87 ، مقتل أبي مخنف « شائعة » : 98 ، اعلام الورى : 1/452 .

تاريخ الطبري : أنّه كان هذا المنادي عبد اللّه بن الحصين الأزدي ، رواه حميد بن مسلم(1) .

وفي رواية : كان رجلاً من دارم(2) .

عقاب الدارمي الذي رماه بسهم فأصاب حنكه

فضائل العشرة عن أبي السعادات بالإسناد في خبر : أنّه لمّا رماه الدارمي بسهم ، فأصاب حنكه جعل يتلقّى الدم ، ثم يقول هكذا إلى السماء ، [ فيرمي به ] .

فكان هذا الدارمي يصيح من الحرّ في بطنه ، والبرد في ظهره ، بين يديه المراوح والثلج ، وخلفه الكانون(3) والنار ، وهو يقول : اسقوني ، فيشربالعسّ ، ثم يقول : اسقوني أهلكني العطش ، قال : فانقد بطنه(4) .

عقاب ابن حوزة

ابن بطّة في الإبانة ، وابن جرير في التاريخ : أنّه نادى الحسين عليه السلام

ص: 40


1- تاريخ الطبري : 4/312 .
2- روضة الواعظين : 188 ، الإرشاد للمفيد : 2/109 ، الثاقب في المناقب : 341 ح 287 ، تاريخ الطبري : 4/343 .
3- الكانون : الموقد .
4- تاريخ الطبري : 4/343 ، تاريخ دمشق : 14/223 ، مثير الأحزان لابن نما : 53 ، ذخائر العقبى للطبري : 144 ، تهذيب الكمال : 6/430 ، سير أعلام النبلاء للذهبي : 3/311 .

ابن جوزة [ حوزة ] ، فقال : يا حسين ، ابشر فقد تعجّلت النار في الدنيا قبل الآخرة ، قال : ويحك أنا ! قال : نعم !

قال : ولي ربّ رحيم وشفاعة نبي مطاع ، اللّهم إن كان عندك كاذبا فجرّه إلى النار .

قال : فما هو إلاّ أن ثنى عنان فرسه ، فوثب فرمى به ، وبقيت رجله في الركاب ، ونفر الفرس ، فجعل يضرب برأسه كلّ حجر وشجر حتى مات(1) .

وفي رواية غيرهما : اللّهم جرّه إلى النار ، وأذقه حرّها في الدنيا قبل مصيره إلى الآخرة ، فسقط عن فرسه في الخندق ، وكان فيه نار ، فسجد الحسين(2) عليه السلام .

عقاب أبحر بن كعب

تاريخ الطبري : قال أبو مخنف : حدّثني عمرو بن شعيب عن محمد بن عبد الرحمن :

إنّ يدي أبحر بن كعب كانتا في الشتاء تنضحان الماء ، وفي الصيف تيبسان كأنّهما عودان(3) .

ص: 41


1- الإرشاد للمفيد : 2/102 ، تاريخ الطبري : 4/328 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 8/633 رقم 261 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/177 رقم 849 ، تاريخ دمشق : 14/235 ، اعلام الورى : 1/462 .
2- الفتوح لابن أعثم : 5/97 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/352 .
3- تاريخ الطبري : 3/333 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/43 ، وفيهما : « عود » .

وفي رواية غيره : كانت يداه تقطران في الشتاء دما ، وكان هذا الملعون سلب الحسين(1) عليه السلام .

عقاب من سلب عمامته

ويروى : أنّه أخذ عمامته جابر بن زيد الأزدي وتعمّم بها ، فصار في الحال معتوها .

عقاب من سلب ثوبه

وأخذ ثوبه جعوبة بن حوبة الحضرمي ولبسه ، فتغيّر وجهه وحصّ(2) شعره ، وبرص بدنه .

عقاب من سلب سراويله

وأخذ سراويله الفوقاني بحير بن عمرو الجرمي وتسرول به ، فصار مقعدا(3) .

ص: 42


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/165 ح 1094 ، الإرشاد للمفيد : 2/111 ، تاريخ الطبري : 3/333 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/43 .
2- الحصّ : ذهاب الشعر سحجا كما تحصّ البيضة رأس صاحبها ، والحاصّة : الداء الذي يتناثر منه الشعر .
3- الفتوح لابن أعثم : 5/119 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/42 وفيهما الأزدي مجذوما .

عقاب من سلب برنسه

تاريخ الطبري : إنّ رجلاً من كندة يقال له « مالك بن اليسر » أتى الحسين عليه السلام بعد ما ضعف من كثرة الجراحات ، فضربه على رأسه بالسيف ، وعليه برنس من خزّ ، فقال عليه السلام : لا أكلت بها ولا شربت ، وحشرك اللّه مع الظالمين .

فألقى ذلك البرنس من رأسه ، فأخذه الكندي ، فأتى به أهله ، فقالت امرأته : أسلب الحسين عليه السلام تدخله في بيتي ! اخرج ، فواللّه لا تدخل بيتي أبدا ، فلم يزل فقيرا حتى هلك(1) .

الزعفران والجمل المنهوب

أحاديث بن الحاشر ، قال : كان عندنا رجل خرج على الحسين عليه السلام ، ثم جاء بجمل وزعفران ، فكلّما دقّوا الزعفران صار نارا ، فلطخت امرأتهعلى يديها فصارت برصاء .

وقال : ونحر البعير ، فكلّما جزّوا بالسكين صار نارا ، قال : فقطّعوه فخرج منه النار ، فطبخوه ، ففارت القدر نارا(2) .

تاريخ النسوي : قال حماد بن زيد : قال جميل بن مرّة : لمّا طبخوا صارت مثل العلقم(3) .

ص: 43


1- تاريخ الطبري : 4/342 ، مقتل الحسين عليه السلامللخوارزمي : 2/40 .
2- أمالي الطوسي : 727 ح 1528 .
3- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2 / 103 ، تاريخ دمشق : 14 / 231 ، دلائل النبوة للبيهقي : 6/472 ، اعلام الورى : 1/430 .

عقاب محمد بن الأشعث

وروي : أنّ الحسين عليه السلام دعا : اللّهم إنا أهل بيت نبيك وذرّيته وقرابته فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقّنا ، إنّك سميع قريب .

فقال محمد بن الأشعث : وأيّ قرابة بينك وبين محمد ! فقرأ الحسين عليه السلام « إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » .

ثم قال : اللّهم أرني فيه في هذا اليوم ذلاًّ عاجلاً .

فبرز ابن الأشعث للحاجة ، فلسعته عقرب على ذكره ، فسقط وهو يستغيث ، ويتقلّب على حدثه(1) .

الفرس يواسي الحسين عليه السلام في عطشه

وروى أبو مخنف عن الجلودي : أنّ الحسين عليه السلام حمل على الأعور السلمي وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، وكانا في أربعة آلاف رجل على الشريعة ، وأقحم الفرس على الفرات ، فلمّا أولع الفرس برأسه ليشرب قال عليه السلام : أنت عطشان وأنا عطشان ، واللّه لا أذوق الماء حتى تشرب .

فلمّا سمع الفرس كلام الحسين شال رأسه ولم يشرب ، كأنّه فهم الكلام(2) ، فقال الحسين عليه السلام : اشرب فأنا أشرب .

ص: 44


1- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/352 .
2- بل قد فهم الكلام على التحقيق ، ولا أدري لم لا يق-ال : « لأنّه فه-م الكلام » أو « وقد فهم الكلام » ، أو أي عبارة أخرى تؤكّد على تحقّق الفهم ، أمّا الذي لم يفهم كلام سيّد الشهداء الحسين عليه السلام ، فهو شمر وأصحابه الذي يقول : ما ندري ما تقول يا بن فاطمة أفهمنا حتى نفهم !!

فمدّ الحسين عليه السلام يده ، فغرف من الماء ، فقال فارس : يا أبا عبد اللّه ، تلذّذ بشرب الماء وقد هتكت حرمتك !! فنفض الماء من يده ، وحمل على القوم فكشفهم ، فإذا الخيمة سالمة(1) .

الفرس يحامي عنه ويخبر أهله بمصرعه

وروى أبو مخنف عن الجلودي : أنّه كان صرع الحسين عليه السلام ، فجعل فرسه يحامي عنه ويثب على الفارس ، فيخبطه عن سرجه ويدوسه حتى قتل الفرس أربعين رجلاً .

ثم تمرّغ في دم الحسين عليه السلام ، وقصد نحو الخيمة ، وله صهيل عال ،ويضرب بيديه الأرض(2) .

عقاب رجل من بني دارم قتل رجلاً من أصحاب الحسين عليه السلام

القاسم بن الأصبغ : قلت لرجل من بني دارم : ما غيّر صورتك ؟

قال : قتلت رجلاً من أصحاب الحسين عليه السلام ، وما نمت ليلة منذ قتلته إلاّ أتاني في منامي آتٍ ، فينطلق بي إلى جهنم ، فيقذف بي فيها حتى أصبح .

ص: 45


1- المقتل لأبي مخنف : 96 .
2- انظر الفتوح لابن أعثم : 5/119 ، المقتل لأبي مخنف « الشائعة » : 102 .

قال : فسمعت بذلك جارة له ، فقالت : ما يدعنا ننام الليل من صياحه(1)(2) .

سبّ الحسين عليه السلام فأهوى اللّه عليه نجمين فعميت عيناه

إبانة ابن بطّة ، وجامع الدارقطني ، وفضائل أحمد : روى قرّة بن أعين عن خاله قال :

كنت عند أبي رجاء العطاردي ، فقال : لا تذكروا أهل البيت إلاّ بخير ، فدخل عليه رجل من حاضري كربلاء ، وكان يسبّ الحسين عليه السلام ،وأهوى اللّه عليه نجمين فعميت عيناه(3) .

عقاب من كثّر السواد

وسئل عبد اللّه الرياح القاضي الأعمى عن عمائه ، فقال : كنت حضرت كربلاء ، وما قاتلت ، فنمت فرأيت شخصا هائلاً قال : أجب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقلت : لا أطيق .

فجرّني إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فوجدته حزينا ، وفي يده حربة ، وبسط قدّامه نطع ، وملك قبله قائم في يده سيف من النار يضرب أعناق القوم ،

ص: 46


1- في نسخة « النجف » : « صاحبه » .
2- ثواب الأعمال للصدوق : 218 ، مقاتل الطالبيين : 79 ، المقتل لأبي مخنف : 182 .
3- فضائل الصحابة لأحمد : 2/574 رقم 972 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/112 ، تاريخ دمشق : 14/232 .

وتقع النار فيهم فتحرقهم ، ثم يحيون ويقتلهم أيضا هكذا .

فقلت : السلام عليك يا رسول اللّه ، واللّه ما ضربت بسيف ، ولا طعنت برمح ، ولا رميت سهما !

فقال النبي صلى الله عليه و آله : ألست كثّرت السواد ، فسلّمني ، وأخذ من طست فيه دم فكحّلني من ذلك الدم ، فاحترقت عيناي ، فلمّا انتبهت كنت أعمى(1) .

عقاب من باع المسمار في عسكر ابن سعد

أمالي الطوسي قال السدي لرجل : أنت تبيع القطران ؟قال : واللّه ما رأيت القطران ، إلاّ أنّني كنت أبيع المسمار في عسكر عمر بن سعد في كربلا ، فرأيت في منامي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي بن أبي طالب عليه السلام يسقيان الشهداء ، فاستسقيت عليا عليه السلام فأبى .

فأتيت النبي صلى الله عليه و آله فاستسقيت فنظر إليّ وقال : ألست ممّن أعان علينا ؟ فقلت : يا رسول اللّه ، إنّني محترق ، وواللّه ما حاربتهم ، فقال : اسقه قطرانا ، فسقاني شربة قطران ، فلمّا انتبهت كنت أبول ثلاثة أيام القطران ، ثم انقطع وبقيت رائحته(2) .

ص: 47


1- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/117 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/171 ح 1120 ، بستان الواعظين للبغدادي : 1/262 .
2- تاريخ دمشق : 14/258 ، بستان الواعظين للبغدادي : 262 ، الثاقب في المناقب : 335 ح 278 ، مقتل الحسين عليه السلامللخوارزمي : 2/177 .

عقاب أحد قتلة الحسين عليه السلام

أبو عبد اللّه الدامغاني في شوف العروس : إنّهم تذاكروا ليلة أمر الحسين عليه السلام ، وأنّه من قتله رماه اللّه ببلية في جسده ، فقال رجل : فأنا ممّن قتله وما أصابني سوء !

ثم إنّه قام ليصلح الفتيلة بأصبعه ، فأخذت النار كفّه ، فخرج صارخا حتى ألقى نفسه في الفرات .

فواللّه رأيناه يدخل رأسه الماء والنار على وجه الماء ، فإذا خرج رأسه سرت النار إليه ، وكان ذلك دأبه حتى هلك(1) .

عقاب الوكلاء على الرأس المقدّس

كنز المذكّرين : قال الشعبي : رأيت رجلاً متعلّقا بأستار الكعبة ، وهو يقول : اللّهم اغفر لي ، ولا أراك تغفر لي ، فسألته عن ذنبه .

فقال : كنت من الوكلاء على رأس الحسين عليه السلام ، وكان معي خمسون رجلاً ، فرأيت غمامة بيضاء من نور قد نزلت من السماء إلى الخيمة ، وجمعا كثيرا أحاطوا بها ، فإذا فيهم آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، ثم نزلت أخرى ، وفيها النبي صلى الله عليه و آله وجبرائيل وميكائيل وملك الموت عليهم السلام .

فبكى النبي صلى الله عليه و آله وبكوا معه جميعا ، فدنى ملك الموت ، وقبض تسعا وأربعين ، فوثب عليّ رجل ، فوثبت على رجلي وقلت : يا رسول اللّه ،

ص: 48


1- أمالي الطوسي : 163 ح 269 ، بشارة المصطفى : 427، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/111 .

الأمان الأمان ، فواللّه ما شايعت في قتله ولا رضيت ، فقالت : ويحك ، وأنت تنظر إلى ما يكون ؟ فقلت : نعم ، فقال : يا ملك الموت ، خلّ عن قبض روحه ، فإنّه لابد أن يموت يوما ، فتركني وخرجت إلى هذا الموضع تائبا على ما كان منّي(1) .

راهب قنسرين والرأس المقدّس

النطنزي في الخصائص : لمّا جاؤوا برأس الحسين عليه السلام ، ونزلوا منزلاً يقال له « قنسرين » اطلع راهب من صومعته إلى الرأس ، فرأى نورا ساطعا يخرج من فيه ، ويصعد إلى السماء ، فأتاهم بعشرة آلاف درهموأخذ الرأس وأدخله صومعته ، فسمع صوتا ولم ير شخصا قال : طوبى لك ، وطوبى لمن عرف حرمته .

فرفع الراهب رأسه قال : يا ربّ بحقّ عيسى تأمر هذا الرأس بالتكلّم معي .

فتكلّم الرأس ، وقال : يا راهب ، أيّ شيء تريد ! قال : من أنت ؟ قال : أنا ابن محمد المصطفى صلى الله عليه و آله ، وأنا ابن علي المرتضى عليه السلام ، وأنا ابن فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وأنا المقتول بكربلاء ، أنا المظلوم ، أنا العطشان ، فسكت .

فوضع الراهب وجهه على وجهه ، فقال : لا أرفع وجهي عن وجهك حتى تقول : أنا شفيعك يوم القيامة .

ص: 49


1- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/100 .

فتكلّم الرأس ، فقال : ارجع إلى دين جدّي محمد صلى الله عليه و آله .

فقال الراهب : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه ، فقبل له الشفاعة .

فلمّا أصبحوا أخذوا منه الرأس والدراهم ، فلمّا بلغوا الوادي نظروا الدراهم قد صارت حجارة(1) .

قال الجوهري الجرجاني :

حتى يصيح بقنسرين صاحبها

يا فرقة الغيّ يا حزب الشياطين

أتهزؤن برأس بات منتصبا

على القناة بدين اللّه يؤميني

آمنت ويحكم باللّه مهتديا

وبالنبي وحبّ المرتضى ديني

فجدّلوه صريعا فوق وجنته

وقسّموه بأطراف السكاكين

* * *

دراهم أمّ كلثوم التي دفعتها لحاجب ابن زياد

وفي أثرٍ عن ابن عباس : أنّ أم كلثوم قالت لحاجب بن زياد : ويلك ، هذا الألف درهم خذها إليك واجعل رأس الحسين عليه السلام أمامنا ، واجعلنا على الجمال وراء الناس ، ليشتغل الناس بنظرهم إلى رأس الحسين عليه السلام عنّا ، فأخذ الألف وقدّم الرأس .

ص: 50


1- انظر الثقات لابن حبان : 2/313 ، الخرائج : 2/579 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/116 .

فلمّا كان الغد أخرج الدراهم ، وقد جعلها اللّه حجارة سودا مكتوب على أحد جانبيها « وَلا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ » ، وعلى الجانب الآخر « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » .

الرأس المقدّس في بيت خولي

تاريخ البلاذري ، والطبري : إنّ الحضرمية امرأة خولي بن يزيد الأصبحي قالت : وضع خولي رأس الحسين عليه السلام تحت أجانة في الدار ،

فواللّه ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الأجانة ،ورأيت طيرا يرفرف حولها(1) .

ص: 51


1- أنساب الأشراف للبلاذري : 3/206 ، تاريخ الطبري : 4/348 : قال : وما هو إلاّ أن قتل الحسين عليه السلام فسرّح برأسه من يومه ذلك مع خولي بن يزيد وحميد بن مسلم الأزدي إلى عبيد اللّه بن زياد ، فأقبل به خولي ، فأراد القصر فوجد باب القصر مغلقا ، فأتى منزله ، فوضعه تحت إجانة في منزله ، وله امرأتان امرأة من بنى أسد والأخرى من الحضرميين يقال لها « النوار ابنة مالك بن عقرب » ، وكانت تلك الليلة ليلة الحضرمية . قال هشام : فحدّثني أبي عن النوار بنت مالك قالت : أقبل خولي برأس الحسين عليه السلامفوضعه تحت إجانة في الدار ، ثم دخل البيت فأوى إلى فراشه ، فقلت له : ما الخبر ؟ ما عندك ؟ قال : جئتك بغنى الدهر ! هذا رأس الحسين معك في الدار !! قالت : فقلت : ويلك جاء الناس بالذهب والفضة ، وجئت برأس ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لا - واللّه - لا يجمع رأسي ورأسك بيت أبدا . قالت : فقمت من فراشي ، فخرجت إلى الدار ، فدعا الأسدية فأدخلها إليه ، وجلست أنظر ، قالت : فواللّه ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الإجانة ، ورأيت طيرا بيضا ترفرف حولها .

الرأس المقدّس يقرأ القرآن

روى أبو مخنف عن الشعبي : أنّه صلب رأس الحسين عليه السلام بالصيارف في الكوفة ، فتنحنح الرأس وقرأ سورة الكهف إلى قوله : « إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً » ، فلم يزدهم إلاّ ضلالاً .

وفي أثرٍ : أنّهم لمّا صلبوا رأسه على الشجرة سمع منه : « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » .

وسمع أيضا صوته بدمشق يقول : « لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ » .

وسمع أيضا يقرأ : « أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِناعَجَباً » .

فقال زيد بن أرقم : أمرك أعجب يا ابن رسول اللّه (1) .

حيّة تتخلّل رأس ابن زياد

كتاب ابن بطّة ، والترمذي ، وخصائص النطنزي ، واللّفظ للأوّل ، عن عمارة بن عمير :

إنّه لمّا جييء برأس ابن زياد ورؤوس أصحابه إلى المسجد انتهيت إليهم والناس يقولون : قد جاءت ، قد جاءت .

قال : فجاءت حيّة تتخلّل الرؤوس حتى دخلت في منخره ، ثم خرجت

ص: 52


1- مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي : 2/267 ح 732 ، الإرشاد للمفيد : 2/117 ، الثاقب في المناقب : 333 ح 273 .

من المنخر الآخر ، ثم قالوا : قد جاءت قد جاءت ، ففعلت ذلك مرّتين أو ثلاثا(1) .

طيب الرأس المقدّس

أبو مخنف في رواية : لمّا دخل بالرأس على يزيد كان للرأس طيب قد فاح على كلّ طيب .

لحم الجمل الذي حمل عليه رأس الحسين عليه السلام

ولمّا نحر الجمل الذي حمل عليه رأس الحسين عليه السلام كان لحمه أمرّ من الصبر .

آيات عند قتله عليه السلام

ولمّا قتل الحسين عليه السلام صار الورس دما .

وانكسفت الشمس إلى ثلاثة أسبات .

وما في الأرض حجر إلاّ وتحته دم .

وناحت عليه الجنّ كلّ يوم فوق قبر النبي صلى الله عليه و آله إلى سنة كاملة(2) .

ص: 53


1- سنن الترمذي : 5/325 رقم 3869 ، تاريخ دمشق : 37/361 ، أمالي الطوسي : 242 ح 424 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/113 .
2- انظر مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/103 .

قلم من حديد يكتب شعرا بالدم على الحائط

دلائل النبوة عن أبي بكر البيهقي بالإسناد إلى أبي قبيل ، وأمالي أبي عبد اللّه النيسابوري أيضا :

إنّه لمّا قتل الحسين عليه السلام ، واجتزّ رأسه ، قعدوا في أوّل مرحلة يشربون النبيذ ، ويتحيّون بالرأس ، فخرج عليهم قلم من حديد من حائط ، فكتب سطرا بالدم .

أترجو أمّة قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب

* * *قال : فهربوا وتركوا الرأس ، ثم رجعوا(1) .

وفي كتاب ابن بطّة : أنّهم وجدوا ذلك مكتوبا في كنيسة .

أبيات مكتوبة في كنيسة قبل بعثة النبي صلى الله عليه و آله

وقال أنس بن مالك : احتفر رجل من أهل نجران حفرة ، فوجد فيها لوح من ذهب فيه مكتوب هذا البيت وبعده :

فقد قدموا عليه بحكم جور

فخالف حكمهم حكم الكتاب

ستلقى يا يزيد غدا عذابا

من الرحمن يا لك من عذاب

* * *

ص: 54


1- المعجم الكبير للطبراني : 3/123 ، تاريخ دمشق : 14/244 ، مناقب أمير المؤمنين عليه السلامللكوفي : 2/583 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 105 .

فسألناهم : منذ كم هذا في كنيستكم ؟ فقالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام(1) .

أبيات قسّ بن ساعدة قبل المبعث

وقال سعد بن أبي وقاص : إنّ قس بن ساعدة الأيادي قال قبل مبعث النبي صلى الله عليه و آله :تخلّف المقدار منهم عصبة

ثاروا بصفين وفي يوم الجمل

والتزم الثار الحسين بعده

واحتشدوا على ابنه حتى قتل

* * *

نوح الجنّ

قال دعبل : حدّثني أبي عن جدّي عن أمّه سعدى بنت مالك الخزاعية : أنّها سمعت نوح الجنّ على الحسين عليه السلام :

يا ابن الشهيد ويا شهيدا عمّه

خير العمومة جعفر الطيار

عجبا لمصقول أصابك حدّه

في الوجه منك وقد علاك غبار(2)

* * *

ص: 55


1- المعجم الكبير للطبراني : 3/124 ، تاريخ دمشق : 14/243 ، روضة الواعظين : 193، أمالي الصدوق : 193 مج 27 ح 203 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/106.
2- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/114 .

أمالي النيسابوري : إنّ أمّ سلمة سمعت نوحهم :

ألا يا عين فاحتفلي بجهدي

ومن يبكي على الشهداء بعدي

على رهط تقودهم المنايا

إلى متجبّر في ملك عبد(1)* * *

إبانة ابن بطّة : سمع من نوحهم :

أيا عين جودي ولا تجمدي

وجودي على الهالك السيّد

فبالطف أمسى صريعا فقد

رزينا الغداة بأمر بدي

* * *

ومن نوحهم :

نساء الجنّ يبكين من الحزن شجيات

ويسعدن بنوح للنساء الهاشميات

ويندبن حسينا عظمت تلك الرزيات

ويلطمن خدودا كالدنانير نقيّات

ويلبسن ثياب السود بعد القصبيات

ص: 56


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/167 ح 1107 ، الهواتف لابن أبي الدنيا : 87 رقم 116 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/122 ، تاريخ دمشق : 14/241 ، كامل الزيارات لابن قولويه : 189 ح 268 ، أمالي الصدوق : 202 مج 29 ح 218 ، روضة الواعظين : 170 .

ومن نوحهم :

احمرت الأرض من قتل الحسين كما

اخضر عند سقوطه الجونة العلق(1)

يا ويل قاتله يا ويل قاتله

فإنّه في شفير النار يحترق

* * *

ومن نوحهم :

أبكي ابن فاطمة الذي

من قتله شاب الشعر

ولقتله زلزلتم

ولقتله خسف القمر

* * *

وسمع نوح جنّ قصدوا لمؤازرته :

واللّه ما جئتكم حتى بصرت به

بالطفّ منعفر الخدين منحورا(2)

* * *

قال الطبري : وسمع نوح الملائكة في أوّل منزل نزلوا قاصدين إلى الشام :

أيّها القاتلون جهلاً حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم

من نبي ومرسل وقبيل

ص: 57


1- الجونة : الشمس عند مغيبها .
2- كامل الزيارات لابن قولويه : 190 باب 29 ح 269 ، أمالي المفيد : 320 مج 38 ح 7 ، أمالي الطوسي : 91 ح 141 .

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الإنجيل(1)

* * *

سليمان بن عبد الملك يدفن الرأس المقدّس !

وروي أنّه رأى سليمان بن عبد الملك رسول اللّه صلى الله عليه و آله يبشّ معه ، فسأل الحسن البصري عن ذلك ، فقال : لعلّك فعلت إلى أهل بيته معروفا .

فقال : رأيت رأس الحسين عليه السلام في خزانة يزيد ، فلمّا عرض عليّ لففته في خمسة دبابيج ، وعطّرته ، وصلّيت عليه ودفنته ، وبكيت كثيرا ، فقال له الحسن : قد رضى عنك رسول اللّه بهذا الفعل(2)(3) .

ص: 58


1- تاريخ الطبري : 4/358 ، كامل الزيارات لابن قولويه : 196 باب 29 ح 276 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/168 ح 1109 ، الإرشاد للمفيد : 2/124 .
2- بستان الواعظين للبغدادي : 1/263 ، نظم درر السمطين للزرندي : 226 ، الصواعق المحرقة : 2/580 .
3- اختلفوا في موضع دفن الرأس المقدّس ، واتفق شيعة سيّد شباب أهل الجنّة استنادا إلى ما ورد عن أئمّتهم المعصومين عليهم السلام أنّ الرأس المقدّس أعيد إلى كربلاء وألحق بالبدن المطهّر ، أمّا مباشرة وأمّا بعد دفنه بالنجف أوّلاً ثم نقله إلى كربلاء ، وسيأتي المؤلف على ذكر ذلك ، وقد تناول الشيخ صاحب الجواهر في كتابه « جواهر الكلام : 20/93 - كتاب المزار » . هذا البحث وذكر بعض رواياته والأقوال فيه ، ثم جمعها جمعا لطيفا ، وذكر مصيبة تنهدّ لها السموات والأرضون ، يعضدها ما روي في كامل الزيارت وغيره من أحاديث مؤدّاها : أنّ الحسين عليه السلام يقتل قتلة لم يقتل بها نبي ولا وصيّ ، وأنّه عليه السلاميجري عليه كلّ ما جرى على الأنبياء والأوصياء عليهم السلام .

رؤيا زر النائحة فاطمة عليهاالسلام

أمالي المفيد النيشابوري : أنّ « زر(1) » النائحة رأت فاطمة عليهاالسلام فيما يرى النائم أنّها وقعت على قبر الحسين عليه السلام تبكي ، وأمرتها أن تنشد :أيّها العينان فيضا

واستهلاّ لا تغيضا

وابكيا بالطفّ ميتا

ترك الصدر رضيضا

لم أمرّضه قتيلاً

لا ولا كان مريضا

* * *

لعن اللّه قاطع السدرة

قال ابن عباس : قيل لجرير بن عبد الحميد : إنّ موسى بن عبد الملك كرب قبر الحسين عليه السلام ، وأمر بقطع السدرة .

فقال : اللّه أكبر ، جاء فيه حديث عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : لعن اللّه قاطع السدرة ، ثلاثا ، وإنّما أراد بذلك تغيير مصرع الحسين عليه السلام حتى لا يقف الناس على تربته(2) .

والخبر مذكور في حلية الأولياء(3) .

ص: 59


1- كذا في النسخ ، وفي البحار : « زرة » ، ولعلّها « ذرّة » .
2- أمالي الطوسي : 325 ح 651 .
3- حلية الأولياء : 3/179 ، المعجم الأوسط : 4/186 ، المعجم الكبير للطبراني : 9/420 .

عقاب من تنكّر لطين القبر المقدّس

أحاديث ابن حبيش التميمي قال سالم : كان بي وجع البطن ، فتعالجت بكلّ دواء فلم أجد فيه عافية ، وخفت على نفسي ، فدخلت على امرأةكوفيّة يقال لها « سلمة » ، فقالت لي : يا سالم ، أعالجك فتبرأ بإذن اللّه ، قلت : نعم .

فسقتني ماءا في قدح ، فسكنت عنّي العلّة وبرأت ، فسألت العجوز بعد أشهر : بماذا داويتني ؟ قالت : بواحد ممّا في هذه السبحة ، قلت : وما فيها ؟ قالت : إنّها من طين قبر الحسين عليه السلام ، فقلت لها : يا رافضية ! داويتني بها ، فخرجت مغضبة ، ورجعت - واللّه - علّتي كأشدّ ما كانت(1) .

عقاب من استهزأ بطين القبر المقدّس

أمالي الطوسي : ذكر عند موسى بن عيسى الهاشمي : أنّ الرافضة لتغلو في الحسين عليه السلام حتى أنّهم يتداوون بتربته .

فقال هاشمي : قد كانت بي علّة غليظة عجزت الأطباء عنها ، فأخذت منها فزالت علّتي ، قال : فبقي عندك منها شيئا ؟

فأعطاه قطعة ، فتناول فأدخلها في أسفله !! استهزاءا واستحقارا ، فصاح في وقته : النار النار ، الطشت الطشت .

فجيء بالطشت ، فإذا كبده وطحاله ورئته وفؤاده خرج منه .

ص: 60


1- أمالي الطوسي : 320 ح 648 ، الخرائج : 2/873 .

فسئل يوحنا النصراني عن صحّته ، فقال : ما لأحد فيها صنع إلاّ اللّه ، ثم إنّه مات وقت السحر ، فكان يوحنا يزور قبر الحسين عليه السلام ، وهو على دينه ، ثم أسلم(1) .

عقاب من أهان القبر المقدّس

كتاب ابن بطّة ، والنطنزي ، روى أبو عبد الرحمن بن أحمد بن حنبل بإسناده عن الأعمش قال :

أحدث رجل على قبر الحسين عليه السلام ، فأصابه وأهل بيته جنون وجذام وبرص ، وهم يتوارثون الجذام والبرص إلى الساعة(2) .

زيارة زيد المجنون لمّا حرث القبر المقدّس

وروى جماعة من الثقات : أنّه لمّا أمر المتوكّل بحرث قبر الحسين عليه السلام ، وأن يجري الماء عليه من العلقمي ، أتى زيد المجنون وبهلول المجنون إلى كربلاء ، فنظرا إلى القبر ، وإذا هو معلّق بالقدرة في الهواء ، فقال زيد : « يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ » .

وذلك أنّ الحرّاث حرث سبع عشرة مرّة ، والقبر يرجع على حاله ، فلمّا نظر الحرّاث إلى ذلك آمن باللّه ، وحلّ البقر ، فأخبر المتوكّل فأمر بقتله .

ص: 61


1- أمالي الطوسي : 320 ح 649 ، بشارة المصطفى : 344 .
2- تاريخ دمشق : 14/244 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/120 رقم 2860 .

عقاب الديزج الذي باشر حرث القبر المقدّس

أمالي الطوسي بروايات كثيرة :

أنّ المتوكّل بعث إبراهيم الديزج وهارون المغربي في تخريب قبر الحسين عليه السلام وحرث أرضه ، فلمّا أخذ الفعلة في ذلك حيل بينهم وبين القبر ، ورموا بالنشّاب .

فقال الديزج : فارموهم أنتم أيضا ، فرموا ، فعاد كلّ سهم إلى صاحبه فقتله .

فأمرهم بالثيران للحرث ، فلم تجز فضربت حتى تكسرت العصا في أيديهم ، فسوّد اللّه وجه المغربي ، ورأى الديزج في منامه يتفل رسول اللّه صلى الله عليه و آله في وجهه ، فمرض مرض سوء ، وبقى كالمدهوش ، فما أمسى حتى مات(1) .

عقاب المتوكّل الذي أمر بحرث القبر المقدّس

ثم إنّ المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة عليهاالسلام ، فسأل عالما عن ذلك ، فقال : قد وجب عليه القتل إلاّ أنّ من قتل أباه لم يطل عمره .

فقال : لا أبالي إذا أطعت اللّه بقتله ألاّ يطول في قتله عمري ، وكان جميعذلك في يومين(2) .

ص: 62


1- أمالي الطوسي : 327 ح 655 .
2- أمالي الطوسي : 328 ح 655 .

وأنشد عبد اللّه بن دانية في ذلك :

تاللّه إن كانت أميّة قد أتت

قتل ابن بنت نبيّها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثلها

هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا

في قتله فتتبّعوه رميما(1)

* * *

ص: 63


1- أمالي الطوسي : 329 ح 657 .

ص: 64

فصل 4 : في مكارم أخلاقه عليه السلام

اشارة

ص: 65

ص: 66

جوده عليه السلام

قضاؤه دين أسامة بن زيد

عمرو بن دينار قال : دخل الحسين عليه السلام على أسامة بن زيد ، وهو مريض ، وهو يقول : وا غمّاه ، فقال له الحسين عليه السلام : وما غمّك يا أخي ؟ قال : ديني ، وهو ستون ألف درهم ، فقال الحسين عليه السلام : هو عليّ ، قال أخشى أن أموت ، فقال الحسين عليه السلام : لن تموت حتى أقضيها عنك ، قال : فقضاها قبل موته .

وكان عليه السلام يقول : شرّ خصال الملوك الجبن من الأعداء ، والقسوة على الضعفاء ، والبخل عند الإعطاء(1) .

خير مالك ما وقيت به عرضك

وفي كتاب أنس المجلس : إنّ الفرزدق أتى الحسين عليه السلام لمّا أخرجه مروان من المدينة ، فأعطاه عليه السلام أربعمائة دينار ، فقيل له : [ إنّه ] شاعر فاسق مشهر ، فقال عليه السلام : إنّ خير مالك ما وقيت به عرضك(2) .

ص: 67


1- الأمالي لأبي علي القالي : 1/201 ، المجالسة وجواهر العلم للدينوري : 1/336 .
2- مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا : 130 رقم 433، ربيع الأبرار للزمخشري: 1/459.

وقد أصاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله كعب بن زهير ، وقال في عباس بن مرداس : اقطعوا لسانه عنّي .

كيف يأكل التراب جودك

وقدم أعرابي المدينة ، فسأل عن أكرم الناس بها ، فدلّ علىالحسين

عليه السلام ، فدخل المسجد فوجده مصلّيا ، فوقف بإزائه وأنشأ :

لم يخب الآن من رجاك ومن

حرّك من دون بابك الحلقه

أنت جواد وأنت معتمد

أبوك قد كان قاتل الفسقه

لولا الذي كان من أوائلكم

كانت علينا الجحيم منطبقه

* * *

قال : فسلّم الحسين عليه السلام ، وقال : يا قنبر هل بقي شيء من مال الحجاز ؟ قال : نعم ، أربعة آلاف دينار ، فقال : هاتها ، قد جاء من هو أحقّ بها منّا .

ثم نزع برديه ، ولفّ الدنانير فيها ، وأخرج يده من شقّ الباب حياء من الأعرابي ، وأنشأ :

خذها فإنّي إليك معتذر

واعلم بأنّي عليك ذو شفقه

لو كان في سيرنا الغداة عصا

أمست سمانا عليك مندفقه

لكنّ ريب الزمان ذو غير

والكفّ منّي قليلة النفقه

* * *

ص: 68

قال : فأخذها الأعرابي وبكى(1) ، فقال له : لعلّك استقللت ما أعطيناك ، قال : لا ، ولكن كيف يأكل التراب جودك .

وهو المروي عن الحسن بن علي عليهماالسلام .

أثر الجراب على ظهره عليه السلام

شعيب بن عبد الرحمن الخزاعي قال : وجد على ظهر الحسين بن علي عليهماالسلام يوم الطفّ أثر ، فسألوا زين العابدين عليه السلام عن ذلك .

فقال : هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين .

عطاؤه لمن علّم ولده الحمد

وقيل : إنّ عبد الرحمن السلمي علّم ولد الحسين عليه السلام الحمد ، فلمّا قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار ، وألف حلّة ، وحشا فاه درّا .

فقيل له في ذلك ، قال : وأين يقع هذا من عطائه ، يعني تعليمه .

من شعره عليه السلام

وأنشد الحسين عليه السلام :

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها

على الناس طرّا قبل أن تتفلّت

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت

ولا البخل يبقيها إذا ما تولّت

ص: 69


1- تاريخ دمشق : 14/185 ، بغية الطالب في تاريخ حلب : 6/2593 .

تواضعه عليه السلام

اشارة

ومن تواضعه :

أجاب دعوة المساكين

أنّه مرّ بمساكين ، وهم يأكلون كسرا لهم على كساء ، فسلّم عليهم ، فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم وقال : لولا أنّه صدقه لأكلت معهم .

ثم قال : قوموا إلى منزلي ، فأطعمهم وكساهم ، وأمر لهم بدراهم(1) .

بينه عليه السلام وبين أخيه ابن الحنفية

وحدّث الصولي عن الصادق عليه السلام في خبر : أنّه جرى بينه وبين محمد بن الحنفية كلام ، فكتب ابن الحنفية إلى الحسين عليه السلام : أمّا بعد ، يا أخي ، فإنّ أبي وأباك علي ، لا تفضلني فيه ولا أفضلك ، وأمّك فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولو كان من الأرض ذهبا ملك أمّي ما وفت بأمّك ، فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتى تترضّاني ! فإنّك أحقّ بالفضل منّي ، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته .

ففعل الحسين عليه السلام ذلك ، فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء(2) .

ص: 70


1- الجوهرة في النسب للبري : 39 .
2- شعب الإيمان للبيهقي : 6/316 ، تاريخ دمشق : 54/333 .

فصاحته وعلمه عليه السلام

اشارة

ومن فصاحته وعلمه عليه السلام :

جوابه لمن سمعه يخطب فقال من هذا ؟

ما رواه موسى بن عقبة : أنّه أمر معاوية الحسين عليه السلام أن يخطب ، فصعد المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلّى على النبي صلى الله عليه و آله ، فسمع رجل يقول : من هذا الذي يخطب ؟

فقال عليه السلام : نحن حزب اللّه الغالبون ، وعترة رسول اللّه صلى الله عليه و آله الأقربون ، وأهل بيته الطيبون ، وأحد الثقلين ، الذين جعلنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثاني كتاب اللّه - تعالى - فيه تفصيل كلّ شيء ، « لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ

وَلا مِنْ خَلْفِهِ » ، والمعوّل علينا في تفسيره ، لا يبطينا تأويله ، بل نتبع حقائقه ، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة ، إذ كانت بطاعة اللّه مقرونة ، قال اللّه تعالى « أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ » وقال : « وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الأَْمْرِ مِنْهُمْ » .

وأحذّركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان ، ف-« إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ » ، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم « لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ » ، فتلقون للسيوف ضربا ، وللرماح وردا ، وللعمد حطما ، وللسهام غرضا ، ثم لا يقبل من نفس « إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ » .

ص: 71

قال معاوية : حسبك أبا عبد اللّه فقد أبلغت(1) .

جوابه عليه السلام لابن العاص

محاسن البرقي : قال عمرو بن العاص للحسين عليه السلام : يا ابن علي ! ما بالأولادنا أكثر من أولادكم ؟

فقال

عليه السلام :

بغاث الطير(2) أكثرها فراخا

وأمّ الصقر مقلاة نزور

* * *

فقال : ما بال الشيب إلى شواربنا أسرع منه في شواربكم ؟

فقال عليه السلام : إنّ نساءكم نساء بخرة ، فإذا دنا أحدكم من امرأته نكهت في وجهه ، فيشاب منه شاربه .

فقال : ما بال لحاؤكم أوفر من لحائنا ؟

فقال عليه السلام : « وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً » .

فقال معاوية : بحقّي عليك إلاّ سكتّ ، فإنّه ابن علي بن أبي طالب .

فقال

عليه السلام :

إن عادت العقرب عدنا لها

وكانت النعل لها حاضره

قد علم العقرب واستيقنت

أن لها لا دنيا ولا آخره(3)

ص: 72


1- الاحتجاج : 2/22 .
2- بغاث الطير : شرارها وما لا يصيد منها .
3- لم أعثر عليه في محاسن البرقي المتوفرة لدي .
تفسيره صيحات بعض الطيور

تفسير الثعلبي : قال الصادق عليه السلام : قال الحسين بن علي عليهماالسلام : إذا صاحالنسر قال : يا ابن آدم ، عش ما شئت آخره الموت .

وإذا صاح الغراب قال : إنّ البعد من الناس أنس .

وإذا صاح القنبر قال : اللّهم العن مبغضي آل محمد صلى الله عليه و آله .

وإذا صاح الخطاف قرأ : « الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » ، ويمدّ « الضّالِّينَ » ، كما يمدّها القاري(1) .

علّة افتراض الصوم

سئل الحسين عليه السلام : لم افترض اللّه - عزّ

وجلّ - على عبيده الصوم ؟

قال : ليجد الغني مسّ الجوع ، فيعود بالفضل على المساكين(2) .

ص: 73


1- تفسير الثعلبي : 7/195 وفيه : « العقاب » بدل « الغراب » ، الخرائج : 1/48 .
2- محاضرات الأدباء : 2/472 ، الفقيه للصدوق : 2/73 ح 1768 ، أمالي الصدوق : 97 مج 11 ح 75 : حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال : حدّثنا محمد بن أبي عبد اللّه الكوفي عن إسحاق بن محمد عن حمزة بن محمد قال : كتبت إلى أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام : لم فرض اللّه - عزّ وجلّ - الصوم ؟ فورد في الجواب : ليجد الغني مسّ الجوع فيمنّ على الفقير .

شجاعته عليه السلام

اشارة

ومن شجاعته عليه السلام :

نزاعه مع والي المدينة

إنّه كان بين الحسين عليه السلام وبين الوليد بن عقبة منازعة في ضيعة ، فتناول الحسين عليه السلام عمامة الوليد عن رأسه ، وشدّها في عنقه ، وهو يومئذٍ والٍ على المدينة .

فقال مروان : باللّه ما رأيت كاليوم جرأة رجل على أميره ، فقال الوليد : واللّه ، ما قلت هذا غضبا لي ، ولكنّك حسدتني على حلمي عنه !! وإنّما كانت الضيعة له ، فقال الحسين عليه السلام : الضيعة لك يا وليد ، وقام(1) .

موت في عزّ خير من حياة في ذلّ

وقيل له يوم الطفّ : انزل على حكم بني عمّك .

قال : لا واللّه ، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أفرّ فرار العبيد .

ثم نادى : يا عباد اللّه « إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ »(2) .

وقال : موت في عزّ خير من حياة في ذلّ .

ص: 74


1- السيرة لابن هشام : 1/87 ، تاريخ دمشق : 63/210 .
2- الإرشاد للمفيد : 2/98 ، اعلام الورى : 1/459 ، تاريخ الطبري : 4/323 .
من شعره عليه السلام

وأنشأ عليه السلام في يوم قتله :

الموت خير من ركوب العار

والعار أولى من دخول النار

واللّه ما هذا وهذا جاري(1)

* * *

قال ابن نباتة :

الحسين الذي رأى القتل في ال-

-عزّ حياة والعيش في الذلّ قتلا

* * *

إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة

الحلية : روى محمد بن الحسن : أنّه لمّا نزل القوم بالحسين عليه السلام ، وأيقن أنّهم قاتلوه قال لأصحابه : قد نزل ما ترون من الأمر ، وإنّ الدنيا قد تنكّرت وتغيّرت ، وأدبر معروفها واستمرت حتى لم يبق منها إلاّ كصبابة الإناء ، وإلاّ خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحقّ لا يعمل به ، والباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء اللّه ، وإنّي لا أرى الموتإلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برما(2) .

ص: 75


1- البيان والتبيين للجاحظ : 1/518 .
2- حلية الأولياء : 2/39 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/114 رقم 2842 ، تاريخ دمشق : 14/217 ، تاريخ الطبري : 4/305 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/150 ح 1088 ، إحياء العلوم للغزالي : 4/479 ، العقد الفريد : 4/380 .
سأمضي فما بالموت عار على الفتى

وأنشد لمّا قصد الطفّ متمثّلاً :

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى خيرا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مذموما وخالف مجرما

أقدّم نفسي لا أريد بقاءها

لتلقى خميسا في الهياج عرمرما

فإن عشت لم أذمم وإن متّ لم ألم

كفى بك ذلاًّ أن تعيش فترغما(1)

* * *

ص: 76


1- كامل الزيارات لابن قولويه : 194 باب 29 ح 274 ، أمالي الصدوق : 219 مج 30 ، روضة الواعظين : 180 ، الإرشاد للمفيد : 2/81 ، تاريخ الطبري : 4/305 ، الفتوح لابن أعثم : 5/79 ، اعلام الورى : 1/450 .

زهده عليه السلام

اشارة

ومن زهده عليه السلام :

ما أعظم خوفك من ربّك ؟

إنّه قيل : ما أعظم خوفك من ربّك ؟ فقال : لا يأمن يوم القيامة إلاّ من خالف اللّه في الدنيا .

حجّ خمسة وعشرين حجّة ماشيا

إبانة ابن بطّة : قال عبد اللّه بن عبيد أبو عمير : لقد حجّ الحسين بن علي عليهماالسلام خمسة وعشرين حجّة ماشيا ، وإنّ النجائب تقاد معه(1) .

وقوفه عليه السلام على قبر جدّته خديجة عليهاالسلام

عيون المجالس : إنّه ساير أنس بن مالك ، فأتى قبر خديجة عليهاالسلام ، فبكى ، ثم قال : اذهب عنّي .

قال أنس : فاستخفيت عنه ، فلمّا طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلاً :

ص: 77


1- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 4/541 رقم 3 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/115 ، تاريخ دمشق : 14/180 .

يا ربّ يا ربّ أنت مولاه

فارحم عبيدا إليك ملجاه

يا ذا المعالي عليك معتمدي

طوبى لمن كنت أنت مولاه

طوبى لمن كان خائفا أرقا

يشكو إلى ذي الجلال بلواه

وما به علّة ولا سقم

أكثر من حبّه لمولاه

إذا اشتكى بثّه وغصّته

أجابه اللّه ثم لبّاه

[ إذا ابتلى بالظلام مبتهلاً أكرمه اللّه ثم أدناه (1)]

* * *

فنودي :

لبيك لبيك أنت في كنفي

وكلّما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقه ملائكتي

فحسبك الصوت قد سمعناه

دعاك عندي يجول في حجب

فحسبك الستر قد سفرناه

لو هبّت الريح في جوانبه

خرّ صريعا لما تغشّاه

سلني بلا رغبة ولا رهب

ولا حساب إنّي أنا اللّه

* * *

من شعره عليه السلام

وله عليه السلام :

يا أهل لذّة دنيا لا بقاء لها

إنّ اغترارا بظلّ زائل حمق(2)

ص: 78


1- البيت الأخير من المخطوطة .
2- إحياء علوم الدين للغزالي : 3/214 وفيه : « وكان الحسن بن علي كرم اللّه وجهه يتمثّل كثيرا ويقول : . . » .

وقال العبدي :

آل النبي محمد

أهل الفضائل والمناقب

المرشدون من العمى

المنقذون من اللوازب(1)

الصارفون الناطقون

السابقون إلى الرغائب

فولاهم فرض من الرحمن

في القرآنواجب

وهم الصراط فمستقيم

فوقه ناج وناكب

* * *

وقال القاضي الجليس بن حباب المصري :

هم الصائمون القائمون لربّهم

هم الخائفون خشية وتخشّعا

هم القاطعو الليل البهيم تهجّدا

هم العامروه سجّدا فيه ركعا

هم الطيّب الأخيار(2) والخير في الورى

يروقون مرأى أو يشوقون مسمعا

بهم تقبل الأعمال من كلّ عامل

بهم ترفع الطاعات ممّن تطوّعا

هم القائلون الفاعلون تبرّعا

هم العالمون العاملون تورّعا

ص: 79


1- اللزب : الضيق والشدّة والقحط .
2- في المخطوطة : « هم الطيّبوا الأخبار » ، أو « الطيب والأخيار » .

أبوهم وصيّ المصطفى حاز علمه

وأودعه من قبل ما كان أودعا

* * *

ص: 80

فصل 5 : في محبّة النبي إيّاه عليه السلام

اشارة

ص: 81

ص: 82

رؤيا أمّ أيمن

الصادق عليه السلام وابن عباس : أنّه أخبر النبي صلى الله عليه و آله إنّ أمّ أيمن لا تزال تبكي من الليل إلى اليوم ، فأتاها وقال : ما الذي أبكاك ؟ قالت : يا رسول اللّه ، رأيت رؤيا عظيمة شديدة ، فقال صلى الله عليه و آله : تقصّيها على رسول اللّه ، فإنّ اللّه ورسوله أعلم ، قالت : تعظم عليّ أن أتكلّم بها ، فقال : إنّ الرؤيا ليست على ماترى ، فقصّيها على رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

فقالت : رأيت في ليلتي هذه كأنّ بعض أعضائك ملقي في بيتي ، فقال : نامت عينك يا أمّ أيمن ، تلد فاطمة الحسين عليهماالسلام تربّيه وتلينه ، فيكون بعض أعضائي في بيتك .

فلمّا كان اليوم السابع من ولادة الحسين عليه السلام أقبلت به إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : مرحبا بالحامل والمحمول ، هذا تأويل رؤياك(1) .

أخرجه القيرواني في التعبير ، وصاحب فضائل الصحابة .

تقبيله إيّاه

سليم بن قيس عن سلمان الفارسي قال : كان الحسين عليه السلام على فخذ

ص: 83


1- أمالي الصدوق : 142 مج 19 ح 144 ، روضة الواعظين : 154 .

رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو يقبّله ويقول : أنت السيّد ابن السيّد أبو السادة ، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة ، أنت الحجّة ابن الحجّة أبو الحجج ، تسعة من صلبك ، وتاسعهم قائمهم(1) .

ضمّه إيّاه

ابن عمر : إنّ النبي صلى الله عليه و آله بينما هو يخطب على المنبر إذ خرج الحسين عليه السلام ، فوطأ في ثوبه فسقط وبكى ، فنزل النبي صلى الله عليه و آله عن المنبر فضمّه إليه ، وقال : قاتل اللّه الشيطان ، إنّ الولد لفتنة ، والذي نفسي بيده ما دريت أنّي نزلت عن منبري(2) .

إنّ بكاءه يؤذيني

أبو السعادات في فضائل العشرة : قال يزيد بن أبي زياد : خرج النبي صلى الله عليه و آله من بيت عائشة ، فمرّ على بيت فاطمة عليهاالسلام ، فسمع الحسين عليه السلام يبكي ، فقال : ألم تعلمي أنّ بكاءه يؤذيني(3) .

أنا من حسين وحسين منّي . .

ابن ماجة في السنن ، والزمخشري في الفائق : رأى النبي صلى الله عليه و آلهالحسين عليه السلام

ص: 84


1- مائة منقبة : 142 م 58 ، الاختصاص للمفيد : 207 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/146 .
2- المناقب لابن مردويه : 207 رقم 290 .
3- المعجم الكبير للطبراني : 3/116 رقم 2847 ، تاريخ دمشق : 14/171 .

يلعب مع الصبيان في السكّة ، فاستقبل النبي صلى الله عليه و آله أمام القوم ، فبسط إحدى يديه ، فطفق الصبي يفرّ مرّة من هاهنا ، ومرّة من هاهنا ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يضاحكه ، ثم أخذه ، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه ، والأخرى على أسّ رأسه ، وأقنعه فقبّله ، وقال : أنا من حسين وحسين منّي ، أحبّ اللّه من أحبّ حسينا ، حسين سبط من الأسباط(1) . استقبل أي تقدّم ، وأقنعه أي رفعه(2) .

مناقب لا تعنون

مناقب لا تعنون(3) !

قال المغيرة بن عبد اللّه : مرّ الحسين عليه السلام ، فقال له أبو ظبيان : ما له قبّحه اللّه ، إن كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليفرج بين رجليه ويقبّل زبيبه(4) .عبد الرحمن أبي ليلى قال : كنّا جلوسا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ أقبل الحسين عليه السلام ، فجعل ينزو !! على ظهر النبي صلى الله عليه و آله وعلى بطنه ، فبال ! فقال : دعوه .

ص: 85


1- سنن ابن ماجة : 1/51 رقم 144 ، كامل الزيارات لابن قولويه : 116 باب 14 ح 127 ، أمالي المرتضى : 1/157 ، مسند أحمد : 4/172 ، المستدرك للحاكم : 3/177، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 7/515 رقم 23 ، كتاب ابن حبان : 15/427 ، المعجم الكبير للطبراني : 22/274 ، التاريخ الكبير للبخاري : 8/415 ، تاريخ دمشق : 14/149 ، بشارة المصطفى : 247 ، الأدب المفرد للبخاري : 85 رقم 369 ، مقتل الحسين عليه السلامللخوارزمي : 1/146 .
2- أمالي المرتضى : 1/158 .
3- الأخبار الواردة تحت هذا العنوان كلّها عامّية .
4- مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي : 2/270 ح 737 « عن أبي هريرة وليس فيه : ما له قبّحه اللّه » ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/146 .

أبو عبيد في غريب الحديث : أنّه قال صلى الله عليه و آله : لا ترزموا ابني ، أي لا تقطعوا عليه بوله ، ثم دعا بماء فصبّه على بوله(1) .

سنن أبي داود : إنّ الحسين عليه السلام بال في حجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال لبانة(2) : أعطني إزارك حتى أغسله ، قال : إنّما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر(3) .

أسلم يهودي لما رأى من محبّة النبي صلى الله عليه و آله إيّاه

أحاديث الليث بن سعد : إنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يصلّي يوما في فئة والحسين عليه السلام صغير بالقرب منه ، وكان النبي صلى الله عليه و آله إذا سجد جاء الحسين عليه السلام ، فركب ظهره ، ثم حرّك رجليه وقال : حل حل ، وإذا أراد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يرفع رأسه أخذه ، فوضعه إلى جانبه ، فإذا سجد عاد على ظهره وقال : حل حل ، فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ النبي صلى الله عليه و آله من صلاته .فقال يهودي : يا محمد ، إنّكم لتفعلون بالصبيان شيئا ما نفعله نحن ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : أما لو كنتم تؤمنون باللّه وبرسوله لرحمتم الصبيان .

قال : فإنّي أؤمن باللّه وبرسوله ، فأسلم لمّا رأى كرمه من عظم قدره(4) .

ص: 86


1- غريب الحديث : 1/103 .
2- في المصدر : « لبابة » .
3- سنن أبي داود : 1/93 رقم 375 ، سنن ابن ماجة : 1/174 رقم 522 ، المستدرك للحاكم : 1/166 .
4- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/87 ح 1013 .

أتركب ظهرا حمله رسول اللّه صلى الله عليه و آله

أمالي الحاكم : قال أبو رافع :

كنت ألاعب الحسين عليه السلام وهو صبي بالمداحي ، فإذا أصابت مدحاتي مدحاته قلت : احملني ، فيقول : أتركب ظهرا حمله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فاتركه .

فإذا أصابت مدحاته مدحاتي قلت : لا أحملك كما لم تحملني ، فيقول : أما ترضى أن تحمل بدنا حمله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فاحمله(1)(2) .

المدحاة : لعب الأحجار في الحفيرات .

تأويل رؤيا هند

ابن عباس : سألت هند عائشة أن تسأل النبي صلى الله عليه و آله تعبير رؤيا ، فقال صلى الله عليه و آله : قولي لها فلتقصص رؤياها .فقالت : رأيت كأنّ الشمس قد طلعت من فوقي والقمر قد خرج من مخرجي ، وكأنّ كوكبا قد خرج من القمر أسود ، فشدّ على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس ، فابتلعها ، فاسودّ الأفق لابتلاعها .

ثم رأيت كواكب بدت من السماء ، وكواكب مسودّة في الأرض إلاّ أنّ المسودّة أحاطت بأفق الأرض من كلّ مكان .

ص: 87


1- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/154 ، بشارة المصطفى : 221 .
2- الخبر عامّي .

فاكتحلت عين رسول اللّه صلى الله عليه و آله بدموعه ، ثم قال : هي هند ، اخرجي يا عدوّة اللّه - مرّتين - فقد جدّدت عليّ أحزاني ، ونعيت إليّ أحبابي .

فلمّا خرجت قال : اللّهم العنها والعن نسلها .

فسئل عن تعبيرها ، فقال : أمّا الشمس التي طلعت عليها فعلي بن أبي طالب ، والكوكب الذي خرج من القمر أسود فهو معاوية ، مفتون فاسق جاحد للّه ، وتلك الظلمة التي زعمت ورأت كوكبا يخرج من القمر أسود ، فشدّ على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس فابتلعتها فاسودّت ، فذلك ابني الحسين عليه السلام يقتله ابن معاوية ، فتسودّ الشمس ويظلم الأفق ، وأمّا الكواكب المسودّة في الأرض أحاطت الأرض من كلّ مكان فتلك بنو أميّة .

من شعره عليه السلام

ويروى للحسين عليه السلام :

سبقت العالمين إلى المعالي

بحسن خليقة وعلو همّه

ولاح بحكمتي نور الهدى في

ليال في الضلالة مدلهمّهيريد الجاحدون ليطفؤه

ويأبى اللّه إلاّ أن يتمّه

* * *

قال البديع الهمداني :

أحبّ النبي وآل النبي

واختص آل أبي طالب

* * *

ص: 88

وقال أحمد بن علي النيسابوري :

حسين بمرضاة ربّي نعمة فيها

أنال من جنّة الفردوس آمالي

* * *

وقال الحيص بيص :

قوم إذا أخذ المديح قصائدا

أخذوه عن طه وعن ياسين

وإذا عصى أمر الممالك خادم

نفذت أوامرهم على جبرين

* * *

وقال آخر :

علي أبو حسن والحسين

رشيدين للراشد المرشد

ومن دنس الرجس قد طهّروا

ففاز الذي بهم يقتدي

* * *

ص: 89

ص: 90

فصل 6 : في معالي أُموره

اشارة

ص: 91

ص: 92

أحبّ أهل الأرض الى أهل السماء

الرضا عن آبائه عليهم السلام قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء ، فلينظر إلى الحسين عليه السلام .

رواه الطبريان في الولاية والمناقب ، والسمعاني في الفضائل بأسانيدهم عن إسماعيل بن رجاء وعمرو بن شعيب :

إنّه مرّ الحسين عليه السلام على عبد اللّه بن عمرو بن العاص ، فقال عبد اللّه : من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء ، فلينظر إلى هذا المجتاز ، وما كلّمته منذ ليالي صفين .

فأتى به أبو سعيد الخدري إلى الحسين عليه السلام ، فقال الحسين عليه السلام : أتعلم أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء وتقاتلني وأبي يوم صفين ، واللّه إنّ أبي لخير منّي ، فاستعذر وقال : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لي : أطع أباك .

فقال له الحسين عليه السلام : أما سمعت قول اللّه تعالى : « وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما » ، وقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّما الطاعة في المعروف ، وقوله : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق(1) .

ص: 93


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 1/146 ح 84 ، المعجم الأوسط للطبراني : 4/181 .

سنّة التكبير في الصلاة بركة الحسين عليه السلام

حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان في الصلاة والى جانبه الحسين عليه السلام ، فكبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم يحر الحسين عليه السلام التكبير ، ثم كبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم يحر الحسين عليه السلام التكبير .

ولم يزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يكبّر ، ويعالج الحسين عليه السلام التكبير ولم يحر ، حتى أكمل رسول اللّه صلى الله عليه و آله سبع تكبيرات ، فأحار الحسين عليه السلام التكبير في السابعة .

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : فصارت سنّة(1) .

فطرس عتيق الحسين عليه السلام

ابن عباس والصادق عليه السلام : إنّ الحسين عليه السلام لمّا ولد أمر اللّه جبرئيل عليه السلام أن يهبط في ألف من الملائكة فيهنيء رسول اللّه صلى الله عليه و آله من اللّه - تعالى - ومن جبرئيل عليه السلام .

قال : فهبط جبرئيل عليه السلام ، فمرّ على جزيرة في البحر فيها ملك يقال له «فطرس» ، فكان من الحملة ، فبعثه اللّه في شيء فأبطأ عليه ، فكسرجناحه وألقاه في تلك الجزيرة ، فعبد اللّه سبعمائة عام ، حتى ولد الحسين عليه السلام ، فقال الملك لجبرئيل عليه السلام : أين تريد ؟ قال : إنّ اللّه - عزّ وجلّ - أنعم على محمد صلى الله عليه و آله بنعمة ، فبعثت أهنئه من اللّه ومنّي ، فقال : يا جبرئيل عليه السلام احملني معك لعلّ محمدا صلى الله عليه و آله يدعو لي .

ص: 94


1- علل الشرائع : 2/331 باب 30 ح 1 ، تهذيب الأحكام للطوسي : 2/67 ح 243 .

قال : فحمله ، فلمّا دخل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه و آله هنّأه من اللّه ومنه ، وأخبره بحال فطرس ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : قل له يتمسّح بهذا المولود وعد إلى مكانك .

قال : فتمسّح فطرس بالحسين عليه السلام وارتفع ، فقال : يا رسول اللّه ، أما إنّ أمّتك ستقتله ، وله عليّ مكافأة ، لا يزوره زائر إلاّ أبلغته عنه ، ولا يسلّم مسلّم إلاّ أبلغته سلامه ، ولا يصلّي عليه مصلّ إلاّ أبلغته صلاته ، ثم ارتفع(1) .

قال ابن عباس : فالملك ليس يعرف في الجنّة إلاّ بأن يقال : « هذا مولى الحسين بن علي(2) عليهماالسلام » .

وقد ذكر الطوسي في المصباح رواية عن القاسم بن العلاء الهمداني حديث فطرس الملك في الدعاء(3) .وفي المسألة الباهرة في تفضيل الزهراء الطاهرة عن أبي محمد الحسن بن الطاهر القايني الهاشمي :

إنّ اللّه - تعالى - كان خيّره من عذابه في الدنيا أو في الآخرة ، فاختار عذاب الدنيا ، وكان معلّقا بأشفار عينيه في جزيرة في البحر ، لا يمرّ به حيوان ، وتحته دخان منتن غير منقطع .

ص: 95


1- أمالي الصدوق : 201 مج 28 ح 215 ، روضة الواعظين : 155 ، كامل الزيارات لابن قولويه : 141 باب 21 ح 165 ، الثاقب في المناقب : 339 ح 284 .
2- كمال الدين للصدوق : 284 باب 24 ح 36 .
3- مصباح المتهجد للطوسي : 826 .

فلمّا أحسّ الملائكة نازلين سأل من مرّ به منهم عمّا أوجب لهم ذلك ، فقال : ولد للحاشر الأمّي أحمد من بنته ووصيّه ولد يكون منه أئمة الهدى إلى يوم القيامة ، فسأل من أخبره أنّه يهنيء رسول اللّه صلى الله عليه و آله بتلك عنه ، ويعلمه بحاله .

فلمّا علم النبي صلى الله عليه و آله بذلك سأل اللّه - تعالى - أن يعتقه للحسين عليه السلام ، ففعل سبحانه ، فحضر فطرس وهنّأ النبي صلى الله عليه و آله ، وعرج إلى موضعه ، وهو يقول : من مثلي وأنا عتاقة الحسين(1) بن علي وفاطمة وجدّه أحمد الحاشر .

جبرئيل يلهيه حتى تستيقظ أمّه

قال : وجاء الحديث : أنّ جبرئيل عليه السلام نزل يوما ، فوجد الزهراء عليهاالسلام

نائمة ، والحسين عليه السلام قلقا على عادة الأطفال مع أمّهاتهم ، فقعد جبرئيل يلهيه عن البكاء حتى استيقظت ، فأعلمها رسول اللّه صلى الله عليه و آله بذلك .

قصره عليه السلام وحوريّته في الجنّة

الطبري طاوس اليماني عن ابن عباس : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : رأيت في الجنّة قصرا من درّة بيضاء ، لا صدع فيها ولا وصل ، فقلت : حبيبي جبرئيل ، لمن هذا القصر ؟

قال : للحسين عليه السلام ابنك .

ص: 96


1- انظر دلائل الإمامة : 190 .

ثم تقدّمت أمامه ، فإذا أنا بتفاح ، فأخذت تفاحة ففلقتها ، فخرجت منها حوراء كأنّ مقاديم النسور أشفار عينيها ، فقلت : لمن أنت ؟ فبكت ثم قالت : لابنك الحسين عليه السلام .

أعتق غلاما ليهودي كان يواكل كلبا طلبا للسرور

وروي عن الحسين بن علي عليهماالسلام أنّه قال : صحّ عندي(1) ! قول النبي صلى الله عليه و آله أفضل الأعمال بعد الصلاة إدخال السرور في قلب المؤمن بما لا إثم فيه ، فإنّي رأيت غلاما يواكل كلبا ، فقلت له في ذلك ، فقال : يا ابن رسول اللّه ، إنّي مغموم أطلب سرورا بسروره ، لأنّ صاحبي يهودي أريد أفارقه .

فأتى الحسين عليه السلام إلى صاحبه بمائتي دينار ثمنا له ، فقال اليهودي : الغلام فدى لخطاك ، وهذا البستان له ، ورددت عليك المال ، فقال عليه السلام : وأنا قد وهبت لك المال ، فقال : قبلت المال ووهبته للغلام ، فقال الحسين عليه السلام : أعتقت الغلام ووهبته له جميعا ، فقالت امرأته : قد أسلمت ووهبتزوجي مهري ، فقال اليهودي : وأنا أيضا أسلمت وأعطيتها هذه الدار .

جمال الحسين عليه السلام ونور وجهه

الترمذي في الجامع : كان ابن زياد يدخل قضيبا في أنف الحسين عليه السلام ،

ص: 97


1- قوله عليه السلام : « صحّ عندي » ، يبدو أنّه يعني انطبق ذلك على الواقع وحصل في الخارج عملاً حيث أنّه عليه السلام فرّع عليه نقل القصّة التي جرت للغلام .

ويقول : ما رأيت مثل هذا الرأس حسنا ، فقال أنس : إنّه أشبههم برسول اللّه (1) .

وروي : أنّ الحسين عليه السلام كان يقعد في المكان المظلم فيهتدى إليه ببياض جبينه ونحره(2) .

الحسنان عليهماالسلام ريحانتا النبي صلى الله عليه و آله في الدنيا

أبو عيسى في جامعه ، وأبو نعيم في حليته ، والسمعاني في فضائله ، وابن بطّة في إبانته عن أبي نعيم :

إنّه سأل رجل ابن عمر عن دم البعوض ، فقال : انظروا إلى هذا سألني عن دم البعوض ! وقد قتلوا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ! وسمعته يقول : الحسن والحسين هما ريحانتاي في الدنيا(3) .

من تخلّف عنه لم يدرك الفتح

أبو حمزة بن عمران قال : ذكرت خروج الحسين عليه السلام وتخلّف ابن الحنفية عنه ، فقال الصادق عليه السلام : يا أبا حمزة ، أقول لك ما يغنيك سؤاله :

ص: 98


1- سنن الترمذي : 5/325 رقم 3867 .
2- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/112 ح 1051 .
3- سنن الترمذي : 5/322 رقم 3859 ، البخاري : 7/74 ، مسند أحمد : 2/93 ، روضة الواعظين : 157 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 7/514 رقم 416 ، السنن الكبرى للنسائي : 5/150 رقم 7530 ، خصائص أمير المؤمنين عليه السلام للنسائي : 124 ، مسند أبي يعلى : 10/106 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/127 .

إنّ الحسين عليه السلام لمّا انصرف من مكة دعا بكاغد وكتب :

بسم اللّه الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى بني هاشم ، أمّا بعد : فإنّه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلّف لم يدرك الفتح ، والسلام(1) .

قال ابن حماد :

شربت من ماء الولا شربة

فأورثتني النسك قبل الفطام

ولاح نجم السعد في طالعي

إذ صرت مولى لأناس كرام

لآل ياسين الذين حبّهم

ينجو به المؤمن يوم الخصام

فمثل مولاي الحسين الذي

بالطفّ مدفون عليه السلام

ابن علي بن أبي طالب

سبط رسول اللّه خير الأنام

من شرّف اللّه به مكة

وزمزما والبيت بيت الحرام

من ظهر الإسلام طفلاً به

وطهّر الكفر بحدّ الحسام

هذا ابن من قد كان من ربّه

كقاب قوسين بغير احتشام

هذا ابن من آثر في قوته

وبات بالأهل ثلاثا صيام

هذا ابن من ساد بني هاشم

إذا ظلّلته في الفلاة الغمام

هذا شهيد الطفّ هذا الذي

حبّي له يمحو جميع الآثام

هذا الإمام ابن الإمام الذي

منه لنا في كلّ عصر إمام

هذا الذي زائره كالذي

حجّ إلى الكعبة في كلّ عام

* * *

ص: 99


1- بصائر الدرجات : 501 ح 5 ، دلائل الإمامة : 187، نوادر المعجزات للطبري : 109.

ص: 100

فصل 7 : في تواريخه وألقابه

اشارة

ص: 101

ص: 102

ولادته ومدّة عمره عليه السلام

ولد الحسين عليه السلام عام الخندق في المدينة ، يوم الخميس أو يوم الثلاثاء ، لخمس خلون من شعبان ، سنة أربع من الهجرة ، بعد أخيه بعشرة أشهروعشرين يوما(1) .

وروي : أنّه لم يكن بينه وبين أخيه إلاّ الحمل ، والحمل ستّة أشهر(2) .

عاش مع جدّه ستّة سنين وأشهرا ، وقد كمل عمره خمسين .

ويقال : كان عمره سبعا وخمسين سنة وخمسة أشهر .

ويقال : ثمان وخمسون .

ومدّة خلافته خمس سنين وأشهر ، في آخر ملك معاوية ، وأوّل ملك يزيد(3) .

قتلته

قتله(4) عمر بن سعد بن أبي وقاص ، وخولي بن يزيد الأصبحي ، واحتزّ رأسه سنان بن أنس النخعي ، وشمر بن ذي الجوشن .

ص: 103


1- روضة الواعظين : 153 ، الإرشاد للمفيد : 2/27 .
2- دلائل الإمامة : 178 ، اعلام الورى : 1/215 .
3- دلائل الإمامة : 177 .
4- قتله يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، كما ورد في الأحاديث الصحيحة ، وإن كان القتل ينسب إلى عمر بن سعد وإلى عبيد اللّه بن زياد ، ومن أمّرهم جميعا ممّن سبق يزيد عليهم جميعا لعائن اللّه .

وسلب جميع ما كان عليه إسحاق بن حياة الحضرمي .

وأمير الجيش عبيد اللّه بن زياد ، وجّه به يزيد بن معاوية .

تاريخ ومكان شهادته

ومضى قتيلاً يوم عاشوراء ، وهو يوم السبت ، العاشر من المحرم قبل الزوال - ويقال : يوم الجمعة ، بعد صلاة الظهر . وقيل : يوم الإثنين - بطفّ كربلاء بين نينوى والغاضرية(1) . من قرى النهرين بالعراق ، سنة ستّين من الهجرة ، ويقال : سنة إحدى وستّين

ص: 104


1- لمّا كانت كربلاء هي أمّ لعدّة قرى تحيط بها ، فقد أطلقت أسماء تلك القرى مجازا على كربلاء ، وإنّ بعض أسماء هذه القرى عامّة واسعة ، وبعضها أسماء خاصّة لمنطقة محدودة ضيّقة . ومن تلك الأسماء : الطفّ أو الطفوف : الطفّ في اللّغة ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق ، وإنّما سمّي طفّا ، لأنّه دنا من الريف من قولهم : خذ ما طفا لك واستطف أي ما دنا وأمكن ( معجم البلدان للحموي : 6/52 ) وكانت قرى الطفّ قبل الفتح الإسلامي ضياعا لكبار العجم .. . نينوى : وتقع شرقي كربلاء ، وهي سلسلة تلول أثرية تمتدّ من جنوب سدّة الهندية حتى مصبّ نهر العلقمي في الأهوار ، وتعرف بتلول نينوى ، وكانت إذ ذاك قرية عامرة زاهرة بالعلوم والمعارف في عهد الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام . . وكان اسم كربلاء يطلق على نينوى ، واسم هذه على تلك على حدّ سواء . . النواويس : وهي الآن مقابر ، مفردها ناووس على وزن فاعول ، واللفظة م-ن الدخيل ، وهذه القطعة واقعة شرقي كربلاء ممّا يلي بحيرة السليمانية في محل يقال له «براز علي» وزان ذهاب، وتتّصل بنهر الحسينيّة ، وتوجد في هذه القطعة الآثار المؤيّدة بصحّة موقعها ووجودها كالتلال والروابي والمرتفعات ، ويستخرج أحيانا منها توابيت الخزف ، وفي داخلها طريق ضيّق للغاية ، ويوجد في قعره تراب أصفر اللون . . وذكر بعضهم أنّ النواويس التي وردت في عرض كلام الإمام الحسين عليه السلام واقعة ممّا يلي قبر الحر بن يزيد الرياحي ، وعرف بعضهم كربلاء بأنّه مجاور لقبر ابن حمزة على النهر المشهور بنهر الحلّة القريب من الوادي العتيق . . . والنواويس مقابر النصارى كما في حواشي الكفعمي ، وسمعنا أنّها في المكان الذي فيه مزار الحر الرياحي من شهداء الطف ، وهو فيما بين الغرب وشمال البلد . وهذا القول هو الرأي السائد لدى المؤرخين ، فقالوا : إنّ النواويس مقابر النصارى الذين سكنوا كربلاء قبل دخول المسلمين ، وقد ذكرها الحسين عليه السلام في إحدى خطبه لمّا توجه الى الكوفة فقال : « كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء .. » . وكانت هذه البقاع من بابل الى الكوفة والحيرة فإلى أطراف خليج فارس آهلة بقبائل عربية ، وكانت بعضها تدين بالمسيحية على مذهب النساطرة ( انظر العرب قبل الإسلام لجرجي زيدان : 187 ) . العقر : قال ياقوت الحموي : العقر بفتح أوّله وسكون ثانيه ، منها عقر بابل قرب كربلاء من الكوفة . . الغاضرية : ذكرها ياقوت الحموي : قال : « الغاضرية بعد الألف ضاد معجمة منسوبة إلى غاضرة من بنيأسد، وهي قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء ( معجم البلدان: 6/261). وجاء في « مدينة الحسين عليه السلام » : الغاضريات نسبة الى غاضرة ، وكلمة غاضرة هي اسم لامرأة من بني عامر ، وهم بطن من بني أسد ، كانوا يسكنون هذه الأراضي التي تقع اليوم شمال الهيابي التي فيها مصانع الآجر ، وتبعد عن كربلاء أقلّ من نصف كيلومتر » . وكانت قرية عامرة كبيرة تمتد على ضفة الفرات في شمال كربلاء الى شمالها الشرقي ، أي على طريق بغداد القديم . روي أنّ سيّد شباب أهل الجنّة الحسين عليه السلام اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى والغاضرية بستّين ألف درهم وتصدّق بها عليهم وشرط أن يرتدوا الى قبره ويضيّفوا من زاره ثلاثة أيام . وقال الصادق عليه السلام : حرم الحسين عليه السلام الذي اشتراه أربعة أميال في أربعة أميال ، فهو حلال لولده ومواليه حرام على غيرهم ممّن خالفهم وفيه البركة . وكان الطريق بين الغاضرية وكربلاء بضعة أمتار حيث الآن حرم أبي الفضل العباس عليه السلام ، لأنّه قتل بطريق الغاضرية على المسنّاة ( انظر الإرشاد للمفيد : 210 ) بجانب الفرات ، وكانت المسنّاة مبنيّة بالآجر من النوع الكبير الذي يوجد أحيانا تحت الأرض في كربلاء وأطرافها . وكلّ مظاهر الثروة والنعمة والرخاء كانت بادية على الغاضرية وجارتها نينوى بنخيلها الكثير وأشجارها الباسقة ، وكان يسكن هاتين الضيعتين كبار الملاّكين من أصحاب الأطيان والأراضي الكبيرة الى مسافة بعيدة من أطراف كربلاء ، لأنّ الإمام الحسين عليه السلام بعد نزوله كربلاء في أوائل العشرة الأولى من محرم الحرام ( عام 61 من الهجرة ) اشترى من أهل الغاضرية ونينوى مساحة كبيرة من الأراضي الواقعة أطراف هذه البقعة كانت تبلغ مساحتها من حيث المجموع أربعة أميال في أربعة أميال بستّين ألف درهم ، ثم تصدّق عليهم بتلك الأراضي الواسعة شرط أن يقوم أهلها بإرشاد الزائرين الى قبره الشريف ، وأن يقوموا بضيافتهم ثلاثة أيام غير أنّهم لم يفوا بهذا الشرط من القيام بإرشاد الزوّار وضيافتهم ، فسقط حقّهم فيها ، وبقيت تلك الأراضي المشتراة منهم ملكا للحسين عليه السلامولولده من بعده كما كان الحال قبل التصدّق بها عليهم بذلك الشرط ( انظر جغرافية كربلاء القديمة وبقاعها للدكتور جواد الكليدار : 12 ) . قصر مقاتل : يقع هذا القصر في جنوب حصن الأخيضر ، قال ياقوت : « قصر مقاتل قصر كان بين عين التمر والشام » وقال السكوني : هو قرب القطقطانة وسلام ثم القريات ، وهو منسوب الى مقاتل بن حسان بن ثعلبة بن أوس . . وأخبار هذا القصر أي مقاتل كثيرة في كتب الأدب والتاريخ . الحائر أو الحير : وهو اسم من أسماء كربلاء العديدة كانت تعرف به منذ العصر الأوّل ، فكان يطلق تارة على المدينة وأخرى على القبر المطهر على حدّ سواء كما يستدلّ ذلك من أقوال المؤرخين وأهل اللغة ، فالأراضي المنخفضة المحيطة بالروضة المطهرة وقف حولها الماء وحار عنه القبر لمّا أجراه قائد المتوكل « الديزج » ليطمس آثار معالم القبر ويعفى أثره عام 236 ه- . وقد أحيط هذا الاسم بحرمة وتقديس وأنيطت به أعمال وأحكام شرعية وتعبّدية فيها البركة وقبول الدعاء والقربة الى اللّه تعالى ، وفي هذه القدسيّة وردت عن الأئمة عليهم السلامروايات كثيرة . ثم توسّع معنى الحائر فصار يطلق على البناء الذي يحيط بالقبر . . . شطّ الفرات أو شاطيء الفرات : كانت كربلاء تعرف حينا بشطّ الفرات وآخر بشاطى ء الفرات ، لأنّها واقعة على طرف البريّة في جهة وعلى جانب الفرات من جهة أخرى ، وهو الفرات الذي يمرّ بها ، وكثيرا ما ورد ذكر كربلاء بأحد هذين الاسمين في كتب الحديث والتاريخ . . ولأرض كربلاء أسماء سمّيت بعد مقتل سيّد الشهداء الحسين عليه السلام أبرزها « مشهد الحسين عليه السلام » . وسمّيت كربلاء بأرض ما بين النهرين لوقوعها بين الخندق ونهر العلقمي . . نقلناه باختصار عن الدكتور سلمان آل طعمة في كتابه تاريخ مرقد الحسين عليه السلام والعباس عليه السلام : 21 - 29 .

ص: 105

ص: 106

موضع قبره ومدفن رأسه وأصحابه

ودفن بكربلاء من غربي الفرات .

قال الشيخ المفيد : فأمّا أصحاب الحسين عليه السلام ، فإنّهم مدفونون حوله ، ولسنا نحصل لهم أجداثا ، والحائر محيط بهم(1) .

ص: 107


1- الإرشاد للمفيد : 2/126 ، تاج المواليد : 33 ، اعلام الورى : 1/477 .

وذكر المرتضى في بعض مسائله : أنّ رأس الحسين عليه السلام ردّ إلى بدنه بكربلاء من الشام ، وضمّ إليه(1) .

وقال الطوسي : ومنه زيارة الأربعين(2) .

وروى الكلبي(3) في ذلك روايتين :

إحداهما : عن أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام : أنّه مدفون بجنب أمير المؤمنين(4) عليه السلام .

والأخرى : عن يزيد بن عمرو بن طلحة عن الصادق : أنّه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنين(5) عليه السلام .

أبناؤه

علي الأكبر الشهيد ، أمّه برّة(6) بنت عروة بن مسعود الثقفي .

وعلي الإمام عليه السلام ، وهو علي الأوسط .

وعلي الأصغر من شهربانويه !ومحمد .

وعبد اللّه الشهيد من أمّ الرباب بنت امرى ء القيس .

وجعفر ، وأمّه قضاعية(7) .

ص: 108


1- رسائل المرتضى : 3/130 ، اعلام الورى : 1/477 .
2- مصباح المتهجد للطوسي : 787 .
3- الظاهر أنّه « الكليني » .
4- الكافي : 4/571 ح 1 .
5- الكافي : 4/572 ح 2 .
6- في المصادر : « ليلى » .
7- الإرشاد للمفيد : 2/135 ، تاج المواليد للطبرسي : 34 .

وبناته

سكينة ، أمّها رباب بنت امرى ء القيس الكنديّة .

وفاطمة ، أمّها أمّ إسحاق بنت طلحة بن عبد اللّه (1) .

وزينب(2) .

عقبه

وأعقب الحسين عليه السلام من ابن واحد ، وهو زين العابدين عليه السلام وابنتين(3) .

بابه

وبابه : رشيد الهجري(4) .

بعض أصحابه

ومن أصحابه :

عبد اللّه بن يقطر رضيعه(5) ، وكان رسوله ، رمي به من فوق القصر

ص: 109


1- الإرشاد للمفيد : 2/135 ، تاج المواليد للطبرسي : 34 .
2- تاريخ دمشق : 69/168 « عن مقتل أبي مخنف » .
3- سرّ السلسلة العلوية : 30 .
4- تاريخ الأئمة للبغدادي : 32 ، دلائل الإمامة : 181 ح 95 .
5- قال العلامة السماوي في إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام : 69: عبد اللّه بن يقطر الحميري « رضيع الحسين عليه السلام » ، كانت أمّه حاضنة للحسين عليه السلام كأمّ قيس بن ذريح للحسن عليه السلام ، ولم يكن رضع عندها ، ولكنّه يسمّى رضيعا له لحضانة أمّه له ، وأمّ الفضل بن العباس لبابة كانت مربية للحسين عليه السلام ولم ترضعه أيضا ، كما صحّ في الأخبار أنّه لم يرضع من غير أمّه فاطمة صلوات اللّه عليها وإبهام رسول اللّه صلى الله عليه و آله تارة وريقه تارة أخرى .

بالكوفة(1) .

وأنس بن الحارث الكاهلي(2) .

ص: 110


1- تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام للفضيل : 2/152 ، روضة الواعظين للفتال : 177 ، الإرشاد للمفيد : 2/70 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/103 ، تاريخ الطبري : 4/359 ، المناقب لابن شهرآشوب : 3/243، الإقبال لابن طاووس : 3/346، رجال الطوسي : 103 ، خلاصة الأقوال للحلّي : 192 ، رجال ابن داود : 125 ، الثقات لابن حبان : 2/310 ، سير أعلام النبلاء للذهبي : 3/299 ، الإصابة لابن حجر : 5/8 ، تاريخ الطبري : 4/300 ، الكامل في التاريخ : 4/42 ، البداية والنهاية : 8/182 ، اعلام الورى : 1/446، الفصول المهمة لابن الصباغ : 2/806، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/229 ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من طبقات ابن سعد : 77 ، الاختصاص للمفيد : 83 .
2- تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام للفضيل : 2/152 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/18 ، التاريخ الكبير للبخاري : 2/30 ، الجرح والتعديل للرازي : 2/287 ، الثقات لابن حبان : 4/49 ، تاريخ دمشق : 14/223 ، أسد الغابة : 1/132 ، المناقب لابن شهرآشوب : 1/122 و3/232 و351 ، مثير الأحزان لابن نما : 46 ، رجال الطوسي : 21 ، خلاصة الأقوال للحلّي : 75 ، رجال ابن داود : 52 ، الإكمال في أسماء الرجال للتبريزي : 45 ، الإصابة : 1/270 ، الوافي بالوفيات للصفدي : 9/239 ، البداية والنهاية : 8/217 ، إمتاع الأسماع للمقريزي : 12/240 ، سبل الهدى والرشاد للشامي : 11/75 ، أمالي الصدوق : 224 ، روضة الواعظين للفتال : 187 .

وأسعد الشامي .

عمرو بن ضبيعة(1) .

رميث بن عمرو .

زيد بن معقل .

عبد اللّه بن عبد ربّه الخزرجي .

سيف بن مالك(2) .شبيب بن عبد اللّه النهشلي(3) .

ص: 111


1- تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام للفضيل/ مجلة تراثنا : 2/153 ، الإقبال لابن طاووس : 3/78 وفيه : « عمر بن ضبيعة الضبعي » . وفي إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلامللسماوي : 194 : عمرو بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الضبعي التيمي ، كان عمر فارسا مقداما خرج مع ابن سعد ، ثم دخل في أنصار الحسين عليه السلام فيمن دخل . قال السروي - يعني ابن شهرآشوب - : قتل في الحملة الأولى . وفي أنصار الحسين عليه السلام لشمس الدين : 103 رقم 56 : عمرو بن ضبيعة الضبعي ، ذكره الشيخ ، وابن شهرآشوب في عداد قتلى الحملة الأولى « عمر بن مشيعة » مصحفا ، والزيارة ، وفي الرجبية : « ضبيعة بن عمر » مقلوبا . ضبع بن وبرة ، بطن من قضاعة من القحطانية « يمن ، عرب الجنوب » .
2- تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام للفضيل : 2/153 ، المزار لابن المشهدي : 494 « الناحية » ، الإقبال لابن طاووس : 3/78 « الناحية » ، رجال الطوسي : 101 .
3- تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام للفضيل : 2/153 ، المزار لابن المشهدي : 493 « الناحية » ، الإقبال لابن طاووس : 3/78 ، رجال الطوسي : 101 . وفي الأوّل : « شبيب بن عبد اللّه من بني نفيل بن دارم » .

ضرغامة بن مالك(1) .

عقبة بن سمعان(2) .

عبد اللّه بن سليمان .

المنهال بن عمرو الأسدي !

الحجاج بن مالك .

بشر بن غالب .

عمران بن عبد اللّه الخزاعي .

اسمه

اسمه : الحسين ، وفي التوراة : شبير(3) ، وفي الإنجيل : طاب .

ص: 112


1- تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام للفضيل : 2/153 ، المزار لابن المشهدي : 494 « الناحية » ، الإقبال لابن طاووس : 3/78 « الناحية » ، رجال الطوسي : 101 . وفي إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام للسماوي : 199 : الضرغامة بن مالك التغلبي ، كان كاسمه ضرغاما ، وكان من الشيعة ، وممّن بايع مسلما ، فلمّا خذل خرج فيمن خرج مع ابن سعد ، ومال إلى الحسين عليه السلام فقاتل معه ، وقتل بين يديه مبارزة بعد صلاة الظهر ، رضي اللّه عنه .
2- في معجم رجال الحديث للسيّد الخوئي رحمه الله : 12/169 رقم 7736 : عقبة بن سمعان : من أصحاب الحسين عليه السلام ، رجال الشيخ : 104 ، واستشهد بين يدي الحسين عليه السلام ، ووقع التسليم عليه في الزيارة الرجبية . . وفي مستدركات النمازي : عقبة بن سمعان مولى الرباب بنت إمرى ء القيس .
3- الهداية الكبرى : 201 ، المناقب للخوارزمي : 290 .

كنيته

وكنيته : أبو عبد اللّه (1) ، والخاص : أبو علي(2) .

ألقابه

وألقابه : الشهيد ، السعيد ، والسبط الثاني ، والإمام الثالث ، والمبارك ، والتابع لمرضاة اللّه .

المتحقّق بصفات اللّه ، والدليل على ذات اللّه ، أفضل ثقات اللّه ، المشغول ليلاً ونهارا بطاعة اللّه ، الشاري نفسه للّه (3) .

الناصر لأولياء اللّه ، المنتقم من أعداء اللّه .

الإمام المظلوم ، الأسير المحروم ، الشهيد المرحوم ، القتيل المرجوم .

الإمام الشهيد ، الوليّ الرشيد ، الوصيّ السديد ، الطريد الفريد ، البطلالشديد ، الطيب الوفي .

الإمام الرضي ، ذو النسب العلي ، المنفق الملي ، أبو عبد اللّه الحسين بن علي عليهماالسلام .

منبع الأئمة ، شافع الأمّة ، سيّد شاب أهل الجنّة ، وعبرة كلّ مؤمن ومؤمنة .

ص: 113


1- الإرشاد للمفيد : 2/27 ، تاج المواليد للطبرسي : 28 ، دلائل الإمامة : 180 ، المقنعة للمفيد : 467 باب 13 ، الثقات لابن حبان : 3/68 .
2- الهداية الكبرى : 202 .
3- الهداية الكبرى : 201 .

صاحب المحنة الكبرى ، والواقعة العظمى ، وعبرة المؤمنين في دار البلوى .

وكان بالإمامة أحقّ وأولى ، المقتول بكربلا ، ثاني السيّد الحصور يحيى ابن النبي الشهيد زكريا ، الحسين بن علي المرتضى عليهم السلام .

زين المجتهدين ، وسراج المتوكّلين ، مفخر أئمة المهتدين ، وبضعة كبد سيّد المرسلين صلى الله عليه و آله .

نور العترة الفاطمية ، وسراج الأنساب العلوية ، وشرف غرس الأحساب الرضوية ، المقتول بأيدي شرّ البريّة ، سبط الأسباط ، وطالب الثار يوم الصراط .

أكرم العتر ، وأجلّ الأسر ، وأثمر الشجر ، وأزهر البدر ، معظّم مكرّم موقّر ، منظّف مطهّر .

أكبر الخلائق في زمانه ! في النفس ، وأعزّهم في الجنس ، أذكاهم في العرف ، وأوفاهم في العرف ، أطيب العرق ، وأجمل الخلق ، وأحسن الخلق .

قطعة النور ، ولقلب النبي صلى الله عليه و آله سرور ، المنزّه عن الإفك والزور ، على تحمل المحن والأذى صبور ، مع القلب المشروح حسور .مجتبى الملك الغالب ، الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام .

قول أبي الفضل الهمداني

وقال أبو الفضل الهمداني : من أبوه الرسول ، وأمّه البتول ، وشاهده

ص: 114

التوراة والإنجيل ، وناصره التأويل والتنزيل ، والمبشّر به جبرئيل وميكائيل ، غذته كفّ الحقّ ، ورُبّي في حجر الإسلام ، ورضع من ثدي الإيمان .

من شعره عليه السلام

وأنشأ

عليه السلام يوم الطفّ :

كفر القوم وقدما رغبوا

عن ثواب اللّه ربّ الثقلين

قتلوا قدما عليا وابنه

الحسن الخير الكريم الطرفين

حنقا منهم وقالوا اجمعوا

نفتك الآن جميعا بالحسين

يا لقوم من أناس رذّل

جمعوا الجمع لأهل الحرمين

ثم ساروا وتواصوا كلّهم

باحتياجي لرضاء الملحدين

لم يخافوا اللّه في سفك دمي

لعبيد اللّه نسل الكافرين

وابن سعد قد رماني عنوة

بجنود كوكوف الهاطلين

لا لشيء كان منّي قبل ذا

غير فخري بضياء الفرقدين

بعلي الخير من بعد النبي

والنبي القرشي الوالدين

خيرة اللّه من الخلق أبي

ثم أمّي فأنا ابن الخيرتين

فضّة قد خلصت من ذهب

فأنا الفضّة وابن الذهبين

فاطم الزهراء أمّي وأبي

وارث الرسل ومولى الثقلين

طحن الأبطال لمّا برزوا

يوم بدر وبأحد وحنين

وله في يوم أحد وقعة

شفت الغلّ بفضّ العسكرين

ص: 115

ثم بالأحزاب والفتح معا

كان فيها حتف أهل القبلتين

وأخو خيبر إذا بارزهم

بحسام صارم ذي شفرتين

منفي الصفين عن سيف له

وكذا أفعاله في القبلتين

والذي أردى جيوشا أقبلوا

يطلبون الوتر في يوم حنين

في سبيل اللّه ماذا صنعت

أمّة السوء معا بالعترتين

عترة البرّ التقيّ المصطفى

وعلي القرم يوم الجحفلين

من له عمّ كعمّي جعفر

وهب اللّه له أجنحتين

من له جدّ كجدّي في الورى

وكشيخي فأنا ابن العلمين

والدي شمس وأمّي قمر

فأنا الكواكب وابن القمرين

جدّي المرسل مصباح الهدى

وأبي الموفي له بالبيعتين

بطل قرم هزبر ضيغم

ماجد سمح قويّ الساعدين

عروة الدين علي ذاكم

صاحب الحوض مصلّي القبلتين

مع رسول اللّه سبعا كاملاً

ما على الأرض مصلّ غير ذين

ترك الأوثان لم يسجد لها

مع قريش مذ نشا طرفة عين

عبد اللّه غلاما يافعا

وقريش يعبدون الوثنين

يعبدون اللاّت والعزّى معا

وعلي قائم بالحسنيين

وأبي كان هزبرا ضيغما

يأخذ الرمح فيطعن طعنتين

كتمشي الأسد بغيا فسقوا

كأس حتف من نجيع الحنظلين(1)

ص: 116


1- الاحتجاج : 2/26 ، الفتوح لابن أعثم : 5/115 ، روضة الواعظين : 156 .

ثم استوى عليه السلام على فرسه وقال :

أنا ابن علي الخير من آل هاشم

كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

وجدّي رسول اللّه أكرم خلقه

ونحن سراج اللّه في الأرض يزهر

وفاطم أمّي من سلالة أحمد

وعمّي يدعى ذا الجناحين جعفر

وفينا كتاب اللّه أنزل صادقا

وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر

ونحن أمان اللّه للخلق كلّهم

نسرّ بهذا في الأنام ونجهر

ونحن ولاة الحوض نسقي وليّنا

بكأس رسول اللّه ما ليس ينكر

وشيعتنا في الناس أكرم شيعة

ومبغضنا يوم القيامة يخسر(1)

* * *

ص: 117


1- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/32 ، الاحتجاج : 2/26 .

ص: 118

فصل 8 : في المفردات من مناقبه عليه السلام

اشارة

ص: 119

ص: 120

قتل بالحسين عليه السلام مائة ألف وما طلب بثأره

تاريخ بغداد ، وخراسان ، والإبانة ، والفردوس ، قال ابن عباس :

أوحى اللّه - تعالى - إلى محمد صلى الله عليه و آله : إنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وأقتل بابن بنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا(1) .

الصادق عليه السلام : قتل بالحسين عليه السلام مائة ألف وما طلب بثأره ، وسيطلب

بثأره(2) .

فديت من فديته بابني إبراهيم

تفسير النقّاش بإسناده عن سفيان الثوري عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال :

كنت عند النبي صلى الله عليه و آله ، وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذهالأيمن الحسين بن علي عليهماالسلام ، وهو تارة يقبّل هذا ، وتارة يقبّل هذا ، إذ هبط جبرئيل عليه السلام بوحي من ربّ العالمين .

ص: 121


1- تاريخ بغداد : 1/152، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/168 ح 1112 ، المستدرك للحاكم : 2/290 ، تاريخ دمشق : 14/225 ، الفردوس للديلمي : 3/238 رقم 4554 .
2- انظر كامل الزيارات لابن قولويه : 134 باب 18 ح 154 .

فلمّا سرى عنه ، قال : أتاني جبرئيل عليه السلام من ربّي فقال : يا محمد ، إنّ ربّك يقرأ عليك السلام ويقول : لست أجمعهما ، فأفد أحدهما بصاحبه .

فنظر النبي صلى الله عليه و آله إلى إبراهيم ، فبكى وقال : إنّ إبراهيم أمّه أمة ، ومتى مات لم يحزن عليه غيري ، وأمّ الحسين فاطمة عليهماالسلام ، وأبوه علي ابن عمّي ، لحمي ودمي ، ومتى مات حزنت ابنتي ، وحزن ابن عمّي ، وحزنت أنا عليه ، وأنا أوثر حزني على حزنهما ، يا جبرئيل يقبض إبراهيم ، فديته بالحسين عليه السلام .

قال : فقبض بعد ثلاث ، فكان النبي صلى الله عليه و آله إذا رأى الحسين عليه السلام مقبلاً قبّله وضمّه إلى صدره ، ورشف ثناياه وقال : فديت من فديته بابني إبراهيم(1) .

أعرابي يشفّعه عليه السلام في حاجته عند معاوية

يقال : دخل الحسين عليه السلام على معاوية وعنده أعرابي يسأله حاجة ، فأمسك وتشاغل بالحسين عليه السلام ، فقال الأعرابي لبعض من حضر : من هذا الذي دخل ؟ قالوا : الحسين بن علي عليهماالسلام ، فقال الأعرابي للحسين عليه السلام : يا ابن بنت رسول اللّه ، لما كلّمته حاجتي .

فكلّمه الحسين عليه السلام في ذلك ، فقضى حاجته ، فقال الأعرابي :أتيت العبشمي فلم يجد لي

إلى أن هزّه ابن الرسول

هو ابن المصطفى كرما وجودا

ومن بطن المطهّرة البتول

وإنّ لهاشم فضلاً عليكم

كما فضل الربيع على المحول

ص: 122


1- تاريخ بغداد : 2/200 ، تاريخ دمشق : 52/324 .

فقال معاوية : يا أعرابي أعطيك وتمدحه ؟ فقال الأعرابي : يا معاوية ، أعطيتني من حقّه ، وقضيت حاجتي بقوله .

معاوية يستشير مروان وابن العاص في أمر الحسين عليه السلام

العقد عن الأندلسي : دعا معاوية مروان بن الحكم ، فقال له : أشر عليّ في الحسين عليه السلام ، فقال : أرى أن تخرجه معك إلى الشام ، وتقطعه عن أهل العراق وتقطعهم عنه ، فقال : أردت - واللّه - أن تستريح منه وتبتليني به ، فإن صبرت عليه صبرت على ما أكره ، وإن أسأت إليه قطعت رحمه .

فأقامه وبعث إلى سعيد بن العاص ، فقال له : يا أبا عثمان ، أشر عليّ في الحسين عليه السلام ، فقال : إنّك - واللّه - ما تخاف الحسين إلاّ على من بعدك ، وإنّك لتخلّف له قرنا ، إن صارعه ليصرعنّه ، وإن سابقه ليسبقنّه ، فذر الحسين بمنبت النخلة يشرب الماء ، ويصعد في الهواء ، ولا يبلغ إلى السماء(1) .

ص: 123


1- العقد الفريد : 1/469 .

من مناقبه عليه السلام

ما ظهر من مشهد الرأس

ومن مناقبه عليه السلام :

ما ظهر من المشاهد التي يقال لها « مشهد الرأس » من كربلا إلى عسقلان ، وما بينهما في الموصلان ، ونصيبين ، وحماة ، وحمص ، ودمشق ، وغير ذلك .

جعل اللّه له ثلاثا

والخبر المشهور عن النبي صلى الله عليه و آله : شفاء أمّتي في تربتك ، والأئمة من ذرّيتك .

ويروى : الشفاء في تربته ، والإجابة تحت قبته ، والأئمة من ذرّيته(1) .

شعر ذكوان مولى الحسين عليه السلام عند معاوية

قال الشعبي في حديثه : قال ذكوان مولى الحسين عليه السلام عند معاوية :

فيم الكلام لسابق في غاية

والناس بين مقصّر ومبلّد

ص: 124


1- أمالي الطوسي : 317 م 644 ، بشارة المصطفى : 327 ، المزار للمفيد : 3 ، اعلام الورى : 1/431 . .

إنّ الذي يجري ليدرك شاؤه

في غاية تنمى لغير مسدّد

بل كيف يدرك نور بدر ساطع

خير الأنام وفرع آل محمد(1)* * *

عجائبه عليه السلام

ومن عجائبه :

ما بقي مأتمه في البلاد كلّها ، لأنّه آخر أهل العباء ، وأشنع قتيل في الدنيا .

قال المرتضى :

مصيبة قدم الأزمان يوقدها

والماضيات من الأيام تذكيها

* * *

وقال الشريف ابن الرضا :

يا حسين بن فاطم بن علي

أنت سبط الرسول ذو الأنساب

يا إمامي ومرشدي ووليي

ومغيثي على الأمور الصعاب

* * *

وقال الصاحب :

أواليكم يا أهل بيت محمد

فكلّكم للعلم والدين فرقد

وأترك من ناواكم وهو هتكة

ينادى عليه مولد ليس يحمد

* * *

ص: 125


1- جمهرة خطب العرب : 2/159 رقم 137 « عند ابن الزبير » .

وقال علم الهدى :

يا حجّة اللّه كم تلقى حقوقكم

تدنون منها وأيدي البغي تقصيها

وكم سروحكم في أرض مضبعة

فلا السيوف ولا الأرماح تحميها

وكم غروسكم تروى بناءكم

عنها وأيدي العوادي النكد تجنيها

وكم دياركم منكم مفرّغة

وغيركم من أعادي الدين يأويها

وكم أكابد فيكم ثقل مؤلمة

بالأمن والخوف أبديها وأخفيها

حتى مضى ثاركم لا طالبين له

وناركم نام عنها الدهر مذكيها

حتى متى أنتم لحم على وضم(1)

ومضغة بيد ترمى إلى فيها

حتى متى تخفض الغاوون ذروتكم

واللّه يرفعها عمدا ويعليها

ص: 126


1- الوضم : ما وضع عليه الطعام فأكل ، والوضم : جمع أوضام خشبة الجزار التي يقطع عليها اللحم ، والوضيمة : طعام المأتم .

حتى متى تهدم الأقوام هضبتكم

واللّه في كلّ يوم جاء يبنيها

* * *

وقال كشاجم :

يا عترة حبّهم يدين به

صالح هذا الورى وطالحه

مغالق الشمّ أنتم يا بني

أحمد إذ غيركم مفاتحه

طبتم فإن مرّ ذكركم عرضا

فاح بدار الجنان فائحه

أكاتم الحزن في محبّتكم

والحبّ يعبأ به مكادحه

* * *

ص: 127

ص: 128

فصل 9 : في مقتله عليه السلام

اشارة

ص: 129

ص: 130

المخاصمة بدم المظلوم يوم القيامة

تفسير أبي يوسف بن يعقوب بن سفيان ، وتفسير يوسف بن موسى القطان عن عمرو بن حمران عن سعيد بن أبي المليح عن ميمون بن مهران في قوله تعالى : « وَلا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ » قال : هذاوعيد من اللّه لظلمة أهل بيت محمد عليهم السلام ، وتعزية للمظلوم(1) .

وفي أثر ابن عباس : رأى النبي صلى الله عليه و آله في منامه بعد قتل الحسين عليه السلام ، وهو مغبرّ الوجه ، حافي القدمين ، باكي العينين ، وقد ضمّ حجز قميصه إلى نفسه ، وهو يقرأ هذه الآية ، وقال : إنّي مضيت إلى كربلاء ، والتقطت دم الحسين عليه السلام من الأرض ، وهو ذا في حجري ، وأنا ماض أخاصمهم بين يدي ربّي(2) .

الباقر عليه السلام في قوله تعالى : «وَإِذَا الْمَوْؤدَةُ سُئِلَتْ » ، يقول : يسألكم

ص: 131


1- تفسير مجمع البيان : 6/88 ، تفسير جامع البيان للطبري : 13/310 ، تفسير السمرقندي : 2/596 .
2- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/168 ح 1110 ، مسند أحمد : 1/242 ، المستدرك للحاكم : 4/398، منتخب مسند عبد بن حميد : 235 رقم 710 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/110 رقم 822 12/143 ، الاستذكار : 1/396 ، تاريخ بغداد : 1/152 ، تاريخ دمشق : 14/237 ، دلائل النبوة للبيهقي : 6/471 ، اعلام الورى : 1/431 « باختلاف » .

عن الموؤودة التي أنزل عليكم فضلها « مودّة ذي القربى » ، وحقّنا الواجب على الناس ، وحبّنا الواجب على الخلق ، قتلوا مودّتنا ! بأيّ ذنب قتلونا(1) ؟! .

اللّه يخبر زكريا بشهادة الحسين عليه السلام

سأل إسحاق الأحمر الحجّة عليه السلام عن قول اللّه تعالى «كهيعص» ، فقال :هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع اللّه عليه عبده زكريا ، ثم قصّها على محمد صلى الله عليه و آله ، وذلك أنّ زكريا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة ، فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام ، وعلّمه إياها ، وكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام سرى عنه همّه ، وانجلى كربه ، وإذا ذكر الحسين عليه السلام غلبته العبرة ، ووقعت عليه الزفرة .

فقال ذات يوم : إلهي إذا ذكرت أربعا منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين عليه السلام تدمع عيني ، وتثور زفرتي ؟ !

فأنبأه اللّه في قصّته فقال : « كهيعص » ، فالكاف اسم كربلاء ، والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد ، وهو ظالم للحسين عليه السلام ، والعين عطشه ، والصاد صبره .

فلمّا سمع ذلك زكريا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ، ومنع الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب ويقول : إلهي ، أتفجع خير خلقك بولده ؟ !

ص: 132


1- تفسير فرات : 542 ح 696 .

إلهي أتنزل الرزيّة بفنائه ؟ !

إلهي أتلبس عليا وفاطمة عليهماالسلام ثياب هذه المصيبة ؟ !

إلهي أتحلّ هذه الفجيعة بساحتهما !

ثم كان يقول : اللّهم ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر ، واجعله وارثا رضيّا يوازي محلّه منّي الحسين عليه السلام ، فإذا رزقتنيه فافتني بحبّه ، ثم افجعني به كما تفجع محمدا صلى الله عليه و آله حبيبك بولده ، فرزقه يحيى عليه السلام وفجعه به .

بين يحيى والحسين عليهماالسلام

وكان حمل يحيى عليه السلام ستّة أشهر ، وحمل الحسين عليه السلام ستّة أشهر .

وذبح يحيى عليه السلام كما ذبح الحسين عليه السلام .

ولم تبك السماء والأرض إلاّ عليهما(1) . . الخبر .

علي بن الحسين عليهماالسلام ، قال : خرجنا مع الحسين عليه السلام ، فما نزل منزلاً ، ولا ارتحل عنه ، إلاّ وذكر يحيى بن زكريا عليهماالسلام .

وقال يوما : من هوان الدنيا على اللّه أنّ رأس يحيى عليه السلام أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل(2) .

وفي حديث مقاتل عن زين العابدين عليه السلام : إنّ امرأة ملك بني إسرائيل

ص: 133


1- دلائل الإمامة للطبري : 513 ، كمال الدين للصدوق : 461 باب 43 ، الاحتجاج : 2/273 .
2- الإرشاد للمفيد : 2/132 ، اعلام الورى : 1/429 ، تفسير مجمع البيان : 6/405 .

كبرت ، وأرادت أن تزوّج بنتها منه للملك ، فاستشار الملك يحيى بن زكريا ، فنهاه عن ذلك ، فعرفت المرأة ذلك وزيّنت بنتها وبعثتها إلى الملك .

فذهبت ولعبت بين يديه ، فقال لها الملك : ما حاجتك ؟ قالت : رأس يحيى بن زكريا !

فقال الملك : يا بنية حاجة غير هذه ، قالت : ما أريد غيره .

وكان الملك إذا كذب فيهم عزل عن ملكه ، فخيّر بين ملكه وبين قتليحيى

عليه السلام ، فقتله ، ثم بعث برأسه إليها في طشت من ذهب ، فأمرت الأرض فأخذتها ، وسلّط اللّه عليهم بخت نصر ، فجعل يرمي عليهم بالمجانيق ، ولا تعمل شيئا .

فخرجت عليه عجوز من المدينة ، فقالت : أيّها الملك ، إنّ هذه مدينة الأنبياء لا تنفتح إلاّ بما أدلّك عليه .

قال : لك ما سألت ، قالت : ارمها بالخبث والعذرة ، ففعل فتقطّعت فدخلها .

فقال : عليّ بالعجوز ، فقال لها : ما حاجتك ؟ قالت : في المدينة دم يغلي ، فاقتل عليه حتى يسكن ، فقتل عليه سبعين ألفا حتى سكن(1) .

يا ولدي - يا علي - واللّه لا يسكن دمي حتى يبعث المهدي اللّه ، فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفا .

ص: 134


1- تفسير القمي : 1/88 .

إسماعيل صادق الوعد يتأسّى بالحسين عليه السلام

وقال بعض المفسرين في قوله : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ » .. الآيات ، إنّه إسماعيل بن حزقيل ، لأنّ إسماعيل بن إبراهيم مات قبل أبيه ، بعثه اللّه إلى قومه ، فسلخوا جلدة وجهه وفروة رأسه ، فخيّره اللّه في ما شاء من عذابهم ، فاستعفاه ورضى بثوابه ، وفوّض أمرهم إلى اللّه (1) .وقد رواه أصحابنا عن الصادق عليه السلام قال في آخره : أتاه ملك من ربّه يقرأه السلام ويقول : قد رأيت ما صنع بك ، فمرني بما شئت ، فقال : يكون لي بالحسين عليه السلام أسوة(2) .

لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه

الصادق عليه السلام : دخل الحسين عليه السلام على أخيه الحسن عليه السلام يوما ، فلمّا نظر إليه بكى ، فقال له الحسن عليه السلام : ما يبكيك يا أبا عبد اللّه ؟ قال : أبكي لما يصنع بك .

فقال له الحسن عليه السلام : إنّ الذي يؤتي إليّ بسمّ يدسّ(3) إليّ ، فأقتل به ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنّهم أمّة جدّك محمد صلى الله عليه و آله ، وينتحلون دين الإسلام ، فيجتمعون

ص: 135


1- كامل الزيارات لابن قولويه : 137 باب 19 ح 61 ، علل الشرائع : 1/78 باب 68 ح 2 ، أمالي المفيد : 40 باب 5 ح 7 .
2- تفسير مجمع البيان : 6/429 .
3- في النسخ : « يومى » وما أثبتناه من الأمالي .

على قتلك وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أميّة اللعنة ، وتمطر السماء دما ورمادا ، ويبكي عليك كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار(1) .

النبي والزهراء عليهماالسلام يخاصمان قاتل الحسين عليه السلام

النبي صلى الله عليه و آله : بيني وبين قاتل الحسين عليه السلام خصومة يوم القيامة ، آخذ ساق العرش بيدي ، ويأخذ علي عليه السلام بحجزتي ، وتأخذ فاطمة بحجزة علي عليهماالسلام

ومعها قميص ، فأقول : يا ربّ ، انصفني في قتله الحسين عليه السلام .

يوم الحسين عليه السلام أقرح جفوننا

الرضا عليه السلام : إنّ المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون القتال فيه ، فاستحلت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبيت فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثقلنا ، ولم يترك لرسول اللّه صلى الله عليه و آله حرمة في أمرنا .

إنّ يوم الحسين عليه السلام أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلّ عزيزنا ، أرض(2) كرب وبلا أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام(3) .

ص: 136


1- أمالي الصدوق : 177 مج 24 ح179 .
2- في الأمالي : « بأرض » وفي بعض نسخ الأمالي : « يا أرض كربلاء » .
3- أمالي الصدوق : 190 مج 27 ح 199 ، روضة الواعظين : 169 .

قال الحميري :

كربلا يا دار كرب وبلا

وبها سبط النبي قد قتلا

* * *

وله أيضا :

في حرام من الشهور أحلّت

حرمة اللّه والحرام حرام

* * *

من آداب يوم عاشوراء

الرضا عليه السلام : من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى اللّه حوائجه في الدنيا والآخرة .

ومن كان يوم عاشوراء مصيبته وحزنه وبكاؤه جعل اللّه يوم القيامة فرحه وسروره ، وقرّت في الجنان عينه .

ومن سمّى يوم عاشوراء يوم بركة ، وادّخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك له ، وحشره يوم القيامة مع يزيد وعبيد اللّه بن زياد وعمر بن سعد إلى أسفل درك من النار(1) .

أجر من شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام ولعن قاتله

وشرب الصادق عليه السلام ، وقد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه ، وقال : لعن اللّه قاتل الحسين عليه السلام .

ص: 137


1- أمالي الصدوق : 191 مج 27 ح 201 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/267 ح 57 ، روضة الواعظين : 169 .

ثم قال بعد كلام : وما من عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام ولعن قاتله إلاّ كتب اللّه له مائة ألف حسنة ، ورفع له مائة درجة ، وكان كأنّما أعتق مائة ألف نسمة ، ومحا عنه مائة ألف سيئة ، وحشره يوم القيامة أبلجالوجه(1) .

أنا قتيل العبرة

الحسين عليه السلام : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلاّ استعبر(2) .

قال المرتضى :

أأسقى نمير الماء ثم يلذّ لي

ووردكم آل الرسول خلاة

تذادون عن ماء الفرات وكارع

به إبل للغادرين وشاة

* * *

وقال العوني :

وا حزنا للحسين منجدلاً

عار بذيل التراب ملتحف

عطشان يرنو إلى الفرات ظما

وماؤها بالأكفّ يغترف

تشرع فيه كلاب عسكره

وابن علي عليه يلتهف

* * *

ص: 138


1- الكافي : 6/391 ح 6 ، كامل الزيارات لابن قولويه : 212 باب 34 ح 304 ، أمالي الصدوق : 205 مج 29 ح 223 .
2- كامل الزيارات لابن قولويه : 215 باب 36 ح 310 ، أمالي الصدوق : 200 مج 28 ح 214 ، روضة الواعظين : 170 .

لا تطعموا الأطفال يوم عاشوراء

التهذيب قال الصادق عليه السلام : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله كثيرا ما يتفل في أفواه الأطفال المراضع من ولد فاطمة عليهاالسلام من ريقه ، ويقول : لا تطعمهم شيئا إلى الليل ، وكانوا يروون من ريق رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

صوم الوحش يوم عاشوراء

قال : وكانت الوحش تصوم يوم عاشوراء على عهد داود(1) عليه السلام .

ص: 139


1- تهذيب الأحكام للطوسي : 4/333 ح 1045 ، الشفاء للقاضي عياض : 1/332 .

مقتله عليه السلام

اشارة

وهذه نبذ اخترناها ممّا صنفه أبو جعفر ابن بابويه ، والسيد الجرجاني ، وابن مهدي المامطيري ، وعبد اللّه بن أحمد بن حنبل ، وشاكر بن غنمة ، وأبو الفضل الهاشمي وغيرهم .

وصيّة معاوية ليزيد

روي : أنّه لمّا مات الحسن بن علي عليهماالسلام استدعي الحسين عليه السلام في خلع معاوية ، فقال : إنّ بيني وبين معاوية عهدا لا يجوز نقضه(1) .

فلمّا قربت وفاة معاوية قال لابنه يزيد : لا ينازعك في هذا الأمر إلاّ أربعة :الحسين بن علي عليهماالسلام، وعبد اللّه بن عمر، وعبداللّه بن الزبير، وعبدالرحمن بن أبي بكر .

فأمّا ابن عمر ، فإنّه زاهد !! ويبايعك إذا لم يبق أحد غيره .

وأمّا ابن أبي بكر ، فإنّه مولع بالنساء واللّهو .

وأمّا ابن الزبير ، فإنّه يراوغك روغان الثعلب ، ويجثم عليك جثوم الأسد ، فإن قدرت عليه فقطّعه إربا إربا .

ص: 140


1- روضة الواعظين : 171 ، الإرشاد للمفيد : 2/32 ، اعلام الورى : 1/434 .

وأمّا الحسين عليه السلام ، فإنّ أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه ، فإن قدرت عليه ، فاصفح عنه ، فإنّ له رحما ماسّة ، وحقّا عظيما(1) !!

كتاب يزيد الى الوليد بأخذ البيعة

قال : فلمّا مات معاوية كتب يزيد إلى الوليد بن عقبة بن أبي سفيان بالمدينة يأخذ البيعة من هؤلاء الأربعة أخذا ضيّقا ليست فيه رخصة(2) ، فمن تأبّى عليك منهم فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه(3) .

فأحضر الوليد مروان وشاوره في ذلك ، فقال : الرأي أن تحضرهم ، وتأخذ منهم البيعة قبل أن يعلموا .فوجه في طلبهم وكانوا عند التربة ، فقال عبد الرحمن وعبد اللّه : ندخل دورنا ، ونغلق أبوابنا .

وقال ابن الزبير : واللّه ما أبايع يزيدا أبدا(4) .

وقال الحسين بن علي عليهماالسلام : أنا لابد لي من الدخول على الوليد وأنظر ما يقول .

ص: 141


1- الأخبار الطوال للدينوري : 226 ، تاريخ الطبري : 4/238 ، الفتوح لابن أعثم : 4/350 .
2- الفتوح لابن أعثم : 5/10 ، تاريخ الطبري : 4/250 ، المقتل لأبي مخنف : 3 ، الإمامة والسياسة : 1/225 .
3- الفتوح لابن أعثم : 5/10 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 180 .
4- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 182 وفيه أنّ ما نسب هنا لابن الزبير إنّما هو من كلام سيّد الشهداء عليه السلام .

ثم قال لمن حوله من أهل بيته : إذا أنا دخلت على الوليد وخاطبته وخاطبني ، وناظرته وناظرني ، كونوا على الباب ، فإذا سمعتم الصيحة قد علت ، والأصوات قد ارتفعت ، فاهجموا إلى الدار ، ولا تقتلوا أحدا ، ولا تثيروا الفتنة .

فلمّا دخل عليه وقرأ الكتاب ، قال : ما كانت أبايع ليزيد ، فقال مروان : بايع لأمير المؤمنين ، فقال الحسين عليه السلام : كذبت - ويلك - على المؤمنين من أمّره عليهم ؟

فقام مروان وجرّد سيفه وقال : مر سيّافك أن يضرب عنقه قبل أن يخرج من الدار ، ودمه في عنقي .

وارتفعت الصيحة ، فهجم تسعة عشر رجلاً من أهل بيته ، وقد انتضوا خناجرهم ، فخرج الحسين عليه السلام معهم .

ووصل الخبر إلى يزيد ، فعزل الوليد وولاّها مروان .وخرج الحسين عليه السلام وابن الزبير إلى مكة ، ولم يتشدّد على ابني العمرين(1)(2) .

الحسين عليه السلام يرى النبى صلى الله عليه و آله فى الرؤيا

فكان الحسين عليه السلام يصلّي يوما إذ وسن ، فرأى النبي صلى الله عليه و آله في منامه يخبره

ص: 142


1- انظر الفتوح لابن أعثم : 5/14 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 182 ، الأخبار الطوال للدينوري : 227 ، تاريخ الطبري : 4/251 ، الإمامة والسياسة : 1/226 .
2- يعني بالعمرين : « أبا بكر وعمر » .

بما يجري عليه ، فقال الحسين عليه السلام : لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا ، فخذني إليك ، فيقول : لابد من الرجوع حتى تذوق الشهادة(1) .

ابن الحنفية وابن مطيع وابن عباس يعترضون الحسين عليه السلام

وكان محمد بن الحنفية وعبد اللّه بن المطيع نهياه عن الكوفة(2) ، وقالا : إنّها بلدة مشؤومة ، قتل فيها أبوك ، وخذل فيها أخوك ، فالزم الحرم ، فإنّك سيّد العرب ، لا يعدل بك أهل الحجاز ، وتتداعى إليك الناس من كلّ جانب .

ثم قال محمد بن الحنفية : وإن نبت بك لحقت بالرمال وسعف الجبال ،وتنفلت من بلد إلى بلد حتى تفرق لك الرأي ، فتستقبل الأمور استقبالاً ، ولا تستدبرها استدبارا(3) .

وقال ابن عباس : لا تخرج إلى العراق ، وكن باليمن لحصانتها ورجالها(4) .

فقال عليه السلام : إنّي لم أخرج بطرا ولا أشرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنّما خرجت أطلب الصلاح في أمّة جدّي محمد صلى الله عليه و آله ، أريد آمر بالمعروف

ص: 143


1- الفتوح لابن أعثم : 5/19 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 187 .
2- الأخبار الطوال للدينوري : 228 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 189 ، الفتوح لابن أعثم : 5/23 .
3- تاريخ الطبري : 4/253 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 188 ، الفتوح لابن أعثم : 5/20 ، المقتل لأبي مخنف : 38 .
4- انظر مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 191 - 193 .

وأنهى عن المنكر ، أسير بسيرة جدّي وسيرة أبي علي بن أبي طالب ، فمن قبلني بقبول الحقّ ، فاللّه أولى بالحقّ ، وهو أحكم الحاكمين(1) .

خروج الحسين عليه السلام من المدينة

قالوا : فخرج ليلة الثالث من شعبان سنة ستّين ، وهو يقرأ : « فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ »(2) الآية .

كتب أهل الكوفة للحسين عليه السلام

ثم إنّ أهل الكوفة اجتمعوا في دار سليمان بن صرد الخزاعي ، فكاتبوا الحسين عليه السلام : من سليمان بن صرد ، والمسيب بن نجية ، ورفاعة بن شداد ، وحبيب بن مظاهر ، وشيعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة :

سلام عليك ، أمّا بعد ، فالحمد للّه الذي قصم عدوك الجبار العنيد ، الذي انتزى على هذه الأمّة ، فابتزها أمرها ، وغصبها فيئها ، وتأمّر عليها

ص: 144


1- الفتوح لابن أعثم : 5/21 .
2- الفتوح لابن أعثم : 5/21 ، وفي الإرشاد للمفيد : 2/35 واعلام الورى : 1/435 وغيرها ، واللفظ للإرشاد : ولمّا دخل الحسين عليه السلام مكة كان دخوله اليها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان . . وفي روضة الواعظين : 171 ، والإرشاد : 2/34 ، وتارريخ الطبري : 4/252 ، ومقتل أبي مخنف : 7 ، واللفظ للروضة : فخرج عليه السلام من تحت ليلته ، وهي ليلة الأحد ليومين بقيتا من رجب متوجهين الى مكة . .

بغير رضى منها ، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها ، وجعل مال اللّه دولة بين جبابرتها وعتاتها ، فبعدا له كما بعدت ثمود ، إنّه ليس علينا بإمام ، فأقبل لعل اللّه أن يجمعنا على الحقّ بك ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجمع معه في الجمعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت الينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء اللّه .

ثم سرّحوا الكتاب مع عبيد اللّه بن مسلم(1) الهمداني ، وعبد اللّه بن مسمع البكري ، حتى قدما على الحسين عليه السلام لعشر مضين من شهر رمضان(2) .

ثم بعد يومين أنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي ، وعبد الرحمن بن عبد اللّه الأرحبي ، وعمارة بن عبد اللّه السلولي ، وعبد اللّه بن وال السهمي إلى الحسين عليه السلام ، ومعهم نحو من مائة وخمسين صحيفة من الرجل والإثنين .ثم سرّحوا بعد يومين هاني بن هاني السبيعي ، وسعيد بن عبد اللّه الحنفي ، بكتاب فيه :

للحسين بن علي من شيعته المؤمنين ، أمّا بعد : فحيهل ، فإنّ الناس ينتظرونك ، لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل ، ثم العجل يا ابن رسول اللّه .

وكتب شبث بن ربعي ، وحجار بن أبحر ، ويزيد بن الحارث ، ويزيد بن رويم ، وعمرو بن الحجاج ، ومحمد بن عمير ، وعروة بن قيس :

ص: 145


1- في مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : « سبيع » .
2- روضة الواعظين : 172 ، الإرشاد للمفيد : 2/37 ، تاريخ الطبري : 4/261 ، المقتل لأبي مخنف : 15 ، الإمامة والسياسة : 2/7 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 195 .

أمّا بعد ، فقد أخصب الجناب ، وأينعت الثمار ، فإذا شئت فاقدم على جند مجندة(1)(2) .

ص: 146


1- روضة الواعظين : 172 ، الإرشاد للمفيد : 2/39 ، تاريخ الطبري : 4/262 ، المقتل لأبي مخنف : 16 ، اعلام الورى : 1/436 .
2- الذين كتبوا الى الحسين عليه السلام ينقسمون الى عدّة أصناف ، ويصطفّون في عدّة صفوف ، يختلفون باختلاف النوايا والأهداف والتصورات والعقائد والخيارات والاختيارات ، وقد كشفت مواقفهم عن نواياهم وأهدافهم ، والعبرة بالعاقبة . الفريق الأوّل : الانتهازيون والمنافقون وهم أكثريّة بين الرؤوس وكبار الشخصيات ، وأقليّة كانت تنتشر في المجمتع الكوفي يومئذٍ ، وهم إنّما كاتبوا الحسين عليه السلام طمعاً في الدنيا ، وحبّاً للدعة ، وانتهازاً للفرص ، وركوباً للموجة التي كانوا يستشرفون منها جني قطاف العيش الرغيد الذي استروحوه يوم ماجت الكوفة بذكر الحسين عليه السلام واللجوء اليه فراراً من الحكم الأموي الذي اهتزت أركانه بوفاة معاوية . ويمكن استكشاف ذلك من نصّ الكتاب الذي أمضاه جماعة الإنتهازيين من أمثال شبث بن ربعي وحجّار وعزرة بن قيس وأمثالهم . فقد كتب شبث بن ربعي ، وحجار بن أبجر ، ويزيد بن الحارث ، ويزيد بن رويم ، وعزرة ابن قيس ، وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، ومحمد بن عمير التميمي : أمّا بعد ، فقد اخضر الجناب ، وأينعت الثمار ، وطمت الجمام ، فإذا شئت فاقدم على جند لك مجند ، والسلام عليك . فكلام هؤلاء الأوغاد يتركّز على جنات خضراء ، وثمار يانعة ، وآبار طامية ، وزروع باسقة ، تنتظر القطاف ، وجني الثمار ، وهم في رفاهية من العيش ، ودعة من الحياة ، فإن شاء الحسين عليه السلام فليقدم ، لأنّ الناس ينتظرونه . . الناس ينتظرونه ، أمّا هم أنفسهم فإنّهم ينتظرون القطاف ، فإذا جاء كانوا هم معه ، وقد قدّموا لذلك مع من قدّم ، وسجّلوا موقفاً مع من سجّل ، وإن لم يأتِ الحسين عليه السلام فليأتِ غيره ، ولا خطر عليهم في ظلّ الغير لأنّهم منه . ثم إنّه قالوا : إذا شئت أقدم على جند لك مجندة ، فكأنّهم يريدون إخباره عليه السلام بما يجري من بيعة الناس له ، ولا يريدون أن يعلنوا له عن إستعداد البته ، فلا يريدونه أن يقدم عليهم إماماً وأميراً يحاربون تحت لوائه ، فهم يقولون : أقدم على جند لك ، ولا يقولون : أقدم علينا فإنّنا جند لك ! وهكذا هم أصحاب هذا الفريق . . متقلّبون ، متزلّفون ، انتهازيون ، يميلون مع كلّ ريح ترحل بهم الى مآربهم وأطماعهم ، فإذا كانت الدنيا مع الأدعياء ركعوا لهم ، وتزلّفوا اليهم ، وتخندقوا في خنادقهم . الفريق الثاني : الشيعة والمؤمنون وثمّة فريق آخر كتب يخاطب الإمام الحسين عليه السلام معتقداً بإمامته وقيادته ، ومتذمّراً من الحكم الأموي المنحرف ، وهارباً من ظلم المتمرّدين على اللَّه وعلى رسوله صلى الله عليه و آله ، وملتجأ الى العدل المطلق ، ومعلناً عن إستعداده للموت بين يدي الحقّ ، ونلحظ ذلك في نموذج آخر من الكتب التي وصلت الى الحسين عليه السلام من شيعته : روى الطبري وغيره عن محمد بن بشر الهمداني قال : اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد ، فذكرنا هلاك معاوية ، فحمدنا اللَّه عليه . فقال لنا سليمان بن صرد : إنّ معاوية قد هلك ، وإنّ حسيناً قد تقبّض على القوم ببيعته ، وقد خرج إلى مكة ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوه ، فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الوهن والفشل ، فلا تغرّوا الرجل من نفسه . قالوا : لا ، بل نقاتل عدوه ، ونقتل أنفسنا دونه . قال : فاكتبوا إليه . فكتبوا إليه : بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، لحسين بن علي ، من سليمان بن صرد ، والمسيب بن نجبة ، ورفاعة ابن شداد ، وحبيب بن مظاهر ، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة : سلام عليك ، فإنّا نحمد إليك اللَّه الذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد : فالحمد للَّه الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمّة ، فابتزها أمرها ، وغصبها فيأها ، وتأمّر عليها بغير رضى منها ، ثم قتل خيارها ، واستبقى شرارها ، وجعل مال اللَّه دولة بين جبابرتها وأغنيائها ، فبعداً له كما بعدت ثمود . إنّه ليس علينا إمام ، فأقبل لعلّ اللَّه أن يجمعنا بك على الحقّ ، والنعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء اللَّه ، والسلام ورحمة اللَّه عليك . مقارنة بين الفريقين قارن بين الكتابين تعرف الفريقين : فريق يمدّ عينيه الى زهرة الحياة الدنيا ، والجنان المخضرة ، والثمار اليانعة ، والمياه الجارية . وفريق يتضوّر من الكفر والظلم والجور ، ويتوق الى الإيمان والعدل والشهادة والحور . . . الفريق الأوّل لايعاني من مضايقات، ولامطاردات في ظلّ الحكم القائم، ويرى ازدهار مسيرة العمران الدنيوي ، وكلّ ما يراه هو نعيم وحدائق ذات بهجة ، ونخيل باسقات حان اقتطافها ، وأكل دائم يخشون انقطاعه . والفريق الآخر يشكو العدوّ الجبار العنيد الذي تسلّط على الأمّة فابتزها أمرها ، وغصبها فيأها ، وتأمّر عليها بغير رضى منها ، ثم قتل خيارها ، واستبقى شرارها ، وجعل مال اللَّه دولة بين جبابرتها وأغنيائها . . . فريق لا يذكر السلطان الحاكم بسوء . وفريق يذكره بمساويء أفعاله وتجبره وطغيانه ، ويدعو عليه بالإنتقام واللّعنة فيقول : فبعداً له كما بعدت ثمود . فريق لا يشعر بفراغ الإمامة ، لأنّه لا يميّز بين إمامة سيد شباب أهل الجنة عليه السلام ، وملك أولاد البغايا والأدعياء والطلقاء . وفريق لا يقرّ للأوغاد بالطاعة ويستغيث ويتوسّل بالمعصوم قائلاً: إنّه ليس علينا إمام ، فأقبل لعلّ اللَّه أن يجمعنا بك على الحقّ . فريق يتكلّم بضمير الغائب ، وفريق ينطق بضمير المتكلّم . . فريق يتحدّث عن استعداد الغير ، وفريق يعد النصرة بالنفس . . فريق يعد عن جند لا يعدّ نفسه منهم ، وفريق يعد المبادرة . . فريق يكتب بالكناية والتلويح ، ويستعمل العبارات التي لا تدخل السرور على قلب الحسين عليه السلام ولا تحزن أعداءه ، تماماً كما يعبّر القرآن الكريم : « لا إِلى هؤلاءِ وَلا إِلى هؤلاءِ » ، ولو وقع الكتاب بيد أعداء الحسين عليه السلام فإنّ فيه متّسع ، ومجال اعتذار ، ومدح مبطّن يكشف بعد شرح ما بين السطور من كلماتهم ، وهم لا يذكرون هلاك الطاغية ، ولم يبدوا فرحاً بضعف الدولة الحاكمة في الشام ، ولم يتعرّضوا للوالي الممثّل له في الكوفة . وفريق يصرّح بالبراءة من أعداء اللَّه وأعداء الحسين عليه السلام ، ويحمد اللَّه على هلاك الطاغية ، ويعلن استعداده لمواجهة الوالي الممثّل له في الكوفة . « والنعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء اللَّه » . ولا يخاف هؤلاء في اللَّه لومة لائم ، ويعرض الدنيا خراباً تنتظر يد الرأفة الحسينية لتمسح عليها ، وتنفخ فيها روح الحياة والعمران . الفريق الثالث : التائهون الضالون ولعلّ هذا الفريق كان يمثّل شريحة كبيرة في المجتمع الكوفي يومذاك ، لأنّ الشيعة كانت أقلية ، ورؤوس الضلال والمنافقون المتحزّبون أيضاً لم يكونوا أكثرية ، وغالبية المجتمع الذين شكّلوا سواد الجيش الأموي الذي حارب سيّد شباب أهل الجنة عليه السلام ، كانوا ممّن تربّى على موائد السلطان ، وحلت دنياهم الهزيلة في أعينهم ، واتّبعوا العجل والسامري ، وأُشربوا حبّهم في قلوبهم ، وذاقوا وبال ما قدّمته أيديهم ، فهم في زيغهم وضلالهم يتردّدون ، وقد أحسّوا بضعف أركان مساكن الظالمين التي سكنوها ، وشعروا بفراغ القائد والإمام ، وماجت الكوفة يومها بأهلها ، وارتفعت الصرخات وعلا الضجيج وشقّ أجواء المدينة التائهة الحائرة يهتف بالإمام ، فهتفوا مع من هتف ، وهم لا يفرّقون بين أن يكون إمامهم الحسين عليه السلام سيّد شباب أهل الجنّة ، أو يزيد بن معاوية البغي ابن البغي ، ولكنّهم يطلبون الإمام ويريدون الراية التي تجمعهم وتوحّد كلمتهم ضمن المقاسات المرسومة في قلوبهم . فهم يريدون الإمام ويهتفون بذلك ، لا إعتقاداً بإمامة سيّد الشهداء عليه السلام المنصوصة من قبل اللّه التي نزل بها الروح الأمين من عند ربّ العالمين على لسان سيّد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه و آله . ولهذا شرح لهم ريحانة النبي صلى الله عليه و آله معنى الإمام باختصار في جواب رسائلهم ، ليكونوا على علم من دعوتهم له ، فالإمام كما يرسمه الحسين عليه السلام . فلعمري ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب ، القائم بالقسط ، الدائن بدين الحقّ ، الحابس نفسه على ذات اللّه . من كتاب مسلم بن عوسجة أوّل شهداء اللّه في معسكر الحسين عليه السلام للسيّد علي السيّد جمال أشرف .

ص: 147

ص: 148

ص: 149

جواب الحسين عليه السلام على كتب الكوفيين

فاجتمعت الرسل كلّهم عنده ، فقرأ الكتب ، وسأل الرسل عن أمر الناس ، ثم كتب مع مسلم بن عقيل عليهماالسلام :

بسم اللّه الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى الملأ من المسلمين والمؤمنين .

أمّا بعد : فإنّ هانيا وسعيدا قدما عليّ بكتبكم ، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم ، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلّكم : إنّه ليس لنا إمام ، فاقبل لعل اللّه أن يجمعنا بك على الهدى ، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي ، فان كتب إليّ أنّه قد أجمع رأي

ص: 150

أحداثكم وذوي الفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم ، وتواترت به كتبكم أقدم عليكم وشيكا إن شاء اللّه .

ولعمري ، ما الإمام إلاّ الحاكم القائم بالقسط ، الدائن بدين اللّه ، الحابس نفسه على ذات اللّه (1) .

مسلم بن عقيل عليهماالسلام رسول الحسين عليه السلام لأهل الكوفة

فقصد مسلم عليه السلام على غير الطريق ، وكان رائده رجلان من قيس عيلان ، فأضلا الطريق وماتا من العطش ، وأدرك مسلم عليه السلام ماء ، فتطيّر مسلم عليه السلام من ذلك ، وكتب إلى الحسين عليه السلام يستعفيه من ذلك !!!

فأجابه : أمّا بعد ، فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إليّ ،والاستعفاء من وجهك هذا الذي أنت فيه إلاّ الجبن والفشل !!! فامض لما أمرت به(2)(3) .

ص: 151


1- روضة الواعظين : 172 ، الإرشاد للمفيد : 2/39 ، تاريخ الطبري : 4/262 ، المقتل لأبي مخنف : 16 ، اعلام الورى : 1/436 .
2- الإرشاد للمفيد : 2/40 ، تاريخ الطبري : 4/263 ، المقتل لأبي مخنف : 19 ، الفتوح لابن أعثم : 5/33 .
3- إنّ الحرب التي حمل رايتها الأمويون ومن سلّطهم على رقاب المسلمين لم تنته بعد منذ أن بادروا إلى مواجهة خاتم النبيين صلى الله عليه و آله وإلى يوم الناس هذا ، وستبقى حتى ظهور المنقذ الأعظم والطالب بدم الحسين عليه السلام ، والآخذ بذحول الأنبياء والأوصياء والشهداء . ولم تكن الحرب المفتوحة هذه تنحصر في صورة أو مشهد أو موقف معين ، كما أنّها لم تنحصر في زمن من الأزمان منذ أن سقط هابيل مضرجاً بدمه . وقد امتاز الأمويون عبر التاريخ بالإعلام القوي ، والحرب النفسية ، والتسلّل الماكر إلى قلوب الناس وأفكارهم ، وتغذيتهم بالسموم الفتّاكة ذات المنظر الخدّاع ، وقد اشتهر كلامهم على الألسن : « للّه جنود من عسل » . وكانت حربهم الإعلامية مع سيد الشهداء عليه السلام قوية ماكرة تتّسم بالخبث والشيطنة بحيث صوّرت سبط النبي وريحانة الرسول وسيد شباب أهل الجنة للمغرّر بهم من السذج في صورة الخارجي ، وأبدت سكان سرادق العزّ من مخدرات الرسالة وعقائل الوحي في مشهد السبايا . . . وقد جهد الأمويون في تشويه صورة أمير المؤمنين وأولاده الطاهرين وأصحابهم الغرّ الميامين - عليهم صلوات ربّ العالمين - ، وتقديمهم إلى التاريخ باعتبارهم لا يعرفون من السياسة والتعامل الإجتماعي شيئاً ، فيما يرسم لنا آل أمية وأذنابهم في صور مضلّلة كأنّهم دهات السياسة وعفاريت التاريخ ؟ فإذا كان هذا دأبهم مع المعصومين الأبرار الذين شهد لهم الكتاب والسنة بالطهارة والعصمة والقدس ، فما ظنّك بأنصارهم والمدافعين عنهم والمحامين عن حريمهم . . . وربما اضطر العدو - أحياناً - إلى ما يخاله نيلاً من أصحاب الأئمة عليهم السلام عموماً ، وأنصار سيد الشهداء عليه السلام خصوصاً ، لأنّه لا يجد في الإمام مغمزاً ولا مهمزاً ، فيحاول الاقتراب من حريمه من خلال التعرّض لأقرب الشخصيات منه ، والسعي في تهديم الأركان التي بنيت عليه أسس معسكرات الهدى . كما جهد الأمويون في تقديم مسوخهم في صور مزيفة خدّاعة كخضراء الدمن . . فلا ينبغي الخضوع للتاريخ الملوّث الذي كتبه المؤرخ المأجور الذي يكتب على أنغام رنين الدراهم والدنانير إلاّ إذا كان منسجماً مع الموقف المعصوم ، أو لا يعارضه على الأقلّ . فنحن لا نقبل ما يرويه لنا التاريخ في أشخاص عرفناهم من خلال تقييم أهل البيت عليهم السلامالذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وإنّما نعرض كلّما نسمعه على كلامهم ومواقفهم ، فما وافقها قبلناه ، وما خالفها ضربنا به عرض الجدار ، ولا كرامة . وقد استهدف مسلم بن عقيل عليهماالسلام استهدافا خاصاً من قبل الأمويين لأسباب معروفة ، فحاولوا عرضه في صورة لا تقدح فيه وحده وإنّما تتعرض إلى قيام سيد الشهداء عليه السلام ، وقد خابوا وضلّوا ضلالاً بعيدا . وكان ممّا نسب لساحة مولانا مسلم بن عقيل عليهماالسلام المثال النيّر للقدس والطهارة والعلم ومكارم الأخلاق والدين والتقى والسمو والرفعة والشجاعة والبطولة والتسليم للّه ولرسوله والأئمة الطاهرين عليهم السلام أنّهم نسبوا إليه ما يجلّ عنه المؤمن فضلاً عن مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، نسبوا إليه « التطيّر » . وقد حاولنا في هذه الوجيزة العاجلة مناقشة هذه الفرية ، بحول اللّه وقوته . نرجو من اللّه السميع العليم أن يتقبّل منّا هذا القليل ، وينفعنا به - ووالدينا - يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا خليل ، ولا يحرمنا وأزواجنا وذريّتنا خدمة زين السماوات والأرضين سيد الشهداء الحسين عليه السلام في الدنيا والآخرة ، ويجعل عملنا وحبّنا واعتقادنا فيما يرضيه ويرضي النبي الأمين صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين ، وذريّته الطاهرين المعصومين عليهم السلام ، بحقّ سيدنا ومولانا مهيّج أحزان يوم الطفوف وأخته فاطمة المعصومة عليهماالسلام . . اللّهم اغفر لنا ولوالدينا ولأزواجنا وذريّتنا وإخواننا المؤمنين ، وعجّل فرج ولي أمرنا ، الطالب بدم جدّه الحسين عليهماالسلام ، آمين ربّ العالمين . نصّ القصّة وردت قصّة تطيّر مسلم عليه السلام واستعفائه في تاريخ الطبري ، والإرشاد للمفيد ، والأخبار الطوال للدينوري ، والفتوح لابن أعثم ، وقد اتفقت رواية الطبري والمفيد في كلّ التفاصيل تقريبا ، واختلفت رواية الآخرين في بعض التفاصيل : رواية الطبري والشيخ المفيد : روى الطبري في تاريخه تاريخ الطبري : 4/263 : والشيخ المفيد في الإرشاد ( الإرشاد : 2/39 ) ، واللّفظ للطبري : .. ثم دعا - يعني الحسين عليه السلام - مسلم بن عقيل ، فسرّحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبيد السلولي وعبد الرحمن بن عبد اللّه بن الكدن الأرحبي ، فأمره بتقوى اللّه وكتمان أمره واللّطف ، فإن رأى الناس مجتمعين مستوثقين عجّل إليه بذلك . فأقبل مسلم حتى أتى المدينة ، فصلّى في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وودّع من أحبّ من أهله . ثم استأجر دليلين من قيس ، فأقبلا به فضلاّ الطريق وجارا ، وأصابهم عطش شديد ، وقال الدليلان : هذا الطريق حتى ينتهي إلى الماء ، وقد كادوا أن يموتوا عطشا . فكتب مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي إلى حسين ! وذلك بالمضيق من بطن الخبيت : أمّا بعد : فإنّي أقبلت من المدينة معي دليلان لي ، فجارا عن الطريق وضلاّ ، واشتدّ علينا العطش ، فلم يلبثا أن ماتا وأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلاّ بحشاشة أنفسنا ، وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبيت ، وقد تطيّرت من وجهي هذا ، فإن رأيت أعفيتني منه ، وبعثت غيري ، والسلام . فكتب إليه حسين : أمّا بعد : فقد خشيت ألا يكون حملك على الكتاب إليّ في الاستعفاء من الوجه الذي وجّهتك له إلاّ الجبن ، فامض لوجهك الذي وجّهتك له والسلام عليك . فقال مسلم لمن قرأ الكتاب : هذا ما لست أتخوّفه على نفسي . رواية ابن أعثم : وروى ابن أعثم في كتاب الفتوح ( كتاب الفتوح لابن أعثم : 5/32 - 33 ) : قال : فخرج مسلم بن عقيل من مكة نحو المدينة مستخفيا لئلاّ يعلم به أحد من بني أمية . فلمّا دخل المدينة بدأ بمسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فصلّى فيه ركعتين ، ثم أقبل في جوف الليل حتى ودّع من أحبّ من أهل بيته ، ثم إنّه استأجر دليلين من قيس عيلان يدلاّنه على الطريق ويصحبانه إلى الكوفة على غير الجادة . قال : فخرج به الدليلان من المدينة ليلاً وسارا ، فغلطا الطريق ، وجارا عن القصد ، واشتد بهما العطش ، فماتا جميعا عطشا . قال : وكتب مسلم بن عقيل - رحمه اللّه - إلى الحسين : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، للحسين بن علي من مسلم بن عقيل : أمّا بعد : فإنّي خرجت من المدينة مع الدليلين استأجرتهما فضلاّ عن الطريق وماتا عطشا ، ثم إنّا صرنا إلى الماء بعد ذلك ، وكدنا أن نهلك ، فنجونا بحشاشة أنفسنا ، وأخبرك يابن بنت رسول اللّه : إنّا أصبنا الماء بموضع يقال له : « المضيق » . وقد تطيّرت من وجهي هذا الذي وجّهتني به ، فرأيك في إعفائي منه ، والسلام . قال : فلمّا قرأ كتاب مسلم بن عقيل - رحمه اللّه - علم أنّه قد تشاءم وتطيّر من موت الدليلين وأنّه جزع !!! فكتب إليه [ الحسين عليه السلام ] : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى مسلم بن عقيل ، أمّا بعد : فإنّي خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إليّ والاستعفاء من وجهك هذا الذي أنت فيه إلاّ الجبن والفشل !!! فامض لما أمرت به ، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته . فلمّا ورد الكتاب على مسلم بن عقيل كأنّه وجد من ذلك في نفسه ! ثم قال : واللّه لقد نسبني أبو عبد اللّه الحسين إلى الجبن والفشل !!! وهذا شيء لم أعرفه من نفسي أبدا ! رواية الدينوري وروى الدينوري ( ت 282 ) في الأخبار الطوال : 230 ، قال : وقد كان مسلم بن عقيل خرج معه من المدينة إلى مكة ، فقال له الحسين عليه السلام : يا ابن عمّ ، قد رأيت أن تسير إلى الكوفة ، فتنظر ما اجتمع عليه رأي أهلها ، فإن كانوا على ما أتتني به كتبهم ، فعجّل عليّ بكتابك لأسرع القدوم عليك ، وإن تكن الأخرى ، فعجّل الانصراف . فخرج مسلم على طريق المدينة ليلمّ بأهله ، ثم استأجر دليلين من قيس ، وسار ، فضلاّ ذات ليلة ، فأصبحا ، وقد تاها ، واشتدّ عليهما العطش والحرّ ، فانقطع-ا ، فلم يستطيعا المشي، فقالا لمسلم عليه السلام : عليك بهذا السمت، فالزمه لعلّك أن تنجو. فتركهما مسلم ومن معه من خدمه بحشاشة الأنفس حتى أفضوا إلى طريق فلزموه ، حتى وردوا الماء ، فأقام مسلم بذلك الماء . وكتب إلى الحسين مع رسول استأجره من أهل ذلك الماء ، يخبره خبره ، وخبر الدليلين ، وما من الجهد ، ويعلمه أنّه قد تطيّر من الوجه الذي توجّه له ، ويسأله أن يعفيه ويوجه غيره ، ويخبره أنّه مقيم بمنزله ذلك من « بطن الحربث » . فسار الرسول حتى وافى مكة ، وأوصل الكتاب إلى الحسين ، فقرأه وكتب في جوابه : أمّا بعد : فقد ظننت أنّ الجبن قد قصر بك عمّا وجهتك به !! فامض لما أمرتك ، فإنّي غير معفيك ، والسلام . مناقشة القصّة يمكن أن تناقش هذه القصة من خلال عدّة نقاط : النقطة الأولىمعرفتنا بمسلم وبسيد الشهداء عليهماالسلام تنزّه المؤمن عن الطيرة إنّ مسلم بن عقيل عليهماالسلام من فقهاء آل محمد صلى الله عليه و آله ، وحاملي القرآن ، ولم نر موضعا واحدا في القرآن نسب اللّه فيه التطيّر لمؤمن قطّ ، وإنّما كان المتطيّرون في القرآن - دائما - هم أعداء الأنبياء : « قالُوا إِنّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ » . وقال حكاية عن قوم صالح : « قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ » . وقال حكاية عن قوم فرعون : « وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ » .. . وقد ورد عن طرق العامة في الطيرة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الطيرة من الجبت ( تفسير البغوي : 2/9 ) . وعنه صلى الله عليه و آله : الطيرة شرك ( السيرة الحلبية : 1/91 ) . وعنه صلى الله عليه و آله : الطيرة شرك ، وما منّا من يتطيّر ( محاضرات الراغب: 1/182، الشهيد مسلم عليه السلام للمقرم: 68 عن نهاية ابن الأثير : 3/58 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4/430 .. ) . وعنه صلى الله عليه و آله : ومن استقسم أو تكهّن أو تطيّر طيرة تردّه عن سفره لم ينظر إلى الدرجات العلى يوم القيامة ( محاضرات الراغب : 1/182 ، مجمع الزوائد : 5/118، كنز العمال: 6/744 رقم 17655تفسير الثعلبي : 4/16 ، تفسير البغوي : 2/10 ، تفسير الرازي: 11/136، تاريخ دمشق: 18/98 ) . وعنه صلى الله عليه و آله : من أرجعته الطيرة عن حاجة فقد أشرك ( السيرة الحلبية : 1/91 ) . وعنه صلى الله عليه و آله : إذا تطيّرت فامض ( محاضرات الراغب : 1/182 ) . وقد اتفقوا أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان لا يتطيّر ( تاريخ دمشق: 79/89، ربيع الأبرار للزمخشري: 4/192 ) . . وورد عن طريق أهل البيت عليهم السلام : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله : كَفَّارَةُ الطِّيَرَةِ التَّوَكُّلُ ( الكافي : 8/198 ح236 ) . وَكَتَبَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الثَّانِي عليه السلام يَسْأَلُهُ عَنِ الْخُرُوجِ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ لا يَدُورُ ، فَكَتَبَ : مَنْ خَرَجَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ لا يَدُورُ خِلافاً عَلَى أَهْلِ الطِّيَرَةِ وُقِيَ مِنْ كُلِّ آفَةٍ وَعُوفِيَ مِنْ كُلِّ عَاهَةٍ وَقَضَى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُ حَاجَتَهُ ( من لا يحضره الفقيه : 2/266 ح2393 ) . وروي عَنِ النَّبِي صلى الله عليه و آله قَالَ : إِذَا تَطَيَّرْتَ فَامْضِ وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلا تَقْضِ ( وسائل الشيعة : 11/363 ) . فَإِذَا تَطَيَّرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمْضِ عَلَى طِيَرَتِهِ وَلْيَذْكُرِ اللَّهَ ( وسائل الشيعة : 10/28 باب 25 ) . قال النبي صلى الله عليه و آله : أوحى اللّه - عزّ وجل - إلى داود عليه السلام : يا داود ، كما لا تضيق الشمس على من جلس فيها كذلك لا تضيق رحمتي على من دخل فيها ، وكما لا تضرّ الطيرة من لا يتطيّر منها كذلك لا ينجو من الفتنة المتطيّرون ( الأمالي للصدوق : 305 مج 50 ح 12 ) . الخيرة في ترك الطيرة ( شرح نهج البلاغة : 2/283 ح 245 ) . اجتنب خمسا : الحسد ، والطيرة ، والبغي ، وسوء الظنّ ، والنميمة ( عوالي اللآلي : 1/289 ح 144 ) . وَقَالَ عليه السلام : الْعَيْنُ حَقٌّ ، وَالرُّقَى حَقٌّ ، وَالسِّحْرُ حَقٌّ ، وَالْفَأْلُ حَقٌّ ، وَالطِّيَرَةُ لَيْسَتْ بِحَقٍّ ، وَالْعَدْوَى لَيْسَتْ بِحَقٍّ ، وَالطِّيبُ نُشْرَةٌ ، وَالْعَسَلُ نُشْرَةٌ ، وَالرُّكُوبُ نُشْرَةٌ ، وَالنَّظَرُ إِلَى الْخُضْرَةِ نُشْرَةٌ ( نهج البلاغة : 546 ح 400 ) . وقال أمير المؤمنين عليه السلام : ما منّا أهل البيت من يتطيّر ( بحار الأنوار : 42/278 ) . فهل يخفى على مسلم بن عقيل عليهماالسلام المفضّل عند الحسين عليه السلام وثقته ، وصهر أمير المؤمنين عليه السلام الذي نشأ في بيته هذه الأخبار والروايات ، وكيف يتطيّر وهو من أهل البيت عليهم السلام ؟ قال السيد المقرم رحمه الله : إذاً فما حدّث به ابن جرير الطبري من تطيّر مسلم عليه السلام لمّا مات الدليلان عطشا لاواقع له، فإنّ من يقرء سيرة مسلم عليه السلام يعرف أنّه ذلك الرجل العظيم السائر على نصوص القانون الإلهي المستنير بما جاء به حامل الدعوة مشرّفهم الرسول صلى الله عليه و آله من المعارف ومكارم الأخلاق ... . فكيف يتأخّر عمّا أفادته الأحاديث الكثيرة من نفي الطيرة التي لم تزل أنديتهم تلهج بها صباحا ومساءا ، وهم المقيّضون لما يراد من العباد من أعمال الخير وتبعيدهم عن خطّة الخسف والهوان ، فهل والحالة هذه يجوّز العلم والوجدان نسبة التطيّر إلى رسول الحسين عليه السلام وخليفته في حاضرة الكوفة ؛ ليكون مرشدا ومهذّبا ورادعا للأمّة عمّا لا يتّفق مع قدس الشريعة . ولئن غاضبنا ابن جرير على عدم معرفته بما حواه هذا البيت المنيع من رجالات الإصلاح ، فلسنا نسالمه على هذه البادرة التي نسبها إلى مسلم عليه السلام الذي لم يعرف منزلته ، ولا مقدار عمله ، وما يتوخّاه من أسمى الغايات ، وقد فاته أنّ الرواة أرادوا شيئا كشف المستقبل عن تفكّك قياسه . نعم كان مسلم عليه السلام يتفأل كما كان النبي صلى الله عليه و آله وأبناؤه الهداة يتفألون ، وذلك لمّا ارتحل من ذلك الماء أشرف على رجل يرمي ظبيا ، فصرعه ، فسرّه التفأل بقتل عدوه ( الشهيد مسلم عليه السلام للمقرم : 77 ) . . روى الطبري والمفيد وابن أعثم تفاؤل مسلم عليه السلام فقالوا : فأقبل كما هو حتى مرّ بماء لطيّ ، فنزل بهم ، ثم ارتحل منه ، فإذا رجل يرمي الصيد ، فنظر إليه قد رمى ظبيا حين أشرف له فصرعه ، فقال مسلم : يقتل عدوّنا إن شاء اللّه ( الطبري في تاريخه : 4/263 والشيخ المفيد في الإرشاد : 2/39 ، وكتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي : 5/3 ) ثم قال السيد المقرم رحمه الله : فتلك الجملة التي جاء بها الرواة ، وسجّلها ابن جرير للحطّ من مقام ابن عقيل الرفيع متفكّكة الأطراف ، واضحة الخلل ، كيف ؟ وأهل البيت ومن استضاء بأنوار تعاليمهم لا يعبأون بالطيرة ، ولا يقيمون لها وزنا . وليس العجب من ابن جرير إذا سجّلها ليشوّه بها مقام شهيد الكوفة ، كما هي عادته في رجالات هذا البيت ، ولكن العجب كيف خفيت على بعض أهل النظر والتدقيق حتى سجّلها في كتابه ! مع أنّه لم يزل يلهج بالطعن في أمثالها ، ويحكم بأنّها من وضع آل الزبير ومن حذا حذوهم ( الشهيد مسلم عليه السلام للمقرم : 79 ) . شجاعة مسلم عليه السلام لم يعرف الجبن إلى بيوت آل أبي طالب عليهم السلام سبيلاً ، والشجاعة من شيمهم التي جبلوا عليها ، و« لو ولد أبو طالب العرب كلّهم لكانوا شجعانا » ، فالشجاعة معرّقة فيهم كبارا وصغارا ، رجالاً ونساءا . وقد سمعنا بموقف أم هاني بنت أبي طالب يوم أخذت بيد أمير المؤمنين عليه السلام ، وموقف ابن الحسن الزكي عليه السلام - وقيل: ابن الحسين الشهيد عليه السلام - وهو في الأسر يوم طلب منه يزيد - لعنه اللّه - أن يصارع خالدا ، فقال : أعطه سكينا وأعطني سكينا ، فإمّا أن أقتله فألحقه بجدّه أو يقتلني فيلحقني بجدّي وأبي . وقد سجّلت كربلاء بطولات أولاد مسلم وعقيل وآل أبي طالب عليهم السلام ما لم يعرفه التاريخ في غيرهم قطّ . قال السيد المقرم رحمه الله : فإنّ المتأمل في « صكّ الولاية » الذي كتبه سيد الشهداء لمسلم بن عقيل عليهماالسلام لايفوته الإذعان بمايحمله من الثبات، والطمأنينة، ورباطة الجأش، وإنّه لايهاب الموت، وهل يعدو بآل أبيطالب إلاّ القتل الذي لهم عادة، وكرامتهم من اللّه الشهادة. ولو كان مسلم هيّابا في الحروب ، لما أقدم سيد الشهداء عليه السلام على تشريفه بالنيابة الخاصة عنه التي يلزمها كلّ ذلك ( الشهيد مسلم عليه السلام للمقرم : 79 ) . قال البلاذري يصف مسلم بن عقيل عليهماالسلام : إنّه أشجع بني عقيل وأرجلهم ( أنساب الأشراف : 2/334 ) . وأضاف الشيخ باقر القرشي - حفظه اللّه - : بل هو أشجع هاشمي عرفه التاريخ بعد أئمة أهل البيت عليهم السلام (مسلم عليه السلام للقرشي : 118). ومن نماذج شجاعته أنّه كان أحد رجال ميمنة جيش أمير المؤمنين عليه السلام في صفين ، الحرب الطاحنة التي شارك فيها فرسان العراق والشام وأبطالهم . ولم نسمع غريبا يتّهم آل أبي طالب عليهم السلام بالجبن ، فكيف يتّهم الحسين عليه السلام- وحاشاه - مسلما عليه السلام ، وهو الإمام الذي يرى دماءه تجري في عروق ابن عمّه مسلم عليه السلام صاحب ميمنة أبيه في صفين ! وسفيره إلى الكوفة الذي بعثه لوحده ليواجه كلّ تلك الجموع ، ويأمر بالقيام معه ومبايعته ونصره ! قال ابن أعثم في الفتوح : فإن كنتم على ما قدّمت به رسلكم وقرأت في كتبكم ، فقوموا مع ابن عمّي وبايعوه وانصروه ولا تخذلوه ( كتاب الفتوح لابن أعثم : 5/30 ) .. . معرفة مسلم عليه السلام أنّه قادم على الشهادة إنّ المتطيّر هو من لم يعلم ما يرد عليه ، وإنّما يستكشف ذلك من تلك الأشياء المعروفة عند العرب أنّها سبب لورود الشرّ ( الشهيد مسلم عليه السلام للمقرم : 72 ) . ومسلم بن عقيل عليهماالسلام يعلم تماما بما هو قادم عليه ، عارف بالمهمة التي تحمّل مسؤوليتها ، ونافذ البصيرة في ما أناط به سيد الشهداء عليه السلام ، وهو يعرف الحسين عليه السلام ، ويعرف لماذا خرج السبط المبشّر بالشهادة . روى ابن أعثم في الفتوح والخوارزمي في المقتل قالا : ثم طوى الكتاب وختمه ودعا مسلم بن عقيل - رحمه اللّه - فدفع إليه الكتاب ، وقال له : إنّي موجهك إلى أهل الكوفة ، وهذه كتبهم إليّ ، وسيقضي اللّه من أمرك ما يحبّ ويرضى ، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء ، فامض على بركة اللّه حتى تدخل الكوفة ( كتاب الفتوح لابن أعثم : 5/31 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/169 ) . نجد في هذا النصّ : أولاً : سيقضي اللّه من أمره ما يحبّ ويرضى إنّ الحسين عليه السلام قد أخبره أنّ اللّه سيقضي من أمره ما يحبّ ويرضى . فهل يتردّد من يعتقد بإمامة الحسين عليه السلام - فضلاً عن مسلم بن عقيل عليهماالسلام - في الإقدام بعد أن أخبره سيد الشهداء عليه السلام بأنّ اللّه سيقضي له من أمره ما يحبّ ويرضى ؟!! ثانيا : بشارة خاصة بالشهادة لقد بشّره الحسين عليه السلام بشارة خاصة بالشهادة ، وأخبره بها غير ما يعرفه مسلم عليه السلام- كباقي بني هاشم حينما قال لهم سيد الشهداء عليه السلام : من لحق بي استشهد - فقال له : أنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء . فهو - إذن - عارف عالم بما أقدم عليه ، فلا يحتاج إلى التطيّر واستكشاف المستقبل ، ومعرفة ما يقدم عليه من خير أو شرّ . ثم إنّ المقدم على الشهادة ، والعازم على الموت في محبّة سيد الشهداء عليه السلام ودفاعا عن دين سيد الأنبياء صلى الله عليه و آله لا يخاف . ثالثا : مسير على بركة اللّه قال الحسين عليه السلام : « فامض على بركة اللّه حتى تدخل الكوفة » ، وسواء كان هذا دعاءا أو إخبارا ، فهو ممّا تسكن إليه نفس المؤمن ، ويطمئن له قلبه ، ولا يعتريه أيّ شكّ أو تشاؤم أو تردّد بعده، ولا يجتمع التطيّر مع التفاؤل والبركة المنثورة من فم أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام على طول طريقه « حتى يدخل الكوفة » . خصال لا تليق بثقة الحسين عليه السلام ذكرنا في أكثر من موضع أنّ الميزان في تقييم الرجال إنّما هو الحقّ ، ولا يعرف الحقّ بالرجال ، وإنّما « اعرف الحقّ تعرف أهله » ، والحقّ الذي لا مرية فيه إنّما هو الإمام المعصوم ، فإذا وردنا تقييم منه في أيّ شيء ، فهو الميزان ، وعليه المعوّل . وقد سمعنا الحسين عليه السلام يوثّق مسلما في زمان ومكان في غاية الخطورة والأهمية ، توثيقا دقيقا ، يرسم للمتأمّل معالم شخصيته رسما واضحا ، يأبى الالتفاف عليه ، والمواربة فيه ، والمراوغة في ردّه ، ويخرس كلّ ناعق ، ويكمّ فم كلّ متأفّك . فهو الثقة عند سبط الرسول وسيدالشهداء وقرّة عين الزهراء البتول عليهم السلام . والمبرز بالفضل عند إمام العصر . وهو الذي أمر الإمام المفترض الطاعة أهل الكوفة أن يبايعوه كما نصّ على ذلك ابن أعثم في الفتوح . فما دام هو في هذه المنزلة من حجّة اللّه ، وأعرف الخلق بالخلق، فلا يتطرّق إليه الشكّ، ولا تقترب منه الشبهات ، ولا يقال في حقّه ما يفيده المؤرخ من صفات لا تليق بالمؤمن العادي فضلاً عن حفيد أبي طالب عليه السلام ، الذي يعدّ من مفاخر البشرية، وسروات الهاشميين، وأبطال الطالبيين ، والفقيه العالم بالدنيا والدين مسلم بن عقيل صلوات اللّه عليه وعلى آله أجمعين . أدب الحسين عليه السلام في التعامل مع الأعداء فضلاً عن الإخوة ما سمعناه في التاريخ من تعامل سيد الشهداء وإمام الصبر والحياء الحسين بن علي سيد الأوصياء عليهماالسلام ، مع أعدائه من الأدب ، وإقامة الحجّة ، والحياء والصبر ، ما يعجز الإنسان عن وصفه ، وحقّ له أن يعجز ، ولا ضرورة إلى نقل نماذج من ذلك للتدليل عليه ، فهو ممّا لا شكّ فيه ، وهل يشكّ فيه بشر ، فضلاً عن المسلم ، وناهيك عن المؤمن ، ولكن نكتفي هنا بذكر نموذج واحد فقط : حيث كان سيد الشهداء عليه السلام المكروب على الرمضاء ، وقد قتل القوم أنصاره وأهل بيته ، وهو يستغيث فلا يغاث ، وهو مع ذلك يطلب شربة من ماء فلا يسقى ، فحالوا بينه وبين رحله ، فصاح عليه السلام : « ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون » . قال : فناداه الشمر - لعنه اللّه - : ما تقول يا ابن فاطمة ؟ فقال : إنّي أقول : أنا الذي أقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح . . » ( اللهوف للسيد ابن طاووس :71 ) . ونحن لسنا في مقام التفصيل ، ولكن في نظرة سريعة يذوب الإنسان أمام هذا الأدب الرفيع ، والخطاب الذي يخلب اللّبّ ويأسر القلب ، كيف يخاطب سيدالشهداء عليه السلام وإمام الحياء أعداءه، ويحاججهم وهم يقاتلونه ويهجمون على عرضه !! «إن لم يكن لكم دين .. كونوا أحرارا في دنياكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم ...» لم يتّهمهم بجبن أو خسّة أو لؤم أو وحشية أو ما شاكل ... صراحة ، وإنّما يذكّرهم بما يزعمون .. ويلزمهم بما يلتزمون .. . ومن يخاطب عدوّه الذي يباشر قتاله ، ويهجم على أهله وعياله ، ويصبر ويتحمّل هذا الموقف الذي لا يصبر فيه سواه ، في ساعة كان فيها غريبا عطشانا كئيبا مكروبا ، بماذا يخاطب إذن ابن عمّه وأخاه وثقته والمبرز بالفضل عنده ، وهو في مكة بين أهله ، وفي سعة من أمره ؟ النقطة الثانيةالارتباك في النقل الذين خرجوا مع مسلم عليه السلام ذكر الطبري والشيخ المفيد رحمه الله: أنّ الحسين عليه السلام دعا مسلما عليه السلام وسرّحه مع قيس بن مسهر الصيداوي ، وعمارة بن عبيد السلولي ، وعبد الرحمن بن عبد اللّه الأرحبي . وأضاف السماوي في إبصار العين بعد ذكر هؤلاء : وجماعة من الرسل ( إبصار العين : 85 ) . أمّا الدينوري فلم يذكر في البداية إلاّ مسلما عليه السلام وحده ، وأنّ الحسين عليه السلام دعاه وأرسله « فخرج على طريق المدينة ليلمّ بأهله ، ثم استأجر دليلين » . . . ولم يرد ذكر لغيرهما مع مسلم عليه السلام في كلام الدينوري إلاّ بعد أن يترك مسلم عليه السلامالدليلين يعالجان الموت عطشا ، فيقول : « فتركهما مسلم ومن معه من خدمه !! » . أمّا ابن أعثم فإنّه لم يصرح بوجود أحد مع مسلم عليه السلام سوى الدليلين ، بل يفيد أنّ مسلما إنّما أخرجهما معه ليكونا دليلين وصاحبين في نفس الوقت . قال : « ثم أقبل في جوف الليل حتى ودّع من أحبّ من أهل بيته ، ثم إنّه استأجر دليلين من قيس عيلان يدلاّنه على الطريق ويصحبانه إلى الكوفة . . . » . ثم يقول في رسالة مسلم عليه السلام : « فإنّي خرجت من المدينة مع الدليلين استأجرتهما فضلاّ عن الطريق وماتا عطشا » ، فهو إلى هنا ينقل بضمير المفرد ، ثم يقول على لسان مسلم عليه السلام في رسالته : « ثم إنّا صرنا إلى الماء بعد ذلك ، وكدنا أن نهلك ، فنجونا بحشاشة أنفسنا ، وأخبرك يابن رسول اللّه : إنّا أصبنا الماء . .» . فيروي النجاة ، وإصابة الماء بصيغة الجمع ، وكأنّه مع جماعة وليس وحده ، فيما كان قبل قليل يفيد أنّه وحده . ثم يرجع في باقي الرسالة إلى ضمير المفرد أيضا . الموضع الذي كتب منه الرسالة : اختلفوا في اسم الموضع الذي كتب فيه الرسالة : فقال الشيخ المفيد رحمه الله : « بالمضيق » ، ثم ذكر في نصّ رسالة مسلم عليه السلام : « بالمضيق من بطن الخبت » . وقال الطبري : « بالمضيق من بطن الخبيت » . وقال الدينوري : « بطن الحربث » ، وفي نسخة : « الحريث » . أمّا ابن أعثم فلم يذكر الموضع في سرد الحدث، ولكنّه ذكر في الرسالة على لسان مسلم عليه السلام : « أنّا أصبنا الماء بموضع يقال له : المضيق » . وربما حمل ذلك على اختلاف النسخ أو التصحيف ، وما شاكل ، غير أنّه ارتباك في النقل على كلّ حال . الرسول الذي حمل رسالة مسلم عليه السلام ذكر الطبري والشيخ المفيد أنّ مسلما كتب إلى الحسين عليه السلام مع قيس بن مسهر الصيداوي. وذكر الدينوري أنّه « كتب إلى الحسين عليه السلام مع رسول استأجره من أهل ذلك الماء » . . . فيما أغفل ابن أعثم الحديث عن الرسول وقال : « قال : وكتب مسلم بن عقيل » . . . اختلفوا في أمر الدليلين وغلطهما وعطشهما وموتهما ... قال المفيد رحمه الله : فضلاّ وأصابهم عطش شديد ، فعجزا عن السير ، فأومئا له إلى سنن الطريق بعد أن لاح لهما ذلك، فسلك مسلم عليه السلام ذلك الطريق ومات الدليلان عطشا . وقد صرح الشيخ المفيد هنا أنّهما أشارا إلى سنن الطريق بعد أن لاح لهما ذلك ، ثم سلك مسلم عليه السلام الطريق ، ثم ذكر أنّهما ماتا . فيما قال الطبري : فضلاّ الطريق وجارا وأصابهم عطش شديد ، وقال الدليلان : هذا الطريق حتى ينتهي إلى الماء ، وقد كادوا يموتوا عطشا . فهو لم يصرح بموتهما ، وإنّما يترك الأمر إلى رسالة مسلم عليه السلام حيث يذكر فيه ذلك . وقال الدينوري : فضلاّ ذات ليلة فأصبحا وقد تاها ، واشتدّ عليهما العطش والحرّ ، فانقطعا، فلم يستطيعا المشي، فقالا لمسلم عليه السلام : عليك بهذا السمت فالزمه لعلّك أن تنجو. فتركهما مسلم عليه السلام بذلك الماء ومن معه من خدمه بحشاشة الأنفس حتى أفضوا إلى الطريق فلزموه ، حتى وردوا الماء . . والدينوري يصرّح بعجزهما عن المسير ، ويفيد أنّ مسلما تركهما على حالهما من العطش والعجز واستمر بمسيره مع خدمه !! وأنّهما أشارا عليه أن يسلك سمتا لعلّه ينجو ، فهما لم يعرفا الطريق أكيدا كما أفاد الطبري في قولهما : « هذا الطريق حتى ينتهي إلى الماء » . أمّا ابن أعثم، فإنّه صرّح بموتهما وسارع إلى إنشاء رسالة مسلم عليه السلام دون أن يذكر شيئا عن كيفية نجاته ومن معه ، ولم يشر إلى أنّ الدليلين قد أرشداه إلى الطريق ، فقال : « فغلطا الطريق وجارا عن القصد واشتدّ بهما العطش فماتا جميعا عطشا . . » . نصّ رسالة الحسين عليه السلام : قال الطبري والشيخ المفيد رحمه الله : فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إليّ في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلاّ الجبن ، فامض لوجهك الذي وجهتك له ، والسلام . وقال ابن أعثم : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى مسلم بن عقيل ، أمّا بعد : فإنّي خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إليّ والاستعفاء من وجهك هذا الذي أنت فيه إلاّ الجبن والفشل ، فامض لما أمرت به ، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته . . . وقال الدينوري : أمّا بعد : فقد ظننت أنّ الجبن قد قصر بك عمّا وجهتك به ، فامض لما أمرتك ، فإنّي غير معفيك ، والسلام . . . ولا يقال : إنّ مضمون الكتاب واحد ، وإن اختلفت الألفاظ ، فإنّ في بعض المضامين إضافات مهمة وخطيرة للغاية ، كما نلاحظ ذلك في نسبة الفشل في عبارة ابن أعثم ، وتحقّق الظنّ « فقد ظننت » ، وتحقيق أنّه قد قصر به الجبن « قد قصر » ، والتصريح برفض الحسين عليه السلام بعد تقريره الجبن !! أن يعفيه « فإنّي غير معفيك » في عبارة الدينوري ... . من قرأ رسالة الحسين على مسلم عليهماالسلام قال الطبري : فقال مسلم لمن قرأ الكتاب : هذا ما لست أتخوفه . . وتفيد عبارته أنّ ثمة رجلاً - كأن يكون الرسول نفسه - قد قرأ الرسالة على مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، فلمّا سمع مسلم عليه السلام الكتاب أجاب موجها خطابه إلى قارئ الكتاب : هذا ما لست أتخوفه على نفسي . . وقال الشيخ المفيد رحمه الله : فلمّا قرأ مسلم الكتاب قال : أما هذا فلست أتخوفه .. . وهنا قرأ مسلم عليه السلام الكتاب بنفسه ، ثم قال ما قال ، كأنّه يحدّث نفسه ويجيب الحسين عليه السلام بغض النظر عن الحاضرين عنده . وقال ابن أعثم : فلمّا ورد الكتاب على مسلم بن عقيل كأنّه وجد من ذلك في نفسه ، ثم قال : واللّه لقد نسبني أبو عبد اللّه الحسين إلى الجبن والفشل . . . جواب مسلم بن عقيل عليهماالسلام قال الطبري : هذا ما لست أتخوفه على نفسي . . وقال الشيخ المفيد رحمه الله : أمّا هذا فلست أتخوفه على نفسي . . . وقال ابن أعثم : واللّه لقد نسبني أبو عبد اللّه الحسين إلى الجبن والفشل ، وهذا شيء لم أعرفه من نفسي أبدا . . . أما الدينوري - وهو أقدمهم جميعا - فلم يذكر جوابا لمسلم عليه السلام ، ولم يشر إلى أيّ تعليق صدر عنه في ردّ كتاب الحسين عليه السلام !! النقطة الثالثةمناقشة المتن نفسه أولاً : لماذا أخذ معه دليلين ولم يكتف بدليل واحد ؟ أوّل ما يواجه القارئ لهذه القصة هو الوقوف عند استئجار مسلم بن عقيل عليهماالسلام دليلين اثنين ، ولم يكتف بدليل واحد ، مع ملاحظة أنّه كان يسير مستخفيا ، وتعدّد الدليل يفضي بالتالي إلى تعرّضه لخطر الانكشاف ، لتراكم احتمال تسرّب المعلومات من جهة ، ولكثرة العدد المتحرّك في الصحراء المفتوحة من جهة أخرى . هذا بالإضافة إلى كفاية الدليل الواحد ، فما المسوّغ لاصطحاب الدليل الثاني ؟ ! ثانيا : كيف أشار الدليلان على الطريق وهما قد ضلاّ أفاد الطبري أنّ الدليلين أشارا إلى مسلم عليه السلام ومن معه وقالا : هذا الطريق حتى ينتهي إلى الماء ، فهما - إذن - يعرفان الطريق المؤدية إلى الماء ، ويعرفان موقعهم في تلك الصحراء . ثالثا : كيف ترك مسلم عليه السلام الدليلين يموتان لم ينصّ الدينوري على موت الدليلين ، وإنّما قال : فلم يستطيعا المشي . . . فتركهما مسلم عليه السلام ومن معه من خدمه . قال السيد المقرم رحمه الله : وحيث أنّه لم يسعه حملهما للتوصل إلى النجاة ، لأنّهما على وشك الهلاك ، وغاية ما وضح للدليلين العلائم المفضية إلى الطريق - لا الطريق نفسه ! - ولم تكن المسافة بينهم وبين الماء معلومة ، وليس لهما طاقة على الركوب بأنفسهما ولا مردفين مع آخر ، وبقاء مسلم عليه السلام معهما إلى منتهى الأمر يفضي إلى هلاكه ومن معه ، فكان الواجب المؤكد التحفّظ على النفوس المحترمة بالمسير لإدراك الماء ، فلذلك تركهما في المكان . وقال في الهامش تعليقا على ما قاله في المتن : استنبطنا ذلك ممّا يحمله مسلم عليه السلاممن القدسية التي تمنعه من ترك الأولى فضلاً عمّا يراد من الدين ، بل ما تقتضيه الإنسانية ( الشهيد مسلم عليه السلام للمقرم : 64 ) . والمفروض أنّ المسافة بين الموضع الذي ترك فيه الدليلين وموضع الماء لم يكن بعيدا جدّا حتى استطاع أن يصل له مسلم عليه السلام ومن معه من خدمه ! بحشاشة الأنفس وينجو ، فلماذا لم يرجع مسلم عليه السلام إليهما بالماء أو يرسله لهما ، فينقذهما ويأخذهما معه مرّة ثانية ، ثم لا يتطيّرّ!! أو يكون قد تحرّى وأدّى ما عليه من مقتضيات الشرع والإنسانية !! وهو مسلم بن عقيل عليهماالسلام الجواد ابن الجواد ، والشهم ابن الشهم ، والكريم ابن الكرام ، والمقدّس ابن المقدّس . رابعا : موت الدليلين معا يفترض في الدليل أنّه يجوب الصحراء ، ويعرف مواضع الماء والكلاء فيها ، وأنّه قد اعتاد على العطش والصبر والتحمّل والحيلة في الحصول على الماء إذا كظّه الظمأ ، وقد حدّثنا التاريخ بالكثير من قصص العرب في معالجة العطش في الصحاري والقفار التي اعتادوها واستوطنوها ، فكيف مات من بين تلك الجماعة الدليلان دون غيرهم ؟ ثم مات الدليلان معا !!! الدليلان فقط . . . خامسا : قد سار مسلم عليه السلام الطريق قبلاً إنّ مسلم بن عقيل عليهماالسلام لم يكن غريبا على تلك الطرق ، فقد خرج من المدينة إلى الكوفة وبالعكس ، كما خرج إلى صفين وغيرها مع عمّه أمير المؤمنين عليه السلام ، فما ضرورة الدليل ؟ لكن قد يقال : إنّه كان يريد أن يتنكب الطريق ، فيقال : سادسا : ما هي الحاجة إلى الدليل مع وجود قيس معه كان معه عليه السلام قيس بن مسهر وهاني وعمارة وغيرهما من رسل أهل الكوفة الذين جاؤوا من قبل ، وكان قيس قد ذهب ورجع في هذا الطريق أكثر من مرّة يحمل من وإلى الحسين عليه السلام رسائل أهل الكوفة . ثمّ إنّ قيسا حمل الرسالة من وإلى مسلم عليه السلام، وهو في المضيق، فكيف لم يضلّ الطريق؟! وقد تردّد قيس في حمل الكتب من وإلى الحسين عليه السلام على الأقل ستّ مرّات : فقد بعثه أهل الكوفة إلى الحسين عليه السلام . ثم بعثه الحسين عليه السلام مع مسلم عليه السلام . ثم بعثه مسلم عليه السلام - على هذا الخبر - إلى الحسين عليه السلام . ثم بعثه الحسين عليه السلام إلى مسلم عليه السلام ردّا على كتابه من المضيق . ثم بعثه مسلم عليه السلام إلى الحسين عليه السلام . ثم بعثه الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة ، فقبض عليه واستشهد ( انظر إبصار العين : 125 ترجمة قيس ) . فهو قد تردّد في هذا الطريق ستّ مرات على الأقلّ حاملاً معه رسائل خطيرة يساوي اكتشافها من قبل السلطان موته ألبتة ، فلابد أ نّه كان يتحرّى الحيطة والحذر وتنكّب الطريق . ومع وجود قيس وغيره ، فما الحاجة إلى استئجار الدليلين ؟! سابعا : رسالة مسلم عليه السلام قالوا : فكتب مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي إلى حسين ! وذلك بالمضيق من بطن الخبيت : أمّا بعد : فإنّي أقبلت من المدينة معي دليلان لي ، فجارا عن الطريق وضلاّ ، واشتدّ علينا العطش ، فلم يلبثا أن ماتا ، وأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء ، فلم ننج إلاّ بحشاشة أنفسنا ، وذلك الماء بمكان يدعى « المضيق من بطن الخبيت » ، وقد تطيّرت من وجهي هذا ، فإن رأيت أعفيتني منه ، وبعثت غيري ، والسلام . قال السيد المقرم رحمه الله : وهنا نستفيد منزلة عالية لمسلم عليه السلام في التقوى والورع في أمر الدين ، وأنّه لا يتخطّى رأي حجّة الوقت في حلّه ومرتحله ، وإنّما كتب إلى إمامه بهذه الحادثة ، لأنّه احتمل أن يكون هذا الحادث يغير رأي الإمام ! فتوقّف عن المسير ليرى ما عنده ! ويكون على بصيرة في إنفاذ أمره . ولمّا قرأ السبط الشهيد عليه السلام كتاب مسلم عليه السلام أمره بالمسير إلى مقصده تعريفا بأنّ هذه الأحوال لا تغيّر ما عزم عليه من إجابة طلب الكوفيين ، وقد ملاؤا الأجواء هتافا بأنّهم لا إمام لهم غيره ينتظرونه ليقيم ودّهم ، فلو لم يجبهم تكون لهم الحجّة عليه يوم نصب الموازين ، والإمام المنصوب من قبل اللّه - تعالى - لا يعمل عملاً يسبب اللوم عليه ( الشهيد مسلم عليه السلام للمقرم : 64 ) . ربما قيل للسيد رحمه الله بكلّ خضوع وأدب : إنّ هذا التبرير المذكور يحمل في طيّاته تسويغ وقوع التطيّر من مسلم عليه السلام في الوقت الذي نفاه السيد عنه نفيا باتّا ، وذلك أنّ مسلم عليه السلام قد اتخذ موقفا وتوقّف عن المسير لحادث موت الدليلين ، فهو - إذن - قد امتنع عن المضي لمجرّد وقوع هذا الحادث ، وليست الطيرة شيئا آخر غير هذا . هذا ، بالإضافة إلى أنّ مسلما كان نافذ البصيرة عالما بما أقدم عليه ، والقضية قضية مواريث الأنبياء ، ودين ربّ الأرض والسماء ، وقضية سيقدّم لها سيد الشهداء عليه السلامخيرة أنصاره وأهل بيته وفلذات كبده ، والأعظم من ذلك كلّه نفسه المقدّسة ، ومن كان في مقام مسلم عليه السلام ومنزلته وفقهه ، بل لو كان دون ذلك - فضلاً عن مولانا مسلم عليه السلام - لما توقّف في أمر عظيم يعلم مداه لمجرّد موت « دليلين عطشا » . هل يتوقف ثقة الحسين عليه السلام والمبرّز بالفضل عند الحسين عليه السلام في مثل هذه القضية العادية المألوفة في ذلك الزمان !! ثامنا : رسالة الحسين عليه السلام قالوا : فكتب إليه حسين عليه السلام : أمّا بعد : فقد خشيت ألا يكون حملك على الكتاب إليّ في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلاّ الجبن ، فامض لوجهك الذي وجهتك له ، والسلام عليك . وقال الدينوري : فامض لما أمرتك فإنّي غير معفيك ، والسلام . أولاً: لماذا أصرّ الحسين عليه السلام على إرسال مسلم عليه السلام ؟ قد يقال هنا بالإضافة إلى ما مرّ من مناقشة متن الرسالة المنسوبة للمولى سيدالشهداء عليه السلام : إذا كان الحسين عليه السلام قد قرر جبن مسلم عليه السلام وفشله على رواية ابن أعثم - وتعالى الحسين ومسلم عليهماالسلام عن ذلك علوا كبيرا - فلماذا يأبى الحسين عليه السلام ويأمره بالمضي ، ويؤكد له أنّه غير معفيه . فإمّا أن يقال : إنّ الحسين عليه السلام يعرف مسلما عليه السلام ، وأنّه لا يمكن أن ينسب إلى الجبن والفشل ، وعليه فلابد له أن يستمر في مهمته بشجاعته وبسالته المعهودة . وهو خلاف ما نصّت عليه الرسالة . وإمّا أن يقال : إنّ الحسين عليه السلام - والعياذ باللّه - يصرّ على أن يكون ممثّله في الكوفة « جبانا فاشلاً » للقيام بالمهمة الصعبة ، وبهذا يريد ناسج القصة أن يقرر فشل حركة مسلم عليه السلام ومواقفه في الكوفة مسبقا ، وقد خاب سعي من افترى . ثانيا : نسبة الفشل والجزع لمسلم؟! تخرّص ابن أعثم على سيد الشهداء وقرّر للحسين عليه السلام موقفا إذ قال قبل أن يروي جواب الحسين عليه السلام على كتاب مسلم عليه السلام : فلمّا قرأ كتاب مسلم بن عقيل - رحمه اللّه - علم أنّه قد تشاءم وتطيّر من موت الدليلين ، وأنّه جزع !! وهنا أضاف ابن أعثم إلى « الجبن » و« الفشل » و« التطيّر » « الجزع » أيضا ، وحاشا مثل مسلم بن عقيل عليهماالسلام أن يجزع ، وقد وقف في الكوفة وقبلها في صفين موقفا « يشيب لهوله رأس الرضيع »! ثالثا : إنّ مسلما عليه السلام وجد في نفسه من ذلك ! ذكر ابن أعثم : أنّ مسلما عليه السلام لمّا قرأ كتاب الحسين عليه السلام ، « كأنّه وجد من ذلك في نفسه » . وهذا ما يريد الراوي المشبوه أن يقرّره لنا : أنّ ثمّة موجدة وحزازة بين الحسين عليه السلاموابن عمّه وصهره وثقته ، ولو راجعنا نصوص الطف التي صاغها لنا المؤرخون المغرضون لوجدناها تؤكد بشدّة على هذه القضية ، وتضرب بعنف على هذا الوتر ، تريد أن توحي - وتصرّح أحيانا - أنّ معسكر الحسين عليه السلام متفكّك العرى ، غير متماسك ، ويحاول أن يشكّك في مواقفهم وثقتهم بإمامهم ، وثقة بعضهم ببعض ( انظر : كتاب زهير بن القين علوي خرج يتلقى الحسين عليه السلام - دواعي قيس بن عزرة من وراء اتهام زهير بالتعثمن . . ) . ويكفي في ذلك قراءة قصّة شراء معاوية أم مسلم بن عقيل عليه السلام . . وإلاّ فما معنى أن يجد مسلم عليه السلام في نفسه ؟ هل يعني أنّ مسلما عليه السلام قد وجد في نفسه على الحسين عليه السلام ، لأنّه اتهمه بالتطيّر والجبن ، فهذا نصّ الكتاب المنسوب إلى مسلم عليه السلام ، فلماذا يجد في نفسه ممّا كتبه بنفسه حسب قصّة الراوي ؟ أو أنّ المراد وجد من ذلك في نفسه ، أي أنّه وجد ممّا ينسب إليه في نفسه ، وأنّه أحسّ بعد أن قرأ كتاب الحسين عليه السلام أنّه فعل ما لا ينبغي أن يفعله ، فوجد في نفسه من ذلك - أي من فعله - فهذا ما لا يمكن تصوره ، فكيف لم يحصل ذلك لمسلم عليه السلام خلال فترة ذهاب الرسول وإيابه ، ولم يلتفت في مدّة تتجاوز العشرة أيام ، وبقي في هذه الفترة كلّها مصرّا على موقفه وتطيّره !! حتى قرأ كتاب الحسين عليه السلام ؟ وعلى كلّ حال ، فإنّ هذه العبارة المنسوبة لمسلم عليه السلام في كلّ ألفاظها ، وما نسب لسيد الشهداء عليه السلام في كتابه إليه ، يقرر أنّ مسلما عليه السلام قد تحامل على نفسه ، وأقدم على ما أقدم عليه ، وهو غير مقتنع بتاتا ، وإنّما حمله على ذلك النخوة ، وإثارة الحفيظة ، وأنّ الدافع إنّما هو إثبات شجاعته ، وأنّه لم يجبن ولم يفشل ، تماما كما يحاولون إلصاق نفس هذه القضية بهاني بن عروة . ونحن نشهد أنّه لم يهن ولم ينكل ، بل إنّه أقدم على بصيرة من أمره مقتديا بالصالحين ، ومتّبعا للنبيين ، ومطيعا لسيد الشهداء عليه السلام وسبط سيد المرسلين صلى الله عليه و آله ، فصلّى اللّه عليه وعلى أهل بيته أجمعين . رابعا : نفي مسلم عليه السلام لما نسبه إليه الحسين عليه السلام ! ذكر ابن أعثم تعليق مسلم بن عقيل عليهماالسلام على كتاب الحسين عليه السلام فقال : قال : واللّه لقد نسبني أبو عبد اللّه الحسين إلى الجبن والفشل ، وهذا شيء لم أعرفه من نفسي أبدا .. . وكذا هي عبارة الآخرين : أمّا هذا فلست أتخوفه على نفسي . . . نسمع في تعبير ابن أعثم يمينا يحلف به مسلم عليه السلام، ويقول : «واللّه» ، تعالى مسلم عليه السلامعن ذلك ، كيف يقسم على نية الحسين عليه السلام ، ويقسم أنّه عليه السلام قد نسب له الجبن والفشل، وهو شيء لا يعرفه من نفسه أبدا . . نفي قاطع مؤبد « لا أعرفه من نفسي أبدا » ، فكيف نسبه الحسين عليه السلام إلى ما لا يعرفه هو من نفسه ، والإمام في عقيدة مسلم بن عقيل عليهماالسلامتماما كما في عقيدة كلّ شيعي موالي ، يعلم واقع الأمور ، ويعلم ما في قلوب العباد ، بعلم الإمامة من عند اللّه . فلو أنّ نسبة الحسين عليه السلام كانت حقّا ، فليس لمسلم عليه السلام ولا غيره أن ينفيها نفيا قاطعا، بل بأيّ نوع من أنواع النفي ، وهذا ما نقطع أنّ مسلما عليه السلام كان يدين اللّه به ، كما ندين اللّه به نحن . وإذا كان ما اعتقده مسلم عليه السلام من عدم وجود هذه النسبة فيه أبدا ألبتة ، فلا ينسب ذلك للحسين عليه السلام بوجه ، لأنّ الحسين عليه السلام إمام ، ولا ينسب للعباد ما ليس فيهم . على أنّ الحسين عليه السلام يعرف مسلم بن عقيل عليهماالسلام معرفة قريبة ، بغض النظر عن علم الإمامة ومعرفة الإمام ، فهو ابن عمّه وصهره والمقاتل القديم في عسكر أبيه عليه السلام ، ودماء آل أبي طالب تجري في عروقه ، وقد قرّر قبل ذلك بأيام أنّه ثقته والمفضل عنده وأخوه !! النقطة الرابعةمناقشة إمكان وقوع ذلك إذا وردت الرواية عن أهل البيت عليهم السلام بطرق أصحابهم ، فلا نقاش في الإمكان وعدمه ، لأنّ ما فعله المعصوم حاكم على العقل العادي ، وعلى المؤمن أن يسلّم له ، وهذا مفروغ عنه . لكن ورود الموقف من خلال روايات التاريخ المشحون بالعداء والشحناء ، والكذب والافتراء على رجال الحقّ يدعونا للريب فيه والتأمّل ، والمراجعة والتفكير أكثر من مرّة قبل قبوله أو ردّه . ونحن نردّ التاريخ ونحاكمه بناءا على ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام ، فهم الميزان في القبول أو الردّ في كلّ الأمور ، وقد عرفنا مسلم بن عقيل عليهماالسلام الذي عرّفه لنا الحسين عليه السلام في « صكّ الولاية » ورسالته إلى أهل الكوفة ، فما وافق كلام سيد الشهداء عليه السلام قبلناه ، وما عارضه فلا وزن له ولا تأثير . وبناءا على هذا : أولاً: لا يتصوّر صدور ذلك من مسلم عليه السلام قد عرفنا - ممّا مرّ - مسلم بن عقيل عليهماالسلام وشجاعته ومعرفته بما أقدم عليه ، ونفوذ بصيرته وصلابة إيمانه ، فلا يمكن تصوّر الجبن والفشل والتطيّر وصدور الاستعفاء منه لمجرد « عارض من المألوف أن يصيب كثيرا من المسافرين في تلك الأيام » ( مع الركب الحسيني : 2/50 ) . « ترى هل تخشى الموت نفس مطمئنة بالسعادة . . وهل تتطيّر من لقاء الموت نفس مشتاقة إلى لقاء اللّه ولقاء رسوله صلى الله عليه و آله والأحبّة الماضين من أهل البيت : ؟! وهل فارقت الطمأنينة نفس ملسم عليه السلام لحظة ما ؟! وهذه سيرته في الكوفة تشهد له بثبات وطمأنينة المستيقن من أمره لا يفوقه في مستوى ثباته إلاّ الإمام المعصوم عليه السلام » ( مع الركب الحسيني : 2/50 ) . ونجد في هذه الرسالة اتهاما لمسلم عليه السلام بالجبن « وهو مناقض لتوثيقه له من أ نّه ثقته والمبرّز بالفضل من أهل بيته » ( مسلم عليه السلام للقرشي : 118 ) . ثانيا : لا يتصوّر صدور ذلك من سيد الشهداء عليه السلام قد سمعنا ما قاله سيد الشهداء عليه السلام في ابن عمّه وثقته والمفضّل عنده ، فلا يتصوّر أن يتّهمه بالجبن والفشل والعياذ باللّه . واتهام « مسلم بالجبن يتنافى مع سيرته ، فقد أبدى من الشجاعة ما يبهر العقول ، وقد استقبل الموت بثغر باسم ، ولم يخضع لأولئك السفكة المجرمين » ( مسلم عليه السلامللقرشي : 118 ) . ثالثا : لا وجود لمضيق الخبت بين المدينة والعراق قال الشيخ باقر القرشي - حفظه اللّه - : « إنّ مضيق الخبت الذي بعث منه مسلم برسالة إلى الإمام الحسين عليه السلام يقع ما بين مكة والمدينة حسب ما نصّ عليه الحموي ( معجم البلدان : 2/343 ) ، ولم يكن هناك موضع يسمّى بهذا الاسم يقع بين المدينة والعراق ، وقد نصّت الرواية على أنّه استأجر دليلين من المدينة ، وخرجوا إلى العراق فضلّ الدليلان وتوفّيا في الطريق » ( مسلم عليه السلام للقرشي : 117 ) . رابعا : لا يجتمع ذهاب الرسول وعودته مع مدّة سفر مسلم عليه السلام قد يقال بوجود هذا الموضع بين المدينة والعراق ، وأنّ عدم ذكر الحموي له لا يدلّ على عدم وجوده ، ولكن مع هذا لا تستقيم القصّة ، وذلك : الف : إنّ الخبر نصّ على أنّ مسلما عليه السلام قد استأجر الدليلين من المدينة ، ومن المعلوم أنّ الحسين عليه السلام كان يومها في مكة . باء : ذكر الدينوري أنّه استأجر دليلين من قيس ، وسار ، فضلاّ ذات ليلة . . وفي هذا التعبير إشارة إلى أنّهم قد ساروا ليال وأياما « وفي ذات ليلة » ضلّوا عن الطريق ، فهم قد ساروا مسافة غير قليلة بعيدا عن المدينة . جيم : مقتضى رسالة الاستعفاء وطلب توجيه الغير للقيام بالمهمة أنّ مسلما لم يتحرّك من مكانه بالمضيق انتظارا للجواب ، لانّه متطيّر من وجهه ذاك - حسب القصّة - ولا يريد الاستمرار بالسفر ، وهذا ما نصّ عليه الدينوري فقال : ويخبره أنّه مقيم بمنزله من بطن الحريث . دال : لو افترضنا أنّ المسافة هي من المدينة إلى مكة فحسب دون احتساب المسافة بين المضيق والمدينة - وهي مسافة غير قليلة كما سمعت في المقدمات السابقة - فإنّ السفر من المدينة إلى مكة لإيصال الرسالة ، ثم السفر من مكة إلى المدينة - فضلاً عن المضيق - يستوعب زمانا لا يقلّ عن عشرة أيّام ، وحسب ما ذكرناه في « جيم » فإنّ مسلم عليه السلام كان ينتظر في نفس الموضع الذي كتب منه للحسين عليه السلام . قال الشيخ باقر القرشي : « إنّ سفر مسلم عليه السلام من مكة إلى العراق مع مروره بالمدينة وتوديعه إلى أهله قد حدّده المؤرخون بعشرين يوما ، وهي أسرع مدّة يقطعها المسافر ، فإذا استثنينا مدّة سفر رسول مسلم من ذلك المكان ورجوعه إليه - وهي تساوي عشرة أيام على الأقل - فيكون مجموع المدّة في سفر مسلم عشرة أيام ، ويستحيل أن يقطع الطريق من مكة إلى الكوفة بعشرة أيام » ( مسلم عليه السلام للقرشي : 118 ) . وأخيرا : قال الشيخ باقر شريف القرشي - حفظه اللّه - : إنّ هذا الحديث من المفتريات التي وضعت للحطّ من قيمة هذا القائد العظيم الذي هو من مفاخر الأمّة ( مسلم عليه السلام للقرشي : 118 ) . . . وقال الشيخ نجم الدين الطبسي : إنّ من يراجع ترجمة حياة مسلم بن عقيل - على اختصارها في الكتب - وله معرفة بالعرف العربي آنذاك عامة ، وبالشمائل الهاشمية خاصة ، لا يتردّد في أنّ هذه القصّة مختلقة ، وأنّها من وضع أعداء أهل البيت عليهم السلام لتشويه صورة وسمعة هذا السفير العظيم . وقال أيضا : إنّ أصل الرسالة والجواب لا صحّة لهما ، والظنّ قوي في أنّ الحادثة أيضا لا صحّة لها ( مع الركب الحسيني :2/49 ) . . ولكن مع كلّ ما مرّ من مناقشات ، وما قاله المحقّقون في هذا المجال ، إذا كان لابد من قبول الخبر والرسائل المتبادلة بين الحسين وسفيره عليهماالسلام ، فلنقل : إنّ مسلما كتب إلى الحسين عليه السلام بما حدث في الطريق من موت الدليلين باعتباره يرى ضرورة اطلاع الإمام عليه السلام على كلّ تفاصيل السفر ، وكلّ ما يفعله من صغيرة أو كبيرة ، لأنّه الثقة والمعتمد والرائد ، فلابد له أن يخبر الإمام عليه السلام بكلّ شيء ، فقرأ سيد الشهداء عليه السلام رسالته ، ثم أمره بالمضي قدما ، دون أن يكون مسلم عليه السلام قد تطيّر أو يكون الحسين عليه السلام قد اتهمه بالجبن . كما يظهر ذلك من كلام السيد المقرّم في أنّه يقبل أصل وقوع الحادثة إلاّ أنّه ينكر ما ورد فيها من نسبة التطيّر والجبن لمسلم عليه السلام ، ويقول : إنّ هذا بالخصوص هو من زيادة الوضّاعين، والموضوعات المختلقة التي لا صحّة لها بتاتا ، بعد أن أفاد أنّ كتاب مسلم للحسين عليهماالسلام كان استخبارا واستكشافا للتكليف بعد حصول الحادثة لئلا يتخطّى رأي حجّة الوقت في حلّه ومرتحله ( الشهيد مسلم عليه السلام للمقرم : 64 ) . . . لقد تجلّى ممّا ذكرناه من رفع الطيرة في الشريعة الافتراء على ابن عقيل في كتابه إلى الحسين عليه السلام ( انظر : الشهيد مسلم عليه السلام للمقرم : 63 - 79 ) . * * * صلّى اللّه وسلّم على مسلم بن عقيل عليهماالسلام وعلى أمّه وأبيه ، وعلى أولاد عقيل وذرّيته المستشهدين بين يدي الحسين عليه السلام .

ص: 152

ص: 153

ص: 154

ص: 155

ص: 156

ص: 157

ص: 158

ص: 159

ص: 160

ص: 161

ص: 162

ص: 163

ص: 164

ص: 165

ص: 166

ص: 167

ص: 168

ص: 169

ص: 170

ص: 171

ص: 172

ص: 173

ص: 174

ص: 175

ص: 176

فدخل مسلم عليه السلام الكوفة ، فسكن في دار سالم بن المسيب(1)(2) ،

ص: 177


1- الفتوح لابن أعثم : 5/33 ، تاريخ الطبري : 4/264 ، المقتل لأبي مخنف : 20 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 197 ، في الثلاثة الأخيرة : « مسلم بن المسيب » .
2- في تاريخ الطبري والبداية والنهاية لابن كثير وتهذيب الكمال للمزي وغيرهم ، في خبر دخول مسلم بن عقيل عليهماالسلام الى الكوفة ، واللفظ للأول : فكتب إليه - أي الى مسلم بن عقيل عليهماالسلام - الحسين عليه السلام أن امض إلى الكوفة ، فخرج حتى قدمها ونزل على رجل من أهلها يقال له [ مسلم ]بن عوسجة . قال : فلمّا تحدّث أهل الكوفة بمقدمه دبّوا إليه فبايعوه ، فبايعه منهم إثنا عشر ألفا . تاريخ الطبري : 4/258 ، البداية والنهاية لابن كثير : 8/163 ، تهذيب الكمال للمزي : 6/423 ، الأمالي للشجري : 1/190 ، تهذيب التهذيب لابن حجر : 2/349 ، الإصابة : 1/332، المستدرك على تاريخ ابن عساكر لابن بدران: 4/335، المنتظم لابن الجوزي: 5/325 ، سير أعلام النبلاء للذهبي : 3/206 ، وفي مروج الذهب للمسعودي : « فنزل على رجل يقال له : عوسجة » ولعله تصحيف .. . وهذا النزول المبارك تشريف وتكريم ناله مسلم بن عوسجة ، وهو يكشف عن جملة أُمور ، منها : الأمر الأول : حصانة مسلم بن عوسجة وقوته ونفاذ كلمته في قومه ورهطه ، ممّا يوفّر لمسلم بن عقيل عليهماالسلام معقلاً أمينا يمكن الركون اليه في تلك الظروف العصيبة . الأمر الثاني : وثاقة مسلم بن عوسجة ، فلو لم يكن سفير الحسين عليه السلام واثقا منه تمام الثقة ، ولم يكن يعرفه من قبل لما استند اليه ، وحطّ رحله عنده ، وهو قادم لمهمّة خطيرة في مجتمع مثل المجتمع الكوفي المتقلّب آنذاك . الأمر الثالث : يلزم - في الغالب - من نزول مسلم بن عقيل عليهماالسلام عنده فور وصوله الكوفة أن يكون بينهما اتصال وتنسيق مسبق على الاستقبال ، وهذا يعني أنّ مسلم بن عوسجة كان متواصلاً مع الحركة الحسينية بشكل مستمر ، ويعدّ من مفاصلها المهمّة في الكوفة . . . الأمر الرابع : استقبال مسلم بن عقيل عليهماالسلام في تلك الأيام الحرجة ، مع وجود الوالي الأموي ، واهتزاز المجتمع الكوفي ، والإقدام على حركة تستهدف رأس القرد الأموي ، يكشف عن شجاعة وبسالة وتضحية يعزّ لها النظير . الأمر الخامس : إشارات النصوص الوادرة في المصادر تكشف بوضوح أنّ عدداً هائلاً كان قد بايع سفير الحسين عليه السلام في بيت مسلم بن عوسجة ، فبعد نزول مسلم بن عقيل عليهماالسلام في بيته انتشر خبر وصول سفير الحسين عليه السلام . فلمّا تحدّث أهل الكوفة بمقدمه دبّوا إليه فبايعوه ، فبايعه منهم إثنا عشر ألفا . وربما يستفاد من ذلك أنّ مسلم بن عقيل عليهماالسلام أقام في بيت مضيّفه الشجاع مدّة غير قليلة تستوعب بيعة هذا العدد الهائل . ولابد أن يكون بيته قد عرف وذاع صيته في تلك الفترة - على الأقلّ - وصار مألفا للناس ، ورمزا للدفاع عن الحقّ ونصرة الدين .

ص: 178

فاختلف إليه الشيعة ، فقرأ عليهم كتابه ، فبايعه إثنا عشر ألف رجل(1) .

فرفع ذلك إلى النعمان بن بشير ، وهو والي الكوفة ، فجمع الناسوخطب فيهم ونصحهم(2) .

يزيد يولّي ابن زياد على الكوفة

وكتب عبد اللّه بن مسلم الحضرمي ، وعمارة بن عقبة بن الوليد ، وعمر

بن سعد بن أبي وقاص إلى يزيد : إن كان لك حاجة في الكوفة ، فابعث رجلاً قويّا ينفذ أمرك ، ويعمل مثل عملك ، فإنّ النعمان بن بشير إمّا ضعيف أو متضعّف(3) .

ص: 179


1- في المصادر : « ثمانية عشر ألفا » .
2- روضة الواعظين : 173 ، الإرشاد للمفيد : 2/42 ، تاريخ الطبري : 4/265 ، المقتل لأبي مخنف : 22 .
3- روضة الواعظين : 173 ، الإرشاد للمفيد : 2/42 ، تاريخ الطبري : 4/265 ، المقتل لأبي مخنف : 22 .

فكتب يزيد على يدي مسلم بن عمر(1) الباهلي إلى عبيد اللّه بن زياد ، وهو والي البصرة ، وولاّه الكوفة مع البصرة ، وأن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله أو ينفيه ، فالعجل العجل(2) .

فلمّا وصل المنشور إلى ابن زياد قصد الكوفة ، ودخلها بغتة في الليل ، وهو ملثّم ، فزعم من رآه أنّه الحسين عليه السلام ، فكانوا يقولون : مرحبا يا بنرسول اللّه ، قدمت خير مقدم ، حتى نزل دار الإمارة(3) .

فانتقل مسلم عليه السلام من دار سالم إلى دار هاني بن عروة المذحجي في الليل ، ودخل في أمانه(4) .

وكان يبايعه الناس حتى بايعه خمسة وعشرون ألف رجل(5) ، فعزم على الخروج ، فقال هاني : لا تعجل .

[ قصة معقل ! ! ! ]

ثم إنّ عبيد اللّه أعطى مولاه معقل ثلاثة آلاف درهم ، وقال له : اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايعه أهل الكوفة ، فاعلمه أنّك رجل من أهل « حمص » جئت لهذا الأمر ، وهذا مال تدفعه لتتقوّى به .

ص: 180


1- في المصادر : « عمرو » .
2- الإرشاد للمفيد : 2/43 ، تاريخ الطبري : 4/265 .
3- روضة الواعظين : 174 ، مقاتل الطالبيين : 63 ، الارشاد للمفيد : 2/43 ، الأخبار الطوال للدينوري : 232 ، أنساب الأشراف : 78 ، اعلام الورى : 1/438 .
4- مقاتل الطالبيين : 64 ، في المطبوع منه : « فدخل في بابه » ، الإرشاد للمفيد : 2/45 ، الأخبار الطوال للدينوري : 233 ، أنساب الأشراف : 79 .
5- الفتوح لابن أعثم : 5/45 .

فلم يزل يتلطّف ويسترشد حتى دلّ على مسلم بن عوسجة الأسدي !!! وكان الذي يأخذ البيعة ، فأدخله على مسلم عليه السلام ، وقبض منه المال وبايعه ، ورجع معقل إلى عبيد اللّه فأخبره(1) .

ص: 181


1- القصّةفي المصادر التاريخية وردت قصّة « معقل الجاسوس » في أغلب المصادر التي أشارت الى جهاد سيدنا ومولانا مسلم بن عقيل عليهماالسلام في الكوفة ، وسوف نقتصر على ذكر أمهات المصادر التي ذكرتها حسب التسلسل التاريخي لوفاة المؤلفين ، ونحسب أنّ كلّ من تلا هذه المصادر إنّما أخذ عنها ، لأنّنا لم نجد لها مصدرا تاريخيا آخر أقدم ممّا سنذكره : البلاذري ت 279 في أنساب الأشراف : ودسّ ابن زياد مولى يقال له « معقل » ، وأمره أن يظهر أنّه من شيعة علي ، وأن يتجسّس من مسلم ، ويتعرّف موضعه ، وأعطاه مالاً يستعين به على ذلك . فلقي « معقل » مولى ابن زياد مسلم بن عوسجة الأسدي ، فقال له : إنّي رجل محبّ لأهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقد بلغني أنّ رجلاً منهم بعث به الحسين بن علي - صلوات اللّه عليه - إلى شيعته من أهل الكوفة ، ومعي مال أريد أن أدفعه إليه يستعين به على أمره وأمركم . فركن ابن عوسجة إليه !!! وقال له الرجل القادم من قبل الحسين بن علي هو مسلم بن عقيل ، وهو ابن عمّه ، وأنا مدخلك إليه .. . وجعل معقل مولى ابن زياد يختلف إلى ابن عوسجة يقتضيه ما وعده من إدخاله إلى مسلم بن عقيل ، فأدخله إليه ، وأخذ منه مسلم بيعته ، وقبض المال الذي كان أعطاه إياه عبيد اللّه بن زياد منه ، وذلك بعد موت شريك بن الأعور . فأتى معقل ابن زياد، فحدّثه بما كان منه، وبقبض مسلم بن عقيل المال في منزل هانئ بن عروة بن نمران المرادي ، فقال : أفعلها هانئ ؟! ( أنساب الأشراف للبلاذري: 79 - 80 ) . نقاط مهمّة في نص البلاذري : الأولى : لم يحدّد النصّ لمعقل هوية أكثر من أنّه مولى لابن زياد ، ولم يذكر أنّه مولى من أهل الشام . الثانية : لم يحدّد كمية المال المدفوع له . الثالثة : دفع ابن زياد المال ليستعين به معقل ، ولم يحدّد له كيفية إستعماله ، وهل هو له أو يجب عليه أن يدفعه لمسلم عليه السلام وأصحابه . الرابعة : لم يحدّد المكان الذي حصل فيه اللقاء بين معقل وابن عوسجة . الخامسة : تمّ لقاء معقل وابن عوسجة مباشرة ، وكأنّ معقلاً يعرفه بعينه من دون أن يكون قد سمع من الناس شيئا ، ولا أنّه سأل عنه . السادسة : أعلن معقل أنّه ممّن يحبّ أهل البيت عليهم السلام ، ولم يذكر أنّه يحبّ من يحبّهم . السابعة : أعلن معقل أنّه يعرف أنّ القادم إنّما هو رجل من أهل البيت عليهم السلام . الثامنة : ركن ابن عوسجة لمعقل بمجرد أن فتح الحديث معه . التاسعة : ركن ابن عوسجة اليه فورا ، ووعده بالدخول على مسلم بن عقيل عليه السلام دون أيّ مقدّمات أو شروط ، وعرّفه باسم المبعوث ونسبته مع الحسين عليه السلام . العاشرة : الذي أخذ البيعة مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، وهو الذي قبض المال . الحادية عشرة : تمّ الاختراق بعد موت شريك . الثانية عشرة : غاية ما أخبر معقل ابن زياد هو أنّ الذي باشر قبض المال إنّما هو مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، وأخبره بموقع مسلم عليه السلام لا أكثر . الثالثة عشرة : لم تشر القصّة الى مواثيق مسلم التي أخذها على معقل ، ولا التزام معقل الدخول والخروج على مسلم عليه السلام وأصحابه ، وكلّ ما استفاده إنّما هو من تلك الدخلة الواحدة التي سلّم فيها المال وأعطى البيعة . الدينوري ( ت 282 ) في الأخبار الطوال : وخفي على عبيد اللّه بن زياد موضع مسلم بن عقيل ، فقال لمولى له من أهل الشام يسمى « معقلاً » ، وناوله ثلاثة آلاف درهم في كيس ، وقال : خذ هذا المال ، وانطلق ، فالتمس مسلم بن عقيل ، وتأتّ له بغاية التأتي . فانطلق الرجل حتى دخل المسجد الأعظم ، وجعل لا يدري كيف يتأتّى الأمر . ثم إنّه نظر إلى رجل يكثر الصلاة إلى سارية من سواري المسجد ، فقال في نفسه : إنّ هؤلاء الشيعة يكثرون الصلاة ، وأحسب هذا منهم . فجلس الرجل حتى إذا انفتل من صلاته قام ، فدنا منه ، وجلس ، فقال : جعلت فداك ، إنّي رجل من أهل الشام ، مولى لذي الكلاع ، وقد أنعم اللّه عليّ بحبّ أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وحبّ من أحبّهم ، ومعي هذه الثلاثة آلاف درهم ، أحبّ إيصالها إلى رجل منهم ، بلغني أنّه قدم هذا المصر داعية للحسين بن علي عليهماالسلام ، فهل تدلّني عليه لأوصل هذا المال إليه ؟ ليستعين به على بعض أموره ، ويضعه حيث أحبّ من شيعته . قال له الرجل : وكيف قصدتني بالسؤال عن ذلك دون غيري ممّن هو في المسجد ؟ قال : لأنّي رأيت عليك سيماء الخير ، فرجوت أن تكون ممّن يتولّى أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله . قال له الرجل : ويحك ، قد وقعت عليّ بعينك ، أنا رجل من إخوانك ! واسمي مسلم بن عوسجة ، وقد سررت بك ، وساءني ما كان من حسّي قبلك ، فإنّي رجل من شيعة أهل هذا البيت خوفا من هذا الطاغية ابن زياد ، فأعطني ذمّة اللّه وعهده أن تكتم هذا عن جميع الناس . فأعطاه من ذلك ما أراد . فقال له مسلم بن عوسجة : انصرف يومك هذا ، فإن كان غد فائتني في منزلي حتى أنطلق معك إلى صاحبنا - يعني مسلم بن عقيل - فأوصلك إليه . فمضى الشامي ، فبات ليلته ، فلمّا أصبح غدا إلى مسلم بن عوسجة في منزله ، فانطلق به حتى أدخله إلى مسلم بن عقيل ، فأخبره بأمره ، ودفع إليه الشامي ذلك المال ، وبايعه . فكان الشامي يغدو إلى مسلم بن عقيل ، فلا يحجب عنه ! فيكون نهاره كلّه عنده، فيتعرّف جميع أخبارهم ، فإذا أمسى وأظلم عليه الليل دخل على عبيد اللّه ابن زياد ، فأخبره بجميع قصصهم ، وما قالوا وفعلوا في ذلك ، وأعلمه نزول مسلم في دار هانئ بن عروة . ثم ساق الأحداث حتى بلغ إعتقال هاني بن عروة ، فقال في معرض سرد الحوار بين ابن زياد وهاني : فقال هانئ : ما فعلت ، وما أعرف من هذا شيئا . فدعا ابن زياد بالشامي ، وقال : يا غلام ، ادع لي معقلاً . فدخل عليهم ، فقال ابن زياد لهاني بن عروة : أتعرف هذا ؟ فلما رآه علم أنّه إنّما كان عينا عليهم . ( الأخبار الطوال للدينوري : 235 وما بعدها ) . نقاط مهمّة في نصّ الدينوري : الأُولى : حدّد أنّ معقلاً كان من أهل الشام ، وأنّه مولى لذي الكلاع . الثانية : حدّد كمية المال ، وأنّه ثلاثة آلاف درهم . الثالثة : فيه وصية بالتأتي له والحذر . الرابعة : حدّد موضع اللقاء ، وهو المسجد الأعظم . الخامسة : جهل معقل طريقة التأتي ، وجعل لا يدري كيف يتأتى الأمر . السادسة : اعتمد معقل على تفرّسه ومعرفته ابن عوسجة من خلال صفات الشيعة ، وأنّهم يكثرون الصلاة . السابعة : تمّ الأمر بينه وبين نفسه من خلال الحوار الذي دار في خلده ، ولم يذكر أنّه استعان بالآخرين ، لا بالاستماع منهم ، ولا السؤال منهم . الثامنة : أضاف هنا أنّه يحبّ من يحبّ أهل البيت عليهم السلام . التاسعة : حدّد الغرض من دفع المال لمسلم عليه السلام ، وأعلن أنّه يحبّ أن يسلّم المال له هو بنفسه . العاشرة : ذكر أنّ المال لمسلم بن عقيل عليهماالسلام يستعين به ، ويضعه حيث شاء من شيعته ، فهو مال يمكن أن يصل لأفراد الشيعة . . خطوة لإثارة الطمع . الحادية عشرة : أثار تعرّض معقل لابن عوسجة مباشرة شكّه وسأله ، بخلاف ما ذكره البلاذي من الركون المباشر . الثانية عشرة : أفاد أنّ في المسجد غيره ، وقد توجه اليه معقل دون غيره . الثالثة عشرة : صرّح معقل لابن عوسجة أنّه توسّم فيه الخير ، ولم يذكر مراقبته له ، وأنّه كان يكثر الصلاة ، وأنّه إنّما فاتح ابن عوسجة هكذا ظنّا ورجاءا ، فصدق ظنّه ورجاءه . الرابعة عشرة : اعترف ابن عوسجة بموقعه مباشرة من دون أيّ تحرّج واحتياط . الخامسة عشرة : جعله من إخوانه فورا وبدون أيّ سابق معرفة ، فقال له : أنا رجل من إخوانك !!! السادسة عشرة : كشف له ابن عوسجة عن اسمه وانتسب له فورا . السابعة عشرة : أعرب له عن فرحه باكتساب معقل « المجهول » وانضمامه الى صفّ الثوّار . الثامنة عشرة : أعرب ابن عوسجة عن عدم ارتياحه لاكتشافه ، ثم أصحر له عن هويته من دون تحرج . التاسعة عشرة : أخذ منه عهدا وطالبه بذمّة اللّه أن يكتم ذلك عن الناس جميعا ، وهو قد فضح نفسه - حسب النص - لمجرد سؤال عابر سأله معقل . العشرون : حدّد ابن عوسجة اليوم التالي للقائه موعدا . الحادية والعشرون : حدّد مكان اللقاء ، وهو بيت مسلم . ويلاحظ أنّ مسلما يثق به حتى يواعده في بيته ، ولم يطلب منه معقل عنوان البيت ، وكأنّه يعرفه ، أو أنّه معروف ، أو أنّه سأله العنوان وأغفله الخبر . الثانية والعشرون : شارك ابن عقيل هنا مسلم بن عوسجة في العلم بالاختراق والرضا به . الثالثة والعشرون : صار معقل يغدو فلا يحجب عن مسلم بن عقيل عليهماالسلام بالذات منذ اللقاء الأول . الطبري في تاريخ الطبري ( ت 310 ) : ودعا ابن زياد مولى يقال له « معقل » فقال له : خذ ثلاثة آلاف درهم ، ثم اطلب مسلم بن عقيل ، واطلب لنا أصحابه ، ثم أعطهم هذه الثلاثة آلاف ، فقل لهم : استعينوا بها على حرب عدوّكم ، وأعلمهم أنّك منهم ، فإنّك لو قد أعطيتها إياهم اطمأنوا إليك ! ووثقوا بك ! ولم يكتموك شيئا من أخبارهم !!! ثم اغد عليهم ورح . ففعل ذلك ، فجاء حتى أتى إلى مسلم بن عوسجة الأسدي من بنى سعد بن ثعلبة في المسجد الأعظم وهو يصلّى ، وسمع الناس يقولون : إنّ هذا يبايع للحسين . فجاء فجلس حتى فرغ من صلاته ، ثم قال : يا عبد اللّه ، إنّي امرؤ من أهل الشام مولى لذي الكلاع ، أنعم اللّه عليّ بحبّ أهل هذا البيت ، وحبّ من أحبّهم ، فهذه ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكنت أريد لقاءه ، فلم أجد أحدا يدلّني عليه ، ولا يعرف مكانه ( كذا في نسخة الطبري الموجودة عندنا وفي مقاتل أبي الفرج : لأعرف مكانه ) ، فإنّي لجالس آنفا في المسجد إذ سمعت نفرا من المسلمين يقولون : هذا رجل له علم بأهل هذا البيت ، وإنّي أتيتك لتقبض هذا المال وتدخلني على صاحبك فأبايعه ، وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه . فقال : أحمد اللّه على لقائك إياي ، فقد سرّني ذلك ، لتنال ما تحبّ ، ولينصر اللّه بك أهل بيت نبيه ، ولقد ساءني معرفتك إيّاي بهذا الأمر من قبل أن ينمى ، مخافة هذا الطاغية وسطوته . فأخذ بيعته قبل أن يبرح ! وأخذ عليه المواثيق المغلّظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، فأعطاه من ذلك ما رضى به . ثم قال له : اختلف إليّ أياما في منزلي ، فأنا طالب لك الإذن على صاحبك . فأخذ يختلف مع الناس ، فطلب له الإذن . ثم إنّ معقلاً مولى ابن زياد الذي دسّه بالمال إلى ابن عقيل وأصحابه اختلف إلى مسلم بن عوسجة أياما ليدخله على ابن عقيل. فأقبل به حتى أدخله عليه بعد موت شريك بن الأعور ، فأخبره خبره كلّه ، فأخذ ابن عقيل بيعته ، وأمر أبا ثمامة الصائدي ، فقبض ماله الذي جاء به ، وهو الذي كان يقبض أموالهم ، وما يعين به بعضهم بعضا ، يشترى لهم السلاح ، وكان به بصيرا ، وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة . وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم ، فهو أول داخل وآخر خارج ، يسمع أخبارهم ، ويعلم أسرارهم ، ثم ينطلق بها حتى يقرّها في أذن ابن زياد . . .( تاريخ الطبري : 270 - 272 ) . ثم ساق الخبر الى أن قال : فلمّا كثر ذلك بينهما ، وأبى هاني إلاّ مجاحدته ومناكرته دعا ابن زياد معقلاً ذلك العين ، فجاء حتى وقف بين يديه ، فقال : أتعرف هذا ؟ قال : نعم ، وعلم هاني عند ذلك أنّه كان عينا عليهم ، وأنّه قد أتاه بأخبارهم ، فسقط في خلده ساعة !! نقاط مهمة في نصّ الطبري : الأُولى : المطلوب مسلم بن عقيل عليهماالسلام وأصحابه . ( لم ينقل لنا التاريخ أنّه تعرّف على أحد أصحاب مسلم بن عقيل عليه السلام سوى مسلم بن عوسجة ) . الثانية : التركيز على أنّ المال سيؤدي دوره ، ويؤثر أثره في مسلم عليه السلام وأصحابه ، لأنّه يؤكد أنّهم سيفشون له كلّ الأسرار ولا يكتمونه بمجرد دفع المال لهم . التركيز على أنّهم يبيعون كلّ شيء من أجل المال أي أنّ كلّ ما يبحثه أصحاب مسلم عليه السلام إنّما هو المال ، ومن أجله يبيعون له كلّ شيء . الثالثة: ابن زياد يأمر معقلاً أن يغدو عليهم ويروح ، وهذا أكثر ما يطمع به ابن زياد . إلاّ أنّ مسلما عليه السلام وأصحابه لم يحجبوه وقرّبوه حتى صار أكثر من « واحد منهم » في لحظة واحدة حسب النصّ . « ويلاحظ فيما يأتي أنّ ابن زياد يحذّر من كثرة التردّد لئلا يكتشف ، فلاحظ » . الرابعة : يغيب تفرّس معقل ومعرفته بالرجال في رواية الطبري ، ويتعرّف الى مسلم بن عوسجة من خلال كلام الناس . الخامسة : يعرض معقل على ابن عوسجة أن يقبض المال بنفسه ، ويأخذ منه البيعة لمسلم عليه السلام . « فيما كان في المصادر السابقة وقبل سطور من الطبري نفسه يطلب اللقاء والبيعة ودفع المال لمسلم عليه السلام بالذات » . السادسة : طرح ابن عوسجة الثقة بمعقل فورا ، ثم ساءه ذلك ، واطمأن بسرعة من دون أيّ إنكار . السابعة : أخذ ابن عوسجة البيعة من معقل في المجلس قبل أن يبرح . الثامنة : أمره ابن عوسجة أن يختلف اليه أياما . التاسعة : عبّر ابن عوسجة عن مسلم عليه السلام بأنّه « صاحب معقل » ، وهكذا صارت علاقة معقل بمسلم بن عقيل عليه السلام وطيدة وثيقة منذ اللقاء الأول ، إلاّ أن يقال : إنّ المراد من « صاحبك » أي طلبتك !! العاشرة : إنّ الناس كانت تختلف الى ابن عوسجة ، وكان معقل يختلف اليه معهم . الحادية عشرة : ذكر هنا طلب الإذن لمعقل من مسلم بن عقيل عليه السلام . الثانية عشرة : التأكيد على أنّ ابن عوسجة أخبر مسلم بن عقيل عليهماالسلام بخبر معقل « كلّه » يعني أنّ مسلما عليه السلام أيضا كان على علم بالاختراق وتفاصيله . الثالثة عشرة : الذي قبض المال هنا أبو ثمامة وليس مسلم بن عقيل عليه السلام ، ولا ابن عوسجة ، كما في المصادر السابقة . الرابعة عشرة : لم يذكر الطبري ولا غيره ما هي هذه الأسرار التي علمها ، والأخبار التي سمعها سوى معرفته بمكان مسلم عليه السلام . أحمد بن أعثم الكوفي ( ت 314 ) في كتاب الفتوح : ودعا عبيد اللّه بن زياد بمولى له يقال له « معقل » ، فقال : هذه ثلاثة آلاف درهم خذها إليك ، والتمس لي مسلم بن عقيل حيث كان من الكوفة ، فإذا عرفت موضعه ، فادخل إليه ، وأعلمه أنّك من شيعته ، وعلى مذهبه !! وادفع إليه هذه الثلاثة آلاف درهم ، وقل له : استعن بهذه على عدوّك ، فإنّك إذا دفعت إليه الثلاثة آلاف درهم وثق بناحيتك ! واطمأن عليك ! ولم يكتمك من أمره شيئا ! وفي غداة غد تعدو عليّ بالأخبار . قال : فأقبل معقل مولى عبيد اللّه بن زياد حتى دخل المسجد الأعظم ، فرأى رجلاً من الشيعة يقال له : مسلم بن عوسجة الأسدي . فجلس إليه ، فقال : يا عبد اللّه ، إنّي رجل من أهل الشام ، غير أنّي أحبّ أهل هذا البيت ، وأحبّ من أحبّهم ، ومعي ثلاثة آلاف درهم أريد أن أدفعها إلى رجل قد بلغني عنه أنّه يقدم ! إلى بلدكم هذا يأخذ البيعة لابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله الحسين بن علي ، فإن رأيت أن تدلّني عليه حتى أدفع إليه المال الذي معي وأبايعه ؟ وإن شئت فخذ بيعتي له قبل أن تدلّني عليه . قال : فظنّ مسلم بن عوسجة أنّ القول على ما يقول !! فأخذ عليه الأيمان المغلظة والمواثيق والعهود ، وأنّه يناصح ، ويكون عونا لمسلم بن عقيل - رحمه اللّه - على عبيد اللّه بن زياد . قال : فأعطاه موثقا من الأيمان ، وما وثق به مسلم بن عوسجة ، ثم قال له : انصرف عنّي الآن يومي هذا حتى أنظر ما يكون ! قال : فانصرف معقل مولى زياد . فلمّا كان من الغد أقبل معقل مولى عبيد اللّه بن زياد إلى مسلم بن عوسجة ، فقال له : إنّك كنت وعدتني أن تدخلني على هذا الرجل فأدفع إليه هذا المال ، فما الذي بدا لك في ذلك ؟ فقال : إذا أخبرك - يا أخا أهل الشام - إنّا شغلنا بموت هذا الرجل « شريك بن عبد اللّه » ، وقد كان من خيار الشيعة وممّن يتوالى أهل هذا البيت . فقال معقل مولى عبيد اللّه بن زياد : ومسلم بن عقيل في دار هانئ ؟ فقال : نعم !!! قال : فقال معقل : فقم بنا إليه حتى ندفع إليه هذا المال وأبايعه . قال : فأخذ مسلم بن عوسجة بيده ، فأدخله على مسلم بن عقيل ، فرحّب به مسلم ، وقرّبه وأدناه !! وأخذ بيعته ، وأمر أن يقبض منه ما معه من المال . فأقام معقل مولى عبيد اللّه بن زياد في منزل هانئ يومه ذلك ، حتى إذا أمسى انصرف إلى عبيد اللّه بن زياد معجبا لما قد ورد عليه من الخبر . ثم قال عبيد اللّه لمولاه : انظر أن تختلف إلى مسلم بن عقيل في كلّ يوم لئلا يستريبك ، وينتقل من منزل ابن! هانئ إلى مكان غيره ، فأحتاج أن ألقى في طلبه عتبا ! ( كتاب الفتوح لابن أعثم : 5/41 - 44 ) . ثم ساق الخبر حتى بلغ الى إعتقال هاني فقال : فقال له هانئ بن عروة : وما ذاك أيّها الأمير ؟ فقال : باللّه يا هانئ جئت بمسلم بن عقيل ، وجمعت له الجموع من السلاح والرجال في الدار حولك ، وظننت أنّ ذلك يخفى عليّ ، وأنّي لا أعلم ؟ فقال : ما فعلت ! قال ابن زياد : بلى قد فعلت ! قال : ما فعلت ! فقال ابن زياد : أين معقل ؟ فجاء معقل حتى وقف بين يديه ، فنظر هانئ إلى معقل مولى زياد ، فعلم أنّه كان عينا عليهم ، وأنّه هو الذي أخبر ابن زياد عن مسلم عليه السلام . نقاط مهمّة في نصّ ابن أعثم : الأُولى : كأنّ مهمة معقل هي عبارة عن استماع أخبارهم في الدخلة الأولى ليس أكثر « وفي غداة غد تعدو عليّ بالأخبار » . الثانية : لم يذكر كيف تعرف معقل على ابن عوسجة ، وإنّما دخل المسجد فرأى رجلاً من الشيعة فجلس اليه . . . الثالثة : يفيد أنّه لم يعلم بقدوم مسلم عليه السلام ، وإنّما يتوقّع قدومه « قد بلغني عنه أنّه يقدم ! إلى بلدكم هذا » . . الرابعة : يتبرّع معقل بإعطاء البيعة دون المال حيث يريد تسليم المال بنفسه لمسلم بن عقيل عليه السلام . الخامسة : ظنّ مسلم عليه السلام أنّ معقلاً كما يزعم ويقول ، ولم يثق به ، وإنّما عمل بالظنّ والاحتمال « فظنّ مسلم بن عوسجة أن القول على ما يقول !! » . السادسة : لم يذكر الكتمان عند أخذ العهود والمواثيق منه ، وإنّما اشترط عليه العون والمناصحة في العمل . السابعة : لم يحدّد موعدا ولم يعده بشيء سوى أنّه ينظر ما يكون ، فيما طالبه معقل بالوفاء بالوعد ! الثامنة : قوله « إذا أخبرك » كأنّ فيه إشعار أنّه يكشف له سرّا ويذكر له سبب انشغاله عنه . « إذا أخبرك - يا أخا أهل الشام - إنّا شغلنا بموت هذا الرجل » . وخبر موت شريك لم يكن سرّا ، وإنّما شيّع في الكوفة وصلّى عليه ابن زياد نفسه . . التاسعة : اكتشف معقل مكان مسلم بن عقيل عليه السلام من خلال معرفته بشريك ومكانه قبل أن يدخل عليه ، فاكتشاف مكان مسلم عليه السلام كان من استنتاجات فكر معقل . وكانت الأخبار جميعا تفيد أنّه إنّما عرف مكان مسلم عليه السلام حينما دخل عليه . العاشرة : بمجرّد أن استنتج معقل من كلام ابن عوسجة مكان إقامة مسلم عليه السلامأقرّ له ابن عوسجة فورا دون أيّ تريث . الحادية عشرة : إنّ معقل هو الذي أصدر الأمر بالذهاب الى مسلم عليه السلام وليس ابن عوسجة الذي قرّر أخذه . الثانية عشرة : تشدّدت العلاقة الحميمة ، وتوطّدت بسرعة بين معقل وابن عوسجة حتى أخذ بيده . الثالثة عشرة : لم يذكر طلب الإذن ، وكأنّ ابن عوسجة قد باغت مسلم عليه السلام بدخول معقل عليه . الرابعة عشرة : بادر مسلم بن عقيل عليهماالسلام الى تقريب معقل « قرّبه وأدناه » فور الدخول عليه . الخامسة عشرة : لم يستلم مسلم عليه السلام المال ، وإنّما أمر بأخذه ولم يحدّد من الذي قبضه . السادسة عشرة : أبدى الإعجاب لما حصل عليه من الخبر ، وهو إعجاب عجيب لم يظهر إلاّ عند ابن أعثم وحده . السابعة عشرة : منذ اليوم الأول قرّب وأدني ، وصار من الخواص ، حتى أقام يومه ذاك بينهم . الثامنة عشرة : توجّس ابن زياد ونهى معقلاً عن التردّد على مقرّ مسلم عليه السلام لئلاّ يكتشف أمره . التاسعة عشرة : في العبارة ارتباك ، ويظهر أنّ فيها تصحيف « ابن هاني مكان هاني » و« عتبا مكان عنتا أو تعبا مثلاً » . أبو الفرج الأصفهاني ( 356 ) في مقاتل الطالبيين : ودعا ابن زياد مولى له يقال له « معقل » ، فقال له : خذ هذه الثلاثة آلاف درهم ، ثم التمس لنا مسلم بن عقيل ، واطلب شيعته ، وأعطهم الثلاثة آلاف درهم ، وقل لهم : استعينوا بهذه على حرب عدوّكم ، واعلمهم بأنّك منهم . ففعل ذلك ، وجاء حتى لقى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم ، وسمع الناس يقولون : هذا يبايع للحسين بن علي ، وكان يصلّي ، فلمّا قضى صلاته جلس إليه ، فقال له : يا عبد اللّه ، إنّي امرؤ من أهل الشام مولى لذي الكلاع ، أنعم اللّه عليّ بحبّ أهل البيت ، وحبّ من أحبّهم ، وهذه ثلاثة آلاف درهم معي أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكنت أحبّ لقاءه لأعرف مكانه ، فسمعت نفرا من المسلمين يقولون : هذا رجل له علم بأمر أهل هذا البيت ، وإنّي أتيتك لتقبض منّي هذا المال ، وتدلّني على صاحبي فأبايعه . فقال له : أحمد اللّه على لقائك ، فقد سرّني حبّك إياهم ، وبنصرة اللّه إيّاك حقّ أهل بيت نبيه صلى الله عليه و آله ، ولقد ساءني معرفة الناس إيّاي بهذا الأمر قبل أن يتمّ مخافة سطوة هذا الطاغية الجبار أن يأخذ البيعة قبل أن يبرح ؟! ( كذا ) ، وأخذ عليه المواثيق الغليظة ليناصحن وليكتمن ، فأعطاه من ذلك ما رضي به ، ثم قال له : اختلف إليّ أياما في منزلي ، فأنا أطلب لك الإذن على صاحبك ، وأخذ يختلف مع الناس يطلب ذلك إليه . قال : فأقبل ذلك الرجل الذي وجّهه عبيد اللّه بالمال يختلف إليهم ، فهو أول داخل وآخر خارج ! يسمع أخبارهم ، ويعلم أسرارهم !!! وينطلق بها حتى يقرّها في أذن ابن زياد . وساق الخبر الى أن قال : يا هانئ أسلمت على ابن عقيل ؟ قال : ما فعلت . فدعا معقلاً ، فقال : أتعرف هذا ؟ قال : نعم . . . ( مقاتل الطالبيين لأبي الفرج : 64 ) . نقاط مهمّة في نصّ أبي الفرج : الأُولى : يصرّح له معقل أنّه يريد أن يعرف مكان مسلم عليه السلام ولم يلتفت ابن عوسجة حسب النصّ : « وكنت أحبّ لقاءه لأعرف مكانه » . الثانية : صرّح أنّه يريد تسليم المال لابن عوسجة والبيعة لمسلم عليه السلام . الشيخ المفيد رحمه الله ( ت 413 ) في الإرشاد : فدعا ابن زياد مولى له يقال له « معقل » ، فقال : خذ ثلاثة آلاف درهم ، ثم أطلب مسلم بن عقيل ، والتمس أصحابه ، فإذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة ، فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم ، وقل لهم : استعينوا بها على حرب عدوّكم ، وأعلمهم أنّك منهم ، فإنّك لو قد أعطيتها إياهم لقد اطمأنوا إليك ! ووثقوا بك ! ولم يكتموك شيئا من أخبارهم . ثم اغد عليهم ورح حتى تعرف مستقر مسلم بن عقيل ، وتدخل عليه . ففعل ذلك ، وجاء حتى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم ، وهو يصلّي ، فسمع قوما يقولون : هذا يبايع للحسين ، فجاء فجلس إلى جنبه حتى فرغ من صلاته ، ثم قال : يا عبد اللّه ! إنّي امرؤ من أهل الشام ، أنعم اللّه عليّ بحبّ أهل هذا البيت ، وحبّ من أحبّهم ؟ وتباكى له !! وقال : معي ثلاثة آلاف درهم ، أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول اللّه ، فكنت أريد لقاءه ، فلم أجد أحدا يدلّني عليه، ولا أعرف مكانه، فإنّي لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفرا من المؤمنين يقولون : هذا رجل له علم بأهل هذا البيت ، وإنّي أتيتك لتقبض منّي هذا المال ، وتدخلني على صاحبك ، فإنّما أنا أخ من إخوانك وثقة عليك ، وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه . فقال له مسلم بن عوسجة رحمه الله : أحمد اللّه على لقائك إيّاي ، فقد سرّني ذلك ، لتنال الذي تحبّ، ولينصر اللّه بك أهل بيت نبيه عليه وآله السلام، ولقد ساءني معرفة الناس إيّاي بهذا الأمر قبل أن يتمّ ، مخافة هذا الطاغية وسطوته . فقال له معقل : لا يكون إلاّ خيرا ، خذ البيعة عليّ ، فأخذ بيعته ، وأخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، فأعطاه من ذلك ما رضي به . ثم قال له : اختلف إليّ أياما في منزلي ، فأنا طالب لك الإذن على صاحبك . فأخذ يختلف مع الناس !! فطلب له الإذن ، فأذن له ، فأخذ مسلم بن عقيل رضي اللّه عنه ! بيعته ، وأمر أبا ثمامة الصائدي فقبض المال منه ، وهو الذي كان يقبض أموالهم ، وما يعين به بعضهم بعضا ، ويشتري لهم السلاح ، وكان بصيرا ومن فرسان العرب ووجوه الشيعة . وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم ، وهو أول داخل وآخر خارج ، حتى فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم ، وكان يخبره به وقتا فوقتا . (الإرشاد للمفيد : 2/45 وما بعدها). نقاط مهمّة في نصّ الشيخ المفيد : الأُولى : يفيد ظاهر النصّ أن لا مهمّة لمعقل سوى معرفة مكان مسلم عليه السلام « ثم اغد عليهم ورح حتى تعرف مستقر مسلم بن عقيل . . » . الثانية : تباكى معقل بعد إعلان ولائه وقبل تسليم المال لابن عوسجة . ( انفرد الشيخ رحمه الله بنقل التباكي ) . الثالثة : معقل يأمر بأخذ البيعة ومسلم عليه السلام يستجيب « فقال معقل : لا يكون إلاّ خيرا ، خذ البيعة عليّ ، فأخذ بيعته » . الرابعة : لم يدخل معقل على مسلم عليه السلام إلاّ بعد الاستئذان وصدور الإذن . الفتال النيسابوري ( ت 508 ) في روضة الواعظين وسار حتى وافى القصر في الليل ، ومعه جماعة قد التقوا به ، فدعا ابن زياد مولى له يقال له « معقل » ، فقال له : خذ ثلاثة آلاف درهم ، ثم اطلب من مسلم بن عقيل ، والتمس أصحابه ، فإذا ظفرت بواحد منهم ، أو جماعة فاعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم ، وقل لهم : استعينوا بها على حرب عدوّكم ، وأعلمهم أنّك منهم ، فإنّك لو أعطيتهم إيّاها اطمأنوا إليك ! ووثقوا بك ! ولم يكتموا شيئا من أخبارهم !! ثم اغد عليهم ورح ، حتى تعلم مستقرّ مسلم بن عقيل ، وتدخل عليه ، ففعل ذلك . وجاء فطلب الإذن ، فأذن له ، فأخذ مسلم بن عقيل بيعته ، وأمر أبا ثمامة الصائدي يقبض المال منه ، وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم ، فهو أول داخل وآخر خارج حتى فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم، وكان يخبره بهم . (روضة الواعظين للفتال : 174). مقارنة بين النصوص في قراءة سريعة للنصوص نجد فيها ارتباكا ملحوظا يصل في بعضها الى حدّ التهافت ، وتسربا غير مدروس للأحداث تكشف عن الوضع المقصود في القصّة . فلو لاحظنا نصّ البلاذري ، وهو أقدم النصوص حسب تاريخ وفاة المؤلفين نجده خاليا من كثير من التفاصيل والتصريحات التي دخلت في المصادر اللاحقة . ولعلّ فيما سبق من الإشارة الى النقاط المهمّة في كلّ واحدة من النصوص ما يكشف عن التهافت والاهتزاز في حياكة قصّة الاختراق . ولكي تكون الصورة واضحة سنقارن بين النصوص موضعا بعد موضع إن شاء اللّه تعالى . أولاً : هوية معقل لم يعرّف البلاذري معقلاً بأكثر من كونه مولى لابن زياد . فيما حدّد غيره أنّه من أهل الشام ، وزاد بعضهم تحديد بلده ، فذكر أنّه من أهل حمص ( انظر المناقب لابن شهرآشوب : 3/242، مثير الأحزان لابن نما : 21 ) ، ونصّ بعضهم أنّه مولى لذي الكلاع . ثانيا : كمّية المال لم يذكر البلاذري كمية المال المدفوع لمعقل . فيما حدّده الآخرون بثلاثة آلاف درهم ، وذكرها بعضهم ثلاثة آلاف مطلقة ، وبعضهم أربعة آلاف . ( انظر مثير الأحزان لابن نما : 21 ) . ثالثا : مصرف المال دفع البلاذري المال لمعقل ليستعين به ، ولم يحدّد له مورد استعماله ومصرفه ، وهل هو له أو يجب عليه أن يدفعه لمسلم عليه السلام وأصحابه . فيما ذكرت المصادر الأخرى أنّ المال ليس لمعقل ، وإنّما هو مأمور بدفعه الى مسلم بن عقيل عليه السلام بالذات . وذكر الدينوري أنّ المال لمسلم بن عقيل عليه السلام يستعين به ويضعه حيث شاء من شيعته ، فهو مال يمكن أن يصل لأفراد من الشيعة ، وهي خطوة لإثارة الطمع . رابعا : مكان اللقاء لم يحدّد البلاذري مكان اللقاء الذي جمع ابن عوسجة بمعقل . وحدّد الآخرون مكان اللقاء ، ونصّ بعضهم أنّه في المسجد الأعظم كما فعل الدينوري ، وأفاد أنّه كان في المسجد غير ابن عوسجة إلاّ أنّه توجّه اليه دون غيره . خامسا : جهل معقل بطريقة التأتي اعتمدت المصادر حذق معقل ومعرفته بطريقة إنجاز المهمة الموكولة له ، فيما صرّح الدينوري أنّ معقلاً وقع في حيرة من أمره ، وكأنّه اشتمله الغباء ، ف-« جعل لا يدري كيف يتأتى الأمر » . سادسا : كيف عرف معقل ابن عوسجة تمّ لقاء معقل وابن عوسجة مباشرة عند البلاذري ، وكأنّ معقلاً يعرفه بعينه من دون أن يكون قد سمع من الناس شيئا ، ولا سأل عنه أحدا . فيما اعتمد معقل على تفرّسه وتعرّف الى ابن عوسجة من خلال صفات الشيعة ، وأنّهم يكثرون الصلاة ، كما صرّح به الدينوري . وذكر الدينوري أنّ الأمر تمّ بينه وبين نفسه من خلال الحوار الذي دار في خلده . وصرّح معقل لابن عوسجة أنّه توسّم فيه الخير ، ولم يذكر مراقبته له ، وأنّه كان يكثر الصلاة ، فهو عند الدينوري قد فاتح ابن عوسجة هكذا ظنّا ورجاء فصدق ظنّه ورجاءه . وذكرت مصادر أخرى أنّه سمع من الناس وهم يتحدّثون عن مسلم بن عوسجة في المسجد . وتشير بعض التصريحات أنّه سأل عنه . ولم يذكر ابن أعثم كيف تعرّف معقل الى ابن عوسجة ، وإنّما دخل المسجد فرأى رجلاً من الشيعة فجلس اليه . . . سابعا : من يحبّهم معقل أعلن معقل في نصّ البلاذري أنّه ممّن يحبّ أهل البيت عليهم السلام فحسب ، فيما ذكرت بقيّة المصادر أنّه يحبّ أهل البيت عليهم السلام ومن يحبّهم . ثامنا : علم معقل بالقادم أعلن معقل أنّه يعرف القادم وإنّه رجل من أهل البيت عليهم السلام ، كما عند البلاذري وغيره ، فيما أفاد ابن أعثم أنّه لم يعلم بقدوم مسلم عليه السلام ، وإنّما يتوقّع قدومه « قد بلغني أنّه يقدم ! الى بلدكم » . تاسعا : ركون ابن عوسجة لمعقل ركن ابن عوسجة لمعقل بمجرّد أن فتح الحديث معه . فيما أثار تعرّض معقل لابن عوسجة مباشرة شكّه وسأله . وعند ابن أعثم : ظنّ ابن عوسجة أنّ معقلاً كما يزعم ويقول ، ولم يثق به ، ولكنّه عمل بالظنّ والاحتمال « فظنّ مسلم بن عوسجة أنّ القول على ما يقول . . » . عاشرا : وعد الدخول على مسلم في أنساب الأشراف : وعد ابن عوسجة بالدخول على مسلم عليه السلام مطلقا دون تحديد الوقت، ودون أيّ مقدمات أو شروط ، وعرّفه باسم المبعوث ونسبته مع الحسين عليه السلامفورا . فيما حدّد الدينوري اليوم الثاني للقاء الموعود . وترك ابن أعثم تحديد الموعد ولم يعده بشيء سوى أنّه « ينظر ما يكون » . فيما أمره ابن عوسجة أن يختلف اليه أياما كما أفاد الطبري . الحادي عشر : من الذي قبض المال عند البلاذري أنّ الذي أخذ البيعة مسلم عليه السلام ، وهو الذي قبض المال . فيما قرّر ابن أعثم أنّ مسلما عليه السلام لم يستلم المال ، وإنّما أمر بأخذه ، ولم يحدّد من الذي قبضه . بينما حدّد الطبري أنّ الذي قبض المال أبو ثمامة الصائدي . الثاني عشر: المواثيق المأخوذة من معقل لم تشر حكاية البلاذري الى مواثيق مسلم التي أخذها على معقل . وأخذ العهود والمواثيق في بعض المصادر على المناصحة والكتمان . فيما تركت بعض المصادر اشتراط الكتمان ، وأكدت على اشتراط العون والمناصحة في العمل . الثالث عشر : التزام الدخول والخروج على مسلم عليه السلام لم تشر قصّة البلاذري الى التزام معقل الدخول والخروج على مسلم عليه السلام وأصحابه ، وكلّ ما استفاده معقل إنّما كان من تلك الدخلة الواحدة التي سلّم فيها المال وأعطى البيعة . الرابع عشر : تحديد مكان اللقاء مع ابن عوسجة حدّد الدينوري بيت ابن عوسجة مكانا لللقاء في اليوم التالي ليأخذه الى مسلم عليه السلام . فيما أغفلت بعض المصادر ذلك . الخامس عشر : علم مسلم بالاختراق نصّت بعض المصادر على إخبار ابن عوسجة مسلما عليه السلام بما جرى بينه وبين معقل ، فهي تؤكّد - عاقبةً - على علم مسلم بن عقيل عليه السلام بالاختراق ، بل أفاد الطبري أنّ ابن عوسجة أخبر مسلما عليه السلام بخبر معقل «كلّه» يعني أنّ مسلما عليه السلام كان على علم بتفاصيل الإختراق . فيما أكّدت مصادر أخرى أنّ ابن عوسجة باغت مسلما عليه السلام بدخول معقل عليه . السادس عشر : دخول معقل المتكرر أفادت بعض المصادر المذكورة أنّ معقلاً صار يدخل على مسلم عليه السلام ويلازمه دون أن يحجب عنه منذ اللقاء الأول . فيما أفادت مصادر أخرى أنّه استقى معلوماته كلّها من الدخلة الوحيدة الأولى على مسلم عليه السلام . بل روى ابن أعثم الحكاية بما يفيد القاريء أنّ مهمة معقل تنحصر في استماع الأخبار في الدخلة الأولى وليس أكثر « وفي غداة غد تعدو عليّ بالأخبار » . ولم تذكر بعض المصادر التردّد على مقرّ القيادة . السابع عشر : عرض البيعة تبرّع معقل بإعطاء البيعة دون المال ، وأعرب عن إصراره على تسليم المال بنفسه لمسلم بن عقيل عليه السلام . وتبرّع في مصادر أخرى بإعطاء البيعة ودفع المال لابن عوسجة . وأصرّ على تسليم المال والبيعة لمسلم بن عقيل عليه السلام لا غيره . الثامن عشر : اكتشاف مكان مسلم اكتشف معقل مكان مسلم عليه السلام بعد الدخول عليه ، كذا في المصادر . غير أنّ ابن أعثم أسند الاكتشاف الى ذكاء معقل وحذقه حيث أنّه اكتشف مكان مسلم عليه السلام من خلال معرفته بشريك ومكانه، فلمّا أخبره ابن عوسجة بانشغالهم بتجهيز شريك استنتج معقل أنّ مسلما هناك في منزل هانيء ، فعرف مكانه قبل أن يدخل عليه !! والحال أنّ الانشغال بتجهيز شريك لا علاقة له من قريب ولا من بعيد بوجود مسلم عليه السلامفي بيت هاني، والخبر لا يشير الى الدلالات التي استند اليها معقل في استنتاجه الفذ هذا ! التاسع عشر : من الذي قرر الدخول على مسلم عليه السلام صرّحت بعض المصادر أنّ ابن عوسجة وعد معقلاً بالدخول على مسلم عليه السلام فيما أفاد ابن أعثم أنّ معقلاً هو الذي أصدر الأمر بالذهاب الى مسلم عليه السلام . العشرون : تعليمات ابن زياد نصّت بعض المصادر على أنّ ابن زياد أمر معقلاً أن يغدو عليهم ويروح حتى يعرف أخبارهم . وأكّد ابن أعثم أنّ ابن زياد توجّس ونهى معقلاً عن التردّد على مقرّ مسلم عليه السلام ، لئلاّ يكتشف أمره . الحادي والعشرون : من المطلوب في مهمّة معقل صرّحت بعض المصادر أنّ المطلوب هو مسلم بن عقيل عليهماالسلام فحسب ، وأفادت أخرى أنّ المطلوب مسلم عليه السلام وأصحابه . الثاني والعشرون : ما هو المطلوب في مهمّة معقل صرّحت مصادر أنّ المطلوب هو معرفة مكان مسلم عليه السلام فقط « ثم اغد عليهم ورح حتى تعرف مستقر مسلم بن عقيل » ، وأخرى أنّ المطلوب اكتشاف أسرار التحرّك وخفاياه وكلّ ما يتعلّق بذلك . الثالث والعشرون : الغرض من تقديم المال أفاد الطبري أنّ المقصود من تقديم المال زلزلة موقف أنصار الحقّ والتراخي أمام المال بحيث تفضح كلّ الأسرار بمجرد استلامه . فيما كان عند الآخرين وسيلة للتعرّف ، وواسطة للدخول على مسلم عليه السلام فقط . الرابع والعشرون : من الذي أخذ البيعة إنّ الذي أخذ البيعة مسلم بن عقيل عليهماالسلام بعد تردّد معقل على ابن عوسجة وإدخاله الى مقرّ القيادة . فيما أفاد الطبري أنّ ابن عوسجة أخذ البيعة من معقل قبل أن يبرح من مكانه ، وفي نفس اللقاء الأول . الخامس والعشرون : اختلاف معقل الى ابن عوسجة أفاد بعضهم أنّه غدا عليه في بيته ، وأفاد آخرون أنّه كان يختلف اليه في المسجد ، وقال البعض : أنّه غدا عليه وحده ، وصرّح آخرون أنّه كان يختلف اليه في جملة الناس الذي يختلفون الى ابن عوسجة . السادس والعشرون : الاستئذان لم تذكر بعض المص-ادر الاستئذان لمعقل م-ن مسلم عليه السلام ، فيم-ا نصّ آخ-رون كالطبري على طلب الإذن قبل الدخول ، وأفاد الشيخ المفيد رحمه الله حصول الإستئذان وصدور الإذن . السابع والعشرون : البيعة قرار معقل أو مسلم أفاد الشيخ المفيد رحمه الله خلافا لغيره من المؤرخين أنّ معقلاً أمر ابن عوسجة بأخذ البيعة منه ، فاستجاب له ابن عوسجة . الثامن والعشرون : تباكي معقل انفرد الشيخ المفيد رحمه الله حسب ما راجعنا من المصادر في عرض صورة لمعقل أثارة الشكوك عند بعض المحقّقين المتأخرين حتى عدّها في جملة المؤاخذات على ابن عوسجة ، وهي صورة تباكي معقل عند لقائه بابن عوسجة وعرض المال والبيعة عليه . التاسع والعشرون : زمن دعوة معقل للمهمّة أشعر تعبير الفتال في الروضة من خلال تفريعه بالفاء أنّ ابن زياد بادر الى دعوة معقل وتكليفه بالمهمة فور وصوله الكوفة ، فقال : « وسار حتى وافى القصر في الليل ، ومعه جماعة قد التقوا به ، فدعا ابن زياد مولى له يقال له معقل . . » . فيما أفادت المصادر أنّ الدعوة كانت بعد زيارة هانيء ، والاختراق كان قبل موت شريك ، والدخول كان بعده . الثلاثون : الاختلاف في ولاء معقل اختلفوا في ولاء معقل الجاسوس : فقيل : إنّه مولى لابن زياد . وقيل : إنّه من بني تميم . قال الشيخ شمس الدين في هامش كتابه أنصار الحسين : هذا يعني أنّ معقلاً مولى لابن زياد في رواية عمار الدهني وأبي مخنف ( تاريخ الطبري : 5/348 و362 ) . وأمّا في رواية عيسى بن يزيد الكناني ، فإنّ هذا المولى لم يكن لابن زياد ، وإنّما كان من تميم ( تاريخ الطبري : 4/269 ) : قال : ما فعلت ؟ فأخرج التميمي الذي كان عينا عليهم ( أنصار الحسين عليه السلام لشمس الدين : 191 ) . معالجة جملةمن المؤلفين للخبر نجد عند التأمل في كتب العلماء والمؤلفين نمطين من التعامل مع هذه القصّة يكشف لنا عن موقف أصحابها في معالجة الخبر : النمط الأوّل : وهم جملة من كبار العلماء والمؤلفين القدماء الذين سلكوا طريق الأدب في التعامل مع النفوس القدسية ، والاحتياط للوقوف بين يدي ربّ البرية ، وأبت قلوبهم أن تنسب ما لا يليق لمعادن الطهر وسواقيها ، فنقلوا الخبر بعد تهذيب وتقويم دون الإشارة الى حدث الاختراق الفج ، ونؤكد أنّهم حاولوا أن ينقلوا الخبر بصورة لا تركّز على « طريقة الاختراق خاصة » لا مطلق الاختراق ، منهم : ابن شهرآشوب في المناقب يبدو أنّ ابن شهرآشوب وغيره من أعلام الشيعة رجّحوا أن ينقلوا قصة « معقل » باقتضاب يحفظ لمسلم بن عوسجة ومسلم بن عقيل عليه السلام وأبي ثمامة الصائدي وغيرهم من رجال الحسين عليه السلام قداستهم ، ويدفع عنهم المؤاخذات المزعومة ، ولو بشكل نسبي . قال ابن شهرآشوب في المناقب : ثم إنّ عبيد اللّه أعطى مولاه « معقلاً » ثلاثة آلاف درهم ، وقال له : اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايعه أهل الكوفة ، فاعلمه أنّك رجل من أهل حمص جئت لهذا الأمر ، وهذا مال تدفعه لتتقوّى به . فلم يزل يتلطّف ويسترشد حتى دُلّ على مسلم بن عوسجة الأسدي ، وكان الذي يأخذ البيعة ، فأدخله على مسلم ، وقبض منه المال وبايعه ، ورجع معقل إلى عبيد اللّه ، فأخبره . ابن نما لم ينقل الاختراق الفج أمّا ابن نما الحلي فقد نقل في « مثير الأحزان » عبارة قريبة من عبارة ابن شهرآشوب إلاّ أنّها اتسمت باقضاب أشدّ طوى فيه قصّة الاختراق طيّا كاملاً ، ونسب ما سطره الى المصدر الذي نقل عنه ، وكأنّه يريد أن يفلت من مسؤولية النقل ويلقيها على عاتق من نقل عنه على طريقة « العهدة على الراوي » ، قال : ثم إنّ عبيد اللّه بن زياد حيث خفى عليه حديث مسلم دعا مولى يقال له « معقل » فأعطاه أربعة آلاف درهم كما في كتاب إعلام الورى باعلام الهدى ، وأمره بحسن التوصّل إلى من يتولّى البيعة وقال : اعلمه أنّك من أهل « حمص » جئت لهذا الأمر . فلم يزل يتلطّف حتى وصل إلى مسلم بن عوسجة الأسدي، فادخله إلى مسلم فبايعه ( مثير الأحزان لابن نما الحلي : 16 - 23 ) . رواية السيد بحر العلوم في الفوائد الرجالية أمّا السيد بحر العلوم فقد عرض « قصّة معقل » بصورة تختلف عن المشهور في كتب التاريخ اختلافا تاما حيث أنّه يرى أنّ معقلاً كان متبرّعا طلبا للجائزة ، وليس مأمورا من قبل ابن زياد مباشرة ، ولم ينوّه الى قصّة الأموال ولا الاختراق ، ولا أيّ شيء من ذلك ، فقال : ثم إنّ ابن زياد بعث في طلب مسلم ، وبذل على ذلك الجوائز الكثيرة والعطايا الخطيرة ، وكان ممّن رغب في ذلك مولى له يقال له « معقل » ، فخرج يدور في الكوفة ، ويتحيّل على الاستطلاع على خبر مسلم إلى أن وقع على خبره : أنّه عند هاني بن عروة ، أرشده إليه رجل يقال له : مسلم بن عوسجة » . . ( الفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم : 4/38 ) . اختيار السيد ابن طاووس أمّا السيد ابن طاووس رحمه الله ، فقد ذكر قصّة الجاسوس بشكل ذكي ونابه لا يمس قداسة « أعضاء الثورة »! ولا يسمح لأحد أن يسجّل عليهم مؤاخذة ، حيث أنّه ترك نقل طريقة الاختراق ، ولم ينكر أصل وجود الجاسوس « معقل » . فهو يروي أنّ ابن زياد وضع المراصد على مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، ولا يذكر لمعقل خبرا ، ثم يفاجئ القارئ بوقوف معقل أمام هاني في قصر ابن زياد ، فيرى هاني أنّ هذا الوجه الكالح القبيح ليس غريبا عليه ، لأنّه قد رآه من قبل ، فيعرف أنّه جاسوس ابن زياد. فالسيد - رحمه الله - يطرح ما ذكره المؤرخون من طريق توصّل معقل الى مسلم عليه السلام .. قال السيد رحمه الله في اللهوف : فلمّا سمع مسلم بن عقيل بذلك خاف على نفسه من الاشتهار ، فخرج من دار المختار ، وقصد دار هاني بن عروة ، فآواه ، وكثر اختلاف الشيعة إليه . وكان عبيد اللّه قد وضع المراصد عليه . فلمّا علم إنّه في دار هاني دعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج ، وقال : ما يمنع هاني بن عروة من إتياننا .. . فقال : إيهٍ يا هاني ، ما هذه الأمور التي تربّص في دورك لأميرالمؤمنين وعامة المسلمين ، جئت بمسلم بن عقيل ، وأدخلته في دارك ، وجمعت له السلاح والرجال في الدور حولك ، وظننت إنّ ذلك يخفى عليّ! فقال : ما فعلت ؟ فقال ابن زياد : بلى قد فعلت . فقال : ما فعلت أصلح اللّه الأمير . فقال ابن زياد : عليّ بمعقل مولاي . وكان معقل عينه على أخبارهم ، وقد عرف كثيرا من أسرارهم ، فجاء معقل حتى وقف بين يديه . فلمّا رآه هاني عرف إنّه كان عينا عليه . . ( اللهوف لابن طاووس : 29 - 31 ) . مفاد أقوال العلماء عوّدنا السلف الصالح وكبار العلماء أن يختزلوا لنا مقدّمات بحثهم ، ويلقمونا النتائج جاهزة ، فالشيخ الكليني رحمه الله والشيخ الصدوق رحمه الله وغيرهم قضوا أعمارهم في البحث والتنقير والتنقيب واستعراض الروايات والأخبار، وعالجوا تعارضها، وفاضلوا بين القوي والأقوى منها ، ثم سطروا ما وصلوا اليه في كتبهم ، فقال المتأخرون عنهم : إنّ هذا مختارهم ومعتقدهم ، كما صرّحوا هم أنفسهم بذلك . وعلى هذا المنوال سلك السيد ابن طاووس رحمه الله وغيره في كتبهم في قصّة معقل ، فهم وإن لم يناقشوا القصّة باسهاب ، ويكشفوا ما فيها من الخلل ، ويعالجوا ما فيها من روائح الوضع والخطل ، بيد أنّهم اقتطعوا ما لم يعتقدوه ، وأعرضوا عن تسجيل ما لم يرتضوه ، وطووا كشحا عن قصّة الاختراق الفج بالطريقة التي نسجتها أيدي المؤرخين ، فاسقطوها عن اعتبارهم . وفي اختيار هؤلاء الأفذاذ قناعة ما دامت توافق الحقّ ولا تخالف المعصوم . النمط الثاني وهم جملة من العلماء والكتّاب المتأخرين ، وقد تعامل بعضهم مع القصّة بروح المحاكمة ، ونفس القاضي الذي يصدر حكما على رجال اشتركوا في قضية أتت على مستقبل البشرية ، وجعل نفسه في موقع يكشف أنّه أعلم من مسلم بن عقيل عليه السلامومسلم بن عوسجة وغيرهم من رجال الحسين عليه السلام حيث أماط الحجاب عن العوار الذي اكتنف موقفهم ، والتفت الى ما لم يلتفتوا اليه ، ولم يخدع بما خدعوا ، ولم يغترّ بما اغترّوا به !! وبعضهم استعمل عبارات قد لا يبالغ من قال : أنّ فيها عدم تحفّظ ، بل قسوة أحيانا مع القدّيسين . وبعضهم تعامل مع رجال الحسين عليه السلام بأدب الخجول المضطر للتأدّب ، لأنّه لا يجد بدّا منه ، لمعرفته بمقام من يقف بين يديه ، فسلك سبيل التعبّد والتسليم ، توقّفا واحتياطا . ابن عوسجة يغتر بمعقل قال السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة : ولمّا خفي على ابن زياد أمر مسلم عمد إلى التجسس ، فدعا غلاما ل-ه اسم-ه « معقل » ، ودفع إليه أربعة آلاف درهم ، وأمره بحسن التوصّل إلى أصحاب مسلم ، وأن يدفع إليهم المال ليستعينوا به ، ويظهر لهم أنّه منهم من أهل حمص . فجاء إلى مسلم بن عوسجة . فاغتر بكلامه وأدخله على مسلم بن عقيل ، فأخبر ابن زياد بكلّ ما أراد . . . . ( أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين : 1/591 ) . معقل يوهم مسلم بن عوسجة قال الشيخ شمس الدين رحمه الله في كتابه أنصار الحسين عليه السلام : استطاع ابن زياد أن يكتشف مقرّ مسلم بن عقيل بمعونة جاسوس تسلّل إلى صفوف الثوار . بعد أن أوهم مسلم بن عوسجة أنّه من شيعة أهل البيت . ( أنصار الحسين عليه السلام لشمس الدين : 124 ) . وقال في موضع آخر من نفس الكتاب في خضم الحديث عن علاقة الموالي بقيام الإمام الحسين عليه السلام : وهل تدلّ استجابة مسلم بن عوسجة للجاسوس « دون حذر!! » على صدق تقدير النظام الأموي لحقيقة العلاقة بين الموالي وبين الثورة ؟! ( أنصار الحسين عليه السلام لشمس الدين : 192 ) . مؤاخذات الشيخ القرشي على أعضاء الثورة : سجّل سماحة الشيخ القرشي - حفظه اللّه - في كتابه الشهيد الخالد مسلم بن عقيل ( الشهيد الخالد مسلم بن عقيل : 141 ) ، وفي كتابه حياة الإمام الحسين عليه السلام ( حياة الإمام الحسين عليه السلام للقرشي : 2/369 ) بعض المؤاخذات على أعضاء الثورة ، فقال تحت عنوان : « التجسس على مسلم عليه السلام » : وأول بادرة سلكها ابن زياد هي التجسس على مسلم ، ومعرفة جميع نشاطاته السياسية والوقوف على نقاط القوة والضعف عنده . وقد اختار للقيام بهذه المهمة مولاه معقلاً ، وكان من صنائعه ، وتربى في كنفه ، ودرس طباعه ، ووثق باخلاصه ، وكان فطنا ذكيا !! ، فأعطاه ثلاثة آلاف درهم ، وأمره أن يتصل بالشيعة ، ويعرفهم أنّه من أهل الشام ، وأنّه مولى الذي الكلاع الحميري ، وكانت الصبغة السائدة على الموالي هي الاخلاص لأهل البيت عليهم السلام ولذا أمره بالانتساب إلى الموالي ، حتى ينفي الشكّ والريب عنه ، وقال له : أنّه إذا التقى بهم فليعرّفهم بأنّه ممّن أنعم اللّه عليه بحبّ أهل البيت عليهم السلام وقد بلغه قدوم رجل إلى الكوفة يدعو للإمام الحسين ، وعنده مال يريد أن يلقاه ليوصله إليه حتى يستعين به على حرب عدوه ، ومضى معقل في مهمته فدخل الجامع ، وجعل يفحص ويسأل عمّن له معرفة بمسلم ، فارشد إلى مسلم بن عوسجة ، فانبرى إليه ، وهو يظهر الاخلاص والولاء للعترة الطاهرة قائلاً له : إنّي أتيتك لتقبض مني هذا المال ، وتدلّني على صاحبك لأبايعه ، وإن شئت أخذت بيعتي قبل لقائي إياه . . فقال مسلم : لقد سرّني لقاؤك إيّاي لتنال الذي تحبّ ، وينصر اللّه بك أهل نبيه ، وقد ساءني معرفة الناس إياي من قبل أن يتمّ مخافة هذا الطاغية وسطوته ، ثم أخذ منه البيعة وأخذ منه المواثيق المغلّظة على النصيحة وكتمان الأمر . وفي اليوم الثاني أدخله على مسلم ، فبايعه وأخذ منه المال ، وأعطاه إلى أبي ثمامة الصائدي ، وكان قد عيّنه لقبض المال ليشتري به السلاح والكراع . وكان معقل فيما يقول المؤرخون : أول من يدخل على مسلم ، وآخرمن يخرج منه ، وجميع البوادر والأحداث التي تصدر ينقلها بتحفظ في المساء إلى ابن زياد حتى وقف على جميع أسرار الثورة . ثم قال - حفظه اللّه - تحت عنوان « مع أعضاء الثورة » : والذي يواجه أعضاء الثورة من المؤاخذات !!! ما يلي : أولاً : إنّ معقلاً من أهل الشام الذين عرفوا بالبغض والكراهية لأهل البيت عليهم السلام والولاء لبني أمية ، والتفاني في حبّهم ، فما معنى الركون اليه ؟ ثانيا : إنّ اللازم التريّث !!! حينما أعطى المال لمسلم بن عوسجة وهو يبكي ، فما معنى بكائه أو تباكيه ؟ أليس ذلك ممّا يوجب الريب في شأنه ؟!!! ثالثا : إنّه حينما اتصل به ! كان أول داخل وآخر خارج ، فما معنى هذا الاستمرار والمكث الطويل في مقرّ القيادة العامة ؟ أليس ذلك ممّا يوجب الشكّ في أمره ؟!!! لقد كان الأولى بالقوم !! التحّرز منه !!!!! ولكنّ القوم ! قد خدعتهم المظاهر المزيّفة !!!!! ومن الحقّ أنّ هذا الجاسوس كان ماهرا في صناعته ، خبيرا فيما انتدب اليه . . . .!!! وعلى أيّ حال ، فإنّ ابن زياد قد استفاد من عملية التجسس أمورا بالغة الخطورة ، فقد عرف العناصر الفعالة في الثورة! وعرف مواطن الضعف فيها ! وغير ذلك من الأمور التي ساعدته على التغلّب على الأحداث!!! . . . ثم قال - حفظه اللّه - ومدّ في عمره المبارك في كتابه حياة الإمام الحسين عليه السلام تحت عنوان : « الاحجام عن كبس دار هانئ » : وعلم الطاغية أنّ هانئا هو العضو البارز في الثورة ، فقد اطلعه الجاسوس الخطير معقل على الدور الفعال الذي يقوم به هانئ في دعم الثورة ، ومساندتها بجميع قدراته ، وعرفه أنّ داره أصبحت المركز العام للشيعة ، والمقرّ الرئيسي لسفير الحسين مسلم . ( حياة الإمام الحسين للقرشي : 2/371 ، ولم يقرأ نصوص تقارير معقل لابن زياد أحد سوى ما نصّ عليه الشيخ - حفظه اللّه - هنا ) . * * * لا نرى من الأدب أن نتناول عبارات هؤلاء العلماء والمحقّقين من سبق ذكره ومن يأتي بالمناقشة المفصّلة والمباراة لكلّ فقرة فقرة من كلماتهم للتنويه على ما فيها ، لكرامة السبق ، وأقدمية الهجرة ، وأفضلية العلم ، والتقدّم في السنّ ، والتنوّر بنور العلم والكتابة . ونرجو من اللّه السداد والتوفيق والقبول من الجميع ، والتوفيق لمعرفة أهل البيت عليهم السلاموأنصارهم ، والذابّين عنهم ، والتأدّب اللائق في مثل هذه المحاضر المقدّسة ، ورحم اللّه امرؤا عرف قدر نفسه . ولكنّنا نقول بخضوع واحترام : إنّ هذه المؤاخذات !! ومؤاخذات أخرى كثيرة يمكن أن تسجّل على القصّة ، وهي بنفسها في الحقيقة إشكالات تسقط الخبر ، وتدعونا الى طرحه بشجاعة وجرأة ، بعد أن عرفنا أنّ ثقة الحسين عليه السلام والخبير بالمجتمع الكوفي ، والمحارب القديم مسلم بن عقيل عليهماالسلام . وكذا مسلم بن عوسجة الشيخ الكبير ، وإرشيف التجارب المرّة مع أعداء أهل البيت عليهم السلام الذي لو لم يكن محاربا مقاتلاً مجربا في ساحات العمل والقتال ومعرفة الأعداء ، ولو لم يكن التسديد الإلهي حليفه ، لاكتفى بتجارب السنين الطويلة التي عاشها مع ابن زياد وأبيه وأسيادهم ، وكيف وهو صاحب البصيرة النافذة ، والعلم الجمّ ، والمواقف المشهودة ، والمعرفة الثاقبة ، والشجاعة والتسليم والدقّة في التشخيص ( راجع كتاب « مسلم بن عوسجة أول شهداء اللّه في معسكر الحسين عليه السلام » للمحقّق ) . ونحن نكتفي بما سجّله سماحة الشيخ من إشكالات فلا نعيدها أثناء ذكرنا للملاحظات العامّة فيما يأتي إن شاء اللّه . ولو لم يكن في الخبر من ثغرات سوى التي ذكرها الشيخ - حفظه اللّه - لكانت كافية في التريّث والتردّد في قبول الخبر . معالجة الشيخ حسين الكوراني نقل سماحة الشيخ حسين الكوراني - حفظه اللّه - قصّة معقل ، وحلّل وعلّق عليها ، ولا نودّ هنا نقل حديثه ومناقشته مفصلاً ، وكنّا نتمنّى أن لا ننقل منه شيئا أبدا ، حياء من مسلم بن عوسجة ، ومن مسلم بن عقيل وسيد الشهداء الحسين - صلوات اللّه عليهم - ، وقد تردّدت كثيرا قبل تسويد هذه السطور بما قاله سماحته . ولكنّه قول قد يتلجلج في بعض الصدور ، وقد تلوكه بعض الألسن ، وتسترسل به بعض الأذهان ، وتسيل به الأقلام باعتبار أنّها نتائج طبيعية ، ولوازم حتمية للموقف ، وهو كذلك على فرض التسليم بالقصّة . بيد أنّ المتتبع إذا نظر بعين الريبة للتاريخ والمؤرخ الذي يريد عرض الأقوياء الأوفياء في زي الضعفاء الخونة ، لتشويش الأذهان ، وإرباك العقائد، وتهييج الوساوس في الصدور، والدفاع عن « دافع الأجور » يعرف جيدا أنّ التمرّد على المؤرخ الموتور المأجور وردّه وحكاياته السلطانية خير من تطويق أعناق الأبرار بالدماء المقدّسة ، ومشاطرة المؤرخ في تحمل المسؤولية أمام اللّه وسبط الرسول . وإنّما تعرّضنا لهذه القصّة للردّ على مثل هذه التصورات ، مع التأكيد على الإحترام والتقدير لسماحته ، غير أنّ الجواد قد يكبو ، وسيد الشهداء رحمة اللّه الواسعة . * * * قال سماحته في معرض استخلاصه الدروس والعبر من موقف ابن عوسجة ، وتسلّل معقل بعد أن روى جملة من الأحاديث التي تعني الموضوع ( ذكرنا الإحاديث التي ذكرها الشيخ في الخاتمة ) : سرّ الإسلام شيء عظيم حتى في الأمور الصغيرة ، فمثلاً أنا أعرف أنّ فلانا عنده المسؤولية الفلانية ، فلا داعي أن أقول ذلك ، لأنّه ممكن أن يكون هذا بطريقة وأخرى رأس خيط لأمر ما ، فلابد أن تكون دقّة في هذا المجال . لا أتصوّر أنّ مواليا للحسين - صلوات اللّه عليه - إلاّ ويحترق ! لأنّ الناحية الأمنية شكّلت ضربة قاصمة لتحرّك الإمام الحسين صلوات اللّه عليه !! وهذا يشكّل دافعا ليكون الفرد حذرا في المجال الأمني بشكل دقيق ، ولا يكون هو من حيث لا يشعر كوفيا !! يشارك . . .ضدّ الإسلام ، وهو يتصوّر أنّه لا يعمل شيئا !!! طبيعي أنّ الفرد يتألّم لما جرى على مسلم بن عقيل ! وأن يستفيد من درس هذا الجاسوس معقل . وبطبيعة الحال ، فإنّ مسلم بن عوسجة - رضوان اللّه عليه - تألّم كثيرا عندما عرف أنّه كان هو السبب في انكشاف أمر هاني بن عروة !!!!! وبالتالي الوصول الى مسلم بن عقيل !!!! وقتل هاني بن عروة وقتل مسلم بن عقيل !!!!!!! وهي شغلة مؤلمة ومفجعة ، وإن كان هو - إن شاء اللّه - لا شيء عليه !!!! وغير مسؤول شرعا !!!! وحتى إذا كان عليه شيء فموقفه الكربلائي غسل كلّ شيء !!!!! دون شكّ . لكن بالتالي إنّها شغلة يتوقّف عندها ، المفروض أن يكون الفرد بخدمة الإسلام ، ولا يسمح لنفسه أن يكون في خدمة أعداء الإسلام عن طريق البساطة والسذاجة والتساهل !!!!!!!!!! . . . ( حديث إذاعي حصلنا على نسخة منه بصوته - حفظه اللّه - من موقع « الشيعة فويس - صوت الشيعة » على الانترنت ) . * * * كلام الشيخ - حفظه اللّه وسدده ورعاه - لا يصمد أمام النقد ، ولا داعي لإفراده بالمناقشة ، وستقرأ في ثنايا الصفحات التالية ما يكفي إن شاء اللّه . غير أنّ الغريب في كلام الشيخ تعبيره عن مكنون خاطر ابن عوسجة ، والحديث عن خلده ، وما عاناه من الألم لما فعل ! ولا ندري من الذي أخبر سماحة الشيخ عن تألّم ابن عوسجة فقال : « إنّ مسلم بن عوسجة - رضوان اللّه عليه - تألّم كثيرا عندما عرف أنّه كان هو السبب في انكشاف أمر هاني ... » . ربما أجاب أنّه من باب « لسان الحال » فإنّ لسان الحال يصدق في الموارد القطعية ، أضف الى أ نّنا نناقش في أصل القضية ، فلابد أن يثبت العرش ثم يبادر الى النقش عليه . والأخطر والأعجب المخيف الذي ترتعد له المفاصل ، ويقفّ له الشعر ، وتخلع له القلوب عن مستقرّها ، ما أفاده في مؤدّى كلامه - حفظه اللّه - من تحميل ابن عوسجة مسؤولية دم هاني ومسلم بن عقيل عليهماالسلام حيث يقول : « فإنّ مسلم بن عوسجة - رضوان اللّه عليه - تألّم كثيرا عندما عرف أنّه كان هو السبب في انكشاف أمر هاني بن عروة . وبالتالي الوصول الى مسلم بن عقيل وقتل هاني بن عروة وقتل مسلم بن عقيل ، وهي شغلة مؤلمة ومفجعة » . ثم بدأ يلتمس له العذر ، ويحاول متفاءلاً بعفو اللّه وسعة رحمته أن يتجاوز عمّا فعله ابن عوسجة ، فيقول : « وإن كان هو - إن شاء اللّه - لا شيء عليه وغير مسؤول شرعا !! وحتى إذا كان عليه شيء ، فموقفه الكربلائي غسل كلّ شيء !!! دون شكّ » . عفوك اللّهم ورضاك وحسن لقاك ، اللّهم أرنا الحقّ حقّا فنتبعه ، والباطل باطلاً فنجتنبه ، ولا تجعله متشابها علينا . اللّهم عرّفنا أولياءك وارزقنا رضاهم ورضاك ، ووفقنا لمعرفة قدر أنفسنا والوقوف عنده . معالجة الشيخ الطبسي قال الشيخ محمد جواد الطبسي - حفظه اللّه - فيكتابه وقائع الطريق من مكة الى الكوفة الجزءالثالث من موسوعة مع الركب الحسيني ( مع الركب الحسيني : 3/96 ) : « لكن في حضوره يوميا عند مسلم بن عقيل عليه السلام ، ودخوله عليه في أوّل الناس ، وخروجه عنه آخرهم ، فيكون نهاره كلّه عنده ، ما يدعو الى الريبة والشكّ فيه ، فلماذا لم يرتب ولم يشكّ فيه مسلم عليه السلام وأصحابه ؟! إنّ في هذا ما يدعو الى الاستغراب والحيرة فعلاً ! » . * * * ولا داعي للاستغراب والحيرة والبحث عن المسوّغات والتأويلات ما دمنا نعرف مسلم بن عقيل عليهماالسلام ومسلم بن عوسجة ، فلا نخضع للخبر ، وهو لم يرو عن أهل البيت : ، لأنّنا نعلم كما يقول الشيخ في كتابه : « أنّ مسلم بن عقيل ومسلم بن عوسجة وأصحابهما هم من أهل الخبرة الإجتماعية والسياسية والعسكرية ، فلا يسعنا أن نتعرّض باللوم عليهم أو أن نتهمهم بالسذاجة !! بل علينا أن نتأدّب بين يدي تلك الشخصيات الإسلامية الفذّة ، وأن ننزّه ساحاتهم المقدّسة عن كلّ ما لا يليق بها ، وأن نقف عند حدود معرفتنا التأريخية القاصرة، لانتعدّاها الى استنتاجات واتهامات غير صائبة ولا لائقة !! . . » . وكيف يمكن قبول الحدث وردّ لوازمه التي لا تنفك عنه ؟! فلماذا لا نناقش الخبر وفقا لما ذكره المؤلف نفسه في مستهل حديثه عن هذه القصّة ، فقال عن مسلم بن عوسجة : « هو علم من أعلام الشيعة في الكوفة ، وأحد شهداء الطفّ ، وهو الشريف السري في قومه ، والفارس الشجاع ، له ذكر في المغازي والفتوح الإسلامية ، وقد شهد له الأعداء بشجاعته وخبرته وبصيرته وإقدامه » . ( مع الركب الحسيني : 3/94 ) . ومن كانت هذه خصاله لا تعدوه النباهة والحيطة والحذر ، واستعمال التقية في أبرز مواطنها ، وأوضح مصاديقها . فإذا كان ابن عوسجة ذا بصيرة وخبرة ، وذا مكانة اجتماعية وانتشار في الوسط الكوفي ، وهو كذلك حقّا، فلايتصوّر في حقّه الاستسلام السهل البسيط ، وتمرير مكيدة لا تنطوي على العادي من الرجال ، فلنقل بجرأة للمؤرخ دعنا عن حديثك هذا ، وآتنا بما هو لائق بطود عظيم متماسك صلد مثل مسلم بن عوسجة . ملاحظات عامّة الملاحظة الأولىالمسلمان لا يخدعان إنّ قصّة الإختراق الفجّ هذه لا ينبغي الركون اليها - فيما نحسب - بعد التأمل فيها ، ولا يمكن القول بها على ما يبدو بحال ، بعد معرفتنا برجال الحسين 7 من أمثال مسلم بن عوسجة ومسلم بن عقيل عليه السلام . قال الشيخ باقر القرشي - حفظه اللّه - في كتابه « حياة الشهيد الخالد مسلم بن عقيل : « اختار الإمام عليه السلام في سفارته ثقته ، وكبير أهل بيته ، والمبرّز بالفضل فيهم مسلم بن عقيل ، وهو من أفذاذ الرجال ، ومن أمهر الساسة ، وأكثرهم قابلية على مواجهة الظروف ، والصمود أمام الأحداث » . (حياة الشهيد الخالد مسلم بن عقيل : 113) . وأمّا مسلم بن عوسجة الشيخ الكبير الطاعن في السنّ ، وصاحب السوابق في الحرب والقتال ومقارعة الأبطال ، كما شهد له الأعداء يوم عاشوراء . فهذان الرجلان العظيمان أذكى وأنبل وأدقّ وأكثر حذرا من أن يخدعهما ابن زياد أو معقل ، وقد قضى كلّ منهما عمرا مديدا في ممارسة التقية والحيطة ، وصدّ اختراق التجسس في عهد معاوية ومن سبقه . الملاحظة الثانيةالشاهد والغائب انتبه الا مسلم واصحابه!! يلاحظ أنّ ابن زياد ينهى مولاه عن الإختلاف كلّ يوم الى مسلم عليه السلام لئلا يشكّ به مسلم عليه السلام وأصحابه . . « قال ابن الأعثم : ثم قال عبيد اللّه لمولاه : انظر أن تختلف إلى مسلم بن عقيل في كلّ يوم لئلا يستريبك . . » . فما أعجب وأغرب أمر هذه القصّة حيث أنّ ابن زياد - العتلّ الزنيم ابن الأمة الفاجرة - ينتبه ، والكتّاب والمؤلفون والنقاد اليوم كلّهم يرتابون ، ثم لا يرتاب مسلم عليه السلام عترة الأنبياء ، ولا أصحابه النجباء !! ولا ندري كيف نتوجّس نحن ونرتاب في موقف «معقل»، ويخشى ابن زياد من انكشاف أمره، ولايلتفت اليها مسلم بن عوسجة، ومسلم بن عقيل عليه السلام ، وهما في خضم المعركة ؟! الملاحظة الثالثةما هي الحاجة الى معقل ؟ أفادت النصوص أنّ غرض ابن زياد من توظيف معقل هو معرفة مكان مسلم بن عقيل عليه السلام ، وهو أمر ليس ذا بال بالنسبة الى مسلم عليه السلام وأصحابه . ثم ما هي الحاجة لمعقل الجاسوس الواحد، إذا كان الغرض معرفة مكان مسلم عليه السلام فقط ، مع كلّ ما تمحّلته القصّة من زيف ، والكوفة كلّها تعرف جيدا مكان مسلم بن عقيل عليهماالسلام فقد بايعه في الكوفة أكثر من ثلاثين ألفا على رواية العقد الفريد وجواهر المطالب وغيرهما ، وأقلّ ما ذكر في ذلك إثنا عشر ألفا ، وكان مسلم بن عقيل عليه السلامقد جمع حوله في الدور أربعة آلاف سيف ، وكلّ هؤلاء كانوا يعرفون بشكل من الأشكال مكانه عليه السلام . قال الشيخ القرشي - حفظه اللّه - : « ومضى مسلم الى دار هاني الزعيم العربي !! الكبير ، فاستقبله بحفاوة بالغة ، ورحّب به ترحيبا حارا ، وصارت داره مركزا لنشاط مسلم السياسي ، ومحلاً لاجتماع الشيعة عنده » . ثم قال - حفظه اللّه - : « وعلى أيّ حال ، فقد استقرّ في دار هاني واتخذها مقرّا للثورة ، وقد احتف به هاني ، ودعا القبائل لمبايعته ، فبايعه في منزله !! ثمانية عشر ألفا . . » . ( الأخبارالطوال للدينوري : 214 ) . فما الضرورة لاختلاق جاسوس يدعى «معقلاً»، ليخترق الثورة ! بهذه الصورة الفجّة !! سيما إذا عرفنا أنّ مسلما عليه السلام إنّما اختار بيت هانيء ، ولجأ اليه ، لأنّه كان كما يقول الشيخ القرشي - حفظه اللّه - في الكتاب المذكور :132 : « سيد المصر ، وزعيم مراد ، وعنده من القوّة ما يضمن حماية الثورة ، والتغلّب على الأحداث ، فكان فيما يقول المؤرخون إذا ركب يركب معه أربعة آلاف دارع وثمانية آلاف راجل ، وإذا أجابته أحلافه من كندة وغيرها كان في ثلاثين ألف دارع . . » . ( الفتوح لابن أعثم : 5/67 ) . فهو إذن في حصن منيع ، استقرّ به المقام ، وأعلن عن مقرّ القيادة حتي « صارت داره مركزا لنشاط مسلم السياسي ، ومحلاً لاجتماع الشيعة عنده » . وقد دعيت ا لقبائل على رؤوس الأشهاد ليبايعوا مسلما عليه السلام في بيت هاني حتى « بايعه في منزله !! ثمانية عشر ألفا » . * * * « ثم إنّ ابن زياد كان واليا على البصرة ، وكان قد مارس العمل الإداري والأمني والسياسي قبل وروده الكوفة . وهو يعلم أنّ مسلم بن عقيل عليه السلام وصل الكوفة ، ونزل على بعض أهلها ، ومن البديهي أنّه إنّما ينزل على رأس من رؤوس الشيعة ، ويحطّ رحله عند جمجمة من جماجمهم ، وعلم من أعلامهم ، وكان الشيعة في الكوفة على كثرتهم بالنسبة الى بقية الأصقاع قليل بالنسبة الى عدد السكان في الكوفة ، وشخصياتهم وأعلامهم معروفون في الغالب ، ودورهم مرصودة ، وأعدادهم محدودة . وعلى هذا لا يحتاج اكتشاف موقع مسلم بن عقيل عليه السلام سوى تخمين جملة من البيوت التي يتوقّع نزول مسلم عليه السلام عليها . فما الضرورة الى تمحّل هذا الجاسوس الغبي المفضوح للتوصّل الى احتمال يتردّد بين نفر قليل جدّا ؟! » . الملاحظة الرابعةهل يخفى خواص ابن زيادعلى رجال الحسين؟ كان الموالي ضمن التشكيلة الاجتماعية لكلّ شخصية ، خصوصا إذا كان صاحب سلطة وولاية حكومية ، فكيف يكون « معقل » من خواص ابن زياد ، والمقرّبين عنده ، والمعتمدين لديه الى هذا الحدّ الذي يعتمد عليه في مشروع بهذه الضخامة والخطورة . وهو في نفس الوقت من الموالي الأذكياء النابهين الذين يفوقون في الذكاء والنباهة رجال التاريخ والشرف والأصالة !! كما يزعمون . ومع ذلك يبقى مجهولاً وغير معروف خصوصا عند مثل مسلم بن عوسجة ومسلم بن عقيل عليه السلام ! الملاحظة الخامسةلم يذكر معقل في غير هذه القصة إنّ رجلاً استطاع أن يغيّر مجرى التاريخ - حسب القصّة - من خلال إختراقه لغرفة القيادة في عرينها، وأثر على مجريات الأحداث حتى قلبها رأسا على عقب ، لم يذكره التاريخ بغير اسمه . « معقل » وانتهى كلّ شيء ! فمن هو « معقل » ؟ ابن من ؟ من أيّ بلد ؟ متى صار مولى للعتل الزنيم ابن الأمة الفاجرة ابن مرجانة ؟ أين حلّ به الدهر بعد انجاز هذه المهمّة الفريدة والصعبة والمؤثرة ؟ هل كافأه مولاه على حسن صنيعه وانقاذه من أن يعود عبدا ؟ كما هدّد يزيد عبيد اللّه ابن مرجانة بذلك . لماذا لم يذكر له التاريخ موقفا آخر قبل أو بعد تلك الحادثة الأليمة ؟ سواء في الكوفة أو في قتال كربلاء أو في قصر الإمارة أو في البصرة ، قبل وبعد حرب الطف ؟ شخصية غامضة ميتة انبثقت فجأة في بطون الكتب ، وحملت بها أرحام الأسفار ، وأولدها البلاذري ، وترعرعت في أحضان الدينوري والطبري ، ثم تمدّدت على صفحات التاريخ في غضون أيام قلائل ، ثم رحلت . لقد باغتنا « معقل » بجلوسه الى جنب ابن عوسجة ، وطلع علينا آخر طلعة في قصر ابن زياد أمام هاني ، ثم اختفى ! ألا يحدّثنا البلاذري والدينوري والطبري وغيرهم عن هذا العبقري الفذّ إن كان له أصل ؟!!! الملاحظة السادسةالإغراء بالمال قال ابن زياد مخاطبا معقل بعد أن دفع له المال ، ورسم له المهمّة المطلوبة منه : « فإنّك لو قد أعطيتها - يعني الدراهم - إياهم اطمأنوا إليك ! ووثقوا بك ! ولم يكتموك شيئا من أخبارهم !!! ثم اغد عليهم ورح » . يطالعنا تركيز ملحوظ في عبارة ابن زياد تكشف عن محاولة تسريب شبهة بائسة تتناول أنصار الحسين عليه السلام وأصحاب مسلم بن عقيل عليه السلام ، وتمارس حربا نفسية ضدّ الأبرار من خلال زجّهم في دائرة الانتهازيين الذين يركضون وراء السراب ، ويسيل لعابهم للمال ، ويغرّهم الطمع ، فيبيعون كلّ شيء من أجل « بدرة الدراهم » ، ويخلب شعورهم الدينار ، فيبوحون بالأسرار !! هكذا هم زعانف البلاطات ، والحشرات الضئيلة التي تطوف بموائد السلطان ، والكلاب السائبة التي تتسكع على أبواب الدواوين الملكية في الحكم الأموي . وهم يعلمون أنّ هذه الروح لا يستسيغها الطبع البشري السليم فضلاً عن المؤمن المتربّي في سرادق المدرسة النبوية العلوية الحسنية والحسينية . إلاّ أنّ هذا لا يمنع أن يحاولوا تشويه الإشعاعات المتصلّة بالنور الحسيني المتوهّج في وجوه الأنصار الأبرار الذين طابوا وطابت الأرض التي فيها دفنوا . ونفس هذا التركيز يثير في النفوس الأبية تشكيكا قويّا يمنعهم من قبول القصّة كلّها أساسا . وذلك أنّ العرض الذي قدّمه ابن زياد يؤكد أنّهم سيطمئنون اليه ، ويكشفون له أسرارهم بمجرّد أن يدفع لهم المال . « فإنّك لو قد أعطيتها - يعني الدراهم - إياهم اطمأنوا إليك ! ووثقوا بك ! ولم يكتموك شيئا من أخبارهم .. » . الملاحظة السابعةأخذ مسلم المال من المفارقات الغريبة في قصّة معقل أنّه حاز على مواقف وتعامل خاص من مسلم بن عقيل عليه السلام وابن عوسجة وغيرهما ما لم يسجّله التاريخ لسواه ، ولم يحظ به أحد غيره . ومن هذه المفردات الخاصة بمعقل تسلّم المال منه على وجه الخصوص ، بالرغم من مجهوليته والغموض الذي يلفّ شخصيته ، وظهوره المفاجئ في مسرح الأحداث كرجل غريب في مدينة متوترة تشنجّت كلّ سككها وحاراتها ودورها . ومع ذلك : فإنّ مسلما عليه السلام قبل منه المال ، فيما يروي لنا المؤرخ نفسه: أنّ الناس قد بذلوا لمسلم عليه السلام الأموال فلم يقبل منها شيئا . قال ابن أعثم في الفتوح والخوارزمي في المقتل وغيرهما : « ثم بذلوا الأموال فلم يقبل مسلم بن عقيل منها شيئا » . ( الفتوح لابن أعثم : 5/57 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/197 ) . الملاحظة الثامنةسرعة الإطمئنان عند مسلم عليه السلام وأصحابه ومن المفارقات الغريبة الأخرى في قصّة معقل : أنّ الحظّ كان حليفه بشكل يثير العجب عند كلّ قارئ ، بحيث لم يلتفت اليه أحد أبدا ، ولم يشكّ فيه قريب ولا بعيد . والأكثر من ذلك تخاله من خلال ما رسمه لنا المؤرخ من هيمنة شخصيته واستسلام الجميع له ، وكأنّه ساحر يسيطر على القلوب ، ويتسلّط على النفوس ، فيركن اليه ابن عوسجة فورا ، كما يقول البلاذري : « فركن ابن عوسجة إليه !!! وقال له : الرجل القادم من قبل الحسين بن علي هو مسلم بن عقيل ، وهو ابن عمّه ، وأنا مدخلك إليه » . ويجعله ابن أعثم مقرّبا يدنيه مسلم بن عقيل عليه السلام منذ اللحظة الأولى ، ويكون عنده ذا حظوة ومكانة وزلفى « فأدخله على مسلم بن عقيل ، فرحّب به مسلم ، وقرّبه وأدناه !! وأخذ بيعته ، وأمر أن يقبض منه ما معه من المال . فأقام معقل مولى عبيد اللّه بن زياد في منزل هانئ يومه ذلك » . وينال موقعا لا يناله الأقربون بسهولة في مثل تلك الظروف العصيبة، فيدخل على مسلم بن عقيل عليه السلام دون استئذان ، كما أفاد الدينوري : « فكان الشامي يغدو إلى مسلم بن عقيل ، فلا يحجب عنه ، فيكون نهاره كلّه عنده » . تنميق غير موفّق ، وتأليف غير متجانس ، يأباه من له أدنى دراية بالمجتمع الكوفي آنذاك ، فضلاً عن معرفة رجال الحقّ الذين تعاملوا معه حسب القصّة . رجل شامي . . من الشام الذي ما تخلّى عن العداوة والبغضاء لأهل البيت عليهم السلامساعة من دهره - يومذاك - يركن له ابن عوسجة ، ويقرّبه ويدنيه ابن عقيل عليه السلام ، ثم يكون بمستوى من الوثاقة بحيث لا يحجب ؟!! الملاحظة التاسعةكيف حصل معقلعلى هذا الموقع دون غيره ومن الخصائص العجيبة التي صاغها يراع المؤرخ لتزويق حكايته : أنّ العدد الهائل الذي بايع مسلم بن عقيل عليه السلام في الكوفة بالأرقام الضخمة التي ذكرناها فيما تقدّم من الكلام ، وفيهم من رجال الكوفة وشخصياتها ، وجماعة الناس وأعراضها ، لم يبلغ أحدهم ولا جماعة منهم خلال فترة وجود مسلم بن عقيل عليه السلام في الكوفة ما بلغه معقل خلال فترة وجيزة !! الملاحظة العاشرةلا تتمتن العلاقة خلال هذه الفترة لو افترضنا الأمر بين شخصين عاديين من عرض الناس ، لا يمكن أن نتصوّر تمتين العلاقة بينهم الى حدّ الدخول دونما يحجب ، والاستمرار في الجلوس في الديوان منذ الصباح الى المساء ، حتى لو كانت العلاقة ضمن الظروف الطبيعية ، والمناخ الاجتماعي الهادئ . فكيف نقبل ذلك ونصدّق ببساطة متانة العلاقة بين معقل والرجل المهمّ في المجتمع الكوفي ابن عوسجة ، وبعد ذلك بين معقل والقائد الأول في الكوفة مسلم بن عقيل عليه السلام . شخصيات كبيرة ، ووجودات ضخمة ، تحفّها هالات من القداسة والاحترام والحشمة ، لا يكون من السهل على معقل « المولى » وأمثاله ، بل على من كان فوق ذلك في السلم الإجتماعي أن يقتحم بهذه الانسيابية والعفوية حدودها وحرمها ، ويكون في عدادهم ، وعلى مستوى واحد معهم ، ويزيد على ما هم عليه ، فيدخل ولا يحجب ، ويسمح له بما لا يسمح لغيره ، ويقرّب ، ويلازم المجلس بينهم . لا أظن أنّ مسلم بن عوسجة نفسه كان يدخل على مسلم عليه السلام دون استئذان ، ولا أحسب أنّ كبار الرجال الآخرين كانوا يدخلون عليه هكذا ولا يحجبون !! هذا في الظرف العادي ، أمّا في الجو المشحون بالمفاجآت ، والأيام العسيرة التي تجعل الشكّ والحيطة والحذر من أبجديات وأولويات التعامل الإجتماعي بين الأفراد والقيادات ، فممّا لا يمكن المصير اليه بهذه السهولة التي تسترسل بها قصّة « معقل » . الملاحظة الحادية عشرةقصة معقل بعد قصة الإغتيال كانت « قصّة معقل » بعد « قصّة الاغتيال » ، لأنّ النصوص المذكورة آنفا أفادت أنّ لقاء معقل كان قبل موت شريك ، ودخوله كان بعد موته . وهذا يعني أنّ ثمّة فترة زمنية كانت بين دخول ابن زياد الكوفة واكتشاف معقل مكان ابن عقيل عليه السلام . وقد مرّ معنا في أكثر من نصّ أنّ غاية ما كان يطمح اليه ابن زياد معرفة مكان ابن عقيل عليه السلام . وفي هذا دلالة واضحة على بلادة ابن زياد ومعقل ، وكلّ من ساهم في هذه العملية الجاسوسية من قبل الطاغية . لأنّ المفروض في مثل هذه الأجهزة الأمنية التي يصفونها بالمهارة والبراعة والذكاء والخبرة والحذق أن تكون قد اكتشفت مكان مسلم عليه السلام قبل ذلك . بل لا يحتاج الأمر الى اكتشاف ، لأنّه لم يكن ثمّة أمر تحت الغطاء ينتظر من يكشف عنه ، بعد كلّ ذاك العدد الهائل الذي بايع مسلم بن عقيل عليه السلام ، واتصل به بشكل من أشكال الاتصال ، ورآه ودخل عليه ، إن في دار ابن عوسجة ، أو في دار هاني ، كما أكّدت النصوص ذلك . وكانت دار ابن عوسجة مألفا يختلف اليه الشيعة ، وكان معقل - حسب الراوي - يختلف اليه فيمن يختلف ، فما هو السرّ الذي رصده الأعمى اللقيط ابن زياد ؟! وربما كان المؤرخ يعدّ العدّة ويهيئ الأذهان لقبول الفصل الآخر من حكايته التي دبّج فيها قصّة إغتيال ابن زياد ، وعرضه فيها بطلاً حاذقا هو ومولاه ، حيث التفت الى ما يجري حوله، أمّا هو مباشرة، وإمّا بإشارة من مولاه، فغادر المكان . ومن العجيب أنّ محاولة الإغتيال لا تعدّ جريمة يؤاخذ عليها هاني ، ولا يحاسبه عليها ابن زياد ، وينتظر حتى يدخل معقل الى دار هاني ليكون حضوره عندهم وحده كافيا للتجريم والمؤاخذه والإمساك به متلبسا بالخيانة ؟!! الملاحظة الثانية عشرةما الفائدة من تأجيل دخول معقلعلى مسلم عليه السلام ؟ مرّ معنا ما في نقل المؤرخين من الإرتباك والتهافت في تصوير إدخال معقل على مسلم عليه السلام ، فمنهم من أدخله فورا على ابن عقيل عليه السلام ، ومنهم من وعده غدا ، أو أدخله بعد أيام . وأفادت النصوص أنّ سبب التأخير انشغالهم بتجهيز شريك . غير أنّ بعض المحقّقين إستفاد من التأجيل والتأخير نقطة للدفاع عن مسلم بن عوسجة بعد قبول الخبر . فقال : « إنّ تأخير الدخول كان خطوة احترازية من ابن عوسجة ، ليتأكد من نوايا معقل ، ويسبر أبعاد شخصيته ، ويتعرّف على حقيقة هويته ، ويتّخذ الموقف معه على علم. لذا أمره بالاختلاف اليه أياما في منزله على أمل أن يطلب له الإذن من صاحبه ..» . ( انظر مع الركب الحسيني : 3/95 ) . غير أنّ هذا التحرّز لم ينفع ابن عوسجة حسب التقدير المذكور ، لأنّ المؤلف - حفظه اللّه - قرّر في معرض بيان عبقرية ابن زياد وفطنة معقل ومهارتهما « في فنّ التجسس أنّ ابن زياد أوصى معقلاً أن يتظاهر بأنّه رجل من أهل الشام ، ومن أهل حمص بالذات ، ذلك حتى لا يكون بإمكان مسلم بن عوسجة أن يسأل عن حقيقة حاله في قبائل الكوفة » . فهل غفل ابن عوسجة عن هذه الملاحظة ، واعتقد أنّه يستطيع أن يسأل عنه ؟! حشا للّه ! فما معنى تأخيره إذن ؟ وهل كان يفحص عنه خلال هذه الفترة ؟ أولا : إنّنا لم نسمع في التاريخ أنّ ابن عوسجة سأل عنه أو تفحّص ، بل على العكس أفادت المصادر كلّها أنّه أظهر سروره به ، وأنّه وعده منذ اللقاء الأول ، ولم يتنكّر له ، أو يدفع عن نفسه العلم بسفير الحسين عليه السلام ومكانه . فهو قد مشى معه أكثر من نصف الطريق ، وسلّمه مفتاح ما يريد منذ أن اعترف له بعلمه بمسلم عليه السلام ومكانه ، فإنّهم إن لم يصلوا الى مسلم عليه السلام ، فقد وصلوا الى من يعلم مكانه - حسب القصة - . ثانيا : إنّ غرض التأخير الذي صرّح به التاريخ الانشغال بتجهيز شريك ، ليس إلاّ . ثالثا : إذا كان الغرض من التأخير الفحص ، فكيف نتصوّر أنّه فحص في تلك الأجواء الملتهبة ، ثم لم يحصل على معلومة تفيده - على أقلّ التقادير - أنّ هذا الرجل غير معروف ، ولابد والحال هذه أن يحتاط من رجل مجهول يريد أن يقتحم « عرين الثوار » فضلاً عن كونه من موالي ابن زياد . رابعا : ثم ما فائدة التأخير وقد أخذ عليه المواثيق منذ اللقاء الأول ، بل قد بايع له كما في بعض النصوص . ونلاحظ أنّ نصّ المؤرخ الأول يؤكد أنّ ابن عوسجة ركن اليه ، وأدخله منذ اللقاء الأول . ولكن المؤرخ الذي تلاه عرف أنّ في هذا الكلام ثغرة تكشف الزيف ، وسوف يلتفت اليها القارئ بأدنى تأمل ، وربما قبل التأمل ، حتى لو لم يعرف ابن عوسجة وابن عقيل ، إلاّ أنّه يعلم أنّهم يعملون والطاغية في قصره يترصّد ، فلابد لهم من الحيطة والحذر. فأضاف المؤرخ فيما بعد الى الخبر أخذ المواثيق والتأجيل وما شاكل ، لئلاّ تردّ القصّة من أول نظرة . الملاحظة الثالثة عشرةما معنى استياء ابن عوسجة ؟ أفادت النصوص التاريخية أنّ ابن عوسجة استاء من تشخيص معقل ومعرفته « ولقد ساءتني معرفتك إيّاي بهذا الأمر من قبل أن ينمى مخافة هذا الطاغي وسطوته » . فما معنى استياءه هذا ومسلم يعرف نفسه جيدا ، ويعلم أنّه وجه شيعي معروف في الكوفة ، ومن رجالهم وجماجمهم وأعمدتهم . بل كان بالأمس القريب جدّا في نفس تلك الأيام يحتضن التحرّك وقيادته في داره حتى بايع مسلم بن عقيل عليه السلام في بيته عدد هائل مرّت الإشارة اليه . فما أسهل الوصول اليه ومعرفته ، وهل كان يخفي ابن عوسجة علاقته بمسلم بن عقيل عليه السلام وحركته والمبايعة له ، وقد ساهم شخصيا في أخذ البيعة للحسين عليه السلام ، وكان معروفا بذلك في الأوساط العامة ، وكان بيته مألفا يختلف اليه الناس في نفس تلك الفترة . ( انظر كتاب مسلم بن عوسجة للمؤلّف ) . الملاحظة الرابع عشرةعلم مسلمهل يسوغ عمل ابن عوسجة ؟ أفادت بعض المصادر أنّ ابن عوسجة استأذن لمعقل على مسلم بن عقيل عليه السلام ، ومؤدّى هذا الخبر أنّ « المسلمَين » شريكان في تمرير عملية الإختراق الموفق !!! وقد استفاد بعض المحقّقين من هذه النقطة بالذات في محاولة الدفاع عن ابن عوسجة، وتسويغ فعله، وإثبات عدم تقصيره، فقال : « قد يأسف المتتبع باديء ذي بدء للسهولة التي تمّت بها عملية إختراق حركة مسلم بن عقيل من داخلها على يد الجاسوس معقل مولى عبيد اللّه بن زياد من طريق مسلم بن عوسجة الأسدي . . . وفي ظنّ المتتبع - المتتبع أيضا ! وليس العابر - أنّ على مسلم بن عوسجة أن يحذر أكثر ويحتاط حتى يطمئن تماما الى حقيقة هوية معقل الجاسوس قبل أن يدلّه على مكان مسلم بن عقيل أو يستأذن له في الدخول عليه ليخترق بذلك الحركة من داخلها !! لكن ما وقع فعلاً هو أنّ ابن عوسجة لم يكن قد قصّر في حذره وحيطته ، غير أنّ معقلاً كان فعلاً ماهرا في صناعته وخبيرا فيما انتدب اليه !! » . ( مع الركب الحسيني : 3/94 ) . ثم بدأ الكاتب بالدفاع عن ابن عوسجة بعد التسليم بوقوع الحدث وقبول القصّة ، وقد أشرنا الى بعضها في ثنايا الكلام . أمّا ما قاله في هذا المجال بالخصوص فهو كالتالي : « . . . ثم لم يدخله على مسلم بن عقيل حتى طلب له الإذن ، فأذن له ، ولا شكّ أنّ أخذ الإذن يتمّ بعد شرح ظاهر الحال الذي تظاهر به معقل » . ( مع الركب الحسيني : 3/95 ) . فظاهر عبارة المؤلف - حفظه اللّه وسدده ورعاه - أنّ ابن عوسجة معذور في ذلك ، لأنّه قد أمضى فعله من قبل مسلم بن عقيل عليه السلام . ومؤدّى العبارة أنّ مسلم بن عقيل عليه السلام كان شريكا لابن عوسجة في تمرير عملية الإختراق ، لأنّه بالرغم من شرح القصّة ، وبيان طريقة التعرّف التي أثارت عندنا الشكّ والريب والتوجس غير أنّها لم تحرّك في مسلم بن عقيل عليه السلام أيّ هاجس ، فأذن له ؟!! كنّا في ورطة فوقعنا في ورطتين ، وكان مدار التهمة ابن عوسجة ، ثم تمدّدنا في حريم مسلم بن عقيل ! غفرانك اللّهم وتوفيقك وتسديدك ورضاك! ( قد يقال : « إنّ القول بأنّ ابن عوسجة قد أخبر مسلما عليه السلام بمجريات اتصال معقل بهم - على فرض صحّة قصة معقل - ثم استأذن له عليه لا يشكّل إساءة لسيدنا مسلم بن عقيل عليه السلام ، بل هو تزكية لابن عوسجة ، لأنّ مفاد هذا أنّ معاملته لمعقل كانت معاملة مدروسة واعية في حسابات منافع الثورة واحتياطاتها وإقرار سيدنا مسلم عليه السلام لعمله هذا دليل على أنّ هذين القائدين العظيمين لم يكونا يخشيان من اقتراب معقل أيّ محذور فى حال الاحتياط منه ، بل لعلّهما قاما من خلال معقل - أو أرادا أن يقوما - باختراق لابن زياد مقابل لاختراقه فيسربا له عن الثورة ورجالها معلومات خاطئة ، وهذا ما يسمّى بالتجسس والتجسس المضاد. وقولكم في ثنايا البحث أنّ معقلاً لم يحصل إلاّ على معرفة مكان مسلم عليه السلام وهو ليس بالأمر الخفي تماما يؤكد هذا ، بل إنّ التاريخ لا يذكر أنّ ابن زياد استطاع أن يداهم مقرّا من مقرّات مسلم عليه السلام أو يعتقل رجلاً من رجاله قبل وقوع النهضة ، وحتى بعد اعتقال هانى ء . . وهذا دليل يقوّي هذا الإحتمال . . والتاريخ لا يسجّل السرار ! » . وهو كلام جيّد، ولكن لادلالة عليه في النصوص التاريخية - صراحة ولا تلويحا - وسرار التاريخ تحتاج الى دلائل وشواهد أكثر من ذلك . ولو بقينا نحن والنصوص الموجودة بأيدينا فعلاً نلاحظ خلاف ما قيل ، لأنّ النصوص تؤكد أنّ ابن عوسجة بادر فورا للإعتماد عليه والركون اليه ، وعرّفه باسمه واسم السفير المبعوث وأخذ منه البيعة والمواثيق ووعده الدخول على مسلم بن عقيل عليه السلام ، وغير ذلك ممّا يحمّل ابن عوسجة مسؤولية ما جرى قبل استشارة مبعوث الحسين عليه السلام - وهذا بنفسه إشكال يواجه القصّة لمعرفتنا بانضباط ابن عوسجة ودقّته في التصرفات وتسليمه لأهل البيت عليهم السلامويشهد لذلك امتناعه من رمي شمر يوم العاشر من المحرم واستئذانه سيد الشهداء عليه السلام قبل اتخاذ الموقف مع وضوح التكليف فيه ( وقد أتينا على بيان هذه الخصلة في سيدنا مسلم بن عوسجة في كتابنا - مسلم بن عوسجة أول شهداء اللّه في معسكر الحسين عليه السلام ) - . وكيف كان ، فمؤشرات الحدث المروي في التاريخ لا تنهض بهذا الاحتمال ، بل تشير الى خلافه ، واللّه العالم ) . الملاحظة الخامس عشرة زعم البعض أنّ سيدنا مسلم بن عوسجة أحسّ بما فعل ، وتألّم لما حصل ، وعلم - عاقبةً - نتائج ما به تساهل ، هكذا يقولون أو يتقوّلون ، وهي نتيجة طبيعية لما يروون وينقلون . فلو كان كما يزعمون : أنّه بدر من ابن عوسجة ما بدر من حيث يدري أو لا يدري - وهو لا شكّ أعلم بما فعل على حدّ زعم من نسب اليه هذا الفعل - فإنّنا عرفنا في مسلم بن عوسجة الشجاعة والإقدام وحبّ الآخرة والتواضع للحقّ ما رأيناه واضحا جليّا في موقفه الكربلائي ، وقبل ذلك أيضا . فمن المفروض في مثل هذا الشجاع الفحل أن يثوب ويؤوب ويتوب من ذنب عظيم يعدّ أكبر من أعظم الذنوب ، وأكبر من جميع الكبائر على حدّ تصويرهم وزعمهم . غير أنّ المتتبّع الخبير ، والمتبحّر السابر لأعماق التاريخ ، لم يسمع ولم يقرأ - الى يومنا هذا - أيّ مؤشر صريح أو غير صريح يؤكد أو يفهم منه ، ولو على نحو الإحتمال ، أنّ مسلم بن عوسجة ندم على ما فرّط ، أو أعلن توبته بين يدي مسلم بن عقيل عليه السلام ، أو سيد الشهداء الحسين عليه السلام ، أو قال ذلك بالخفاء ليسجّله الراوي وينقله لنا التاريخ . ولم يسجّل له التاريخ والرواة أدنى عبارة أو مفردة تلوّح بما أُدعي عليه بعد ذلك اللقاء المزعوم في أيّ موقف وموطن وقف فيه ابن عوسجة متكلّما أو قام فيه خطيبا ، إن في الكوفة أو في الطريق الى كربلاء ، أو يوم عاشوراء ، ولو كان لبان . وإنّما لم تكن التوبة ، لأنّ الذنب لم يصدر . الملاحظة السادس عشرةلوازم التصديق بهذه القصّة التصديق بمضمون هذه القصّة يؤدي - عاقبةً - الى التشكيك فيحنكة « المسلمَين » ، وأنّهما قد « استغفلا » و« خدعا! » ، والاعتقاد بحذق ابن زياد ومعقل . حتى عبّر بعض المحقّقين عن معقل بقوله : « وكان فطنا ذكيا » ، فيما عبّر عن ابن عقيل وابن عوسجة وأصحابه « إنّ القوم ! قد خدعتهم المظاهر المزيفة . . » !! . وأكّد بعضهم على مهارة ابن زياد ومعقل ( انظر مع الركب الحسيني : 3/95 ) ، وأكّد أنّ معقلاً كان قد أحكم خطّته ، وأتقن تمثيل دوره المرسوم له ، وبرع في ذلك !! ( انظر مع الركب الحسيني : 3/95 ) . فيما أثار موقف ابن عوسجة عندهم الاستغراب والحيرة فعلاً . ( انظر مع الركب الحسيني : 3/96 ) . واتهم البعض ابن عوسجة - تصريحا أو تلويحا - بالبساطة والسذاجة والتسرّع والعفوية، وصار يستخلص منه الدروس والعبر الأمنية ، وربما تفضّل عليه قائلاً : « إنّ ابن عوسجة لا شيء عليه في ذلك ، ولو كان عليه شيء فقد غسل عنه موقفه الكربلائي ذلك » . هل غاب عن الصحابي - تلميذ أمير المؤمنين عليه السلام - ابن عوسجة ، وصهره المترعرع في كنفه ابن عقيل عليه السلام روايات التقية ، وحرمة إذاعة السرّ ، ومآل من أذاع حديثهم ، وفرّط في كشف أمرهم ؟! وهل سمعنا قول أمير المؤمنين عليه السلام : الطمأنينة الى كلّ أحد قبل الإختبار من قصور العقل . ( غررالحكم، عيون الحكم والمواعظ للواسطي:59 ) . وسمعنا قولهم عليهم السلام أيضا : إذا كان الزمان زمان جور ، وأهله أهل غدر ، فالطمأنينة الى كلّ أحد عجز . ( تحف العقول : 357 ) . وقولهم عليهم السلام : امتحنوا شيعتنا عند ثلاث : عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها ، والى أسرارنا كيف حفظهم لها عن عدونا ، والى أموالهم كيف مواساتهم لاخوانهم فيها . ( قرب الإسناد : 78 ، الخصال للصدوق : 103 ) . وقولهم عليهم السلام : لا تطلع صديقك من سرّك إلاّ على ما لو اطلع عليه عدوك لم يضرّك ، فإنّ الصديق قد يكون عدوا يوما ما . ( أمالي الصدوق : 767 ح1036 ، تحف العقول : 312 ) . سمعنا نحن هذا الكلام ! ولم يسمعه أولئك المؤمنون حقّا الذين عاصروا الأئمة والمعصومين ، وعاشوا معهم . أوَ في أحد جرأة وتمادي حتى يذكر هذه الأحاديث بعد أن يذكر قصّة مسلم بن عوسجة ، واقتحام معقل لعرين الثورة ، ثم يحلّق في التحليل واستخلاص الدروس ممّا حدث ، كما فعل بعض أفاضل العلماء في حديث إذاعي له . . . طرح هذا الخبر والتريّث في قبول القصّة ، ومناقشتها واسقاطها - عاقبةً - أولى من قبول هذه النتيجة البائسة . لأنّ الميزان عندنا معرفتنا بهذين السيفين من سيوف الحسين عليه السلام ، وما ورد فيهما عن الأئمة المعصومين عليهم السلام ، لا ما نقله لنا المؤرخ . الملاحظة السابع عشرةمؤرخون لم يذكروا الاختراق مطلقا يلاحظ أنّ بعض المؤرخين لم يذكر عملية الاختراق المشؤوم مطلقا ، كما صنع ابن حبان في الثقات ، فقال : . . فدخل عبيد اللّه بن زياد الكوفة حتى نزل القصر ، واجتمع إليه أصحابه ، وأُخبر عبيد اللّه بن زياد أنّ مسلم بن عقيل في دار هانئ بن عروة ، فدعا هانئا ، وسأله فأقرّ به ، فهشم عبيد اللّه وجه هانئ بقضيب كان في يده حتى تركه وبه رمق . . . ( الثقات لابن حبان : 2/307 ) . الملاحظة الثامن عشرةمؤرخون لم يذكروا الاختراق كالمشهور من المؤرخين والرجاليين من لم يذكر الاختراق بالشكل المشهور ، منهم : ابن سعد ( ت 230 ه ) في طبقاته وهو أقدم المؤرخين الذين ذكرناهم في بداية البحث ، فقال بعد أن روى قصّة عيادة ابن زياد لشريك بن الأعور في بيت هانئ وخروجه بعد أن توجّس من الموقف : فأنكر عبيد اللّه ما رأى منهم ، فوثب وخرج ، ودعا مولى لهانئ بن عروة كان في الشرطة ، فسأله ، فأخبره الخبر !! فقال: أو لا ؟ ثمّ مضى حتى دخل القصر ، وأرسل إلى هانئ بن عروة ، وهو يومئذٍ ابن بضع وتسعين سنة ، فقال : ما حملك على أن تجير عدوي وتنطوي عليه ؟! فقال : يا ابن أخي ، إنّه جاء حقّ هو أحقّ من حقّك وحقّ أهل بيتك ... . ( ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من طبقات ابن سعد : 66 ) . ابن كثير في البداية والنهاية ، قال : فلمّا استقرّ أمره أرسل مولى أبي رهم - وقيل : كان مولى له يقال له « معقل » - ومعه ثلاثة آلاف درهم في صورة قاصد من بلاد حمص ، وأنّه إنّما جاء لهذه البيعة ، فذهب ذلك المولى فلم يزل يتلطّف ويستدلّ على الدار التي يبايعون بها مسلم بن عقيل حتى دخلها ، وهي دار هانئ بن عروة التي تحوّل إليها من الدار الأولى ، فبايع وأدخلوه على مسلم بن عقيل فلزمهم أياما حتى اطلع على جلية أمرهم ، فدفع المال إلى أبي ثمامة العامري بأمر مسلم بن عقيل - وكان هو الذي يقبض ما يؤتى به من الأموال ويشتري السلاح - وكان من فرسان العرب ، فرجع ذلك المولى ، وأعلم عبيد اللّه بالدار وصاحبها . . ( البداية والنهاية لابن كثير : 8/164 ، ذكر الطبري في تاريخة والمزي في تهذيب الكمال وابن حجر في تهذيب التهذيب وغيرهم خبر الاختراق ولكنّهم نصّوا أنّ العملية تمّت من خلال شيخ يلي البيعة من دون ذكر اسم مسلم بن عوسجة ولا الاستئذان من سيدنا مسلم بن عقيل ، قالوا : فدعا مولى له فأعطاه ثلاثة آلاف درهم ، وقال : اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايع أهل الكوفة ، فأعلمه أنّك رجل من أهل حمص جئت لهذا الأمر ، وهذا المال تدفعه إليه ليقوي به . فخرج الرجل فلم يزل يتلطّف ويرفق حتى دلّ على شيخ يلي البيعة ، فلقيه فأخبره الخبر ، فقال له الشيخ : لقد سرّني لقاؤك إيّاي ولقد ساءني ذلك ، فأمّا ما سرّني من ذلك فما هداك اللّه له ، وأمّا ما ساءني فإنّ أمرنا لم يستحكم بعد . فأدخله على مسلم ، فأخذ منه المال وبايعه ورجع إلى عبيد اللّه فأخبره . . انظر : تاريخ الطبري : 4/258 ، تهذيب التهذيب لابن حجر : 2/302 ، تهذيب الكمال للمزي : 6/424 . وهذه النصوص وإن كانت تذكر الاختراق إلاّ أنّها تصوّره كأيّ عملية اختراق يمكن أن تتعرّض العساكر والجيوش والحركات ، حيث دخل الجاسوس ضمن الآلاف الذين بايعوا من خلال رجل لا يعلم من هو بالضبط ، وربما كان من تلك الآلاف الذين بايعوا في يوم ما ) . فإذا كانت بأيدينا نصوص لا تذكر الاختراق أصلاً أو تذكره بصورة يمكن أن تجعل الجاسوس شخصا عاديا لم يستغفل المسلمَين ، وإنّما دخل كما دخل الآلاف على سيدنا مسلم عليه السلام وبايعه كما بايعوه ، فلماذا الإصرار على تلك القصّة بالخصوص ؟! الخاتمة علينا أنّ نفهم قصّة مسلم بن عقيل عليهماالسلام ضمن الصورة الكبيرة التي جهد الأمويون على رسمها ، في تشويه صورة أمير المؤمنين وأولاده الطاهرين : وأصحابهم الغرّ الميامين ، وتقديمهم الى التاريخ كأشخاص لا يعرفون من السياسة والتعامل الاجتماعي شيئا ، فيما يرسم لنا آل أمية وأذنابهم في صور مضلّلة ، كأنّهم دهاة السياسة وعفاريت التاريخ ؟ وقد استهدف مسلم بن عقيل عليهماالسلام استهدافا خاصا من قبل الأمويين ، فلو قرأته في تاريخهم تجده رجلاً خائفا متلدّدا مختفيا يطارده ابن زياد وهو في « الخزانة » ! و« بيت المخدع في بيت هاني » ! ، وكأنّ زمام المباردة بيد ابن زياد ، ومسلم عليه السلام هو المطارد الخائف . وليس الأمر كذلك، بل كان ثقة الحسين عليهماالسلام الواثق ، وحفيد أبي طالب عليه السلام الذي « لو ولد العرب كلّهم لكانوا شجعانا » بيده زمام المبادرة ، وتقدير الأمور ، ولم يكن الدعي ابن الدعي ابن الأمة الفاجرة بأكثر حنكة وحذقا من رجال الحسين عليه السلام . وليس المقام مقام بيان ما استهدفه التاريخ من حربه ضدّ مسلم بن عقيل عليه السلام غير أنّنا نقول بكلمة واحدة : إنّ المؤرخ حاول أن يخدش القيام الفاطمي العلوي الحسني الحسيني من خلال خدش الشخصيات المحيطة به ، ورميهم بالخرق والسذاجة وغيرها من العناوين التي لا يحسن ذكرها ، ليصادروا القيام منذ الاختيار الأول لسيد الشهداء عليه السلام ، فإذا كان هذا اختيار سيد الشهداء عليه السلام ، وهذا هو ممثله وآخذ البيعة له وسفيره وثقته ، فكيف بالخطوات التالية للخطوة الأولى الخاطئة - أستغفر اللّه - ، كما يريد أن يصوّرها لنا الأمويون وأذنابهم . وكيف كان ، فإنّ الحرب ، وإن كانت تستتبع حرب المعلومات والتجسس ، ويعدّ التجسّس - قديما وحديثا - من أهمّ أركان المعارك والحروب ، فليكن لابن زياد جواسيس كما كان لمسلم بن عقيل عليه السلام جواسيس على القصر ، ولا حزازة في أن تخترق الجيوش والحركات ، ولكن أن تخترق بهذه الصورة الفجّة التي تشين برجال الحسين عليه السلام ، فهذا ما لا يمكن المصير اليه . ولنا في اختيار السيد ابن طاووس والسيد بحر العلوم وغيرهما ما يؤيد ويؤكّد التشكيك في قصّة الإختراق ، بل نفيها . * * * أو ليس من الأحرى بنا - إذن - أن نقول : إنّ المؤرخ الذي عاش في بلاط السلطان ، وعمل على إقناع التاريخ بما أملاه عليه ، قد خدعنا بقصّته المزيفة ؟ بدلاً من أن نسلّم باستغفال « المسلمَين » ، ونقول : « إنّ القوم ! - يعني مسلم بن عقيل عليه السلام ومسلم بن عوسجة وأبا ثمامة الصائدي وأمثالهم من سيوف الحسين عليه السلام ورجاله - قد خدعتهم المظاهر المزيفة » . أو أن نفترض أنّ ثمّة لوما أو إتهاما بالسذاجة يمكن أن يجيش في النفس ويوسوس في الصدر ، فنعالجه بالأمر بالتأدّب والتوقّف . والحال علينا أن نرفض كلّ ما يمسّ قدسية أصحاب الحسين عليه السلام أو يشكّك في مواقفهم . أو ليس من الأحرى أن نقول : إنّ المؤرخ العامل ضمن المخطط الإعلامي الدقيق لأعداء أهل البيت عليهم السلام كان ماهرا في صناعته ، وخبيرا فيما انتدب اليه من تنميق أكذوبته ؟ فغرّنا وأوهمنا فظننّا في ابن عوسجة - أول شهيد من شهداء اللّه وأول من شرى نفسه ومن مشى اليه الحسين برجله وأبّنه ، وشكر له الإمام صاحب الأمر استقدامه ومواقفه - ظنّ سوء ! فكيف سنواجهه - ومسلم بن عقيل - غدا يوم القيامة ، وقد طوّقناه دماء كربلاء التي سكنت الخلد ، وحمّلناه كلّ ما جرى من دماء ، وابتلينا به من إخفاقات !! منذ لقائه بمعقل الى أن يظهر المولى صاحب الأمر الثائر لابن عوسجة . * * * صلّى اللّه على الشهيد المظلوم ابن المظلوم مسلم بن عقيل ، وعلى الشهيد المظلوم مسلم بن عوسجة والمستشهدين تحت لواء سفير الحسين عليه السلام واللعن على أعدائهم أجمعين .

ص: 182

ص: 183

ص: 184

ص: 185

ص: 186

ص: 187

ص: 188

ص: 189

ص: 190

ص: 191

ص: 192

ص: 193

ص: 194

ص: 195

ص: 196

ص: 197

ص: 198

ص: 199

ص: 200

ص: 201

ص: 202

ص: 203

ص: 204

ص: 205

ص: 206

ص: 207

ص: 208

ص: 209

ص: 210

ص: 211

ص: 212

ص: 213

ص: 214

ص: 215

ص: 216

ص: 217

ص: 218

ص: 219

ص: 220

ص: 221

ص: 222

ص: 223

ص: 224

ص: 225

ص: 226

ص: 227

ص: 228

ص: 229

ص: 230

ص: 231

ص: 232

ص: 233

محاولة اغتيال ابن زياد ! !

وكان شريك بن الأعور الهمداني جاء من البصرة مع عبيد اللّه بن زياد ، فمرض ، فنزل في دار هاني بن عروة أياما ، ثم قال لمسلم عليه السلام : إنّ عبيد اللّه يعودني ، وإنّي مطاوله الحديث ، فاخرج إليه بسيفك فاقتله ، وعلامتك أن أقول : اسقوني ماءا ، ونهاه هاني عن ذلك .

فلمّا دخل عبيد اللّه على شريك وسأله عن وجعه وطال سؤاله ، ورأى أنّ أحدا لا يخرج ، فخشي أن يفوته ، فأخذ يقول :

ما الانتظار لسلمى أن يحييها

كأس المنية بالتعجيل اسقوها

* * *

فتوهّم ابن زياد وخرج(1)(2) .

ص: 234


1- مقاتل الطالبيين : 65 ، المقتل لأبي مخنف : 29 .
2- نسب التاريخ لساحة مولانا مسلم بن عقيل عليهماالسلام - وهو المثال النيّر للقدس والطهارة في النسب والحسب والمحتد والعلم ومكارم الأخلاق والدين والتقى والسموّ والرفعة والشجاعة والبطولة والتسليم للّه ولرسوله والأئمة الطاهرين عليهم السلام - نسب إليه ما حكاه من قصّة « محاولة اغتيال ابن زياد » الدعي ابن الدعي في مقرّ قيادة مسلم بن عقيل عليه السلام ! وقد حاولنا في هذه الوجيزة العاجلة مناقشة هذه القصّة ، بحول اللّه وقوّته . ملاحظة مهمّة قبل الدخول في تفاصيل البحث ، نودّ أن نذكر ملاحظة مهمّة ، ربما اضطرتنا إلى تكرار شيء ممّا ورد في المقدّمة ، ولكنّه ضروري لخطورة الموضوع وأهمّيته . قد يقال : إنّ محاكمة التاريخ بهذه المنهجية هو نسخ للتاريخ ، وقلب لحقائقه ، وتجاوز للخطوط الحمر التي ربما يؤدي التعدّي عليها الى التشكيك بكلّ ما يمتّ إلى حياة الأولياء والصالحين وأعدائهم وظالميهم ، ومناقشة هذه الضروريات والمسلّمات التاريخية يزلزل قلوب الناس ، ويزرع في قلوبهم الشكّ والتردّد في قبول كلّ ما يسمعونه من أخبار الرواة والمؤرخين ، ولعلّ ذلك يؤدي - بالتالي - إلى التشكيك في ظليمة أهل الببت عليهم السلاموأوليائهم . والجواب على ذلك باختصار : أولاً : إنّ الناس قد تعوّدوا على التشكيك - من قبل - في روايات أهل البيت عليهم السلامفضلاً عن التاريخ ، فلا تروي لهم خبرا إلاّ وسألوك هل هذا صحيح ؟ وهل ثبت صدوره عن المعصوم ؟ حتى في أوضح الروايات وأصدق الأحاديث . فهذه الروح قد حصلت نتيجة التعامل غير العلمي ، والخلط بين روايات العامّة والخاصّة ، ومجانبة الدقّة في استعمال المصطلحات ، وتسريبها إلى كتبنا التي صانها علماؤنا بدمائهم وأرواحهم وشحمات عيونهم . وعلى هذا فلا حزازة في مناقشة التاريخ الذي أسّس أساسه على الظلم والعدوان وتزوير الحقيقة ، فلا تسمع من المؤرخ - في الغالب - إلاّ ما يصبّ في صالح الظالمين والطواغيت والجبارين ويشوّه صور الأبرار والصالحين . وثانيا : هناك فرق بين مناقشة قضية تاريخية بحتة لا علاقة لها بالعقائد ، ولا تمسّ ظليمة أهل البيت عليهم السلام وأنصارهم ، وبين من ينفي ظليمتهم ، أو يناقش في حقّ ثابت لهم ولأنصارهم . بل فرق بين ذلك كلّه وبين من يريد أن يدفع عن أهل البيت عليهم السلامومواليهم صورة مشوّهة رسمها الأعداء لتحقيق مآربهم ، وتمرير ضلالاتهم ، ويناقش فرية لا تليق بساحتهم ، ولا تنسجم مع أخلاقياتهم وآدابهم . وثالثا: يكون الإنسان على شفا جرف هارٍ إذا حكّم أهواءه ونظراته وعواطفه في نفي أو قبول الأمور مطلقا ، سيما في قضايا الدين أو التاريخ ، بل حتى إذا اعتمد عقله مع وجود النصّ الشرعي ، وهذا هو عين الإجتهاد مقابل النصّ المرفوض في أدبيات التشيع . أمّا إذا جعل لنفسه شاقولاً وترّا وضابطا مطمئنا موثوقا ، لا يحيد ولا يخطى ء ، وهو ثوابت الشريعة ، ونصوص الدين وأحاديث الأئمة المعصومين عليهم السلام ، فحينئذٍ لا يحيف هو ولا يجور ولايخاف ولايحزن سيما إذا دقّق واستعمل الإحتياط والحذر في تعيين المصاديق. وهذه هي طريقتنا في مناقشة التاريخ ، فما وافق منه كلام أهل البيت عليهم السلام أو لم يخالفهم على أقلّ التقادير ، ووافق ثوابت الشريعة ، فهو مقبول ، وما خالف كلامهم ، أو خالف ثوابت المذهب الحقّ ، فهو زخرف مطروح يضرب به عرض الجدار ولا كرامة . ونحن في دراستنا لسيرة سيّدنا ومولانا سفير الحسين عليه السلام وثقته ، جعلنا تقييم الإمام سيّد شباب أهل الجنّة ، وما وردنا عن أهل البيت عليهم السلامورسول اللّه صلى الله عليه و آله في ذلك ميزانا نزن به ما يرويه لنا المؤرخ ، وشاقولاً نقيس به صحّة أو سقم بناء الصورة التي شيّدها الراوي ، فما خرج عن الحدود التي رسمها المعصومون للبطل الهاشمي وحفيد أبي طالب عليهماالسلامناقشناه ، وأدخلناه في دائرة السؤال . ولا نحسب أنّ اقتطاع قصّة الاغتيال من سيرة سيّدنا مسلم بن عقيل عليهماالسلام - كما فعل الشيخ المفيد رحمه الله والسيد ابن طاووس رحمه الله - يؤثر سلبيا ، أو يلغي شيئا من مناقبه أو مصائبه ، إلاّ ما قد يتراءى من البناء على التزامه بنصّ الحديث المنسوب للنبي صلى الله عليه و آله« الإيمان قيد الفتك » من المبدأية والعصامية ، وتجنّب المخالفة لسنّة النبي صلى الله عليه و آله ، ولو كان في ذلك النصر المحتّم على العدوّ ، إلى غير ذلك ممّا أسّسوا له وتناولوه خلال تحليلهم لشخصية هذا البطل الفذّ ، وتأويل ما نسبه التاريخ له . ولكن لا يخفى أنّ التذرّع بالخبر المزعوم دخل إلى القصّة في المصدر الرابع حسب التسلسل التاريخي الذي ستقرأه خلال البحث ، وهو كتاب الأخبار الطوال للدينوري ، أمّا المصادر السابقة ، وبعض المصادر اللاحقة فقد ذكرت ذرائع غير مقبولة ولا معقولة ، من قبيل الجبن والفشل وأنّه أخذته كبوة ، أو أخذ بقلبه . . فتمسّك الناس بما ذكره الدينوري - الذي أحسّ أنّ ما ذكره السابقون له غير مقبول ، فأدخل في القصّة ما يجعلها مستساغة لمن يعرف مسلم بن عقيل عليهماالسلام - وتجنّبوا ما ذكره المؤرخون الآخرون . هذا بالإضافة إلى ما ستقرأه من مناقشات في ما يخصّ الخبر والقصّة في ثنايا البحث . وقد ركّزنا في نقاشنا على الرواية الأكثر شيوعا بين الناس حيث أكّدها المؤلفون ولم يذكر غيرها الخطباء وخدام سيّد الشهداء عليه السلامعلى المنابر ، أمّا الروايات الأخرى فقد ناقشناها ضمنا ، لأنّها تختلف عن المشهور بيننا ، كما هو الحال في رواية ابن سعد في الطبقات - أقدم المؤرخين - فإنّها لا تركّز على مباشرة مسلم بن عقيل عليهماالسلام للاغتيال ، ولا تذكر إستناده إلى الخبر النبوي المزعوم . . فهي قد لا تسلتزم بعض المحاذير التي تسلتزمها الرواية المشهورة . القصّةفي المصادر التاريخية وردت قصّة « محاولة اغتيال ابن زياد » في جملة من المصادر التي أشارت إلى جهاد سيّدنا ومولانا مسلم بن عقيل عليهماالسلام في الكوفة ، وسوف نقتصر على ذكر أمّهات المصادر التي ذكرتها حسب التسلسل التاريخي لوفاة المؤلفين . ونحسب أنّ كلّ من تلا هذه المصادر إنّما أخذ عنها ، لأنّنا لم نجد لها مصدرا تاريخيا آخر أقدم ممّا سنذكره : 1 ترجمة الإمام الحسين عليه السلاممن طبقات ابن سعد « ت 230 » .. وكان قدم مع عبيد اللّه من البصرة شريك بن الأعور الحارثي ، وكان شيعة لعلي ، فنزل أيضا على هاني بن عروة . فاشتكى شريك ، فكان عبيد اللّه يعوده في منزل هاني ، ومسلم بن عقيل هناك لا يعلم به . فهيؤوا لعبيد اللّه ثلاثين رجلاً يقتلونه إذا دخل عليهم . وأقبل عبيد اللّه فدخل على شريك يتسأل به ، فجعل شريك يقول : ما تنظرون بسلمى أن تحيوها اسقوني ولو كانت فيها نفسي اسقوني ولو كانت فيها نفسي . فقال عبيد اللّه : ما يقول ؟ قالوا : يهجر . وتحشّش ( التحشيش : التحرّك للنهوض ) القوم في البيت ، فأنكر عبيد اللّه ما رأى منهم ، فوثب فخرج . ودعا مولى لهاني بن عروة كان في الشرطة فسأله ، فأخبره الخبر ، فقال : أو لا ! ثم مضى حتى دخل القصر ، وأرسل إلى هاني بن عروة ، وهو يومئذٍ ابن بضع وتسعين سنة ، فقال : ما حملك على أن تجير عدوي وتنطوي عليه؟ فقال : يا بن أخي ! إنّه جاء حقّ هو أحقّ من حقّك ، وحقّ أهل بيتك . فوثب عبيد اللّه وفي يده عنزة ، فضرب بها رأس هاني حتى خرج الزجّ ، واغترز في الحائط ، ونثر دماغ الشيخ ، فقتله ( ينصّ الخبر : أنّ هانيا قتل في القصر بيد ابن زياد بطريقته التي ذكرها فورا ! ) مكانه ( ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من طبقات ابن سعد : 65 ) . نقاط مهمّة في نص ابن سعد الأُولى : يصرّح المؤرخ أنّ ابن زياد كان يزور شريكا وهو لا يعلم بوجود مسلم عليه السلامهناك . الثانية : مفاد عبارة : « فكان عبيد اللّه يعوده » أنّ الزيارة كانت تتكرّر . الثالثة : لم يحدّد من هو الذي قصد الاغتيال ، وإنّما استعمل ضمير الجمع ، فقال : « فهيؤوا » أي اشترك جماعة في التهيئة . الرابعة : لم تصرّح الرواية ولو بإشارة أو إيحاء بأنّ الذي سيباشر الاغتيال مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، وإنّما هم ثلاثون رجلاً اختاروهم لتنفيذ العملية . الخامسة : يظهر من النصّ أنّ ابن زياد أنكر تحشحش القوم ( أي تحرّكهم ) فخرج ، وكأنّه لم يشكّ بقضية الاغتيال أبدا ، ولهذا لم يعاتب هاني في الاغتيال ، وإنّما عاتبه على إجارته مسلما عليه السلامفقط ، كما يظهر من النصّ . « فقال : ما حملك على أن تجير عدوّي وتنطوي عليه ؟ » . ( 2 )الإمامة والسياسةلابن قتيبة « ت 276 » قال : . . فاستعمله على الكوفة ، فقدم الكوفة قبل أن يقدم الحسين ، وبايع مسلم بن عقيل ، وأكثر من ثلاثين ألفا من أهل الكوفة ، فنهضوا معه يريدون عبيد اللّه بن زياد ، فجعلوا كلّما أشرفوا على زقاق ، انسل عنه منهم ناس ، حتى بقي مسلم في شرذمة قليلة . قال : فجعل أناس يرمونه بالآجر من فوق البيوت ، فلمّا رأى ذلك دخل دار هاني بن عروة المرادي ، وكان له فيهم رأي . فقال له هاني بن عروة : إنّ لي من ابن زياد مكانا ، وسوف أتمارض له ، فإذا جاء يعودني ، فاضرب عنقه . قال : فقيل لابن زياد : إنّ هاني بن عروة شاكٍ يقيء الدم . قال : وشرب المغرة ، فجعل يقيئها . قال : فجاء ابن زياد يعوده ، وقال لهم هاني : إذا قلت لكم اسقوني ، فاخرج إليه فاضرب عنقه ، فقال : اسقوني ، فأبطأوا عليه ، فقال : ويحكم اسقوني ولو كان فيه ذهاب نفسي . قال : فخرج عبيد اللّه بن زياد ، ولم يصنع الآخر شيئا ، وكان من أشجع الناس ، ولكنّه أخذته كبوة !! فقيل لابن زياد : واللّه إنّ في البيت رجلاً متسلّحا . قال : فأرسل ابن زياد إلى هاني ، فدعاه ، فقال : إنّي شاكٍ لا أستطيع النهوض . فقال : ائتوني به وإن كان شاكيا . قال : فأخرج له دابة ، فركب ومعه عصاه ، وكان أعرج ، فجعل يسير قليلاً ويقف ، ويقول : ما لي أذهب إلى ابن زياد ؟ فما زال ذلك دأبه حتى دخل عليه . فقال له عبيد اللّه بن زياد : يا هاني ، أما كانت يد زياد عندك بيضاء ؟! قال : بلى ! قال : ويدي ؟! قال : بلى ! فقال : يا هاني ، قد كانت لكم عندي يد بيضاء ، وقد أمنتك على نفسك ومالك ، فتناول العصا التي كانت بيد هاني ، فضرب بها وجهه حتى كسرها ، ثم قدّمه فضرب عنقه ( الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري تحقيق الشيري : 2/8 - 9 ) . نقاط مهمّة في نص ابن قتيبة الأُولى : إنّ هانئا سوف يتمارض وليس هو بمريض حقيقة . الثانية : شرب هاني المغرة ، وجعل يقيئها . الثالثة : إنّ هانئا كان راغبا في قتل ابن زياد ، ولو كان فيه موته . الرابعة : لم يذكر أنّ ابن زياد توجّس أو شكّ في الموقف ، أو استغرب من كلام هاني . الخامسة : ذكر سبب إعراض مسلم عليه السلامعن الاغتيال أنّه « أخذته كبوة » !! فقط بالرغم من كونه أشجع الناس . السادسة : لم يلتفت ابن زياد بنفسه إلى أيّ شيء ، وإنّما أخبر بأنّ في البيت رجلاً مسلّحا . السابعة : لم يذكر أنّ ابن زياد عاتبه على قضية الاغتيال ، ولا دخول مسلم بن عقيل عليهماالسلامعليه . الثامنة : يفيد النصّ أنّ ابن زياد عجّل في قتل هاني ، ولم يتأخّر إلى ما بعد شهادة مسلم عليه السلام . ( 3 )أنساب الأشرافالبلاذري « ت 279 » قال : . . ومرض هاني بن عروة المرادي ، فأتاه عبيد اللّه بن زياد عائدا ، فقيل لمسلم بن عقيل : اخرج إليه فاقتله . فكره هاني أن يكون قتله في منزله ، فأمسك مسلم عنه . ونزل شريك بن الأعور الحارثي أيضا على هاني بن عروة ، فمرض عنده ، فعاده ابن زياد - وكان شريك شيعيا شهد الجمل وصفين مع علي - فقال لمسلم : إنّ هذا الرجل يأتيني عائدا فاخرج إليه فاقتله . فلم يفعل مسلم لكراهة هاني ذلك : فقال شريك : م-ا رأيت أحدا أمكنته فرصة فتركها إلاّ أعق-بته ندم-ا وحسرة ، وأن-ت أعلم !! وم-ا على هاني في هذا لولا الحصر ؟!!! ومات شريك بن الأعور ، في دار هاني من مرضه ذلك . واسم الأعور الحرث . وجعل معقل مولى ابن زياد يختلف إلى ابن عوسجة يقتضيه ما وعده من إدخاله إلى مسلم بن عقيل ، فأدخله إليه ، وأخذ [ منه ]مسلم بيعته ، وقبض المال الذي كان أعطاه إياه عبيد اللّه بن زياد منه ، وذلك بعد موت شريك بن الأعور ( أنساب الأشراف للبلاذري : 79 - 80 ) . نقاط مهمّة في نصّ البلاذري الأُولى : إنّ هانئا مرض بالفعل ولم يتمارض . الثانية : لم ينسب إرادة القتل إلى هاني ، وإنّما يذكره مجهولاً « فقيل لمسلم عليه السلام » . الثالثة : إنّ هانئا كره وقوع ذلك في منزله . الرابعة : ينسب امتناع مسلم عليه السلام عن القتل إلى كراهية هاني فقط . الخامسة : يصرّح بوجود عرض ثانٍ بالاغتيال على مسلم عليه السلام من قبل شريك ، ولا يذكر وقوع هذا الأمر ، وإنّما مجرّد اقتراح ، فرفضه مسلم عليه السلام لكراهية هاني فقط . السادسة : يتكلّم شريك بخشونة مع مسلم عليه السلام ، ويعاتبه ويهدّده وينذره بالندم الذي سيحلّ بساحته إذا ترك نصيحته ، لأنّه يترك فرصة قد أمكنته . السابعة : يتّهم شريك هانيا بالحصر ، ولم يلحظ الحصر ( الحصر : العي والاحتباس والمنع ، وضيق الصدر . . - انظر مجمع البحرين للطريحي ولسان العرب - ومن مواضع التي يضيق فيها الصدر العي والخوف ) الذي يتّهم به هاني أنّه ممكن أن يكون متوجّها إليه طيلة الطريق من البصرة إلى الكوفة . ( 4 )الأخبار الطوالالدينوري « ت 282 » قال : .. فأدخله دار نسائه ، وأفرد له ناحية منها ، وجعلت الشيعة تختلف إليه في دار هاني . وكان هاني بن عروة مواصلاً لشريك بن الأعور البصري الذي قام مع ابن زياد ، وكان ذا شرف بالبصرة وخطر ، فانطلق هاني إليه حتى أتى به منزله ، وأنزله مع مسلم بن عقيل في الحجرة التي كان فيها . وكان شريك من كبار الشيعة بالبصرة ، فكان يحثّ هانئا على القيام بأمر مسلم ، وجعل مسلم يبايع من أتاه من أهل الكوفة ، ويأخذ عليهم العهود والمواثيق المؤكّدة بالوفاء . ومرض شريك بن الأعور في منزل هاني بن عروة مرضا شديدا ، وبلغ ذلك عبيد اللّه بن زياد ، فأرسل إليه يعلمه أنّه يأتيه عائدا . فقال شريك لمسلم بن عقيل : إنّما غايتك وغاية شيعتك هلاك هذا الطاغية ، وقد أمكنك اللّه منه ، وهو صائر إليّ ليعودني ، فقم ، فادخل الخزانة حتى إذا اطمأن عندي ، فاخرج إليه ، فقاتله ، ثم صر إلى قصر الإمارة ، فاجلس فيه ، فإنّه لا ينازعك فيه أحد من الناس ، وإن رزقني اللّه العافية صرت إلى البصرة ، فكفيتك أمرها ، وبايع لك أهلها . فقال هاني بن عروة : ما أحبّ أن يقتل في داري ابن زياد . فقال له شريك : ولم ؟ فواللّه إنّ قتله لقربان إلى اللّه . ثم قال شريك لمسلم : لا تقصّر في ذلك . فبينما هم على ذلك إذ قيل لهم : الأمير بالباب . فدخل مسلم بن عقيل الخزانة ! ودخل عبيد اللّه بن زياد على شريك ، فسلّم عليه ، وقال : ما الذي تجد وتشكو ؟ فلمّا طال سؤاله إياه استبطأ شريك خروج مسلم ، وجعل يقول ، ويسمع مسلما : ما تنظرون بسلمى عند فرصتها فقد وفى ودّها واستوسق الصرم وجعل يردّد ذلك . فقال ابن زياد لهاني : أيهجر ؟ يعني : يهذي . قال هاني : نعم ، أصلح اللّه الأمير ، لم يزل هكذا منذ أصبح . ثم قام عبيد اللّه وخرج ، فخرج مسلم بن عقيل من الخزانة !!! فقال شريك : ما الذي منعك منه إلاّ الجبن والفشل ؟ قال مسلم : منعني منه خلتان : إحداهما : كراهية هاني لقتله في منزله . والأخرى : قول رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم ! - : إنّ الإيمان قيد الفتك ، لا يفتك مؤمن . فقال شريك : أما - واللّه - لو قتلته لاستقام لك أمرك ، واستوسق لك سلطانك . ولم يعش شريك بعد ذلك إلاّ أياما ، حتى توفي ، وشيّع ابن زياد جنازته ، وتقدّم فصلّى عليه . ولم يزل مسلم بن عقيل يأخذ البيعة من أهل الكوفة حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألف رجل في ستر ورفق ( الأخبار الطوال للدينوري : 233 - 235 ) ! نقاط مهمّة في نصّ الدينوري الأُولى : دخول مسلم عليه السلام مع النساء في بيت هاني ! الثانية : جعلت الشيعة تختلف إليه لتبايعه ، فما فائدة إدخاله في دار النساء ؟! الثالثة : يصرّح النصّ أنّ هانيا هو الذي ذهب إليه حتى أتى به إلى منزله ، فيما كانت النصوص الأخرى تؤكد أنّ شريكا هو الذي نزل على هاني . الرابعة : أنزل هاني شريكا ، وهو ضيف ، ومن كبار الشيعة - كما صرّح به المؤلف نفسه - في دار النساء من دون أيّ مسوّغ لا أمني ولا اجتماعي ، وهو أمر غير مقبول . الخامسة : كان شريك يحثّ هانئا على القيام بأمر مسلم عليه السلام ، والحال أنّ هانئا كان قد قام بأمره قبل مدّة من وصول شريك إلى الكوفة ، وفي كلام المؤرخ هذا تعريض بموقف هاني . السادسة : مرض شريك مرضا حقيقيا شديدا . السابعة : أخبر ابن زياد شريكا أنّه سيعوده . الثامنة : أمر شريك مسلما أن يختفي في الخزانة !! التاسعة : اقتراح الاغتيال كان من شريك ، والرافض للقتل هاني كراهية أن يقتل في داره . العاشرة : إصرار شريك على قتله في دار هاني بالرغم من هاني ودعوته أن لا يقصّر في ذلك . الحادية عشر : ابن زياد يفاجئهم بالدخول ، وهم في حال تدبير الأمر والاتفاق عليه ، ولم يتمّ أمرهم بعد . الثانية عشر : اختفاء مسلم عليه السلام- بالفعل - في الخزانة !! الثالثة عشر : ابن زياد يقرّر أنّ شريكا يهذي ، فيما كانت النصوص الأخرى تنسب الاعتذار بالهذيان لهاني أو غيره . الرابع عشرة : نسبة الكذب لهاني لأنّه قال : إنّه كذا منذ الصباح ، وهو لم يكن كذلك أبدا ! الخامس عشرة : ينسب شريك الفشل والجبن إلى مسلم عليه السلام ، وكأنّه تأكيد لما ورد في الكتاب المزعوم على لسان الحسين عليه السلاممن نسبة نفس هذه الأمور لمسلم عليه السلامتأكيدا لهذه الخصال في مسلم عليه السلام - والعياذ باللّه - أو لم يعرف شريك مسلما عليه السلام ، وقد خاض معه الحروب في الجمل وصفين ؟! السادس عشرة : اتهم شريك مسلما دون أن يسأله عن سبب الإمساك . السابع عشرة : هذا هو المصدر الأول الذي يدخل قول النبي صلى الله عليه و آله في قصّة الاغتيال حيث أنّ المصادر السابقة لم تشر إلى هذا السبب أبدا ، وإنّما حصرته بكراهية هاني وامتناع مسلم عليه السلام ، لأنّه أخذته كبوة . الثامن عشرة : شجّع شريك مسلما عليه السلام ، وحثّه على الاغتيال ، ومنّاه باستقامة السلطان والحكم له إذا قام بهذا الفعل ، ولم يكن مسلم عليه السلاميطلب السلطان حتى يمنّيه باستيساقه ، ولم يعلّل شريك فائدة الاغتيال بأكثر من ذلك . ( 5 )تاريخ الطبري « ت 310 » قال : . . وقدم شريك بن الأعور شاكيا ، فقال لهاني : مر مسلما يكون عندي ، فإنّ عبيد اللّه يعودني ، وقال شريك لمسلم : أرأيتك إن أمكنتك من عبيد اللّه أضاربه أنت بالسيف؟ قال : نعم واللّه . وجاء عبيد اللّه شريكا يعوده في منزل هاني ، وقد قال شريك لمسلم : إذا سمعتني أقول : اسقوني ماء فاخرج عليه فاضربه . وجلس عبيد اللّه على فراش شريك ، وقام على رأسه مهران ، فقال : اسقوني ماء ، فخرجت جارية بقدح ، فرأت مسلما ، فزالت . فقال شريك : اسقوني ماءا ! ثم قال الثالثة : ويلكم ! تحموني الماء ، اسقونيه ولو كانت فيه نفسي . ففطن مهران ، فغمز عبيد اللّه فوثب ، فقال شريك : أيّها الأمير ! إنّي أريد أن أوصي إليك ، قال : أعود إليك . فجعل مهران يطرد به ، وقال : أراد - واللّه - قتلك ! قال : وكيف مع إكرامي شريكا ، وفى بيت هاني ، ويد أبي عنده يد ؟! فرجع ، فأرسل إلى أسماء بن خارجة ومحمد بن الأشعث ، فقال : ائتياني بهاني ، فقالا له : إنّه لا يأتي إلاّ بالأمان ، قال : وما له وللأمان ! وهل أحدث حدثا؟! انطلقا ، فإن لم يأت إلاّ بأمان فآمناه . فأتياه فدعواه ، فقال : إنّه إن أخذني قتلني ، فلم يزالا به حتى جاءا به ، وعبيد اللّه يخطب يوم الجمعة ، فجلس في المسجد وقد رجّل هاني غديرتيه . فلمّا صلّى عبيد اللّه قال : يا هاني ! فتبعه ، ودخل فسلّم ، فقال عبيد اللّه : يا هاني ! أما تعلم أنّ أبي قدم هذا البلد فلم يترك أحدا من هذه الشيعة إلاّ قتله غير أبيك وغير حجر ، وكان من حجر ما قد علمت ، ثم لم يزل يحسن صحبتك ، ثم كتب إلى أمير الكوفة : أنّ حاجتي قبلك هاني ؟! قال : نعم . قال : فكان جزائي أن خبأت في بيتك رجلاً ليقتلني ؟! قال : ما فعلت . فأخرج التميمي الذي كان عينا عليهم . فلمّا رآه هاني علم أن قد أخبره الخبر ، فقال : أيّها الأمير ، قد كان الذي بلغك ، ولن أضيّع يدك عندي ، فأنت آمن وأهلك ، فسر حيث شئت . فكبا عبيد اللّه عندها ، ومهران قائم على رأسه في يده معكزة ، فقال : وا ذلاّه ! هذا العبد الحائك يؤمنك في سلطانك ؟! فقال : خذه ، فطرح المعكزة ، وأخذ بضفيرتي هاني ، ثم أقنع بوجهه ، ثم أخذ عبيد اللّه المعكزة ، فضرب به وجه هاني ، وندر الزجّ ، فارتزّ في الجدار ، ثم ضرب وجهه حتى كسر أنفه وجبينه . وسمع الناس الهيعة !! وبلغ الخبر مذحج ، فأقبلوا فأطافوا بالدار ! وأمر عبيد اللّه بهاني ، فألقي في بيت ، وصيح المذحجيون ، وأمر عبيد اللّه مهران أن يدخل عليه شريحا ، فخرج فأدخله عليه ، ودخلت الشرط معه ( تاريخ الطبري : 4/268 - 269 ) . . * * * وروى الطبري أيضا قال : وذكر هشام عن أبي مخنف عن المعلّى بن كليب عن أبي الوداك قال : نزل شريك بن الأعور على هاني بن عروة المرادي ، وكان شريك شيعيا ، وقد شهد صفين مع عمار . فمرض هاني بن عروة ، فجاء عبيد اللّه عائدا له ، فقال له عمارة بن عبيد السلولي : إنّما جماعتنا وكيدنا قتل هذا الطاغية ، فقد أمكنك اللّه منه فاقتله . قال هاني : ما أحبّ أن يقتل في داري . فخرج ، فما مكث إلاّ جمعة حتى مرض شريك بن الأعور ، وكان كريما على ابن زياد ، وعلى غيره من الأمراء ، وكان شديد التشيع . فأرسل إليه عبيد اللّه : إنّي رائح إليك العشية . فقال لمسلم : إنّ هذا الفاجر عائدي العشية ، فإذا جلس ، فاخرج إليه فاقتله ، ثم اقعد في القصر ليس أحد يحول بينك وبينه ، فإن برئت من وجعي هذا أيامى هذه سرت إلى البصرة وكفيتك أمرها . فلمّا كان من العشي أقبل عبيد اللّه لعيادة شريك ، فقام مسلم بن عقيل ليدخل ، وقال له شريك : لا يفوتنّك إذا جلس ، فقام هاني بن عروة إليه ، فقال : إنّي لا أحبّ أن يقتل في داري . كأنّه استقبح ذلك . فجاء عبيد اللّه بن زياد ، فدخل فجلس ، فسأل شريكا عن وجعه ، وقال : ما الذي تجد ؟ ومتى أشكيت ؟ فلمّا طال سؤاله إياه ، ورأى أنّ الآخر ! لا يخرج خشى أن يفوته ، فأخذ يقول : « ما تنظرون بسلمى أن تحيوها » اسقنيها وإن كانت فيها نفسي . فقال ذلك مرّتين أو ثلاثا . فقال عبيد اللّه - ولا يفطن ما شأنه - : أترونه يهجر ؟! فقال له هاني : نعم - أصلحك اللّه - ما زال هذا ديدنه قبيل عماية الصبح حتى ساعته هذه ! ثم إنّه قام فانصرف . فخرج مسلم ، فقال له شريك : ما منعك من قتله ؟! فقال : خصلتان : أمّا إحداهما : فكراهة هاني أن يقتل في داره . وأمّا الأخرى : فحديث حدّثه الناس عن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم ! - إنّ الإيمان قيد الفتك ولا يفتك مؤمن . فقال هاني : أما - واللّه - لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا غادرا ، ولكن كرهت أن يقتل في داري . ولبث شريك بن الأعور بعد ذلك ثلاثا ، ثم مات . فخرج ابن زياد فصلّى عليه ، وبلغ عبيد اللّه بعد ما قتل مسلما وهانئا أنّ ذلك الذي كنت سمعت من شريك في مرضه إنّما كان يحرّض مسلما ، ويأمره بالخروج إليك ليقتلك . فقال عبيد اللّه : واللّه لا أصلّي على جنازة رجل من أهل العراق أبدا ، وواللّه لولا أنّ قبر زياد فيهم لنبشت شريكا ! ثم أنّ معقلاً مولى ابن زياد الذي دسّه بالمال إلى ابن عقيل وأصحابه اختلف إلى مسلم بن عوسجة أياما ، ليدخله على ابن عقيل ، فأقبل به حتى أدخله عليه بعد موت شريك بن الأعور ، فأخبره خبره كلّه ، فأخذ ابن عقيل بيعته ، وأمر أبا ثمامة الصائدي فقبض ماله الذي جاء به ، وهو الذي كان يقبض أموالهم ، وما يعين به بعضهم بعضا ، يشترى لهم السلاح ، وكان به بصيرا ، وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة ، وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم ، فهو أوّل داخل وآخر خارج يسمع أخبارهم ويعلم أسرارهم ، ثم ينطلق بها حتى يقرّها في أذن ابن زياد . قال : وكان هاني يغدو ويروح إلى عبيد اللّه ، فلمّا نزل به مسلم انقطع من الاختلاف وتمارض ، فجعل لا يخرج ، فقال ابن زياد لجلسائه : ما لي لا أرى هانئا؟! فقالوا : هو شاكٍ . فقال : لو علمت بمرضه لعدته ( تاريخ الطبري : 4 /268 - 269 ) . نقاط مهمّة في نصّ الطبري الأُولى : يظهر من النصّ أنّ مسلما عليه السلام لم يكن مع شريك ، ولهذا أمره أن يكون عنده ، « فقال لهاني : مر مسلما يكون عندي » ، فيما كان في نصّ سبق أنّ شريكا نزل في دار النساء مع مسلم عليه السلام . الثانية : يعلن مسلم عليه السلام استعداده لإنجاز العملية ، ولم يعتذر لا بالحديث النبوي ولا بغيره . الثالثة : يلحظ حضور مهران « مولى ابن زياد » هنا ، ولم يوجد من قبل في النصوص السابقة . الرابعة : أجيبت دعوة شريك باحضار الماء ( لا يعلم لماذا زالت الجارية مع أنّ مسلما عليه السلامكان في دارالنساء من قبل ، بناءا على ما مرّ في نصوص أخرى ) . الخامسة : لم يقرأ شريك هنا الشعر المروي فيما سبق ، وإنّما قال عبارات واضحة يستنكر فيها أن يحمى من الماء وهو عطشان . السادسة : انتبه مهران مع أنّ عبارة شريك لم يكن فيها ما يلفت الإنتباه ، لأنّه استنكر عليهم أن يحموه من الماء ، فبماذا فطن مهران ! السابعة : شريك يستمهل ابن زياد بعد أن عزم على الخروج . الثامنة : قلق مهران على ابن زياد بحيث جعل يطرد به . التاسعة : عرف مهران أنّه أريد قتل ابن زياد ، وأقسم على ذلك ، ولم يذكر من أين عرف مهران ذلك . العاشرة : أوّل مرّة يبدو ابن زياد يحاسب هانئا على رجل في بيت هاني ينوي قتله ، وهو لم يعرف الرجل بعد . الحادية عشرة : يخرج هنا جاسوس ابن زياد ، وهو تميمي ، وكان عينا عليهم ، ويلزم أن يكون قد حضر الأمر وعرفه ، فلماذا لم يخبر ابن زياد من قبل حتى لا يذهب أو يحذر إذا كان هو على علم بقصّة الاغتيال . الثانية عشرة : حسب هذا الخبر كان هانيء مريضا حقّا ولم يكن متمارضا . الثالثة عشرة : اقتراح الاغتيال من عمارة ، وليس من شريك ، ولا من هاني ، وطرف الاقتراح هاني وليس مسلما عليه السلام . الرابعة عشرة : رفض هاني الاغتيال كراهية أن يقع في بيته . الخامسة عشرة : ثمّ مرض شريك ، فهما قد مرضا معا خلال فترة أسبوع . السادسة عشرة : أخبر ابن زياد بزيارته وجعل لذلك موعدا محدّدا أيضا . السابعة عشرة : الذي منع مسلما عليه السلام من الاغتيال هو هاني نفسه . الثامنة عشرة : انصرف ابن زياد من دون أن يفطن إلى شيء ، لا هو ولا مرافقوه . التاسعة عشرة : نسب الحديث إلى الناس عن النبي صلى الله عليه و آله . العشرون : فهم هاني من كلام مسلم عليه السلامأنّ ابن زياد مؤمن ، ولهذا امتنع عن قتله مسلم عليه السلام ، ولذا أكّد عليه أنّ المطلوب لهم - ابن زياد - ليس مؤمنا ، وليس هو موردا ومصداقا لهذا الحديث . الحادية والعشرون : لم يفطن ابن زياد إلى قصّة الاغتيال إلاّ بعد الصلاة على شريك وقتل مسلم عليه السلام وهاني . الثانية والعشرون : « وكان هاني يغدو ويروح إلى عبيد اللّه ، فلمّا نزل به مسلم انقطع من الاختلاف وتمارض ، فجعل لا يخرج ، فقال ابن زياد لجلسائه : ما لي لا أرى هانئا ! فقالوا : هو شاكٍ ، فقال : لو علمت بمرضه لعدته» . متى كان كلامه هذا وإعلانه الاستعداد لزيارته، هل كان بعد قصّة الاغتيال أو كان بعدها ؟! ( 6 )كتاب الفتوحأحمد بن أعثم الكوفي « ت 314 » قال : . . ومرض شريك بن عبد اللّه الأعور الهمداني في منزل هاني بن عروة ، وعزم عبيد اللّه بن زياد على أن يصير إليه فيجتمع به . ودعا شريك بن عبد اللّه مسلم بن عقيل ، فقال له : جعلت فداك ! غدا يأتيني هذا الفاسق عائدا ، وأنا مشغله لك بالكلام ، فإذا فعلت ذلك ، فقم أنت واخرج إليه من هذه الداخلة فاقتله ! فإن أنا عشت فسأكفيك أمر البصرة إن شاء اللّه . قال : فلمّا أصبح عبيد اللّه بن زياد ركب وسار يريد دار ابن هاني ! ليعود شريك بن عبد اللّه . قال : فجلس وجعل يسأل منه . قال : وهمّ مسلم أن يخرج إليه ليقتله فمنعه من ذلك صاحب المنزل هاني ! ثم قال : جعلت فداك ! في داري صبية وإماء ، وأنا لا آمن الحدثان . قال : فرمى مسلم بن عقيل السيف من يده وجلس ولم يخرج . وجعل شريك بن عبد اللّه يرمق الداخلة وهو يقول : ما تنظرون بسلمى عند فرصتها فقد وفى ودّها واستوسق الصرم فقال له عبيد اللّه بن زياد : ما يقول الشيخ ؟ فقيل له : إنّه مبرسم ! أصلح اللّه الأمير . قال : فوقع في قلب عبيد اللّه بن زياد أمر من الأمور ، فركب من ساعته ورجع إلى القصر . وخرج مسلم بن عقيل إلى شريك بن عبد اللّه من داخل الدار . فقال له شريك : يا مولاي ، جعلت فداك ! ما الذي منعك من الخروج إلى الفاسق ، وقد كنت أمرتك بقتله وشغلته لك بالكلام ؟ فقال : منعني من ذلك حديث سمعته من عمّي علي بن أبي طالب - رضي اللّه عنه ! - أنّه قال : الإيمان قيد الفتك ، فلم أحبّ أن أقتل عبيد اللّه بن زياد في منزل هذا الرجل . فقال له شريك : واللّه ! لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا منافقا . قال : ثم لم يلبث شريك بن عبد اللّه إلاّ ثلاثة أيام حتى مات - رحمه اللّه - ، وكان من خيار الشيعة غير أنّه يكتم ذلك إلاّ عمّن يثق به من إخوانه . قال : وخرج عبيد اللّه بن زياد ، فصلّى عليه ، ورجع إلى قصره ( كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي : 5/42 ) . نقاط مهمّة في نصّ ابن أعثم الأُولى : مرض شريك ( يلاحظ هنا أنّ اسمه شريك بن عبد اللّه وليس بن الحرث أو الحارث ) نفسه حقيقة . الثانية : العبارة « ودعا » توحي أنّ مسلما لم يكن عند شريك . الثالثة : يتكلّم هنا شريك مع مسلم عليه السلامبأدب . الرابعة : يلزم أن يكون مسلم عليه السلام في الداخلة ، وشريك ليس فيها . الخامسة : منعه هاني وعلّل ذلك بخوفه على إمائه وصبيته . السادسة : رمى مسلم عليه السلام السيف من يده وجلس !! السابعة : اعتذروا لابن زياد أنّ شريكا مبرسم !! الثامنة : وقع في قلب ابن زياد أمر من الأمور ، ولم يعلم ما هو بالضبط ، ولا يعلم كيف حصل ابن زياد على هذه الشفافية بحيث يحدّثه قلبه من عبارات مبرسم فيقلق . التاسعة : يصرّح شريك أنّه هو الذي أصدر أمرا لمسلم عليه السلام بقتل ابن زياد ، وعاتبه على مخالفته لأمره « وقد كنت أمرتك بقتله وشغلته لك بالكلام ؟ » . العاشرة : سمع الحديث من عمّه أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم يحبّ أن يقتله في بيت الرجل . الحادية عشرة : شريك يخطّيء مسلم بن عقيل عليهماالسلام في تشخيصه ابن زياد ، ويؤكّد له أنّ ابن زياد رجل فاسق فاجر منافق . الثانية عشرة : كان شريك شيعيا متخفّيا يكتم تشيعه إلاّ عمّن يثق به من إخوانه . ( 7 )مقاتل الطالبيينأبو الفرج « ت 356 » قال : .. ومرض شريك بن الأعور ، وكان كريما على ابن زياد ، وكان شديد التشيّع ، فأرسل إليه عبيد اللّه : إنّي رائح إليك العشية فعائدك . فقال شريك لمسلم : إنّ هذا الفاجر عائدي العشية ، فإذا جلس فاقتله ، ثم اقعد في القصر ، وليس أحد يحول بينك وبينه ، فإن أنا برئت من وجعي من أيامي هذه سرت إلى البصرة وكفيتك أمرها . فلمّا كان العشي أقبل ابن زياد لعيادة شريك بن الأعور ، فقال لمسلم : لا يفوتنك الرجل إذا جلس . فقام إليه هاني ، فقال : إنّي لا أحبّ أن يقتل في داري ، كأنّه استقبح ذلك . فجاءه عبيد اللّه بن زياد ، فدخل وجلس ، وسأل شريكا : ما الذي تجد ؟ ومتى اشتكيت ؟ فلمّا طال سؤاله إياه ، ورأى أنّ أحدا لا يخرج خشي أن يفوته فأقبل يقول : ما الانتظار بسلمى أن تحيّوها حيّوا سليمى وحيّوا من يحيّيها كأس المنيّة بالتعجيل فاسقوها للّه أبوك ! اسقنيها وإن كانت فيها نفسي . قال ذلك مرّتين أو ثلاثة . فقال عبيد اللّه - وهو لا يفطن - : ما شأنه ؟! أترونه يهجر ؟ فقال له هاني : نعم - أصلحك اللّه - ما زال هكذا قبل غيابت الشمس إلى ساعتك هذه . ثم قام وانصرف . فخرج مسلم ، فقال له شريك : ما منعك من قتله ؟ فقال : خصلتان : أمّا إحداهما : فكراهية هاني أن يقتل في داره . وأمّا الأخرى : فحديث حدّثنيه الناس عن النبي صلى الله عليه و آله : إنّ الإيمان قيد الفتك ، فلا يفتك مؤمن . فقال له شريك : أما - واللّه - لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا غادرا . قال : فأقبل ذلك الرجل الذي وجّهه عبيد اللّه بالمال يختلف إليهم ، فهو أوّل داخل وآخر خارج ، يسمع أخبارهم ويعلم أسرارهم ، وينطلق بها حتى يقرّها في أذن ابن زياد ( مقاتل الطالبيين لأبي الفرج : 65 ) . نقاط مهمّة في نصّ أبي الفرج الأُولى : قتل ابن زياد يساوي السيطرة على القصر ، وتعهّد من شريك لمسلم عليه السلامأنّه سيكفيه البصرة ، وبهذا ينتهي الأمر في العراق . الثانية: التأكيد على مسلم عليه السلام أن لا تفوته الفرصة . الثالثة: استقباح هاني أن يقتل ابن زياد في داره، وفيه تصريح عن منع هاني لمسلم عليه السلام. الرابعة : سأله عمّا يجد وعن وقت شكايته ، وفيه تصريح أنّه لم يمرض حينما كان مع ابن زياد . الخامسة : ابن زياد لا يفطن إلى الخطّة ، وتساءل إن كان الرجل ليهجر . السادسة : أكّد هاني لابن زياد أنّ شريكا يهجر من قبل غيابت الشمس إلى ساعة حضور ابن زياد ، وفيه إشارة إلى وقت زيارة ابن زياد . السابعة : خرج ابن زياد وهو لا يفطن لما يجري حوله . الثامنة : سمع مسلم عليه السلام الحديث من خلال ما حدّثه الناس به عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . التاسعة : ذكر مسلم عليه السلام سببين لامتناعه عن الإقدام على القتل : أحدهما كراهية هاني ، والآخر الحديث . ( 8 )إعلام الورى للطبرسي « ت 548 » .. ونزل شريك بن الأعور دار هاني بن عروة أيضا ، ومرض فأخبر بأنّ عبيد اللّه بن زياد يأتيه يعوده . فقال لمسلم بن عقيل : ادخل هذا البيت ، فإذا دخل هذا اللعين ، وتمكّن جالسا ، فاخرج إليه واضربه ضربة بالسيف تأتي عليه ، وقد حصل المراد واستقام لك البلد ، ولو منّ اللّه عليّ بالصحّة ضمنت لك استقامة أمر البصرة . فلمّا دخل ابن زياد وأمكنه ما وافقه عليه بدا له في ذلك ولم يفعل ، واع-تذر إلى شريك بعد فوات الأمر بأن ذلك كان يك-ون فتكا وقد قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ الإيمان قيد الفتك . فقال : أما - واللّه - لو قد قتلته لقتلت غادرا فاجرا كافرا . ثم مات شريك من تلك العلّة رحمه اللّه . ( إعلام الورى للطبرسي : 1/438 ) . نقاط مهمّة في نصّ الطبرسي الأُولى : يشير النصّ إلى أنّ شريكا أخبر أنّ ابن زياد سيعوده ، ولكن لا يذكر من الذي أخبره بذلك . الثانية : أمر شريك مسلما عليه السلام أن يدخل بيتا - غرفة - معهودا ، ولم ينصّ على أنّه بيت النساء أو غيره . الثالثة : يؤكّد النصّ أنّ مسلما عليه السلام كان قد وافق شريكا على الخطّة إلاّ أنّه بدا له ، وانصرف عن نيته . الرابعة : اعتذر مسلم عليه السلام « بعد فوات الأمر » بالحديث المزعوم . ( 9 )المناقب لابن شهر آشوب « ت 588 » .. وكان شريك بن الأعور الهمداني جاء من البصرة مع عبيد اللّه بن زياد، فمرض ، فنزل في دار هاني بن عروة أياما ، ثم قال لمسلم : إنّ عبيد اللّه يعودني ، وإنّي مطاوله الحديث ، فأخرج إليه بسيفك فاقتله ، وعلامتك أن أقول : اسقوني ماء ، ونهاه هاني عن ذلك . فلمّا دخل عبيد اللّه على شريك ، وسأله عن وجعه ، وطال سؤاله ، ورأى أنّ أحدا لا يخرج ، فخشي أن يفوته فأخذ يقول : ما الانتظار لسلمى أن يحيّيها كأس المنيّة بالتعجيل اسقوها فتوهّم ابن زياد وخرج ( المناقب لابن شهر آشوب : 3/242 ) . نقاط مهمّة في نص ابن شهرآشوب الأُولى : مرض شريك قبل أن ينزل دار هاني . الثانية : لا يذكر النصّ كيف علم شريك أنّه سيعوده ابن زياد . الثالثة : اتفقا على علامة بينهما . الرابعة : نهي هاني عن القتل . الخامسة : توهّم ابن زياد من كلام شريك وخرج دون أن يسأل عن سبب كلامه . ( 10 )الكامل في التاريخابن الأثير « ت 630 » .. ومرض هاني بن عروة ، فأتاه عبيد اللّه يعوده ، فقال له عمارة بن عبد السلولي : إنّما جماعتنا وكيدنا قتل هذا الطاغية ، وقد أمكنك اللّه فاقتله . فقال هاني : ما أحبّ أن يقتل في داري . وجاء ابن زياد فجلس عنده ، ثم خرج . فما مكث إلاّ جمعة حتى مرض شريك بن الأعور ، وكان قد نزل على هاني ، وكان كريما على ابن زياد وعلى غيره من الأمراء ، وكان شديد التشيّع ، قد شهد صفين مع عمار ، فأرسل إليه عبيد اللّه إنّي رائح إليك العشية ، فقال لمسلم : إنّ هذا الفاجر عائدي العشية ، فإذا جلس فأخرج إليه فاقتله ، ثم اقعد في القصر ليس أحد يحول بينك وبينه ، فإن برئت من وجعي سرت إلى البصرة حتى أكفيك أمرها . فلمّا كان من العشي أتاه عبيد اللّه ، فقام مسلم بن عقيل ليدخل ، فقال له شريك : لا يفوتنك إذا جلس . فقال هاني بن عروة : لا أحبّ أن يقتل في داري . فجاء عبيد اللّه ، فجلس وسأل شريكا عن مرضه ، فأطال . فلمّا رأى شريك أنّ مسلما لا يخرج خشي أن يفوته ، فأخذ يقول : « ما تنظرون بسلمى لا تحيّوها » اسقونيها وإن كانت بها نفسي ، فقال ذلك مرّتين أو ثلاثا . فقال عبيد اللّه : ما شأنه ترونه يخلط ؟ فقال له هاني : نعم ، ما زال هذا دأبه قبيل الصبح حتى ساعته هذه ، فانصرف . وقيل : إنّ شريكا لمّا قال اسقونيها وخلط كلامه ، فطن به مهران ، فغمز عبيد اللّه فوثب ، فقال له شريك : أيّها الأمير ، إنّي أريد أن أوصي إليك . فقال : أعود إليك . فقال له مهران : إنّه أراد قتلك . فقال : وكيف مع إكرامي له في بيت هاني ويد أبي عنده ؟! فقال له مهران : هو ما قلت لك . فلمّا قام ابن زياد خرج مسلم بن عقيل ، فقال له شريك : ما منعك من قتله ؟ قال : خصلتان : أمّا إحداهما : فكراهية هاني أن يقتل في منزله . وأمّا الأخرى : فحديث حدّثه علي عن النبي صلى الله عليه و آله : أنّ الإيمان قيد الفتك ، فلا يفتك مؤمن بمؤمن . فقال له هاني : لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا غادرا ! ولبث شريك بعد ذلك ثلاثا ، ثم مات ، فصلّى عليه عبيد اللّه . فلمّا علم عبيد اللّه أنّ شريكا كان حرّض مسلما على قتله ، قال : واللّه ، لا أصلّي على جنازة عراقي أبدا ، ولولا أنّ قبر زياد فيهم لنبشت شريكا . * * * ثم إنّ مولى ابن زياد الذي دسّه بالمال اختلف إلى مسلم بن عوسجة بعد موت شريك ، فأدخله على مسلم بن عقيل ، فأخذ بيعته وقبض ماله ، وجعل يختلف إليهم ويعلم أسرارهم ، وينقلها إلى ابن زياد . وكان هاني قد انقطع عن عبيد اللّه بعذر المرض ، فدعا عبيد اللّه محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة ، وقيل : دعا معهما بعمرو بن الحجاج الزبيدي ، فسألهم عن هاني وانقطاعه . فقالوا : إنّه مريض . فقال : بلغني أنّه يجلس على باب داره ، وقد برأ ! فالقوه فمروه أن لا يدع ما عليه في ذلك . فأتوه ، فقالوا له : إنّ الأمير قد سأل عنك ، وقال : لو أعلم أنّه شاكٍ لعدته ( الكامل في التاريخ لابن الأثير : 4/27 وما بعدها ) ... . نقاط مهمّة في نصّ ابن الأثير الأُولى : المريض هاني ، والمقترح عمارة بن عبد أو عبيد السلولي ، والرافض للقتل هاني . الثانية : كان شريك شديد التشيّع ، ولم يخف تشيّعه إلاّ أنّه كان كريما على الأمراء ، وكذا في الطبري وغيرهما . الثالثة : أخبر ابن زياد بزيارته لشريك ، وبناء على هذا النصّ ، فقد تكرّرت زيارة ابن زياد إلى بيت هاني مرّتين على الأقلّ ، مرّة عند مرض هاني ، وأخرى عند مرض شريك . الرابعة : المقترح في هذه المرّة شريك على مسلم عليه السلام مباشرة . الخامسة : حصلت الزيارة في العشي . السادسة : اعترض هاني وكره أن يقتل في داره ، ولم يعترض مسلم عليه السلام على أيّ منهما لا المقترح ولا المعترض . السابعة : ظنّ ابن زياد أنّ شريكا يهجر ، ولم يفطن إلى أكثر من ذلك . الثامنة : لم يفطن ابن زياد إلى شيء ، وإنّما فطن مولاه مهران ، فغمز ابن زياد يستحثّه على الخروج . التاسعة : حاول شريك أن يؤخّر ابن زياد ، وزعم أنّه يريد أن يوصي إليه في موقف جدّي بعيد عن الهذيان والهجر ، ومع كلّ هذا لم يلتفت ابن زياد حتى بعد أن غمزه مهران إلى أن خرجا وصرّح مهران بما فطن لابن زياد . العاشرة : يأبى ابن زياد أن يصدّق قصّة الاغتيال بناءا على تصوّره بسبب يده ويد أبيه عند شريك وهاني . الحادية عشرة : امتنع مسلم عليه السلام من القيام بالعمل كراهية هاني لذلك من جهة ، وحديث حدّثه علي عليه السلام ، ولم يقل أنّه سمعه من علي عليه السلام ، وفيه إضافة « فلا يفتك مؤمن بمؤمن » ، فالفاتك والمفتوك به هنا مؤمنان ! الثانية عشرة : أكّد شريك لمسلم عليه السلام أنّه أخطأ في التشخيص ، وأنّ ابن زياد ليس كما توهّم مسلم عليه السلام مؤمنا ، وإنّما هو فاجر كافر غادر !! الثالثة عشرة : يفيد النصّ أنّ ابن زياد لم يعلم بقصّة الاغتيال إلاّ بعد أن صلّى على شريك ودفنه ، ولا يذكر كيف وصلت المعلومة بعد ذلك إلى ابن زياد . الرابعة عشرة : كان دخول الجاسوس بعد موت شريك - كما هو المشهور والمنصوص عليه هنا - فإذا كان ابن زياد قد اكتشف قصّة الاغتيال فما فائدة الجاسوس الذي بعثه ، وهو يعلم بوجود مسلم عليه السلامهناك ، ثم لماذا لم يحاسب هاني على قصّة الاغتيال أبدا إذا كان قد علم بها ؟! ( 11 )مثير الأحزان لابن نما الحلي « ت 645 » .. فلمّا أصبح - يعني ابن زياد عليه لعائن اللّه - قام خاطبا وعليهم عاتبا ولرؤسائهم مؤنبا ولأهل الشقاق معاتبا ، ووعدهم بالإحسان على لزوم طاعته ، وبالإساءة على معصيته والخروج عن حوزته . ثم قال : يا أهل الكوفة ! إنّ أميرالمؤمنين !!! يزيد ولاّني بلدكم ، واستعملني على مصركم ، وأمرني بقسمة فيئكم بينكم ، وانصاف مظلومكم من ظالمكم ، وأخذ الحقّ لضعيفكم من قويّكم ، والإحسان إلى السامع المطيع ، والتشديد على المريب ، فأبلغوا هذا الرجل الهاشمي مقالتي ليتّقى غضبى ونزل ، يعنى بالهاشمي مسلم بن عقيل وافترق الناس . ولمّا بلغ مسلم بن عقيل قوله خرج من الموضع الذي كان فيه ونزل دار هاني بن عروة ، واختلف إليه الشيعة ( يوحي أنّ مسلما خاف من تهديد ابن زياد ) . وألحّ عبيد اللّه في طلبه ، ولا يعلم أين هو ، وكان شريك بن الأعور الهمداني قدم من البصرة مع عبيد اللّه بن زياد ، ونزل دار هاني بن عروة ، وكان شريك من محبّي أمير المؤمنين عليه السلاموشيعته ، عظيم المنزلة ، جليل القدر ، فمرض ، وسأل عبيد اللّه عنه ، فأخبر أنّه موعوك ، فأرسل ابن زياد إليه : أنّي رائح إليك في هذه الليلة لعيادتك . فقال شريك لمسلم بن عقيل : يا بن عمّ رسول اللّه ، إنّ ابن زياد يريد عيادتي ، فادخل بعض الخزائن ! فإذا جلس فاخرج واضرب عنقه ، وأنا أكفيك أمر من بالكوفة مع العافية . وكان مسلم - رحمه اللّه - شجاعا مقداما جسورا ! ففعل ما أشار به شريك . فجاء عبيد اللّه وسئل شريكا عن حاله ، وسبب مرضه ، وشريك عينه إلى الخزانة وامقة ، وطال ذلك فجعل يقول : « ما الانتظار بسلمى لا تحييها » يكرّر ذلك ، فأنكر عبيد اللّه القول ، والتفت إلى هاني بن عروة وقال : ابن عمّك يخلط في علّته ! وهاني قد ارتعد وتغيّر وجهه . فقال هاني : إنّ شريكا يهجر منذ وقع في المرض ، ويتكلّم بما لا يعلم . فثار عبيد اللّه خارجا نحو قصر الإمارة مذعورا !! فخرج مسلم والسيف في كفّه ، وقال شريك : يا هذا ! ما منعك من الأمر ؟ قال مسلم : لمّا هممت بالخروج تعلّقت بي امرأة ! قالت : ناشدتك اللّه ، إن قتلت ابن زياد في دارنا ! وبكت في وجهي ، فرميت السيف وجلست . قال هاني : يا ويلها ! قتلتني وقتلت نفسها ، والذي فرّت منه وقعت فيه ( مثير الأحزان لابن نما :20 - 21 ) . نقاط مهمّة في نصّ ابن نما الأُولى : ابن زياد سأل عن شريك ، ثم أخبره أنّه سيعوده . الثانية : إدخال مسلم عليه السلام في الخزانة . الثالثة : تعهّد شريك لمسلم عليه السلام أن يكفيه أمر الكوفة لا البصرة . الرابعة : كان مسلم عليه السلام شجاعا ، فاختفى في الخزانة ! وفعل ما أمره به شريك . قال : « وكان مسلم - رحمه اللّه - شجاعا مقداما جسورا ، ففعل ما أشار به شريك » . الخامسة : ارتعد هاني وتغيّر وجهه بمجرد أن التفت إليه ابن زياد ليسأله عن حال شريك !! السادسة : نسبة الكذب إلى هاني « فقال هاني : إنّ شريكا يهجر منذ وقع في المرض ويتكلّم بما لا يعلم » . السابعة : ثار ابن زياد خارجا مذعورا دون أن يكون قد توجّس أو شكّ في الأمر ، وإنّما لمجرّد أنّ شريكا كان يهجر . الثامنة : تذرّع مسلم عليه السلام باعتراض المرأة ، ولم يذكر كيف دخلت المرأة إلى غرفة شريك ، ثم إلى الخزانة التي كان قد اختفى فيها مسلم !! التاسعة : اكتفى مسلم عليه السلام بالاعتذار عن تركه الاغتيال بالاستجابة لدموع المرأة فقط ومناشدتها إياه . العاشرة : لم يمانع هاني ، وإنّما على العكس لام المرأة ومسلما عليه السلام على ترك ذلك ، وقال أنّها قتلته وقتلت نفسها بهذا الفعل . الحادية عشرة : قول هاني إنّ المرأة قتلت نفسها وقتلته بالمنع من إنجاز المهمّة حمّل فيه مسؤولية دمه مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، إذ إنّ ذلك سيكون عاقبة إحجامه عن القيام بالعمل . ( 12 )سير أعلام النبلاء للذهبي « ت 748 » .. وقدم مع عبيد اللّه ، شريك بن الأعور ، شيعي ، فنزل على هاني بن عروة ، فمرض ، فكان عبيد اللّه يعوده ، فهيؤوا لعبيد اللّه ثلاثين رجلاً ليغتالوه ، فلم يتمّ ذلك . وفهم عبيد اللّه ، فوثب وخرج ، فنمّ عليهم عبد لهاني ، فبعث إلى هاني - وهو شيخ - فقال : ما حملك على أن تجير عدوي ؟ قال : يا ابن أخي ، جاء حقّ هو أحقّ من حقّك . فوثب إليه عبيد اللّه بالعنزة حتى غرز رأسه بالحائط ( سير أعلام النبلاء للذهبي : 3/299 ). نقاط مهمّة في نصّ الذهبي الأُولى : المريض شريك والعبارة ظاهرة في تكرّر الزيارة من ابن زياد « فكان عبيد اللّه يعوده » . الثانية : الوصف قريب ممّا رواه ابن سعد في الطبقات - أو أنّه مأخوذ عنه - من إعداد ثلاثين رجلاً ليغتالوه ولم يتمّ لهم ذلك . الثالثة : لا يعلم من أين فهم ابن زياد فوثب وخرج ، وإذا كان قد فهم فما الذي نمّ به عبد هاني ؟! الرابعة : فهم ابن زياد بمحاولة الاغتيال إلاّ أنّه لم يحاسب هاني على ذلك ، وإنّما حاسبه على إجارة مسلم . « وفهم عبيد اللّه ، فوثب وخرج ، فنمّ عليهم عبد لهاني ، فبعث إلى هاني - وهو شيخ - فقال : ما حملك على أن تجير عدوي ؟ » . ( 13 )البداية والنهاية لابن كثير « ت 774 » .. فلمّا استقرّ أمره أرسل مولى أبي رهم - وقيل : كان مولى له يقال له « معقل » - ومعه ثلاثة آلاف درهم في صورة قاصد من بلاد حمص ، وأنّه إنّما جاء لهذه البيعة ، فذهب ذلك المولى فلم يزل يتلطّف ويستدلّ على الدار التي يبايعون بها مسلم بن عقيل حتى دخلها ، وهي دار هاني بن عروة التي تحوّل إليها من الدار الأولى ، فبايع وأدخلوه على مسلم بن عقيل ، فلزمهم أياما حتى اطلع على جليّة أمرهم ، فدفع المال إلى أبي ثمامة العامري بأمر مسلم بن عقيل - وكان هو الذي يقبض ما يؤتى به من الأموال ويشتري السلاح - وكان من فرسان العرب ، فرجع ذلك المولى وأعلم عبيد اللّه بالدار وصاحبها ، وقد تحوّل مسلم بن عقيل إلى دار هاني بن حميد ! بن عروة المرادي ، ثم إلى دار شريك بن الأعور وكان من الأمراء الأكابر ، وبلغه أنّ عبيد اللّه يريد عيادته ، فبعث إلى هاني يقول له : ابعث مسلم بن عقيل حتى يكون في داري ليقتل عبيد اللّه إذا جاء يعودني . فبعثه إليه ، فقال له شريك : كن أنت في الخباء ، فإذا جلس عبيد اللّه فإنّي أطلب الماء ، وهي إشارتي إليك ، فاخرج فاقتله . فلمّا جاء عبيد اللّه جلس على فراش شريك وعنده هاني بن عروة ، وقام من بين يديه غلام يقال له « مهران » ، فتحدّث عنده ساعة ، ثم قال شريك : اسقوني . فتجبّن مسلم عن قتله . وخرجت جارية بكوز من ماء ، فوجدت مسلما في الخباء ، فاستحيت ورجعت بالماء ثلاثا . ثم قال : اسقوني ، ولو كان فيه ذهاب نفسي ، أتحمونني من الماء ؟ ففهم مهران الغدر ! فغمز مولاه فنهض سريعا وخرج . فقال شريك : أيّها الأمير ، إنّي أريد أن أوصي إليك ، فقال : سأعود ! فخرج به مولاه فأركبه وطرد به - أي ساق به - وجعل يقول له مولاه : إنّ القوم أرادوا قتلك ، فقال : ويحك ، إنّي بهم لرفيق ، فما بالهم ؟ وقال شريك لمسلم : ما منعك أن تخرج فتقتله ؟ قال : حديث بلغني عن رسول اللّه صلى الله عليه و آلهأنّه قال : الإيمان ضدّ الفتك ، لا يفتك مؤمن ، وكرهت أن أقتله في بيتك . فقال : أما لو قتلته لجلست في القصر لم يستعد منه أحد ، وليكفينك أمر البصرة ، ولو قتلته لقتلت ظالما فاجرا ، ومات شريك بعد ثلاث ( البداية والنهاية لابن كثير : 8/164 ) . نقاط مهمّة في نصّ ابن كثير الأُولى : « وقد تحوّل مسلم بن عقيل إلى دار هاني بن حميد بن عروة المرادي ، ثم إلى دار شريك بن الأعور ، وكان من الأمراء الأكابر » . يبدو من عبارته أنّ شريك لم يكن في دار هاني ، وإنّما كان في داره ، وأنّ ابن زياد كان على علم من وجود مسلم عليه السلام في دار هاني ، وهو خلاف كلّ النصوص ، وأنّ مسلما عليه السلامخرج من دار هاني متوجّها إلى دار شريك بأمر من شريك ، وكأنّ مسلما عليه السلامرجل عادي ، وجندي يعمل تحت أمر هاني وشريك . الثانية : اختفاؤه في الخباء في دار شريك . الثالثة : لم تشر القصّة إلى اعتراض معترض ، سواء كان مسلم عليه السلام المعترض أو هاني ، باعتبار أنّ الحدث سيتمّ في دار شريك لا دار هاني . الرابعة : التأكيد على جلوس ابن زياد على فراش شريك . الخامسة : كان هاني زائرا لشريك كما هو ابن زياد . السادسة : نسبة الجبن إلى مسلم عليه السلامقوله «فتجبّن» . السابعة : رجعت الجارية ثلاث مرات لمّا رأت مسلما عليه السلام في الخباء . الثامنة : سمّى المؤلّف عمل مسلم عليه السلامغدرا ، وليس فتكا . التاسعة : ابن زياد لم يفهم ولم يستشعر ، وإنّما مهران مولاه هو الذي التفت إلى ذلك . العاشرة : طلب شريك منه التريّث لكي يوصي إليه ، فقال له : سأعود وخرج ، وهو لا يعلم بقصّة الاغتيال . الحادية عشرة : خرج من الدار فارا يطرد به مولاه ، ويحاول إقناعه بقصّة الاغتيال ، وهو لا يصدّق لمكان رفقه بهم . الثانية عشرة : ذكر السبب قبل قليل أنّه تجبّن ، ولكنّه اعتذر لشريك بسببين : بالخبر المروي بلفظ « ضدّ الفتك » ، وبكراهية قتله في دار شريك ، والحال أنّ شريكا قد بذل كلّ شيء من أجل أن يكون ذلك في بيته . ( 14 ، 15 )العقد الفريد لابن عبد ربّهجواهرالمطالب لابن الدمشقي « ت 871 » .. فولّى (يزيد) عبيد اللّه بن زياد على العراقين ، فقدم الكوفة قبل أن يقدم الحسين. و ( كان ) قد بايع مسلم بن عقيل أكثر من ثلاثين ألفا من أهل الكوفة ، وخرجوا معه يريدون عبيد اللّه بن زياد ، فجعلوا كلّما انتهوا إلى زقاق انسل منه ناس حتى بقي في شرذمة قليلة ، فجعل الناس يرمونه بالآجر من فوق البيوت . فلمّا رأى ( مسلم ) ذلك ، دخل دار هاني بن عروة المرادي ، وكان له شرف ورأي ، فقال له هاني : إنّ لي من ابن زياد مكانا ، وإنّي سوف أتمارض ، فإذا جاء ليعودني ، وقلت : اسقوني ماءا ، فاخرج عليه فاضرب عنقه ، كان يقولها لمسلم بن عقيل . قال : فبلغ ابن زياد أنّ هاني بن عروة مريض يقيء الدم ، وكان شرب المغرة ، - وهو الطين الأحمر على ما قيل - فجعل يقيؤها . فجاء ابن زياد ليعوده ، فلمّا دخل ابن زياد ، جلس ، فقال هاني : اسقوني ماءا ، فتباطؤا عليه ، فقال : ويحكم ! اسقوني ، وإن كان فيه ذهاب نفسي !!! فخرج ابن زياد ، ولم يصنع الآخر شيئا ، وكان من أشجع الناس ، ولكن أخذ بقلبه . فقيل لابن زياد : ما أراد هاني إلاّ قتلك !! فأرسل ابن زياد إلى هاني كي يأتيه ، فقال : إنّي شاكٍ لا أستطيع أن آتيه ، فقال : ائتوني به وإن كان شاكيا . فأسرجت له دابة ، فوثب عليها ومعه عصا ، وكان أعرج يسير قليلاً ( قليلاً ) ، ثم يقف ، ثم يقول : ما أذهب إلى ابن زياد . فلمّا دخل عليه قال له ابن زياد : يا هاني ! أما كانت يد زياد عندك بيضاء ؟ قال : بلى . قال : ويدي ؟ قال : بلى ، ثم قال : قد كانت لك ولأبيك عندي يد ، فأنا أجازيك عنها ، فاخرج فقد آمنتك على نفسك ( العقد الفريد : 4/378 ، جواهر المطالب لابن الدمشقي : 2/265 ) ! نقاط مهمّة في نصّ العقد الفريد وجواهر المطالب الأُولى : الاقتراح من هاني ، وهو ليس مريضا ، وإنّما عملها خطّة ، فتمارض كي يزوره ابن زياد . الثانية : شرب هاني المغرة ليتظاهر بالمرض . الثالثة : خرج ابن زياد بعد أن انتهت زيارته من دون أن يفطن لشيء . الرابعة : كان مسلم من أشجع الناس ، ولكن أخذ بقلبه !!! الخامسة : من الذي أخبر ابن زياد أنّ هانيا يريد قتله ؟ ومتى حصل ذلك ؟ وكيف عرف المخبر ؟ ( 16 )الطريحي في المنتخب « ت 1085 ه » أمّا الطريحي رحمه الله فقد نقل قصّة الاغتيال ، ودخول مسلم عليه السلام على هاني بن عروة بصورة مختلفة ، فقال : فلمّا كان وقت صلاة العصر خرج إلى الجامع ، فأذّن وأقام الصلاة ، وصلّى وحده ، ولم يصلّ معه أحد من أهل الكوفة . فخرج فرأى رجلاً ، فقال له : ماذا فعل أهل مصركم ؟ قال : يا سيّدي ، نقضوا بيعة الحسين عليه السلاموبايعوا يزيد . فصفق بيده وجعل يخترق السكك والمحال هاربا ! حتى بلغ إلى محلّة بني خزيمة ، فرأى بابا شاهقة في الهواء ، وجعل ينظر إليها ، فخرجت جارية ، فقال لها : يا جارية ، لمن هذه الدار ؟ قالت : لهاني بن عروة . فقال لها : ادخلي ، فقولي : إنّ رجلاً من أهل البيت واقف بالباب ، فإن قال : ما اسمه ؟ فقولي : مسلم بن عقيل . فدخلت الجارية ، ثم خرجت إليه ، وقالت له : ادخل . وكان هاني - يومئذٍ - عليلاً ، فنهض ليعتنقه لم يطق ، وجعلا يتحدّثان إلى أن وصلا إلى ذكر عبيد اللّه بن زياد . فقال هاني : يا أخي ، إنّه صديقي وسيبلغه مرضي ، فإذا أقبل إليّ يعودني خذ هذا السيف ، واحذر أن يفوتك ، والعلامة بيني وبينك أن أقلع عمامتي عن رأسي ، فإذا رأيت ذلك فأخرج لقتله . قال مسلم : أفعل إن شاء اللّه . ثم إنّ هاني أرسل إلى ابن زياد يستجفيه ، فبعث إليه معتذرا : إنّي رائح العشية . فلمّا صلّى ابن زياد العشاء يعود هانيا !! فلمّا وصل استأذن للدخول ، قال هاني : يا جارية ، ادفعي هذا السيف إلى مسلم بن عقيل ، فدفعته إليه ، ودخل عبيد اللّه بن زياد ، ومعه حاجبه ، وجعل يحادثه ويسأله عن حاله ، وهو يشكو إليه ألمه ، ويستبطي ملسما في خروجه ، فقلع عمامته عن رأسه وتركها على الأرض ، ثم رفعها ثلاث مرات ، ثم رفع صوته بشعر أنشده ، كلّ ذلك يريد به إشعار مسلم وإعلامه . فلمّا كثرت الحركات والإشارات من هاني أنكر عليه ابن زياد ، فنهض هاربا ، وركب جواده وانصرف . لمّا خرج مسلم من المخدع ، فقال له هاني : يا سبحان اللّه ! ما منعك من قتله ؟ قال : منعني كلام سمعته من أمير المؤمنين عليه السلامأنّه قال : لا إيمان لمن قتل مسلما !! فقال له هاني : واللّه لو قتلته لقتلت فاجرا كافرا ( المنتخب للطريحي : 2/414 ، عن مقتل أبي مخنف المشهور : 26 ) .. . المقارنة بين النصوص إذا تأمّلنا النصوص الواردة في المصادر نرى فيها تناقضا وتهافتا ملفتا للنظر ، بحيث لا تكاد تجد إتفاقا عندهم على نقل حدث من الأحداث ، فهم بين من ينفي موقفا وآخر يثبته . وهذا التناقض والتهافت الواضح الذي لا يعدّ اكتشافا لمن جمع النصوص وعرض بعضها على بعض ، لشدّة وضوح ذلك ، يكفي في التشكيك في أصل القصّة ، أو طرحها ، وسوف نتعرّض لأهمّ النقاط التي اختلفوا فيها : ( 1 ) نزول شريك عند ابن سعد والبلاذري والطبري والطبرسي وابن شهرآشوب : نزل شريك على هاني . وعند ابن قتيبة وابن عبد ربّه وابن الدمشقي : لم يرد لشريك ونزوله عند هاني أيّ ذكر ، وانحصر الأمر بين هاني ومسلم عليه السلاموابن زياد . وعند الدينوري ذهب هاني إلى شريك وأخذه إلى منزله . وعند ابن كثير كان شريك نازلاً في داره في الكوفة . ( 2 ) تشيع شريك اطلق ابن سعد تشيّع شريك ، فقال : « وكان شيعة لعلي » . ولم يرد لشريك ذكر عند ابن قتيبة وابن عبد ربّه وابن الدمشقي . وقال البلاذري عن تشيّعه أنّه : « كان شريك شيعيا شهد الجمل وصفين مع علي» . وقال الدينوري : « كان شريك من كبار الشيعة بالبصرة » . ولم يذكر عنه الطبري في إحدى روايتيه شيئا ، وقال في روايته الأخرى : « وكان شريك شيعيا ، وقد شهد صفين مع عمار » . وجعله صاحب الفتوح شيعيا عاملاً بالتقيّة ، فقال : « وكان من خيار الشيعة غير أ نّه يكتّم ذلك إلاّ عمّن يثق به من إخوانه » . فيما جعله أبو الفرج « شديد التشيّع » ، وجمع ابن الأثير بين هذا الوصف وقوله « شهد صفين مع عمار » . وقال عنه ابن نما : « وكان شريك من محبّي أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته ، عظيم المنزلة جليل القدر » . واكتفى ابن كثير بوصفه أنّه « كان من الأمراء الأكابر » . ( 3 ) علم ابن زياد بوجود مسلم عليه السلام في بيت هاني يصرّح ابن سعد ويلوّح آخرون أنّ ابن زياد كان يزور شريكا ، وهو لا يعلم بوجود مسلم عليه السلامهناك . ويفيد ابن كثير أنّ ابن زياد كان على علم بوجود مسلم عليه السلام في دار شريك من خلال عينه عليهم ، قال : « وأعلم - أي الجاسوس - عبيد اللّه بالدار وصاحبها، وقد تحوّل مسلم بن عقيل إلى دار هاني بن حميد بن عروة المرادي ، ثم إلى دار شريك بن الأعور ، وكان من الأمراء الأكابر ، وبلغه أنّ عبيد اللّه يريد عيادته ... » . ( 4 ) عدد زيارات ابن زياد لدار هاني لوّح ابن سعد بتكرّر الزيارات من خلال قوله : « فكان عبيد اللّه يعوده » . وصرّح البلاذري في الأنساب أنّ ابن زياد زار بيت هاني مرّتين ، مرّة لعيادة هاني ، وأُخرى لعيادة شريك ، وكذا فعل الطبري في إحدى روايتيه ، وابن الأثير في الكامل ، وجعل الفترة بين الزيارتين أسبوعا واحدا . وأفاد الدينوري وغيره أنّها كانت زيارة واحدة فقط . ( 5 ) من هو المريض صرّح ابن سعد والدينوري أنّ شريكا كان مريضا . وصرّح ابن قتيبة أنّ هانئا لم يكن مريضا غير أنّه سوف يتمارض ليجرّ ابن زياد ، فشرب المغرة ، وجعل يقيئها . وكذا قال ابن عبد ربّه وابن الدمشقي . وذكر البلاذري أنّ هانئا مرض أولاً ، ثم مرض شريك ، ومرض هاني في إحدى روايتي الطبري، وفي الأُخرى مرض هاني أولاً، ثم مرض شريك. وصرّح ابن الأثير بمرضهما خلال فترة أسبوع . ولم يصرّح ابن كثير بالمرض ، واقتصر على ذكر العيادة فقط . ( 6 ) متى مرض شريك عند ابن سعد أنّ شريكا نزل عند هاني ، ثم اشتكى . ولم يرد لشريك أيّ ذكر عند ابن قتيبة وابن عبد ربّه وابن الدمشقي . وعند البلاذري أيضا نزل « فمرض عنده » . وكذا عند ابن أعثم . وكذلك صرّح الدينوري أنّه مرض عند هاني ، فقال : « ومرض شريك بن الأعور في منزل هاني » . وكان الطبري قد فصل الموقف في روايتين ، كان شريك مريضا شاكيا في أحدهما قبل أن ينزل على هاني ، فقال : « وقدم شريك بن الأعور شاكيا » . ونصّ في الثانية أنّه مرض بعد أسبوع من مرض هاني ، وكذا فعل ابن الأثير في الكامل . وأمّا ابن كثير فقد أخبر أنّ شريكا أخبر مسلما عليه السلام أنّ ابن زياد سيعوده في داره ، ولم يرد عنده للمرض أيّ ذكر . ( 7 ) هل كان مرضا أو تمارضا أفاد ابن سعد أنّ شريكا شكى ، وكان مريضا . ونصّ ابن قتيبة وابن عبد ربّه وابن الدمشقي أنّ هانئا وعد مسلما عليه السلام أنّه سيتمارض ، فشرب المغرة . وفي أنساب الأشراف مرض هاني وشريك بالفعل . وفي الأخبار الطوال مرض شريك مرضا شديدا . وعند الطبري في إحدى روايتيه دخل شريك وهو مريض على هاني ، وفي الرواية الأخرى مرض هاني ، ثم مرض شريك بعد أسبوع ، وكذا عند ابن الأثير . ولم يذكر ابن كثير أيّ مريض ، لا شريك ولا هاني ، وإنّما ذكر العيادة فقط . وصرّح ابن حجر في الإصابة أنّ شريكا تمارض ، ولم يكن مريضا . ( 8 ) مكان الزيارة نقلت المصادر أنّ الزيارة كانت في دار هاني ، وذكر ابن كثير أنّها كانت في دار شريك في الكوفة . ( 9 ) مُقْتَرِحُ العملية لم يحدّد ابن سعد من هو الذي اقترح عملية الاغتيال ، وإنّما استعمل ضمير الجمع ، فقال : « فهيؤوا » أي اشترك جماعة . وعند ابن قتيبة كان هاني المقترح ، وكان متحمّسا لذلك . أمّا البلاذري فقد نسب الاقتراح في الزيارة الأولى إلى « قيل » من دون تحديد القائل ، وأمّا في الثانية فقد كان المقترح عنده شريك . وكان المقترح عند الدينوري شريك ، وكذا عند ابن أعثم . وعند الطبري كان المقترح في الزيارة الأولى عمارة السلولي ، وفي الزيارة الثانية كان المقترح شريك بصيغة الأمر . وكذا قال ابن الأثير . وأمّا ابن كثير فقد تعامل مع مسلم عليه السلامكجندي من جنود شريك وهاني يقرّرون له ، وهو يفعل ما يأمرون ، قال : « فبعث إلى هاني يقول له : ابعث مسلم بن عقيل حتى يكون في داري ليقتل عبيد اللّه إذا جاء يعودني . فبعثه إليه ، فقال له شريك : كن أنت في الخباء ، فإذا جلس عبيد اللّه فإنّي أطلب الماء وهي إشارتي إليك ، فاخرج فاقتله » . ( 10 ) منفّذ العملية اتّفقت المصادر أنّ الذي طُلب منه أو أُمر بالقيام بالاغتيال إنّما هو مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، فيما انفرد ابن سعد وتبعه الذهبي بإناطة المهمّة بثلاثين رجلاً اختاروهم للقيام بذلك . ( 11 ) مكان اختفاء مسلم عليه السلام أطلق بعضهم مكان اختفاء مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، إلاّ أنّهم أفادوا أنّه اختفى في مكان ما . فيما قال الدينوري : إنّ هانيا استقبل مسلم بن عقيل عليهماالسلام وأدخله دار النساء ، وذلك قبل مجيء شريك ، ثم أدخله استعدادا لتنفيذ العملية إلى « الخزانة » !! وكذا قال الطبرسي إلاّ أنّه جعل مسلما عليه السلامفي سعة أن يختار أي خزينة شاء فقال : « فادخل بعض الخزائن » . وأفاد ابن أعثم أنّه كان في الداخلة « يعني داخل الدار أي في قسم الحريم والنساء » . وكذا أفاد ابن كثير بلفظ « في الخباء » . ( 12 ) مكتشف العملية يظهر من نصّ ابن سعد والذهبي أنّ ابن زياد أنكر تحشحش القوم « أي تحرّكهم » فخرج ، وكأنّه لم يشكّ بقضية الاغتيال أبدا ، ولكنّه دعا عبدا لهاني فسأله فأخبره الخبر . ويبدو من سؤاله أنّه شكّ في وجود أحد عند هاني ، ولم يلتفت إلى الاغتيال ، ولهذا لم يعاتب هانئا في الاغتيال ، وإنّما عاتبه على إجارة مسلم عليه السلام فقط ، كما يظهر من النصّ : « فقال : ما حملك على أن تجير عدوّي وتنطوي عليه ؟ » . أما ابن قتيبة فيفيد أنّ ابن زياد خرج ولم يلتفت إلى شيء ، ولم يذكر أنّه توجّس أو شكّ في الموقف ، أو أنّه استغرب من كلام هاني ، وبعد أن خرج أخبر أنّ في البيت رجلاً متسلّحا ، من دون تصريح بالاغتيال ، وإنّما هو توقّع ، ولا تصريح باسم الرجل الذي شكّ وتوجّس من وجود الرجل المتسلّح «فقيل لابن زياد : واللّه إنّ في البيت رجلاً متسلّحا» . أمّا البلاذري فقد أخرجه دون أن يلتفت الى أيّ شيء ، فقال : « ثم قام عبيد اللّه وخرج » . وعند الطبري في إحدى روايتيه « ففطن مهران » ، وصرّح في روايته الثانية أنّ ابن زياد لم يلتفت إلى شيء ، فقال : « فقال عبيد اللّه ولا يفطن ما شأنه . .» . وقال ابن أعثم : « فوقع في قلب عبيد اللّه بن زياد أمر من الأمور » . وقال الذهبي : « وفهم عبيد اللّه » . وقال ابن كثير : « فهم مهران » . وصرّح أبو الفرج أنّ ابن زياد لم يفطن لشيء . وقال ابن شهرآشوب أنّ ابن زياد توهّم وخرج . ( 13 ) موقف هاني من العملية يلوح من عبارة ابن سعد أنّ هانئا كان شريكا في الخطّة كما يفيد قوله « فهيؤوا لعبيد اللّه ثلاثين رجلاً يقتلونه . . » ، ويفيد ذلك أيضا من موقفه عندما أحضره ابن زياد . أمّا ابن قتيبة فقد صرّح على لسان هاني أنّه كان راغبا في قتل ابن زياد ، ولو كان في ذلك موته ! وصرّح البلاذري وغيره أنّ هانيا كره وقوع الاغتيال في منزله . وصرّح بعضهم أنّ المشروع كان لهاني أساسا ، فهو صاحب الخطّة ، ومهندس العملية . ( 14 ) موقف شريك من إمساك مسلم عليه السلام كانت ردود فعل شريك مختلفة في المصادر ، فالمصادر التي ذكرت شريك في القصّة اتّفقت على أنّه كان متحمّسا وثّابا يحثّ هانيا ومسلما عليه السلام مرّة ، ويأمرهما مرّة ، ويلومهما مرّة ، ويتّهم هانئا بالحصر ، ويهدّد من عواقب مخالفته وفوت الفرصة ، ويتّهم مسلم بن عقيل عليهماالسلام بالجبن والفشل !! « ما الذي منعك منه إلاّ الجبن والفشل ! » ... . ( 15 ) سبب إمساك مسلم عليه السلام عن التنفيذ اختلفت المصادر اختلافا شديدا في بيان سبب إمساك مسلم عليه السلام عن التنفيذ ، فبعضها يذكر أنّه أمسك رعاية لمشاعر هاني باعتباره كان كارها لذلك . وأوعز ابن قتيبة إحجامه إلى كبوة أخذته مع إقراره أنّه كان من أشجع الناس ، فقال : « وكان من أشجع الناس ، ولكنّه أخذته كبوة » . وقال البلاذري أنّه ترك ذلك لمجرّد الامتثال لكراهة هاني ، فقال : « فلم يفعل مسلم لكراهة هاني ذلك » . وقد أدخل الدينوري الإحتجاج بالحديث المنسوب إلى النبي صلى الله عليه و آله ، حيث لم يذكر في المصادر السابقة عليه ، إضافة إلى كراهة هاني . قال في الأخبار الطوال : « قال مسلم : منعني منه خلتان : إحداهما : كراهية هاني لقتله في منزله . والأُخرى : قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ الإيمان قيد الفتك ، لا يفتك مؤمن . وكذا فعل الطبري في إحدى روايتيه . وعصبها ابن أعثم في رأس هاني حيث توسّل إلى مسلم عليه السلام قائلاً : « جعلت فداك ، في داري صبية وإماء ، وأنا لا آمن الحدثان » . وقال الطبرسي : « واعتذر إلى شريك بعد فوات الأمر بأنّ ذلك كان يكون فتكا وقد قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ الإيمان قيد الفتك » . وذكر ابن الأثير كراهية هاني والحديث المزعوم ، وذكر فيه زيادة فقال : « قال : خصلتان : أمّا إحداهما : فكراهية هاني أن يقتل في منزله . وأمّا الأخرى : فحديث حدّثه علي عن النبي صلى الله عليه و آله أنّ الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن بمؤمن . واعتذر في رواية ابن نما بالاستسلام لدموع امرأة دون أن يذكر من هي ؟ وكيف حضرت الموقف ؟ فيقول مسلم عليه السلام : « لما هممت بالخروج تعلّقت بي امرأة ! قالت ناشدتك اللّه إن قتلت ابن زياد في دارنا وبكت في وجهي فرميت السيف وجلست » . وقد تجرأ ابن كثير على سيف الحسين عليهماالسلاموسنان رمحه ، فنسب امتناعه إلى الجبن ! فقال : « فتجبن مسلم عن قتله » ، ثم جعل يتذرّع لتسويغ جبنه بكراهية أن يقتله في بيت هاني ، وبالحديث المزعوم بلفظ « ضدّ الفتك » ، قال على لسان مسلم بن عقيل عليهماالسلام : « قال : حديث بلغني عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : الإيمان ضدّ الفتك ، لا يفتك مؤمن ، وكرهت أن أقتله في بيتك » . وقال ابن عبد ربّه وابن الدمشقي : لم يصنع مسلم عليه السلام شيئا ، « وكان من أشجع الناس ولكن أخذ بقلبه » . وهناك موارد أُخرى كثيرة يمكن الإشارة إليها في النصوص ، من قبيل سماع الحديث المزعوم حيث ينسب إلى مسلم عليه السلام أنّه قد سمعه من عمّه أمير المؤمنين عليه السلام مرّة ، ومن الناس مرّة ، وهكذا في موارد كثيرة تتّضح للمراجع إذا تأمل فيها أدنى تأمل ، ولكنّنا لا نريد الإطالة .. . نقاطاتّفقت عليها النصوص نقصد باتفاق النصوص ما اتفق الأغلب أو الجميع على نقله ، أمّا صراحة أو من حيث المضمون والمؤدّى ، فهم بالرغم من اختلافهم الشديد في نقل القصّة بيد أنّهم يتّفقون على جملة من الإيحاءات والإشارات التي يراد لها أن تتسلل إلى قلب القاريء وفكره ، لتحقيق الغرض المنشود من نسج القصّة ، وإصابة الهدف بدقّة للتعريض بقيام سيّد الشهداء عليه السلامورجاله ، والدفاع عن أعداء آل محمد صلى الله عليه و آله . فهم يتّفقون على نقل بعض الصور المثيرة التي يمررونها من خلال الألفاظ الصريحة أحيانا ، ومن خلال الإيحاءات أحيانا أخرى . من قبيل قبول مسلم بن عقيل عليهماالسلامالإقتراح ، ثم نكوله عن تنفيذه وتراجعه . . . . ومن قبيل تخطئة هاني وشريك - على إختلاف الروايات - لمسلم عليه السلام في تشخيصه لابن زياد ، وأنّه لو كان قتله لكان قد قتل كافرا فاسقا فاجرا ، وكأنّ مسلما عليه السلام لم يعرف ذلك في ابن زياد !! ومن قبيل نسبة الكذب إلى هاني ومن معه في دعوى أنّ شريكا يهجر منذ الصباح ، أو منذ مرض . ومن قبيل نسبة الجبن والتجبّن والفشل والأخذ بالقلب والخوار إلى مسلم عليه السلام . وعدم محاسبة أو معاتبة هاني أو مسلم عليه السلامبقصّة الاغتيال من قبل ابن زياد . علماء ومؤرخونلم يرووا القصّة عوّدنا السلف الصالح ، وكبار العلماء أن يختزلوا لنا مقدّمات بحثهم ، ويلقمونا النتائج جاهزة ، فالشيخ الكليني رحمه الله والشيخ الصدوق رحمه اللهوغيرهم قضوا أعمارهم في البحث والتنقير والتنقيب واستعراض الروايات والأخبار ، وعالجوا تعارضها ، وفاضلوا بين القوي والأقوى منها ، ثم سطّروا ما وصلوا إليه في كتبهم ، فقال المتأخرون عنهم : إنّ هذا مختارهم ومعتقدهم ، كما صرّحوا هم أنفسهم بذلك . وعلى هذا المنوال سلك الشيخ المفيد والسيّد ابن طاووس - رحمهما اللّه - وغيرهما في كتبهم في قصّة الاغتيال ، فهم وإن لم يناقشوا القصّة باسهاب ، ويكشفوا ما فيها من الخلل ، ويعالجوا ما فيها من روائح الوضع والخطل ، بيد أنّهم اقتطع-وا ما لم يعتق-دوه ، وأعرضوا عن تسجيل ما لم يرتضوه ، وطووا كشحا عن قصّة الاغتيال الفجّ بالطريقة التي نسجتها أيدي المؤرخين ، فاسقطوها عن اعتبارهم . وفي اختيار هؤلاء الأفذاذ قناعة ما دامت توافق الحقّ ، ولا تخالف المعصوم . الشيخ المفيد رحمه الله روى الشيخ المفيد في كتابه الإرشاد حركة مسلم بن عقيل عليهماالسلام في الكوفة رواية مفصّلة ، تناول فيها الأحداث كبيرها وصغيرها ، واستطرد في بيانها بشكل متسلسل منذ دخوله الكوفة إلى شهادته عليه السلام ، ولم يرو قصّة الاغتيال ، ولا نزول شريك عند هاني ، ولا مرضهما ، ولا تمارضهما بقصد استدراج ابن زياد ، ولا أيّ شيء من ذلك . قال في الإرشاد : .. وخاف هاني بن عروة عبيد اللّه بن زياد على نفسه ، فانقطع من حضور مجلسه ، وتمارض . فقال ابن زياد لجلسائه : ما لي لا أرى هانئا ؟ فقالوا : هو شاك . فقال : لو علمت بمرضه لعدته . ودعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي - وكانت رويحة بنت عمرو تحت هاني بن عروة ، وهي أم يحيى بن هاني - فقال لهم : ما يمنع هاني بن عروة من إتياننا ( الإرشاد : 2/46 وما بعدها ) .. . ثم روى ما سنرويه بعد قليل عن السيد ابن طاووس . ويعدّ تجنب الشيخ لهذه القصّة بتفاصيلها - مع استحضاره للمصادر وسرده المفصّل لغيرها من الوقائع - توقفا أو رفضا لها وعدم اعتبار . الشيخ الصدوق رحمه الله كذلك لم يشر الشيخ الصدوق فيما رواه من حديث مقتل الحسين عليه السلام عن الصادق عن الباقر عن زين العابدين عليهم السلام في مجلسه الثلاثين من أماليه . السيد ابن طاووس رحمه الله وكذلك لم يرو السيد ابن طاووس قصّة الاغتيال في اللهوف ، فقال بعد أن ذكر دخول ابن زياد الكوفة وخطبته وتهديده : فلمّا سمع مسلم بن عقيل عليهماالسلام بذلك خاف على نفسه من الاشتهار ، فخرج من دار المختار ، وقصد دار هاني بن عروة فآواه . وكثر اختلاف الشيعة إليه ( لنا تحفّظ على سبب خروج مسلم بن عقيل عليهماالسلام إلى بيت هاني ، لأنّه إذا كان خائفا على نفسه من الاشتهار ، فلماذا سمح بكثرة الاختلاف اليه ، والذي نعتقده - على حدّ معرفتنا إلى هذه الساعة - أنّ مسلم بن عقيل عليهماالسلام كان يتحرّك ضمن خطّة دقيقة تناسب مقامه وعظمته ولم تكن مواقفه ومشاهده ردود فعل وانعكاسات لما يصوّرونه من مطاردة ابن زياد له ، وليس هذا محلّ مناقشة هذه القصّة ) . وكان عبيد اللّه قد وضع المراصد عليه ، فلمّا علم أنّه في دار هاني دعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج وقال : ما يمنع هاني بن عروة من إتياننا ؟! فقالوا : ما ندري ، وقد قيل : إنّه يشتكي . فقال : قد بلغني ذلك ، وبلغني أنّه قد برئ ، وأنّه يجلس على باب داره ، ولو أعلم أنّه شاكٍ لعدته !! فالقوه ومروه أن لا يدع ما يجب عليه من حقّنا ، فإنّي لا أحبّ أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب . فأتوه ووقفوا عليه عشية على بابه ، فقالوا : ما يمنعك من لقاء الأمير ؟! فإنّه قد ذكرك ، وقال : لو أعلم أنّه شاكٍ لعدته !! فقال لهم : الشكوى تمنعني . فقالوا له : قد بلغه أنّك تجلس كلّ عشية على باب دارك ، وقد استبطأك ، والإبطاء والجفاء لا يتحمّله السلطان من مثلك ، لأنّك سيّد في قومك ، ونحن نقسم عليك إلاّ ما ركبت معنا . فدعا بثيابه فلبسها ، ثم دعا ببغلته فركبها ، حتى إذا دنا من القصر كأنّ نفسه أحسّت ببعض الذي كان ، فقال لحسان بن أسماء بن خارجة : يا ابن أخي ! إنّي - واللّه - لهذا الرجل [ الأمير ]لخائف ، فما ترى ؟ قال : واللّه ، يا عمّ ، ما أتخوّف عليك شيئا ، ولا تجعل على نفسك سبيلاً . ولم يكن حسان يعلم في أيّ شيء بعث إليه عبيد اللّه . فجاء هاني والقوم معه حتى دخلوا جميعا على عبيد اللّه ( اللهوف : 45 وما بعدها ) ... . ابن حبّان سرد ابن حبّان في الثقات ما جرى على مسلم بن عقيل عليهماالسلام في الكوفة بعد دخول ابن زياد من دون الإشارة إلى قصّة الاغتيال بتاتا ، فقال : فدخل عبيد اللّه بن زياد الكوفة حتى نزل القصر ، واجتمع إليه أصحابه ، وأخبر عبيد اللّه بن زياد أنّ مسلم بن عقيل في دار هاني بن عروة ، فدعا هانئا وسأله ، فأقرّ به ، فهشّم عبيد اللّه وجه هاني بقضيب كان في يده حتى تركه وبه رمق ( الثقات لابن حبّان : 2/ 307 ) ... . المزي قال المزي في تهذيب الكمال : .. وتحوّل مسلم حين قدم عبيد اللّه من الدار التي كان فيها إلى دار هاني بن عروة المرادي ، وكتب مسلم بن عقيل إلى الحسين عليه السلاميخبره ببيعة إثني عشر ألفا من أهل الكوفة ، ويأمره بالقدوم !!! قال : وقال عبيد اللّه لوجوه أهل الكوفة : ما بال هاني بن عروة لم يأتني فيمن أتى ؟ قال : فخرج إليه محمد بن الأشعث في أناس منهم ، فأتوه ، وهو على باب داره ، فقالوا له : إنّ الأمير قد ذكرك واستبطأك ، فانطلق إليه . فلم يزالوا به حتى ركب معهم ، فدخل على عبيد اللّه بن زياد ، وعنده شريح القاضي ، فلمّا نظر إليه ، قال لشريح : « أتتك بحائن رجلاه ( تهذيب الكمال للمزي : 6/ 424 - 425 ) . ابن حجر قال ابن حجر في تهذيب التهذيب : .. وكتب مسلم بن عقيل إلى الحسين عليه السلاميخبره بيعة إثني عشر ألفا من أهل الكوفة ويأمره بالقدوم !!! قال: وقال عبيد اللّه لوجوه أهل الكوفة: ما بال هاني بن عروة لم يأتني فيمن أتى ؟ قال : فخرج إليه محمد بن الأشعث في أناس منهم فاتوه ، وهو على باب داره ، فقالوا له : إنّ الأمير قد ذكرك واستبطأك ، فانطلق إليه . فلم يزالوا به حتى ركب معهم ، فدخل على عبيد اللّه ابن زياد ، وعنده شريح القاضي ، فلمّا نظر إليه قال لشريح : « أتتك بخائن رجلاه ( تهذيب التهذيب لابن حجر : 2/302 - 303 ) » . الطبري لم يرو الطبري قصّة الاغتيال في روايته عن عمار الدهني عن أبي جعفر الباقر عليه السلامالذي قال فيها عمار لأبي جعفر عليه السلام : حدّثني بمقتل الحسين عليه السلام حتى كأنّي حضرته ، فحدّثه الإمام بمجريات دخول ابن زياد الكوفة وانتقال مسلم عليه السلامإلى دار هاني ، واعتقال هاني ، ولم يشر إلى قصّة الاغتيال . والحال أنّ الدهني طلب من الإمام أن يحدّثه حديث كربلاء كأنّه قد حضر ، فهو قد تطلّع إلى سماع التفاصيل ، وقصّة الاغتيال هذه تعدّ من الأحداث المهمّة والخطوات الضخمة ، وليست من الجزئيات العادية غير المهمّة ، بل هي من أهمّ المحطّات في أحداث الكوفة يومئذٍ . قال الطبري في تاريخه : قال حدّثنا عمّار الدهني قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام حدّثني بمقتل الحسين عليه السلام حتى كأنّي حضرته ( تاريخ الطبري : 4/ 257 ) ... . إلى أن قال : .. فتحوّل مسلم حين قدم عبيد اللّه بن زياد من الدار التي كان فيها إلى منزل هاني بن عروة المرادي ، وكتب مسلم بن عقيل إلى الحسين بن علي - عليه السلام - يخبره ببيعته إثنى عشر ألفا من أهل الكوفة ، ويأمره !! بالقدوم . وقال عبيد اللّه لوجوه أهل الكوفة : ما لي أرى هاني بن عروة لم يأتني فيمن أتاني . قال : فخرج إليه محمد بن الأشعث في ناس من قومه ، وهو على باب داره . فقالوا : إنّ الأمير قد ذكرك واستبطأك ، فانطلق إليه ، فلم يزالوا به حتى ركب وسار حتى دخل على عبيد اللّه ( تاريخ الطبري : 4/ 258 - 259 لا يخفى أن خبر الطبري عن الإمام الباقر عليه السلام عامّي ، ليس في سنده من أصحابنا أحد ، إلاّ عمار الدهني ، وقد اختلفوا فيه ، وأكد علماء الفنّ - كالسيد الخوئي رحمه الله في معجم رجال الحديث - أنّه من العامّة ، وإن كان ولده من أساطين أصحاب الأئمة عليهم السلام . . والخبر يتضمّن تفاصيل لا تنسجم مع ضروريات الإمامية وتعارض مشهور التاريخ ومسلماته ) .. . الإيمان قيد الفتك ورد الاستناد إلى الخبر المنسوب للنبي صلى الله عليه و آله« الإيمان قيد الفتك » في قصّة الاغتيال متأخّرا عن بعض المصادر التي ذكرناها ، حيث لم يرد له ذكر في كتب من تقدّم على الدينوري ، ولكنّه قد اشتهر في المصادر المتأخرة عنه ، وتأكّد في كتب المتأخرين فأشبعوه بحثا وتعليقا وأسّسوا عليه دراسات في تحليل شخصية مسلم بن عقيل عليهماالسلاموالتزاماته وأخلاقياته ، وما شابه ذلك . وسوف نتعرّض لمناقشة الخبر في عدّة مراحل : المرحلة الأُولى :سند الخبر روى المجلسي في بحار الأنوار : عن كتاب سليم بن قيس عن أبان قال : قال أبو جعفر الباقر عليه السلام : لم نزل أهل البيت منذ قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله نذلّ ، ونقصى ، ونحرم ، ونقتل ، ونطرد ، ووجد الكذّابون لكذبهم موضعا يتقرّبون إلى أوليائهم وقضاتهم وعمالهم في كلّ بلدة ، يحدّثون عدوّنا وولاتهم الماضين بالأحاديث الكاذبة الباطلة ، ويحدّثون ويروون عنّا ما لم نقل تهجينا منهم لنا ، وكذبا منهم علينا ، وتقرّبا إلى ولاتهم وقضاتهم بالزور والكذب ، وكان عظم ذلك وكثرته في زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام ( بحار الأنوار : 2/218 باب 28 ) .. . وروى الصدوق في الخصال مسندا عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال : سمعت جعفر بن محمد عليهماالسلام يقول : ثلاثة كانوا يكذبون على رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أبو هريرة ، وأنس بن مالك ، وامرأة ( الخصال : 1/ 190 ح 263 ) .. . * * * بعد أن سمعنا هذه المقدّمة الموجزة لا نحتاج إلى مناقشة مفصّلة في أسانيد هذا الخبر ، لأنّه خبر عامّي لم نجده مرويا عن أهل البيت عليهم السلامبهذا اللّفظ ، ولم نجده في طرقهم ، وهذا المقدار كافٍ عندنا في ترك التعامل معه ، والتحرّز عن الاعتماد عليه ، والاستغناء عن معالجته . فقد ورد الخبر في مصادر كثيرة نذكر بعضها : مسند الشهاب لابن سلامة : 2/51 عن معاوية . كنز العمال للهندي : 1/93 رقم 405 . التاريخ الكبير للبخاري : 1/403 . تاريخ بغداد : 10/ 386 . تاريخ دمشق لابن عساكر : 12/229 . تذكرة الحفاظ للذهبي : 3/1020 . سير أعلام النبلاء للذهبي : 17/28 . المستدرك للحاكم : 4/352 - 353 . مجمع الزوائد للهيثمي : 1/96 . المعجم الكبير للطبراني : 19/ 319 . ذكر أخبار إصبهان للأصبهاني: 1/189 . المصنف لعبد الرزاق الصنعاني :5/299 عن قتادة . سنن أبي داود : 1/631 . المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 8/643 . * * * وهذه الكتب تروي الخبر في الأغلب عن أبي هريرة بلفظ : عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و آله قال : الإيمان قيد الفتك ، لا يفتك مؤمن . وترويه عن معاوية بلفظ : عن مروان بن الحكم قال : دخلت مع معاوية على أم المؤمنين عائشة ، فقالت : يا معاوية قتلت حجرا وأصحابه ، وفعلت الذي فعلت ، ما تخشى أن أخبأ لك رجلاً فيقتلك ؟! قال : لا ، إنّي في بيت أمان ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن . ومن الواضح : أنّ معاوية هو شيخ الوضاعين ورئيسهم وسيّدهم وأستاذهم ومعلّمهم ، ومن مؤسّسي قواعد هذا الفن . وقد أطلق هذا الخبر في جوّ من التهديد الذي استهدف حياته ، على حسب زعمه ، فلو أنّ معاوية لم يضع الحديث في مقام الدفاع عن حياته ، فمتى - إذن - سيفعل ذلك ؟! أمّا أبو هريرة ، فيكفينا فيه كلام المعصوم عليه السلامالذي مرّ ذكره عن الخصال . وقتادة معروف ساقط . وما رواه الزبير في قصّة عرض اغتيال أمير المؤمنين عليه السلام عليه ، فهو عامّي وراويه الزبير ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد : رواه أحمد ، وفيه مبارك بن فضالة مدلّس . أجل ، ورد في طرق أهل البيت عليهم السلام لفظ « إنّ الإسلام قد قيد الفتك » ، وهو بقوّة ما تظافر المسلمون على نقله : أنّ من شهد الشهادتين حقن ماله ودمه وعرضه ، ولا يمكن لمجتمع أن يعيش الأمان والاستقرار إذا كان أفراده معرّضين في كلّ لحظة إلى الإعتداء ، ولكي تأمن السبل ويطمئن الناس وتقوم أسواقهم وتتشيد علاقاتهم وحياتهم، لابد من تحصين الشوارع والسبل والطرقات ، وحماية الأفراد والجماعات. والحديث باللّفظ المروي عن أهل البيت عليهم السلاميشمل كلّ من أظهر الشهادتين وشمله عنوان الإسلام ، وليس فيه لفظ « لا يفتك مؤمن أو مسلم » . على أنّ الحديث الوارد عن أهل البيت عليهم السلامتظلّله أجواء التقيّة بشكل واضح . المرحلة الثانية :معنى الخبر هل يخفى على مثل مسلم بن عقيل عليهماالسلامالهاشمي معنى الفتك ، وهو الذي كان آباؤه وأعمامه أرباب الفصاحة والبلاغة ومعادن اللغة العربية ؟! معنى الفتك في مجمع البحرين : فتك به فتكا : انتهز منه فرصة فقتله أو جرحه مجاهرة . . وفي لسان العرب : وفَتَك بالرجل فَتْكا وفُتْكا وفِتْكا : انتهز منه غِرَّة فقتله أَو جرحه ، وقيل : هو القتل أَو الجرح مُجاهَرة . . . وقال الفراء : الفَتْكُ والفُتْكُ الرجل يَفْتِك بالرجل يقتله مجاهرة . الفَاتِكُ : الجَريء الصَّدْرِ ، والجمع الفُتَّاك ، ورجل فاتِكٌ : جريء . والغيلة : أَن يَخْدَع الرجلَ حتى يخرج به إلى موضع يَخْفى فيه أَمرُه ثم يقتله . إذا لاحظنا معنى الفتك والغيلة في كتب اللغة نجدها لا تنطبق على ما نحن فيه ، فلا يعدّ ما نسب إلى ساحة مولانا مسلم بن عقيل عليهماالسلام فتكا ولا غيلة . أمّا الفتك فهو انتهاز الغرّة والقتل أو الجرح مجاهرة ، أي أن يتمّ ذلك أمام الملأ أو في مكان عام فيكون المفتوك به غافلاً لا يتوقّع الهجوم عليه ألبته ، وهو في أمان واطمئنان ، فيباغته الفاتك ويفاجئه ويهجم عليه ، على رؤوس الأشهاد . وممّا يؤكد اشتراط المجاهرة في الفتك ، ما روي في رجال الكشي : قال سعد ، وحدّثني محمد بن عيسى بن عبيد ، قال : حدّثني إسحاق الأنباري ، قال : قال لي أبو جعفر الثاني عليه السلام : ما فعل أبو السمهري - لعنه اللّه - يكذب علينا ، ويزعم أنّه وابن أبي الزرقاء دعاه إلينا ، أشهدكم أنّي أتبرأ إلى اللّه - عزّ وجلّ - منهما ، إنّهما فتّانان ملعونان . يا إسحاق ، أرحني منهما يرح اللّه - عزّ وجلّ - بعيشك في الجنّة . فقلت له : جعلت فداك ، يحلّ لي قتلهما ؟ فقال : إنّهما فتّانان يفتنان الناس ، ويعملان في خيط رقبتي ورقبة موالي ، فدماؤهما هدر للمسلمين ، وإياك والفتك ! فإنّ الإسلام قد قيد الفتك ، وأشفق إن قتلته ظاهرا أن تسأل لم قتلته ، ولا تجد السبيل إلى تثبيت حجّة ، ولا يمكنك أدلاء الحجّة فتدفع ذلك عن نفسك ، فيسفك دم مؤمن من أوليائنا بدم كافر ، عليكم بالاغتيال . قال محمد بن عيسى : فما زال إسحاق يطلب ذلك أن يجد السبيل إلى أن يغتالهما بقتل ، وكانا قد حذراه لعنهما اللّه . فمعنى الفتك في هذه الرواية هو القتل مجاهرة وعلانية وظاهرا ، ولذلك قال له الإمام : « أخشى عليك من أن تفتك به . . . وأشفق إن قتلته ظاهرا » ، ثم قال : « عليكم بالاغتيال » ( رجال الكشي 529 رقم 1013 ) . وقد فرّق الإمام بين الفتك والاغتيال ، وممّا لا شكّ فيه أنّ ما نسب إلى مسلم بن عقيل عليهماالسلام لا يصدق عليه الفتك بهذا المعنى . * * * وروى الكليني في الكافي : عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ قَالَ : قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : إِنَّ لَنَا جَارا مِنْ هَمْدَانَ يُقَالُ لَهُ « الْجَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ » وهُوَ يَجْلِسُ إِلَيْنَا ، فَنَذْكُرُ عَلِيّا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ عليه السلاموفَضْلَهُ ، فَيَقَعُ فِيهِ أَفَتَأْذَنُ لِي فِيهِ ؟ فَقَالَ لِي : يَا أَبَا الصَّبَّاحِ ، أَفَكُنْتَ فَاعِلاً ؟ فَقُلْتُ : إِي - وَاللَّهِ - لَئِنْ أَذِنْتَ لِي فِيهِ لأَرْصُدَنَّهُ ، فَإِذَا صَارَ فِيهَا اقْتَحَمْتُ عَلَيْهِ بِسَيْفِي ، فَخَبَطْتُهُ حَتَّى أَقْتُلَهُ . قَالَ : فَقَالَ : يَا أَبَا الصَّبَّاحِ هَذَا الْفَتْكُ ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَنِ الْفَتْكِ ، يَا أَبَا الصَّبَّاحِ ، إِنَّ الإِسْلامَ قَيَّدَ الْفَتْكَ ، وَلَكِنْ دَعْهُ فَسَتُكْفَى بِغَيْرِكَ . قَالَ أَبُو الصَّبَّاحِ : فَلَمَّا رَجَعْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْكُوفَةِ لَمْ أَلْبَثْ بِهَا إِلاّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْما ، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَصَلَّيْتُ الْفَجْرَ ، ثُمَّ عَقَّبْتُ فَإِذَا رَجُلٌ يُحَرِّكُنِي بِرِجْلِهِ ، فَقَالَ : يَا أَبَا الصَّبَّاحِ الْبُشْرَى . فَقُلْتُ : بَشَّرَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ ، فَمَا ذَاكَ ؟! فَقَالَ إِنَّ الْجَعْدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بَاتَ الْبَارِحَةَ فِي دَارِهِ الَّتِي فِي الْجَبَّانَةِ ، فَأَيْقَظُوهُ لِلصَّلاةِ ، فَإِذَا هُوَ مِثْلُ الزِّقِّ الْمَنْفُوخِ مَيِّتا ! فَذَهَبُوا يَحْمِلُونَهُ ، فَإِذَا لَحْمُهُ يَسْقُطُ عَنْ عَظْمِهِ ، فَجَمَعُوهُ فِي نَطْعٍ ، فَإِذَا تَحْتَهُ أَسْوَدُ فَدَفَنُوهُ ( الكافي : 7/375 باب النوادر ح16 ) . * * * وروى المجلسي في بحار الأنوار ، وهو يروي أحداث إرسال عمر بن سعد إلى سيّد الشهداء عليه السلاميسأله عن سبب قدومه إلى كربلاء . . إلى أن قال : . . فقام إليه كثير بن عبد اللّه الشعبي ، وكان فارسا شجاعا لا يردّ وجهه شيء ، فقال له : أنا أذهب إليه ، وواللّه لئن شئت لأفتكنّ به . فقال له عمر بن سعد : ما أريد أن تفتك به ، ولكن ائته فسله ما الذي جاء به . فأقبل كثير إليه ، فلمّا رآه أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين عليه السلام : أصلحك اللّه يا أبا عبد اللّه ، قد جاءك شرّ أهل الأرض وأجرؤه على دم وأفتكهم ، وقام إليه ، فقال له : ضع سيفك . قال : لا - واللّه - ولا كرامة ، إنّما أنا رسول ، إن سمعتم كلامي بلغتكم ما أرسلت إليكم ، وإن أبيتم انصرفت عنكم . قال : فإنّي آخذ بقائم سيفك ، ثم تكلّم بحاجتك . قال : لا - واللّه - لا تمسّه . فقال له : أخبرني بما جئت به ، وأنا أبلغه عنك ، ولا أدعك تدنو منه ، فإنّك فاجر ، فاستبّا ، وانصرف إلى عمر بن سعد ، فأخبره الخبر ( بحار الأنوار 4/3844 ) . . . وهذا أيضا يؤكّد أنّ المراد بالفتك الهجوم أمام الملأ ، وعلى أعين الناس ، لأنّ أبا ثمامة خشي أن يتجرّأ هذا اللعين على سيّد الشهداء عليه السلام فيهاجمه على مرأى ومسمع من أنصاره وأهل بيته عليهم السلام . . . * * * وروى أحمد وابن الجعد في مسنديهما واللفظ لمسند ابن الجعد : أنّ رجلاً أتى الزبير ، وهو بالبصرة ، فقال : ألا أقتل عليا ؟ قال : كيف تقتله ومعه الجنود ؟! قال: ألحق به، فأكون معه ثم أفتك به ... ( مسند أحمد: 1/166 ومواضع أُخرى كثيرة، مسند ابن الجعد :463 ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد : 1/96 : وفيه مبارك بن فضالة .. مدلس ) . معاني أُخرى للفتك ربما ذكرت معاني أخرى للفتك غير ما استخلصناه من كتب اللغة والحديث . قال في كتاب العين : الفتك : أن تهمّ بالشيء فتركبه ، وإن كان قتلاً ، والفاتك : الذي يرتكب ما تدعوه إليه نفسه من الجنايات ( العين : 5/340 ) . وقال في معجم مقاييس اللغة : الفتك هو الغدر ( معجم مقاييس اللغة : 4/471 ) . نحسب أن ليس من الأدب أن نناقش هذين المعنين ، ونحن بين يدي سيّدنا ومولانا مسلم بن عقيل عليهماالسلام وكبار أصحاب أمير المؤمنين من قبيل هانى ء وشريك ، لأنّ مناقشة هذه المعاني تعني أنّنا قبلنا أنّهم فكّروا بالغدر والجنايات وإرتكاب الخرق وإن كان قتلاً ، نستغفر اللّه من ذلك ونعوذ باللّه أن نكون من الجاهلين ، فنرتكب الخرق بنسبة هذه المعاني إلى الأنوار المقدّسة اللامعة في سيوف الحسين عليه السلام . ومع كلّ هذا التحفّظ سوف تقرأ فيما يأتي من البحث مناقشات تنفي هذه المعاني ، إن شاء اللّه . الخلاصة في معنى الفتك : تبيّن لنا أنّ الفتك في اللغة هو انتهاز الغرّة ، والقتل أو الجرح مجاهرة . فلو لم يفهم أخذ المجاهرة في الفتك من كتب اللغة ، فإنّنا استفدنا ذلك ممّا ورد في الأحاديث الشريفة ، فيكون الفتك إصطلاحا لوحظ فيه المجاهرة وإن لم يصرّح اللغويون بذلك ، على أن اللغوي يتتبع موارد استعمال اللفظ ويحرره ، ليس إلاّ . مناقشة الخبر لغويا الفتك بهذا المعنى الذي استفدناه لا يصحّ تصويره في الموقف الذي نحن بصدد معالجته ، وذلك لأُمور : الأمر الأوّل : لا مجال لتصوّر المجاهرة ، والعملية كلّها مخطّط لها في دار هاني ، بل في بيت من بيوت داره ، فأيّ مجاهرة وراء غياهب الجدران . قد يقال : قد يقال : إنّ الفتك وإن كان بمعنى المجاهرة ، فإنّه يصدق في المقام ، لأنّ ابن زياد لم يكن وحيدا ، وهذا يعني أنّ العملية ستتمّ في محضر جماعة ، فتتحقّق المجاهرة التي افترضت في معنى الفتك ؟ الجواب : أوّلاً : لو لاحظنا الأخبار الواردة في سرد القصّة نجد أنّها تفيد بوضوح أنّ الخدم والحشم وغيرهم من جلاوزة ابن زياد لم يدخلوا البيت الذي كان فيه شريك أو هاني - على اختلاف الأخبار - ، وأنّ شريكا كان يؤكد على الاستفراد بابن زياد والتمكّن منه واقتناص رأسه بالسيف دون الإشارة إلى مواجهة من معه ، وكأنّ الحرس والجلاوزة وسائر فعاليات الموكب الرسمي منتشرون خارج البيت أو الدار التي خطّطوا للعملية أن تنفذ فيها . وغاية ما تصرّح به بعض المصادر أنّ مولى ابن زياد كان برفقته ولم يفارقه حتى في البيت الذي خلى به بصاحب الدار وضيفه ، والمجاهرة لا تتحقّق بالفرد الواحد ، إن لم نقل أنّ المولى بنفسه كان هدفا مطلوبا لمخطّطي العملية ومنفذيها . ثانيا : من الواضح لمن قرأ النصوص التاريخية أنّ المخطّط كان يقوم على السرّية ، والتنفذ في الخفاء بعيدا عن أعين الناس والنظارة ، ولو أرادوا الفتك به بين ظهراني الناس ، لنصبوا له كمينا في السكك والأزقة وخبطوه بسيوفهم ورشقوه بنبالهم واستهدفوه بحرابهم ورماحهم ، قبل أن يصل الى بيت هاني ، ولكان ذلك أبعد عن الشبهة ، وفيه متّسع للتنصّل عن العملية برمّتها في حال فشلها ، وإلقاء المسؤولية على مجاهيل وإنكار تبنّيها . وكان مسلم بن عقيل عليهماالسلام جديرا بقتال القوم مهما تكاثرت أعدادهم، بل كانت العملية تنفذ بعُدة وأعداد كثيرة تتوزّع فيها المسؤولية على القبائل والرجال ، ولا ضرورة - حينئذٍ - لمباشرة القائد الأعظم يومها « مسلم بن عقيل عليهماالسلام - بنفسه في العملية . ثالثا : لو سلّمنا حصول معنى الفتك ، بل سقوط المناقشة في الحديث المزعوم من رأس ، فإنّ ذلك لا ينهض بالقصّة في مقام الإثبات التاريخي ، وذلك أنّ المناقشة في الحديث المزعوم حلقة واحدة من مسلسل المناقشات التي ستقرأها إن شاء اللّه . وتبقى المناقشات الأخرى في نفس الحديث ، وفي أصل القصّة كافية لما أردنا إثباته ، فلو قبلنا الحديث على ما فيه ، فهل يكون ذلك جوابا يفسّر لنا تأخّر الاستناد اليه إلى ما بعد فشل العملية ، وأنّ مسلما - صلوات اللّه عليه - قبل الفكرة إبتداءا ، ولم يحتجّ بالحديث أوّلاً ، ثم استند إليه بعد أن خرج ابن زياد ؟ وهكذا الأمر في باقي المناقشات التي ستأتي إن شاء اللّه . ولو لم يكن في القصّة من محذور سوى نسبة الخيانة والغدر وغيرها من اللوازم - التي ستقرؤها تحت عنوان « لوازم قبول القصّة » - لساحات الطهر والقداسة من رجال سيّد الشهداء عليه السلام لكان كافيا في حثّنا على التريث والتوقّف وسلوك سبيل الإحتياط في ما ينسب إلى الأبرار الأخيار . الأمر الثاني : كيف نتصوّر المجاهرة ، ومسلم بن عقيل عليهماالسلامفي الخزانة أو بيت النساء ؟! وهل يكون - بناءا على نقل المؤرخ ، وحاشا سيّدنا شبيه النبي صلى الله عليه و آله مسلم بن عقيل - من يختفي في الخزانة وعند النساء فاتكا جريئا ؟! كما قال أهل اللغة في تعريف الفاتك . الأمر الثالث : لا نشكّ في أنّ ابن زياد كان قد خرج مع جماعة من حرّاسه ومواليه ، وفي بعض النصوص إشارة إلى وجودهم معه ، وهذا هو ديدن الطواغيت والجبابرة ، فهم لا يخرجون لوحدهم خوفا وجبنا وغطرسة واستكبارا في الأرض وعلوّا وعتوّا واستخفافا للناس . كيف ، وهذا الطاغي يريد أن يتحرّك في أجواء مشحونة بالعداء ، وبي-ن أن-اس يتربّصون به الدوائر ، وهو يعلم أنّ الناس له بالمرصاد ، وأنّه يتحرّك في مدينة تنطوي على الأعداء المجاهرين بالعداوة له ، والولاء لأعدائه ، وهو بالذات مقصود ومطلوب لمسلم بن عقيل عليهماالسلاموأنصاره ، بل لعموم الكوفيين ! فهو إذن لا يتحرّك في أمان واطمئنان ، بل يتحرّك في توجّس وترقّب ، ويحسب أن الأرض والسماء له بالمرصاد ، ومثل هذا لا يقال عنه : أنّه أخذ غرّة ، ولا يقال : أنّه فتك به ، إذ أنّه سوف لا يتحرّك إلاّ وهو في أتمّ الإستعداد واتخاذ الحيطة والحذر ، وتوفير الحماية وأسباب تأمين السلامة . الأمر الرابع : كما أنّه لا يعدّ غيلة ، لأنّ الغيلة كما مرّ معناها « أَن يَخْدَع الرجلَ حتى يخرج به إلى موضع يَخْفى فيه أَمرُه ثم يقتله » ، وابن زياد لم يكن في موضع يخفى أمره ، وهو يزعم أنّه والي الكوفة ، وقد دخل إلى بيت هاني في موكب رسمي مع الخدم والحراس . هل قيّد الإيمان الفاتك أو المفتوك ؟ لم يرد في كلام أهل البيت عليهم السلام الذي ظفرنا به في رجال الكشي والكافي زيادة « لا يفتك مؤمن أو مسلم » ، وإنّما وردت هذه الزيادة في ما روي عند العامّة . ويبدو من القرائن أنّ كلّ من وظّف هذا الخبر قرأ « لا يفتك مؤمن » بالمجهول ، أي لا يُفتك بالمؤمن ، وقد صرّح بهذا ابن الأثير فرواه بلفظ « فلا يفتك مؤمن بمؤمن » ، وكذا فسّره ابن منظور في لسان العرب . ويؤكّد ما ذكرناه جواب شريك ، وفي بعض النصوص جواب هاني ، وردّهما على مسلم عليه السلامحينما ذكر الخبر تعليلاً لإمتناعه ، فردّا عليه : أنّك لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا . . . فكأنّهما يريدان تخطئة مسلم بن عقيل عليهماالسلامفي تطبيقه الخبر على ابن زياد . ولو كانت القراءة بالمعلوم لما اعتراضا عليه هذا الإعتراض ، لأنّهما لا يشكّان في إيمان مسلم بن عقيل عليهماالسلام . ولم يعترض مسلم بن عقيل عليهماالسلام على فهم شريك ، ولم يفسّر موقفه بأنّه إنّما امتنع لأنّه هو مؤمن لا لاعتقاده بإيمان ابن زياد . ومع ثبوت هذا الفرض في قراءة المبني للمجهول ، كما تدلّ عليه القرائن في نصّ الخبر نفسه في مصادره ، واستعمال معاوية له ، فإنّ كذب القضية يكون أوضح من أن يناقش ويرد ، لأنّ الرائحة الأموية فيه تزكم الأنوف ، وترمد العيون ، وهو ما يحاوله ويصاول من أجله الأمويون في إثبات أنّهم مؤمنون ، وأن آل البيت عليهم السلام خوارج !! والعياذ باللّه . * * * ومن هنا نعرف ما في هذا الخبر من إيحاءات تتناغم مع مرادات الأمويين ، ونذكر لذلك هنا مثالين فقط : المثال الأوّل : أجمع المؤرخون أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلامقتل في محرابه مجاهرة ، فهو مصداق بارز لمن فتك به ، فإذا كان المؤمن لا يفتك به ، استنتج القاريء للتاريخ ما يريد الأمويون تمريره في حربهم ضدّ مولى الموحّدين وسيّد الوصيّين وإمام الصدّيقين . . . ونترك الاستنتاج اعتمادا على القاريء ، لأنّنا لا نجرؤعلى كتابته . . . مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّهم يحاربون اللّه دائما في محاولاتهم عرض ابن ملجم - لعنه اللّه وعذّبه عذابا يستغيث منه أهل النار - في صورة المؤمن ! المثال الثاني : المورد الذي نحن فيه ، فإنّ في ذلك اعترافا واضحا وتقريرا جازما من مسلم بن عقيل عليهماالسلام- وحاشاه من ذلك - بإيمان ابن زياد . * * * ولو قلنا : إنّ « لا يفتك مؤمن » مبني للمعلوم ، فلماذا لام هاني وشريك مسلما عليه السلام ، وهو مؤمن ، إلاّ أن يقال : أنّهما فهما من الخبر أنّ المؤمن لا يفتك بمؤمن ، كما نصّ عليه ابن الأثير وابن منظور ، وعلى كلا التقديرين يتأكّد ما ذكرناه قبل قليل . مخالفة الخبر للكتاب والسنّةاقتلوهم حيث ثقفتموهم قال اللّه - تعالى - في سورة البقرة : « وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ » ، ( البقرة : 191 ) . وقال - تعالى - في سورة النساء : « سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطانا مُبِينا » ، ( النساء : 91 ) . وما رواه العامّة « الإيمان قيد الفتك ، لا يفتك مؤمن » ، يخالف ظاهر القرآن الآمر بقتل الكفار والمشركين ومن ذكرتهم الآيتان الشريفتان حيث ثقفهم المؤمن . ولعلّ هاتين الآيتين كانتا المستند في فهم شريك وهاني ومعارضتهما للموقف المزعوم الذي نسبوه لمسلم عليه السلام في القصّة . والعجيب أن يتنبّه شريك وهاني إلى هاتين الآيتين ، ويعرفان ابن زياد ، ولا يعرف ذلك الفقيه الذي يعدّ من علماء آل محمد صلى الله عليه و آله !! موارد أمر النبي صلى الله عليه و آله فيها بالفتك قلنا : أنّ الفتك هو القتل مجاهرة ، وتحيّن الفرصة وانتهاز الغرّة ، وقد اتّفق المسلمون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أهدر دم جماعة من أعداء اللّه ، وأعداء رسوله صلى الله عليه و آله . وجاء الأمر أحيانا مشدّدا حتى لو كان مهدور الدم متعلّقا بأستار الكعبة ، وهي الحرم الآمن الذي لا يخلو من طائف أو زائر أو عاكف ! قال القاضي النعمان المغربي في شرح الأخبار : 1/ 306 ج 308 : وأمر رسول اللّه - صلوات اللّه عليه وآله - أمراء الكتائب ألاّ يقاتلوا إلاّ من قاتلهم ، خلا نفر سمّاهم لهم ، أمر بقتلهم ولو وجدوا تحت أستار الكعبة ، لعظم جرائم كانت لهم . فترك كثير منهم من لقيه ممّن كانت بينه وبينهم معرفة ، وله به عناية ، واستأمن بعضهم لبعض ، وجسروا على رسول اللّه - صلوات اللّه عليه وآله - بردّ أمره فيهم . وكان منهم : عبد اللّه بن سعد أخو بني عامر بن لؤي ، وكان أعظمهم جرما ، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آلهأشدّ عليه حنقا . وكان أوّل من بدأ باسمه ممّن ندر - يومئذٍ - دمه ، وقال : اقتلوه ولو وجدتموه تحت أستار الكعبة ... . فجاء عثمان بن عفان ، فأتى به مستورا حتى أدخله على رسول اللّه - صلوات اللّه عليه وآله - فسأله فيه ، فأعرض رسول اللّه - صلوات اللّه عليه وآله - عنه مرارا ، وسكت لا يجيبه بشيء ، فألحّ عليه عثمان ! فخلّى سبيله . ثم قال - لمن حضره من المسلمين - : لقد صمتّ طويلاً لعلّ أحدكم يقوم إليه فيضرب عنقه ، كمثل ما أمرت فما فعلتم ؟ قالوا : يا رسول اللّه ، فلو كنت أشرت إلينا بمثل ذلك . فقال : إنّ النبي لا يقتل بالإشارة . ولقى علي - صلوات اللّه عليه - الحويرث بن ثقيف ، وكان ممّن ندر رسول اللّه - صلوات اللّه عليه وآله - دمه يومئذٍ ، وكان الحويرث يثق بعلي - صلوات اللّه عليه - . فقال له علي - صلوات اللّه عليه - : يا عدوّ اللّه أنت هاهنا ؟ فقال الحويرث : ابق عليّ يا بن أبي طالب . فقال : لا بقيت إن أبقيت عليك ، وقتله . ودخل علي - صلوات اللّه عليه - على أخته أمّ هاني بنت أبي طالب ، فأصاب عندها رجلين ممّن ندر رسول اللّه - صلوات اللّه عليه وآله - دمهما من بني مخزوم ، قد استجارا بها لصهر كان بينهما . فلمّا رآهما علي - صلوات اللّه عليه - أخذ سيفه وقام إليهما ليقتلهما ، فقامت أمّ هاني دونهما ، وقالت : يا أخي ، إنّي قد أجرتهما . قال : إنّ رسول اللّه - صلوات اللّه عليه وآله - قد أمر بقتلهما ، ولو كانا تحت أستار الكعبة . فقبضت على يده - وكانت أيّدة شديدة - فَلَوتْها حتى انتزعت السيف من يده ، فأمسكته ، وأمرت بهما ، فدخلا بيتا ، وغلقت عليهما ، ومضت إلى رسول اللّه - صلوات اللّه عليه وآله - . فلمّا رآها رحّب بها وسألها عن حالها ، فأخبرته الخبر ، فضحك . وقال : قد أجرنا من أجرت يا أم هاني . فأرسل إلى علي - صلوات اللّه عليه - فأتاه ، فضحك إليه ، وقال : غلبتك أم هاني ؟ فقال : يا رسول اللّه - والذي بعثك بالحقّ نبيا - لا قدرت على أن أمسك السيف حتى خلّصته من يدي . فضحك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقال : لو أنّ أبا طالب ولد الناس كلّهم لكانوا أشداء أقوياء . وفي ( شرح الأخبار للقاضي النعمان : 1/306 ) ما رواه النعمان أمثلة واضحة ومصاديق لائحة للفتك ، وأيّ فتك أفتك من أن يقوم رجل من المسلمين فيقتل من شفع فيه عثمان ! على رؤوس الأشهاد ، وفي محضر رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وكذا في ما فعله الإمام أمير المؤمنين عليه السلاممع الحويرث ، وما همّ به مع المستجيرين بأمّ هاني . وفي الموارد الثلاثة كان الاطمئنان ، وشبهة الأمان تتداخل في الموقف . وروى الطبري في تاريخه ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ، والصنعاني في المصنف ، والبيهقي في السنن الكبرى ، بألفاظ مختلفة ، واللفظ للأخير : بالإسناد عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : لمّا كان يوم فتح مكة آمن رسول اللّه صلى الله عليه و آلهالناس إلاّ أربعة نفر وامرأتين ، منهم : عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح . . . فذكر الحديث إلى أن قال : وأمّا عبد اللّه بن سعد ابن أبي سرح ، فإنّه اختبأ عند عثمان بن عفان !! . فلمّا دعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه و آله ، فقال : يا رسول اللّه بايع عبد اللّه !! فرفع رأسه ، فنظر إليه ثلاثا ، كلّ ذلك يأبى ، فبايعه بعد ثلاث . ثم أقبل على أصحابه ، فقال : أما فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني قد كففت يدي عن بيعته فيقتله . قالوا : ما يدرينا يا رسول اللّه ! ما في نفسك !! هلاّ أومأت إلينا بعينك . قال : إنّه لا ينبغي أن تكون لنبي خائنة الأعين ( تاريخ الطبري : 2/335 ، تاريخ دمشق : 29/34 ، المصنف للصنعاني : 5/378 ، السنن الكبرى للبيهقي : 7/40 ) . ونحن لا نشكّ أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام لم يكن حاضرا في هذا الموقف ، ولو كان لعلم ما في نفس النبي صلى الله عليه و آله ، ولم يمهله حتى يلحقه بجهنم . * * * وروي أيضا في مسند أحمد ، وسنن الدارمي ، وكتاب البخاري ، وكتاب مسلم ، وسنن أبي داود ، وسنن الترمذي ، وسنن النسائي ، والسنن الكبرى للبيهقي ، والمصنف لابن أبي شيبة الكوفي ، ومسند أبي يعلى ، وكتاب ابن خزيمة ، وكتاب ابن حبان ، واللفظ للأوّل : عن أنس أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دخل يوم الفتح مكة ، وعليه المغفرة . فقيل له : إنّ ابن خطل متعلّق بأستار الكعبة . فقال النبي صلى الله عليه و آله : اقتلوه ( مسند أحمد : 3/109 ، سنن الدارمي : 2/221 ، كتاب البخاري : 2/216 ، كتاب مسلم : 4/111 ، سنن أبي داود : 1/607 ، سنن الترمذي : 3/119 ، سنن النسائي : 5/201 ، السنن الكبرى للبيهقي : 5/177 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 8/536، مسند أبي يعلى : 6/246، كتاب ابن خزيمة : 4/355، كتاب ابن حبان : 9/34 ) . وفي المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : عن أبي عثمان : إنّ أبا برزة قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ( المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 8/536 ) . وروى البخاري في كتابه : باب الفتك بأهل الحرب : عن جابر بن عبد اللّه - رضي اللّه عنهما - أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : من لكعب ابن الأشرف ، فإنّه قد آذى اللّه ورسوله . قال محمد بن مسلمة : أتحبّ أن أقتله يا رسول اللّه ؟ قال : نعم . قال : فأتاه ، فقال : إنّ هذا يعنى النبي صلى الله عليه و آلهقد عنّانا وسألنا الصدقة ، قال : وأيضا - واللّه - لتملّنه . قال : فإنّا قد اتبعناه ، فنكره أن ندعه حتى ننظر إلى ما يصير أمره . قال : فلم يزل يكلّمه حتى استمكن منه ، فقتله ( كتاب البخاري : 4/24 - 25 ) . وله أخبار أُخرى في الباب . وقال العيني في عمدة القاري : « باب الفتك بأهل الحرب » أي : هذا باب في بيان جواز الفتك بأهل الحرب ، والفتك ، بفتح الفاء وسكون التاء المثناة من فوق بعدها كاف : وهو أن يأتي الرجل صاحبه وهو غارّ غافل ، فيشتدّ عليه فيقتله . ثم نقل حديث جابر ، وعلّق عليه قائلاً : ... وجه المطابقة للترجمة يؤخذ من معناه ، لأنّ محمد بن مسلمة غرّ كعبا فاستغفله ، فشدّ عليه فقتله ، وهو الفتك بعينه ( عمدة القاري : 14/277 ) . . الحرب خدعة روى الحميري في قرب الإسناد : عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي عليهم السلامأنّه قال : الحرب خدعة ، إذا حدّثتكم عن رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله - حديثا ، فواللّه لئن أخرّ من السماء أو تخطفني الطير أحبّ إليّ من أن أكذب على رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلم - . وإذا حدّثتكم عنّي ، فإنّما الحرب خدعة ، فإنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلم - بلغه أنّ بني قريظة بعثوا إلى أبي سفيان : أنّكم إذا التقيتم أنتم ومحمد صلى الله عليه و آله أمددناكم وأعناكم . فقام النبي - صلّى اللّه عليه وآله - فخطبنا فقال : إنّ بني قريظة بعثوا إلينا : أنّا إذا التقينا نحن وأبو سفيان أمدّونا وأعانونا . فبلغ ذلك أبا سفيان، فقال: غدرت يهود، فارتحل عنهم (قرب الإسناد: 133 ح 466). وروى الشيخ الكليني في الكافي : عن مسعدة بن صدقة قال : حدّثني شيخ من ولد عدي بن حاتم ، عن أبيه ، عن جدّه عدي ، وكان مع أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال في يوم التقى هو ومعاوية بصفين ، ورفع بها صوته ليسمع أصحابه : واللّه لأقتلن معاوية وأصحابه . ثم يقول في آخر قوله : إن شاء اللّه - يخفض بها صوته - وكنت قريبا منه . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنّك حلفت على ما فعلت ، ثم استثنيت ، فما أردت بذلك ؟ فقال لي : إنّ الحرب خدعة ، وأنا عند المؤمنين غير كذوب ، فأردت أن أحرّض أصحابي عليهم كيلا يفشلوا ، وكي يطمعوا فيهم ، فأفقههم ينتفع بها بعد اليوم إن شاء اللّه ، واعلم أنّ اللّه - جلّ ثناؤه - قال لموسى عليه السلامحيث أرسله إلى فرعون : « فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى » ، وقد علم أنّه لا يتذكّر ولا يخشى ، ولكن ليكون ذلك أحرص لموسى عليه السلام على الذهاب ( الكافي : 7/460 ح 1 ) . وروى الصدوق في من لا يحضره الفقيه ، والطوسي في تهذيب الأحكام : إنّ الحرب خدعة ( الفقيه : 4/378 ح 5794 ، تهذيب الأحكام : 6/163 ) . وأخرج البخاري في كتابه : عن أبي هريرة قال : سمّى النبي صلى الله عليه و آلهالحرب خدعة . حدّثنا صدقة بن الفضل أخبرنا ابن عيينة عن عمر وسمع جابر بن عبد اللّه قال : قال النبي صلى الله عليه و آله : الحرب خدعه ( كتاب البخاري : 4/24 ) . . إنّ هذه الأحاديث كلّها تعارض « الإيمان قيد الفتك » ، وهل يشكّ أحد أنّ مسلم بن عقيل عليهماالسلامأعرف الناس بهذه الأحاديث والأخبار ، وأقدرهم على تطبيقها على الواقع الذي هو فيه ؟!! ثمّ إذا كانت الحرب خدعة ، فلماذا يمتنع البطل الهاشمي من الإقدام على قتل الطاغية ، وقد أمكنته الفرصة ، كما يزعمون ؟! قراءة أُخرى للخبر : كان بحثنا في الخبر على قراءة « الإيمان قيد الفتك » ، وربما قريء الخبر بتشديد الياء في « قيد » ، فيقال : « الإيمان قيّد الفتك » . وحينئذٍ يمكن أن يُفهم بأحد معنيين : المعنى الأوّل : أن يكون معنى قيّد : منع ، أي أنّ الإيمان يمنع من الفتك . قال المجلسي رحمه الله : قال الجزري : « الإيمان قيد الفتك » أي الإيمان يمنع من الفتك كما يمنع القيد عن التصرف ( بحار الأنوار : 47/137 ) .. . وقال ابن منظور في لسان العرب : وفي الحديث : « قيّد الإيمان الفتك » معناه : أنّ الإيمان يمنع عن الفتك بالمؤمن كما يمنع ذا العيث عن الفساد قيده الذي قيّد به ( لسان العرب مادة « قيد » ) . إذا كان هذا المعنى المراد من « قيد » ، فيرد عليه كلّ المناقشات التي مرّت آنفا . المعنى الثاني : أن يكون معنى قيّد : أي جعل له قيودا وحدودا ، بمعنى أنّ الإيمان جعل للفتك ضوابط وقوانين، فهو لايمنع عن الفتك مطلقا ، وإنّما يسمح به ضمن الضوابط الشرعية المقرّرة له . فإذا كان هذا هو المراد من « قيّد » ، فيمكن أن يناقش بمناقشتين : المناقشة الأُولى : إنّ هذه القراءة لا تنسجم مع ذيل الخبر الوارد في جملة من المصادر : « فلا يفتك مؤمن » ، حيث أنّ التتمّة تدلّ على أن المراد ب-« قيّد » المعنى الأوّل ، وهو منع المؤمن مطلقا من الفتك ، فيرد عليه ما ذكرناه هناك . المناقشة الثانية : إذا كان معنى « قيّد » هو إباحة الفتك في موارد ومنعه في موارد أخرى ضمن الضوابط الشرعية التي قرّرها الشارع الأقدس ، فنحن لا نشكّ بتاتا أنّ ابن زياد - عليه لعائن اللّه - من أبرز المصاديق التي ينبغي للمؤمن أن يتقرّب إلى اللّه بدمه . بالإضافة إلى أنّه كان في حرب معلنة مع سيّدنا ومولانا مسلم بن عقيل عليه السلام ، وقد استلم أمرا من القرد الأموي بطلب مسلم بن عقيل طلب الخرزة والقضاء عليه ، كما أعلن ابن زياد نفسه - وفق المصادر - أنّه أهدر دم مسلم بن عقيل عليه السلاموأن من قتله فله ديّته . فهو محارب للّه ولرسوله ولإمام زمانه سيّد شباب أهل الجنّة وسفيره الثقة المعتمد مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، كما أنّه مطلوب لمسلم بن عقيل وأصحابه . فلو فرضنا أنّ التقييد هنا بمعنى الإباحة في موارد ، فأيّ مورد لجواز الفتك في الشريعة أوضح من استهداف الدعي ابن الدعي . المرحلة الثالثة :توظيف مسلم بن عقيل عليهماالسلام للحديث ناقشنا فيما مضى الخبر سندا - في المرحلة الأولى - ، ودلالةً - في المرحلة الثانية - . وبقي الآن ملاحظة عدّة أمور تخصّ توظيف مولانا مسلم بن عقيل عليهماالسلامهذا الخبر - حسب ما ورد في كتب التاريخ - في تسويغ الامتناع عن الاغتيال . أولاً : أوّل ما يواجهنا في ما يخصّ توظيف مسلم بن عقيل عليهماالسلام لهذا الخبر في هذا الموضع ، هو أنّ مسلما عليه السلام لم يذكر الخبر عندما اقترحوا عليه ، وإنّما ذكره بعد أن أحجم عن الإقدام . فهل نسي مسلم بن عقيل عليهماالسلام- وحاشاه - الخبر ، ثم أحسّ بالحرج من الإحجام ، فبحث عن المسوغ الذي يتذرّع به ، فذكر الحديث ؟! كلاّ وحاشا مولانا مسلم بن عقيل عليهماالسلامأن ينسب له مثل ذلك . ولو لم يكن في كلّ القصّة إلاّ هذا المحذور لكفى . ثانيا : نقلنا قبل قليل بعض الآيات والأحاديث والأخبار ، والغرض من ذلك بيان أمرين : الأمر الأول : إنّ هذه الآيات والأحاديث لا تخفى على الفقيه العالم مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، فلو كانت الفرصة قد أمكنته من ابن زياد لما تردّد لحظة . وهل يخفى على مسلم عليه السلام صريح القرآن وسيرة النبي صلى الله عليه و آله وأفعال عمّه أمير المؤمنين عليه السلام ؟ الأمر الثاني : إنّ ما نسب إلى النبي صلى الله عليه و آله من طرق العامّة ساقط سندا ، ويخالف القرآن وسنّة النبي صلى الله عليه و آلهومنهاج أمير المؤمنين عليه السلام ، وما خالف الكتاب والسنّة وسيرة المعصوم ، فهو زخرف . وما كان زخرفا لايستند إليه ثقة الحسين عليه السلام، العالم العارف العظيم مسلم بن عقيل عليهماالسلام. ثالثا : لماذا لم نسمع بهذا الخبر على لسان مسلم بن عقيل عليهماالسلام في المصادر التي سبقت الدينوري ؟ ولم نسمع - فيما تفحّصنا من المصادر المتوفّرة بأيدينا - باستناده إلى هذا الخبر فيما روي عن أهل البيت عليهم السلام ، وهم يتحدّثون عن سيرة سيّد الشهداء عليه السلام أو سيرة مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، ولم يستشهدوا به أبدا كموقف عظيم من مواقف طود راسخ ، ورجل كبير من رجال سيّد الشهداء عليه السلام ، بل من رجال الهاشميين ؟! رابعا : تبيّن ممّا سبق أنّ ما قصّه علينا المؤرخ لا يصدق عليه الغيلة ولا الفتك ، فكيف يغيب عن مسلم بن عقيل عليهماالسلام ذلك ، وهو ابن سادة الفصاحة والبلاغة ، وأرباب اللغة العربية ، وفي أبياتهم نزل الكتاب الكريم بلسان عربي مبين ؟! وكيف غاب عن شريك وهاني أيضا أن يحتجّا على مسلم بن عقيل عليهماالسلام بأنّ الخبر الذي احتجّ به ليس هذا مورده ، ولا يمكن تطبيقه هنا ، لأنّه ليس من مصاديق الفتك ، لا أن يحتجّا عليه بسلخ الإيمان عن ابن زياد ، مع تقرير انطباق الخبر على الموقف ! خامسا : ارتبك المؤرّخون في إسناد الخبر عن مسلم عليه السلام ، فمنهم من قال : إنّه قال : حديث سمع الناس يحدّثون به ، ومنهم من يقول : إنّه حديث سمعه من عمّه أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم يرد الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آلهفيما فحصنا من المصادر . سادسا : ارتبكوا في ألفاظ الخبر أيضا ، فمنهم من نقله بلفظ « الإيمان قيد الفتك .. »، و« الإيمان ضدّ الفتك .. » ، و« لا يفتك مؤمن .. » ، و« لا يفتك مؤمن بمؤمن » وهكذا . . مناقشات عامّة نذكر هنا بعض الملاحظات والمناقشات العامّة التي يمكن أن ترد على الخبر ، وتضاف على ما مرّ من مناقشات : المناقشة الأُولى :لماذا الإصرار على شخص مسلم عليه السلام في تنفيذ العملية ؟ صرّحت جميع المصادر - عدا واحد منها - أنّ شريكا ألحّ بإصرار أن يكون المنفّذ للعملية مسلم بن عقيل عليهماالسلامبالخصوص ، فيما كان بإمكانه أن يكلّف جماعة من الموالي المخلصين لمسلم عليه السلامأو له أو لهاني ، أو يكلّف أفرادا من العشائر والقبائل التي ينتمون إليها أو يحالفونها ، وربما كان أوفق أن يختار شخصا أو أشخاصا من فرسان المصر وأبطال الكوفة من قبيل عابس الشاكري أو مسلم بن عوسجة أو أبي ثمامة الصائدي ، وغيرهم من الأبطال المخلصين ، والعسكريين الخبراء المجرّبين ، من دون أن يورط القائد الأعظم ، والشخص الأوّل ، ورجل الرجال ، وسيف الحسين عليه السلامالمسلول مسلم بن عقيل عليهماالسلام ؟! قال الشيخ شمس الدين في كتابه أنصار الحسين عليه السلام : ومن أدلّة هذا الشلل النفسي الذي يدفع إلى الالتواء في مواجهة الأحداث ، ويمنع عن الحزم والحسم في إنجاز المهمات ، محاولة شريك بن الأعور - الزعيم البصري الشيعي الكبير - أن يحمل مسلما على اغتيال عبيد اللّه بن زياد عندما يعود شريكا في مرضه واعدا مسلما بقوله : فإن برئت من وجعي هذا أيامي هذه سرت إلى البصرة وكفيتك أمرها . كأنّ نجاح الثورات ينتظر شفاء قادتها من أمراضهم - ومسلم في مركزه المعنوي هو الزعيم والقائد - وقد كان شريك يستطيع أن يوكل هذه المهمّة إلى أيّ رجل آخر ( أنصار الحسين عليه السلام لمحمد مهدي شمس الدين : 221 - 222 ) . المناقشة الثانية :لماذا لم يغتاله شريك نفسه في الطريق ؟ كان شريك كما نصّت المصادر صديقا لابن زياد ، ويبدو من حمله معه من البصرة وتفقد حاله وعيادته - حسب القصّة - أنّه كان من خواصّه وندمائه ، ومن كان بهذه المنزلة والقرب الاجتماعي من ابن زياد كان لا شكّ متمكّنا في أيّ فسحة من الزمن أن يغتاله هو مباشرة أو يسلّط عليه من يذبحه على فراشه ، وينتهز منه الغرّة والفرصة ، سيما أنّه قد رافقه طول الطريق من البصرة إلى الكوفة - على أقلّ التقادير - فضلاً عن صحبته في البصرة نفسها ، فكيف لم تمكنه الفرصة من اغتياله ليلاً أو نهارا ، في يقظة ابن زياد أو في نومه ؟ حتى لو كان في ذلك هلاكه وعطب نفسه أو هلاك بعض مرافقيه وأهله ، لأنّه - حسب القصّة - كان يريد أن يسقوه كأس المنية حتى لو كان حياته فيها . ثم إنّه اتهم هانيا بالحصر - كما في نصّ البلاذري - واتّهم مسلما عليه السلام بالجبن والفشل ، ولم يلحظ الحصر والجبن والفشل الذي يمكن أن يتّهم به هو نفسه طيلة الطريق من البصرة الى الكوفة ، وقبل ذلك . المناقشة الثالثة :لماذا لم يبق شريك في البصرة ليفتح جبهة ثانية على ابن زياد ؟ وعد شريك مسلما عليه السلام : أنّه إن قتل ابن زياد ، فإنّه سيكفيه أمر البصرة ، فلماذا لم يتأخّر شريك عن ابن زياد في البصرة لأيّ علّة ، ولو لمرضه مثلاً ، فيكفي مسلما عليه السلامالبصرة ويربك الأمر على ابن زياد بفتح جبهتين في آن واحد ؟ أو أنّه يتّفق مع من يمكنه الاتفاق معه من زعماء ورؤوس ، فيؤخّرون ابن زياد في البصرة أياما حتى يتمكّن مسلم بن عقيل عليهماالسلام من الكوفة ، أو يصل سيّد الشهداء عليه السلام اليها . قال الشيخ شمس الدين في كتابه أنصار الحسين عليه السلام : . . . ومن أدلّة هذا الشلل النفسي في البصرة ، ما يصوّره النصّ التالي عن عيسى بن يزيد الكناني ، قال : لمّا جاء كتاب يزيد إلى عبيد اللّه بن زياد بشأن ولايته على الكوفة انتخب من أهل البصرة خمسمائة فيهم : عبد اللّه بن الحارث بن نوفل ، وشريك بن الأعور - وكان شيعة لعلي - فكان أوّل من سقط بالناس شريك ، يقال : إنّه تساقط غمرة ، ومعه ناس . ثم سقط عبد اللّه بن الحارث ، وسقط معه ناس ، ورجوا أن يلوي عليهم عبيد اللّه ويسبقه الحسين إلى الكوفة . فهؤلاء الذين أظهروا العجز عن متابعة السير الحثيث ، رجاء أن يتأخّر بسببهم عبيد اللّه بن زياد ، فيسبقه الحسين إلى الكوفة ، فيتمّ أمره ، فلا يتمكّن عبيد اللّه من استثمار حالة الفراغ في السلطة ، وغياب القائد الأعلى للثورة ، هؤلاء كانوا ، ولا شكّ في حالة شلل نفسي : إنّهم راغبون في التغيير ساخطون على وضعهم ، ولكنّهم لا يريدون أن يغيّروا بأنفسهم ، وإنّما يريدون أن يتمّ التغيير بجهد غيرهم . وإلاّ فلماذا هذا الأسلوب الملتوي في الاحتيال لتأخير عبيد اللّه بن زياد عن متابعة سيره الحثيث إلى الكوفة ؟ لقد كانوا ، وهم زعماء البصرة ، قادرين على أن يؤخّروا عبيد اللّه أياما في البصرة بإثارة شغب خفيف فيها ، بل كانوا قادرين على قتله إذا أرادوا ، لو أنّ روحهم الثورية كانت في جهاز نفسي سليم . ولكنّهم كانوا - كما قلنا - يعانون من شلل نفسي يعطّل ثوريّتهم عن العمل ( أنصار الحسين عليه السلام لمحمد مهدي شمس الدين : 221 - 222 ) . المناقشة الرابعة :الغدر ليس من شيم أهل البيت عليهم السلام اتفقت الأخبار أنّ مسلما عليه السلام رضي بالاغتيال أولاً ، ثم نكص عنه ! وتذرّع بالحديث المنسوب ، أو المرأة ، أو غير ذلك من الذرائع، وفي زيارته «أشهد أنّك لم تهن ولم تنكل» . وهذا يعني أنّه رضي - والعياذ باللّه - بالغدر ، وليس من شيم أهل البيت عليهم السلامالغدر ، وإنّما هي أساليب أعدائهم . فالمؤرخ يريد أن يوحي للقاريء أنّ الغدر ليس من شيم بني أمية فحسب ، وإنّما هو عمل مشروع يمارسه غيرهم بما فيهم آل البيت عليهم السلام !! وأنصارهم . المناقشة الخامسة :هل نسي مسلم عليه السلام الحديث ثم ذكره ؟! طريقة عرض القصّة تلقي بظلال ثقيلة على مواقف مسلم عليه السلام ، حيث أنّه رضي بالأمر أولاً ، ثم تنصّل عنه ، لأنّه اكتشف - كما يزعمون - بعد ذلك أنّ عمله مخالف لسنّة النبي صلى الله عليه و آله !! فهل نسي مسلم بن عقيل عليهماالسلام الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه و آله ، ثم ذكره بعد أن واجه الموقف ؟! إنّ مسلما عليه السلام أجلّ وأنبل وأعظم من أن ينسى حديثا مهمّا مثل هذا ، وهو في ميدان القتال . المناقشة السادسة :الأحاديث عامّية مرّ معنا في مناقشة الخبر المنسوب للنبي صلى الله عليه و آلهأنّ الخبر عامّي ، رواه أبو هريرة ومروان ومعاوية في موقف أراد أن يحمي نفسه من عائشة ، فهل يخفى ذلك على الفقيه العالم ثقة الحسين عليه السلامومعتمده ، فيرتّب موقفا مهمّا على أخبار ساقطة سندا ، ومتهافتة دلالة ، لا تنهض بالتحريم ، ولا تقوى على إقامة الحكم الشرعي ؟! المناقشة السابعة :لماذا أخفى هاني مسلما عليه السلام في دار النساء ؟ أخفى هاني مسلما عليه السلام في دار النساء في بعض المصادر ، وفي المخدع في مصادر أُخرى ووو . والحال أنّها صرّحت كلّها أنّ الشيعة كانت تختلف إليه في بيت هاني لتبايعه . فما الفائدة من إخفائه ؟! وما معنى ذلك إذا كان الناس يأتونه ويرونه هناك ؟ وكيف خفي أمره على ابن زياد وغيره والناس يدخلون ويخرجون أفواجا ووحدانا ؟ المناقشة الثامنة :إنزال شريك في دار النساء ! ذكر الدينوري في الأخبار الطوال : إنّ هانيا أنزل ضيفه « شريك » ، وهو ضيف ومن كبار الشيعة - كما صرّح به المؤلف نفسه - في بيت النساء من دون أيّ مسوغ ، لا أمني ، ولا اجتماعي ، وهو أمر غير مقبول . فلماذا ينزل شريك دار النساء ، وهو صديق ابن زياد ، وقد دخل الكوفة معه ، ونزل دار هاني على علم منه ؟! المناقشة التاسعة :دوافع الاغتيال شجّع شريك مسلما عليه السلام وحثّه على الاغتيال ، ومنّاه باستقامة السلطان والحكم له إذا قام بهذا الفعل ، ولم يعلّل شريك فائدة الاغتيال بأكثر من ذلك ، حسب ما بلغنا . ولم يكن مسلم بن عقيل عليهماالسلام يطلب السلطان حتى يمنّيه باستيساقه ، ولم تكن مهمّته المنصوص عليها في ظاهر النصوص تلك المهمّة ، وإنّما كان مبعوثا من قبل سيّد الشهداء عليه السلام ليعدّ الكوفة ، ويقيّم رسائلهم ، ويكتشف مدى صحّة أقوالهم وثباتهم على دعوتهم لريحانة النبي صلى الله عليه و آله ، ويأخذ منهم البيعة ، ويكتب بذلك لسيد الشهداء عليه السلام ، ولم تكن الإمرة والولاية والسلطنة في حساباته ، وهو يعلم أنّ الحاكم إنّما هو خليفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله المتمثلّ يومها في شخص الحسين عليه السلام . ثم إنّ ابن زياد لم يكن كلّ شيء - يومئذٍ - لأنّه كان واليا في منظومة الحكم الجائر القائم برأس القرد الأموي يزيد بن معاوية ، وفي بني أمية وأشياعهم وأتباع العجل والسامري من الرموز والطواغيت ما يمكن أن يملأ مكان ابن زياد ، فسقوط ابن زياد لا يعني سقوط الحكم الأموي ، وانقراض السلطة التي أسّس لها رجال السقيفة . المناقشة العاشرة :كيف اقتحم ابن زياد عرين مسلم عليه السلام ؟ كان الناس يتردّدون على دار هاني ليبايعوا مسلما عليه السلام حتى بايعه في بيت هاني ثمانية عشر ألفا من الناس ( الأخبار الطوال للدينوري : 214 ) . وهذا يعني أنّ الناس كلّهم عرفوا مكان مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، وأنّه في دار هاني ، فلماذا لم يهجم عليه ابن زياد ؟ وكيف تجرأ على اقتحامه ودخوله ، وهو يعلم أنّ أسد آل أبي طالب في الكوفة رابض فيه ؟ وقد شاع في الكوفة وذاع أنّ مسلما عليه السلامجمع في الدور حوله أربعة آلاف سيف ، كانوا في حالة إنذار واستنفار ، وعلى أهبة الاستعداد للقتال ينتظرون اللحظة التي ينادي فيها المنادي بشعار الحرب « يا منصور أمت » . فإن كان ابن زياد جاهلاً بذلك فبئس الوالي المغفّل هو ، وإن كان على علم بذلك ثم أقدم على إقتحام العرين ، وعرّض نفسه للخطر المؤكّد ، فهو أشدّ جهلاً وحماقة ، ولا يمكن أن يفترض فيه الشجاعة والإقدام أبدا ، فهو أجبن من ذلك ، كما سيأتي . المناقشة الحادية عشرة :عدم إمكان خروج ابن زياد في تلك الفترة تدلّ مجريات الأحداث أنّ زيارة ابن زياد لبيت هاني كانت في أوائل أيام وصوله الى الكوفة ، حيث كان شريك قد وصل معه الى الكوفة ، وكان قد مرض في الطريق على بعض الأقوال ، ومرض في الكوفة بعد وصوله على المشهور . وفي تلك الفترة كانت الكوفة كلّها في قبضة مسلم عليه السلام ، وكانت الأكثرية تتربّص بابن زياد ، وكان ابن زياد غاية همّه - كما يزعم المؤرخ - أن يستمسّك بالقصر ، وليس معه أحد فيه إلاّ العدد القليل المعدود الذي لا يتجاوز الثلاثين في أغلب التقديرات التاريخية ، وكان ابن زياد يخاف الخروج إلى المسجد للصلاة حيث كانت الصلاة في المسجد لمسلم عليه السلام بشهادة أنّه صلّى صلاته الأخيرة ليلة شهادته في المسجد ، ولم يجرؤ ابن زياد على الخروج للصلاة ، فكيف يجرؤ على الخروج في الشوارع والأزقة واجتياز المسافة بين قصر الخبال وبيت هاني وفي عتمة الليل ؟ أضف إلى ذلك أنّنا نعرف ابن زياد - كما عرّفه التاريخ ورسمه لنا - فهو جبان متناهٍ في الجبن . قال عنه الحسن البصري : وكان عبيد اللّه جبانا ( سير أعلام البلاء للذهبي : 3/545 ) . وهذا لا يمنع أن يكون سفيها بطاشا لا يتورّع عن دم ، فهو جبان في حال ضعفه ، ولكنّه كان شرسا فتّاكا سفّاكا للدماء إذا تمكّن وأمن . قال فيه الحسن البصري : أمّره معاوية غلاما سفيها ، سفك الدماء سفكا شديدا ( سير أعلام النبلاء : 3/545 ) . وقد رأيناه يمتنع عن الخروج إلى المسجد ، ويأمر بإنزال المشاعل لاستكشاف ما تحت الظلال !! هذا ، والحرس يحيطون به من كلّ مكان . . . قال الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد : .. ولمّا تفرّق الناس عن مسلم بن عقيل طال على ابن زياد ، وجعل لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع قبل ذلك ، قال لأصحابه : أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا . فأشرفوا فلم يروا أحدا ، قال : فانظروا لعلّهم تحت الظلال ، وقد كمنوا لكم . فنزعوا تخاتج المسجد ، وجعلوا يخفضون شعل النار في أيديهم وينظرون ، فكانت أحيانا تضيء لهم ، وأحيانا لا تضيء كما يريدون ، فدلّوا القناديل وأطناب القصب تشدّ بالحبال ، ثم تجعل فيها النيران ، ثم تدلّى حتى تنتهي إلى الأرض . ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها ، حتى فعل ذلك بالظلّة التي فيها المنبر . فلمّا لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد بتفرّق القوم ، ففتح باب السدّة التي في المسجد ، ثم خرج فصعد المنبر ( الإرشاد للمفيد : 2/56 ) .. . ومن كان هذا شأنه في الجبن وحبّ الحياة ، لا يتصوّر أنّه يخرج في ذلك الجوّ المشحون الذي يتربّص به ، ويقتحم منطقة يعلم أنّها من معاقل مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، وقد جمع حوله عليه السلام في الدور أربعة آلاف سيف !! المناقشة الثانية عشرة :كيف يعد بزيارة هاني بعد محاولة الاغتيال ؟ نصّت المصادر أنّ ابن زياد استدرج هاني الى القصر بقوله : إنّه لو علم أنّه مريض لعاده ، فيما نصّت بعض المصادر أنّ المريض أو المتمارض الذي استدرجوا به ابن زياد هو هاني . فلو كان المريض هو هاني ، فإنّه قد عاده من قبل ، فلماذا يتجاهل مرضه ، ويزعم أنّه لو علم أنّه مريض لعاده . ولو كان المريض أو المتمارض هو شريك أو هاني ، وقد وقعت أحداث الاغتيال الفاشل ، فكيف يعيد ابن زياد الكرّة ويعد بالعيادة ، وقد علم هاني ومن كان معه ، وابن زياد ومن رافقه بفشل الاغتيال ، وتحمّل هاني مسؤولية ذلك . المناقشة الثالثة عشرة :لم يحاسب ولم يعاتب ابن زياد هانيا على الاغتيال تمّ اعتقال هاني بن عروة من قبل ابن زياد ، وجعل ابن زياد يعاتب ويحاسب هانئا ، ويبحث عن الذرائع والمسوغات التي تبيح له دمه ، فحاسبه وعاتبه على إيواء مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، وجمع الرجال حوله ، ولم يذكر قصّة الاغتيال من قريب ولا من بعيد ، فقال له : « ما حملك على أن تجير عدوّي وتنطوي عليه ؟ » . فلماذا لم يأخذ هاني بجرم الاغتيال أبدا ، وإنّما حاسبه على إيوائه مسلما عليه السلامفقط ، عدا ما ذكره الطبري في إحدى روايتيه . المناقشة الرابعة عشرة :لم يذكر ابن زياد قصّة الاغتيال عند مسلم عليه السلام لم يترك ابن زياد فرية إلاّ وافتراها على مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، وواجهه بوقاحة ، وكذب عليه كذبا مفضوحا ، وباهته بحثا عن مسوّغ لقتله ، وتسقيطه وخدش شخصيته ومقامه ، وقد ذكر ذلك مفصّلاً السيد ابن طاووس في اللهوف . والحال أنّ قصّة الاغتيال يمكن أن تعدّ خيانة ، وعملاً جبانا في عرف الشجعان ، وعرف القانون والعرف الاجتماعي أيضا . وهي في حسابات ابن زياد المتغطرس الظالم عملية استهدفت حياته ، باعتباره الشخصي ، وبعده الرسمي كوالي ممثّل للسلطان الغاشم الحاكم يومئذٍ . ولم نجد مصدرا يصرّح أو يلوّح بمؤاخذة ابن زياد مسلما عليه السلام بهذه العملية ، ولم يذكرها فيما دار بينهما من حوار قبل شهادة البطل الهاشمي . ولو كان ثمّة شيء يدعى اغتيالاً ، أو محاولة استهدفت حياة الدعي ابن الدعي لما فات ابن زياد أن يذكرها ، ويعدّها جرما - في حسابه - يؤاخذ به مسلم بن عقيل عليهماالسلاموهاني بن عروة . المناقشة الخامسة عشرة :قصّة الاغتيال وقصّة الاختراق قصّة الاغتيال صارت قبل قصّة الاختراق - حسب المصادر - وإنّما دخل معقل على مسلم بن عقيل عليه السلام بعد وفاة شريك ودفنه . وهذا يعني أنّ ابن زياد قد استكشف مكان مسلم بن عقيل عليه السلام ، وعرف خبره ، فما فائدة تسخير الجاسوس معقل ؟! وربما قيل : إنّ ابن زياد كان قد كلّف معقل بالمهمّة ، ثم وقع حادث الاغتيال ، فاستفاد ابن زياد منه في إقامة الحجّة على هاني ! وتوثيق الإيواء بعين الجاسوس . ولكن يبقى معقل هنا أيضا فضولاً لا معنى له ، وما قيمة دوره في إثبات وجود مسلم عليه السلامفي بيت هاني ، ومقابلته مع هاني لمباغتته وإقامة الحجّة عليه ؟! بعد أن ثبت على هاني جرم أقوى ، واكتشف ذلك ابن زياد بنفسه ، ودارت الدائرة عليه وتمّت العملية بحضوره ! سيما إذا عرفنا أنّه لم يتربّص - حسب النصوص - بعد قصّة الاغتيال ، وإنّما سارع إلى اعتقال هاني ، بمعنى أنّ الاعتقال كان نتيجة الاغتيال ، لا سعي الوشاة والعيون . هذا كلّه على فرض أنّ دخول معقل كان بعد الاغتيال ، كما هو نصّ أغلب المؤرخين . أمّا على فرض نصّ ابن كثير ، فإنّ جاسوس ابن زياد قد أخبره أنّ مسلما عليه السلامقد تحوّل إلى دار هاني ، ثم إلى دار شريك . . وحينئذٍ ترد المناقشات السابقة ! المناقشة السادسة عشرة :التناقض والتهافت أيضا لقد أشرنا فيما سبق إلى التناقض والتهافت الذي تخبّط فيه المؤرخون في نقل القصّة حتى لا تجدهم يتّفقون على نقل مشهد من مشاهدها أبدا . وربما وقع التعارض في النقل ضمن الصفحة الواحدة أو الصفحتين ، ولعلّ التأمّل السريع في نصوص المصادر الأصلية التي ذكرناها في بداية البحث ، أو المراجعة العابرة في المقارنة بينها يكشف ذلك بوضوح ممّا يولّد الشكّ القوي في أصل وقوع هذه القصّة . ونكتفي هنا بذكر مثال واحد فقط اعتمادا على دقّة القارئ في مطالعة النصوص آنفا . ذكر الشيخ باقر شريف القرشي - حفظه اللّه - في كتابه الإمام الحسين عليه السلام قصّة الاغتيال ، وما جرى من حثّ شريك مسلما عليه السلامعلى الخروج ، وتأخّر مسلم عليه السلامعن تنفيذ العملية ، ثم قال : وفطن مهران مولى ابن زياد ، وكان ذكيّا ! إلى ما دبّر لسيّده، فغمزه ونهض به سريعا. فقال له شريك : أيّها الأمير ! إنّي أريد أن أوصي إليك . فقال له ابن زياد : إنّي أعود إليك ، والتفت مهران - وهو مذعور - إلى ابن زياد ، فقال له : إنّه أراد قتلك . . . . ثم استمر في سرد الأحداث إلى أن قال : ولم يلبث شريك بعد الحادثة إلاّ ثلاثة أيام حتى توفي ، فصلّى عليه ابن زياد ودفنه بالثوية . ولمّا تبيّن له ما دبّره له شريك طفق يقول : واللّه لا أصلّي على جنازة عراقي ، ولولا أنّ قبر زياد فيهم لنبشت شريكا ( حياة الإمام الحسين عليه السلام : 2/362 وما بعدها ) . وهذا النصّ يؤكد في البداية أنّ مهران قد فطن لما دبّروه لمولاه ، ونبّه ابن زياد إلى ذلك ، ثم يعود فيؤكد في ظاهر الفقرة الأخيرة أنّ ابن زياد لم يكن يعلم من قبل شيئا ، وإنّما تبيّن له ما دبّره له شريك بعد أن صلّى عليه ودفنه ، فطفق يقسم ويتوعّد !! لوازم قبول القصّة حينما يتحدّث المؤرخ ويروي لنا مواقف شخصية من شخصيات التاريخ ، إنّما يتعامل معها من خلال تصوراته وخلفياته وسوابقه الذهنية والفكرية والإعتقادية ، وتشكيلته الأخلاقية ، وغيرها من مكوّنات خزينه الذي تسيل منه دواة قلمه . وحينما نقرأ نحن التاريخ نقرأه بنفس الطريقة، وحينئذٍ نحاكم ما يقوله المؤرخ إلى الخزين العقائدي والفكري والأخلاقي الذي نتبنّاه ، سواء اتفقنا مع المؤرخ أو اختلفنا في ذلك . هذا كلّه لو أحسنّا الظنّ بالمؤرخ وراويه ، وتأكدنا من سلامته واستقلاله عن السلطان الجائر ، ولسنا كذلك . والمؤرخ لا يرى لآل أبي طالب وشخصياتهم وسيوفهم ورجالهم قداسة تكتنفهم من خلال الكتاب والسنّة ، ولا من خلال التقييم المعصوم الوارد على لسان النبي صلى الله عليه و آلهوالأئمة صلوات اللّه عليهم أجمعين . فهو يتعامل معهم كما يتعامل مع أيّ شخصية في التاريخ ، بل قد يفضّل - والعياذ باللّه - عليهم من لا يمكن مقايسته إلى تراب أقدامهم . فلا يتورّع من نسبة ما لا يليق بهم إليهم ، ويروي ما لا ينسجم مع أخلاقياتهم ومبادئهم ، فكيف إذا صدرت الأوامر من بلاطات الظالمين الغاصبين لحقوقهم ، واقترنت بالترغيب والترهيب ، وانطلقت من مكامن الحقد والحسد والضغائن ؟! فربما روى لنا المؤرخ حدثا يستلزم نتائج لا يمكن المصير اليها لمخالفتها لقول المعصوم ، أو سيرته ، أو تقييمه لشخص ما ، أو مخالفتها لما نعرفه بالبديهة في شخص من الأشخاص ، فحينئذٍ نتوقّف في قبوله إن لم نردّه ونضرب به عرض الجدار . ولهذا سوف نستعرض بعض اللوازم التي تترتّب على قبول قصّة الإغتيال هذه ، لنرى مدى مصداقيّتها وصمودها أمام ما نعرفه في شخص سفير سيّد شباب أهل الجنّة وثقته وأخيه وابن عمّه وصهره . وسوف نذكرها باختصار باعتبار أنّها مرّت علينا مفصّلاً في ثنايا البحث . ونستغفر اللّه ونعتذر من مولانا مسلم بن عقيل عليهماالسلام ممّا سنذكره لما فيه من إساءة أدب وتعابير غير لائقة بساحة سيّدنا ومولانا مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، ولكن ضرورة البحث تضطرّنا لذكرها . أوّلاً : قبول مسلم إيمان ابن زياد : إنّ مسلم بن عقيل عليهماالسلام قرّر أنّ ابن زياد مؤمن ، ولا ينبغي له أن يفتك به . ثانيا : التشكيك في فقاهة مسلم عليه السلام : ونحن إنّما نعبّر بلفظ التشكيك ، لأنّنا لا نجرؤ أن نكتب اللازم صراحة ، حيث أنّه وظّف حديث الفتك في مورد ليس هو من الفتك في شيء ، وطبّقه على فرد لا يصحّ تطبيقه عليه ، ولم يلحظ ما ذكرناه في مناقشة الخبر سندا ودلالة . ثالثا : تخطئة مسلم بن عقيل عليهماالسلام : تخطئة مسلم بن عقيل عليهماالسلام من قبل كبيرين من كبار رجال الشيعة على الأقلّ ، وهم هاني وشريك ، وأنّه قد أخطأ في تصوّره أن ابن زياد مؤمن بالوقت الذي يقرّران له أنّه لو قتله لقتل فاسقا فاجرا كافرا . وهذه التخطئة لا تنحصر في هذين الرجلين فحسب ، وإنّما تجري في كلّ من عرف ابن زياد وسمع القصّة . رابعا : تجبين مسلم بن عقيل عليهماالسلام : تجبين مسلم بن عقيل عليهماالسلام ونسبة الجبن والفشل له ، وأنّه أخذ بقلبه ، وأنّه أخذته كبوة . . . ففي الأخبار الطوال للدينوري : ينسب شريك الفشل والجبن إلى مسلم عليه السلام ، وكأنّه تأكيد لما ورد في الكتاب المزعوم على لسان الحسين عليه السلاممن نسبة نفس هذه الأُمور لمسلم عليه السلام تأكيدا لهذه الخصال في مسلم عليه السلام- والعياذ باللّه - . أولم يعرف شريك مسلما عليه السلام وقد خاض معه الحروب في الجمل وصفين ! وكيف اتهم شريك مسلما عليه السلام دون أن يسأله عن سبب الإمساك . وأيّ عاقل يرضى بنسبة هذه الصفات إلى نفسه فضلاً عن حفيد أبي طالب وابن عقيل أخي أمير المؤمنين وصهر الحسن والحسين عليهم السلام الذي ترك الكوفة إلى اليوم تتحدّث بشجاعته وبطولته وشهامته . « وإنّ من أهزل الأقوال وأوهنها القول بأنّ عدم فتكه به ناشى ء عن ضعفه وخوره ، فإنّ هذا أمر لا يمكن أن يصغى إليه ، فقد أثبت في مواقفه البطولية في الكوفة حينما غدر به أهلها ما لم يشاهد التاريخ له نظيرا في جميع مراحله ، فقد صمد أمام ذلك الزحف الهائل من الجيوش ، فقابلها وحده ، ولم تظهر عليه أيّ بادرة من الخوف والوهن ، فقد قام بعزم ثابت يحصد الرؤوس ، ويحطم الجيوش حتى ضجّت الكوفة من كثرة من قتل منها ، فكيف يتّهم بطل هاشم ، وفخر عدنان ، بالوهن والضعف ؟ » ( حياة الإمام الحسين عليه السلام للشيخ باقر شريف القرشي : 2/367 ) . خامسا : نسبة مواقف وتصرفات لمسلم عليه السلام لا تليق بساحته : نسبة مواقف وتصرفات لمسلم بن عقيل عليهماالسلاميأباها أيّ شخص عادي فضلاً عن المقاتل والمجاهد الذي خبر ساحات المعارك ، وترعرع في ميادين الوغى ، وقد رأت منه الكوفة ما رأت من الشجاعة والقوّة والبسالة . من قبيل اختفائه في بيت النساء ! أو في الخزانة ! أو ارتعاد هاني وتغيّر وجهه خوفا من ابن زياد ، وغير ذلك كثير لمن تأمّل النصوص . سادسا : عرض مسلم عليه السلام في صورة الخائف من ابن زياد : يلزم من قبول القصّة عرض مسلم عليه السلامفي صورة الخائف من ابن زياد ، فاختفاء مسلم عليه السلاممن ابن زياد في دار النساء ، أو المخدع ، أو غيرها من الأماكن لينقضّ عليه يصوّر مسلما عليه السلام في صورة الخائف من مواجهة ابن زياد . والحال أنّ مسلما عليه السلام أشجع وأكبر من أن يختفي من أجل قتل ابن زياد ، وكان بإمكانه أن يخرج لابن زياد من غرفته التي هو فيها أو يبقى في نفس البيت الذي فيه شريك ، ثم يعرض على ابن زياد ومن معه القتال ، وليس هذا الأمر بالذي يهابه مسلم عليه السلامالذي واجه الجموع والحشود المتكاثرة وحده ، وما خطر ابن زياد ومن معه بالنسبة إلى البطل الهاشمي ؟! سابعا : قبول الخيانة ! : القول بأنّ مسلما عليه السلام قد قبل الخيانة باديء ذي بديء ، ثم رجع عن ذلك ، لأنّ المصادر كلّها أجمعت أنّه قبل الاقتراح أوّلاً ، ثم نكص عنه ، وحاشا لساحة الطهر أن تعتريها الخيانة كما يصوّرونها . وهذا يعني أيضا أنّ مسلم بن عقيل عليهماالسلامكان متسرّعا في اتخاذ القرار ، يقرّر دون تروّ ، ثم يكتشف موطئ قدمه ، فيرجع ، ونستغفر اللّه من هذه النتيجة . ثامنا : نسبة الكذب إلى هاني : نسبة الكذب إلى هاني حيث أكّدت أكثر النصوص أنّ هانئا - ومن معه - كان يعتذر لابن زياد أنّ شريكا يهجر منذ الصباح ، أو منذ أن أصابه المرض ، وهذا يعني نسبة الكذب لهاني ، لأنّه قال : أنّه كذا منذ الصباح ، وهو لم يكن كذلك أبدا . وكذا نسبة التحايل إلى شريك وهاني في قصّة التمارض . تاسعا : تشويه صورة مسلم عليه السلام : الصورة التي نطالعها في التاريخ لمسلم بن عقيل عليهماالسلامنجده فيها يتردّد بين الكمائن التي تنصب له ، منذ دخوله الكوفة حتى وقوعه في الحفيرة !! عند إلقاء القبض عليه ، وكأنّه مبعوث من قبل سيّد الشهداء عليه السلامللتقلّب في الكمائن المنصوبة له ، ولا نجده في ما صوّره المؤرخون يحيد عن أيّ كمين أو يلتفت إليه . فيما نجد الدعي ابن الدعي ، ابن زياد ، حذرا فطنا كيّسا رزنا لاتخفى عليه خافية حتى يكتشفها ، ويلتفت اليها ، ويتنبّه لها في الوقت المناسب تماما . بل ويكون مولاه مهران كذلك أيضا ، قال الشيخ باقر شريف القرشي حفظه اللّه : وفطن مهران مولى ابن زياد ، وكان ذكيا إلى ما دبّر لسيّده ، فغمزه ونهض به سريعا . . وهذه ( حياة الإمام الحسين عليه السلام للشيخ باقر شريف القرشي : 2/364 ) النتيجة - وما سبقها من لوازم - من أسوء النتائج التي ينتفض لها الغيور على عترة الرسول صلى الله عليه و آله ، والعارف برجال الحسين عليه السلام . عاشرا : تحميل مسلم عليه السلام مسؤولية شهادة الحسين عليه السلام وأصحابه : تحميل مسلم بن عقيل عليهماالسلام بامتناعه !! عن اغتيال ابن زياد مسؤولية شهادة الحسين عليه السلاموأصحابه ، وما جرى على عقائل النبوة من السلب والنهب والسبي ، ووقوع العالم كلّه في ما وقع فيه من الضلال والضياع ، والحرمان من حكم المعصوم ، وإقامة دين اللّه وتطبيق شريعته وفق المخطّط الرباني في حكومة الأئمة الأثني عشر - صلوات اللّه عليهم أجمعين - . قال الشريف المرتضى رحمه الله في تنزيه الأنبياء : ... ولم يكن في حسابه ! أنّ القوم يغدر بعضهم ، ويضعف أهل الحقّ عن نصرته ، ويتّفق بما اتفق من الأمور الغريبة . فإنّ مسلم بن عقيل - رحمة اللّه عليه - لمّا دخل الكوفة أخذ البيعة على أكثر أهلها . ولمّا وردها عبيد اللّه بن زياد وقد سمع بخبر مسلم ودخوله الكوفة ، وحصوله في دار هاني بن عروة المرادي - رحمة اللّه عليه - على ما شرح في السير ، وحصل شريك بن الأعور بها جاءه ابن زياد عائدا ، وقد كان شريك وافق مسلم بن عقيل على قتل ابن زياد عند حضوره لعيادة شريك ، وأمكنه ذلك وتيسّر له ، فما فعل واعتذر بعد فوت الأمر إلى شريك بأنّ ذلك فتك ، وأنّ النبي - صلّى اللّه عليه وآله - قال : إنّ الإيمان قيد الفتك . ولو كان فعل مسلم بن عقيل من قتل ابن زياد ما تمكّن منه ، ووافقه شريك عليه لبطل الأمر، ودخل الحسين - عليه السلام - الكوفة غير مدافع عنها ، وحسر كلّ أحد قناعه في نصرته ، واجتمع له من كان في قلبه نصرته وظاهره مع أعدائه ( تنزيه الأنبياء : 228 ) . ومع قبول القصّة فإنّ كلام الشريف المرتضى - رحمه اللّه وحشره مع أجداده الطاهرين - يتلجلج في كلّ الصدور ، وإن أعاق الكشف عنه عند أكثر الناس الخوف من المحذور . هذا ، بالإضافة إلى محاذير أخرى كثيرة تلزم من قبول القصّة على ما وردت في التاريخ ، حيث أنّنا ذكرنا بعض ما يتعلّق بسيدنا ومولانا مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، أمّا شريك وهاني فإنّهما من عظماء الشيعة وأساطينهم ورجالهم وجماجمهم ورؤوسهم ، وينبغي التعامل معهم بما يناسبهم من التعظيم والتوقير والأدب الرفيع ، ونفض ما نثره الظالم من غبار في ساحتهم . * * * صلّى اللّه على الشهيد المظلوم ابن المظلوم مسلم بن عقيل ، وعلى المستشهدين تحت لواء سفير الحسين عليه السلامواللعن على أعدائهم أجمعين .

ص: 235

ص: 236

ص: 237

ص: 238

ص: 239

ص: 240

ص: 241

ص: 242

ص: 243

ص: 244

ص: 245

ص: 246

ص: 247

ص: 248

ص: 249

ص: 250

ص: 251

ص: 252

ص: 253

ص: 254

ص: 255

ص: 256

ص: 257

ص: 258

ص: 259

ص: 260

ص: 261

ص: 262

ص: 263

ص: 264

ص: 265

ص: 266

ص: 267

ص: 268

ص: 269

ص: 270

ص: 271

ص: 272

ص: 273

ص: 274

ص: 275

ص: 276

ص: 277

ص: 278

ص: 279

ص: 280

ص: 281

ص: 282

ص: 283

ص: 284

ص: 285

ص: 286

ص: 287

ص: 288

ص: 289

ص: 290

ص: 291

ص: 292

ص: 293

ص: 294

ص: 295

ص: 296

ص: 297

ص: 298

ص: 299

ص: 300

ص: 301

ص: 302

ص: 303

ص: 304

ص: 305

ص: 306

ص: 307

ص: 308

ص: 309

ص: 310

ص: 311

ص: 312

ص: 313

ص: 314

كتاب مسلم عليه السلام للحسين عليه السلام وشهادة عبد اللّه بن يقطر

فلمّا دخل القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبد اللّه بن يقطر ، فإذا فيه :

للحسين بن علي ، أمّا بعد : فإنّي أخبرك أنّه قد بايعك من أهل الكوفة كذا ، فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل ، فإنّ الناس معك ، وليس لهم في يزيد رأي ولا هوى .

فأمر ابن زياد بقتله(1) .

حبس هانى بن عروة

وقال لمحمد بن الأشعث الكندي ، وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، وأسماء بن خارجة الفزاري : احضروا هاني بن عروة ، فأحضروه باللطف .

ص: 315


1- الفتوح لابن أعثم : 5/45 .

فالتفت ابن زياد إلى شريح القاضي وتمثّل :

أريد حياته ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

* * *

فقال هاني : ما هذا أيّها الأمير ؟ قال : جئت بمسلم بن عقيل وأدخلته دارك ، وجمعت له السلاح والرجال في دور حولك ، وظننت أنّ ذلك يخفى عليّ ؟! فأنكر هاني بن عروة ذلك ، فقال : عليّ بمعقل .

فلمّا جيء به قال : أتعرفه ؟ قال هاني : ما دعوت مسلما ، وإنّما جاءني بالجوار ، فإذ قد عرفت أخرجه من جواري ، قال : لا - واللّه - لا مناص لك منّي إلاّ بعد أن تسلّمه إليّ ، قال : لا يكون ذلك أبدا .

فكلّمه مسلم بن عمرو الباهلي في ذلك قال : ليس عليك في دفعه عار ، إنّما تدفعه إلى السلطان ، فقال هاني : بلى - واللّه - عليّ أعظم العار ، أن أسلم جاري وضيفي ورسول ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنا حي ، صحيح الساعدين ، كثير الأعوان ، واللّه لو لم أكن إلاّ واحدا لما سلّمته أبدا حتى أموت من دونه(1) .

ص: 316


1- في مروج الذهب للمسعودي : 3/57 : ووضع ابن زياد الرَّصَدَ على مسلم حتى علم بموضعه ، فوجّه محمد بن الأشعث ابن قيس الى هانئ ، فجاءه فسأله عن مسلم ، فأنكره ، فأغلظ له ابن زياد القول ، فقال هانئ : إنّ لزياد أبيك عندي بلاء حسنا ، وأنا أحِبُّ مكافأته به ، فهل لك في خير ؟ قال ابن زياد : وما هو ؟ قال : تشخص الى أهل الشام أنت وأهل بيتك سالمين بأموالكم ، فإنّه قد جاء حقّ من هو أحقّ من حقّك وحقّ صاحبك ، فقال ابن زياد : أدنوه منّي ، فأدنوه منه ، فضرب وجهه بقضيب كان في يده حتى كسر أنفه وشقّ حاجبه ، ونثر لحم وجنته ، وكسر القضيب على وجهه ورأسه ، وضرب هانئ بيده الى قائم سيف شرطي من تلك الشرط ، فجاذبه الرجل ، ومنعه السيف ، وصاح أصحاب هانئ بالباب : قتل صاحبنا ، فخافهم ابن زياد ، وأمر بحبسه في بيت الى جانب مجلسه ، وأخرج اليهم ابن زياد شريحا القاضي ، فشهد عندهم أنّه حيّ لم يقتل ، فانصرفوا . . .

فقال ابن زياد : إن لم تحضره لأضربن عنقك ، وضرب قضيبا على أنفه وجبهته حتى هشّمه ، وأمر بحبسه .

وبلغ ذلك مذحجا ، فأقبلت إلى القصر ، فأمر ابن زياد شريحا القاضي أن يخرج إليهم ويعلمهم أنّه حيّ سالم ، فخرج إليهم وصرفهم(1) .

محاصرة القصر

ووصل الخبر إلى مسلم بن عقيل عليهماالسلام في أربعة آلاف كانوا حواليه ، فاجتمع إليه ثمانية آلاف ممّن بايعوه ، فتحرّز عبيد اللّه وغلق الأبواب ، وسار مسلم عليه السلام حتى أحاط بالقصر .

فبعث عبيد اللّه كثير بن شهاب الحارثي ، ومحمد بن الأشعث الكندي ، من باب الروميين براية الأمان لمن جاءها من الناس ، فرجع الرؤوساء إليها ، فدخلوا القصر ، فقال لهم عبيد اللّه : أشرفوا على الناس فمنّوا أهل الطاعة ، وخوّفوا أهل المعصية .

فما زال الناس يتفرّقون حتى أمسى مسلم عليه السلام وما معه إلاّ ثلاثون نفسا .

ص: 317


1- المقتل لأبي مخنف : 39 ، الإرشاد للمفيد : 2/49 ، تاريخ الطبري : 4/273 .
مسلم عليه السلام على باب طوعة

فلّما صلّى المغرب ما رأى أحدا ، فبقي في أزقة كندة متحيّرا ، فمشى حتى أتى إلى باب امرأة يقال لها « طوعة » كانت أمّ ولد محمد بن الأشعث ، فتزوّجها أسيّد الحضرمي ، فولدت له بلالاً ، وكان بلال خرج مع الناسوأمّه قائمة تنتظره .

فقال لها مسلم عليه السلام : يا أمة اللّه اسقيني ، فسقته وجلس ، فقالت له : يا عبد اللّه ، اذهب إلى أهلك ، فسكت ، ثم عادت فسكت .

فقالت : سبحان اللّه ! قم إلى أهلك ، فقال : ما لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة .

قالت : فلعلك مسلم بن عقيل ؟ فآوته .

فلمّا دخل بلال على أمّه وقف على الحال ونام(1) .

فلمّا أصبح أذّن مناد : من دلّ على مسلم فله ديّته ، وبرئت الذمّة من رجل وجدناه في داره .

فجاء بلال إلى عبد الرحمن بن محمد الأشعث ، فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عليهماالسلام عنده ، فأقبل عبد الرحمن ودنا من أبيه وساره .

فقال ابن زياد : ما يقول ابنك ؟ فقال : يقول : ابن عقيل في دار من دورنا .

ص: 318


1- الفتوح لابن أعثم : 5/50 ، مقاتل الطالبيين : 71 ، الإرشاد للمفيد : 2/50 ، تاريخ الطبري : 4/275 .
قتال مسلم عليه السلام

فأنفذ عبيد اللّه عمرو بن حريث المخزومي ومحمد بن الأشعث في سبعين رجلاً حتى أطافوا بالدار ، فحمل مسلم عليه السلام عليهم وهو يقول :

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع

فأنت بكأس الموت لا شكّ جارع

فصبرا لأمر اللّه جلّ جلاله

فحكم قضاء اللّه في الخلق ذائع

* * *

فقتل منهم واحدا وأربعين رجلاً ، فأنفذ ابن زياد اللائمة إلى ابن الأشعث ، فقال : أيّها الأمير ، إنّك بعثتني إلى أسد ضرغام ، وسيف حسام في كفّ بطل همام ، من آل خير الأنام .

قال : ويحك ، ابن عقيل ! لك الأمان ، وهو يقول : لا حاجة لي في أمان الفجرة ، وهو يرتجز :

أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا

وإن رأيت الموت شيئا نكرا

أكره أن أخدع أو أغرّا

كلّ امرئ يوما يلاقي شرّا

أضربكم ولا أخاف ضرّا

ضرب غلام قطّ لم يفرّا

* * *

فضربوه بالسهام والأحجار حتى عيي ، واستند حائطا ، فقال : ما لكم ترموني بالأحجار كما ترمى الكفار ؟ ! وأنا من أهل بيت الأنبياء الأبرار ، لا ترعون حقّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ذريّته .

ص: 319

فقال ابن الأشعث : لا تقتل نفسك وأنت في ذمّتي .

قال : أؤسر وبي طاقة ؟ لا - واللّه - لا يكون ذلك أبدا(1) ، وحمل عليه ،فهرب منه .

شهادة مسلم عليه السلام

فقال مسلم عليه السلام : اللّهم إنّ العطش قد بلغ منّي .

فحملوا عليه من كلّ جانب ، فضربه بكير بن حمران الأحمري على شفته العليا ، وضربه مسلم عليه السلام في جوفه فقتله ، وطعن من خلفه فسقط من فرسه ، فأسر .

فقال مسلم عليه السلام : اسقوني شربة من ماء ، فأتاه غلام عمرو بن حريث بشربة زجاج ، وكانت تملى دما ، وسقطت فيه ثنيته(2) .

فأتي به إلى ابن زياد فتجاوبا ، وكان ابن زياد يسبّ حسينا وعليا عليه السلام .

فقال مسلم عليه السلام : « فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ » يا عدوّ اللّه .

فقال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر ، واضربوا عنقه ، وكان مسلم عليه السلام يدعو اللّه ويقول : اللّهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا ، فقتله ، وهو على موضع الحذّائين .

ثم أمر بقتل هاني بن عروة في محلّة يباع فيها الغنم ، ثم أمر بصلبه منكوسا .

ص: 320


1- مقاتل الطالبيين : 69 .
2- روضة الواعظين : 177 ، الإرشاد للمفيد : 2/60 ، الفتوح لابن أعثم : 5/55 .

وأنشد أسدي :

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى هانيء في السوق وابن عقيل(1)

* * *

نصب الرأسين في درب من دمشق

وأنفذ رأسهما إلى يزيد في صحبة هاني بن حياة الوادعي(2) ، فنصب الرأسين في درب من دمشق(3) .

كتاب يزيد الى ابن زياد

وكتب : قد بلغني أنّ الحسين عليه السلام قد عزم إلى المسير إلى العراق ، فضع المراصد ، واحبس على الظنّ ، واقتل على التهمة ، حتى تكفى أمره(4) .

اعتراض عمرو المخزومى على الحسين عليه السلام

فلمّا عزم الحسين عليه السلام على الخروج نهاه عمرو بن عبد الرحمن بن هشام

ص: 321


1- مقاتل الطالبيين : 72 ، الإرشاد للمفيد : 2/64 ، الطبقات الكبرى لابن سعد : 4/42 ، الأخبار الطوال للدينوري : 241 ، تاريخ الطبري : 4/260 . .
2- اعلام الورى : 1/444 ، المقتل لأبي مخنف : 59 ، الفتوح لابن أعثم : 5/61 .
3- الفتوح لابن أعثم : 5/63 .
4- الفتوح لابن أعثم : 5/63 .

المخزومي ، فقال : جزاك اللّه - يا ابن عمّ - مهما يقض يكن ، وأنت عندي أحمد مشير ، وأنصح ناصح(1) .

اعتراض ابن عباس على الحسين عليه السلام وكلامه مع ابن الزبير

فأتاه ابن عباس ، وتكلّم في ذلك كثيرا(2) ، فانصرف ومرّ بعبد اللّه بن الزبير ، فقال :

قد قلت لمّا أن رزيت(3) معشري

يا لك من قنبرة بمعمري

خلا لك الجوّ فبيضي واصفري

ونقّري ما شئت أن تنقّري

هذا حسين سائر فاستبشري

مذ رفع الفخّ فماذا تحذري

لابّد من أخذك يوما فاصبري(4)

* * *

كتاب ابن جعفر وجواب الحسين عليه السلام

وكتب إليه عبد اللّه بن جعفر من المدينة في ذلك ، فأجابه : إنّيقد رأيت جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منامي ، فخبّرني بأمر ، وأنا ماضٍ له ،

ص: 322


1- تاريخ الطبري : 4/286 ، المقتل لأبي مخنف : 63 .
2- تاريخ الطبري : 4/287 ، المقتل لأبي مخنف : 64 .
3- في النسخ المطبوعة : « وزيت » ، وما أثبتناه من المخطوطة .
4- مقاتل الطالبيين : 73 ، الأخبار الطوال للدينوري : 244 ، تاريخ دمشق : 14/211 ، تاريخ الطبري : 4/288 .

لي كان أم عليّ ، واللّه - يا ابن عمّ - ليعتدينّ عليّ كما يعتدي اليهود يوم السبت ، وخرج(1) .

لقاؤه عليه السلام مع الفرزدق فى ذات عرق

فلمّا بلغ ذات عرق(2) رأى الفرزدق الشاعر ، فسأل الخبر ، فقال : قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أميّة .

قال : صدقت يا أخا تيم ، وإنّ اللّه يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد(3) .

منزل الحاجز وشهادة قيس بن مسهر

فلمّا بلغ الحاجز من بطن الرقّة(4) بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى

ص: 323


1- الفتوح لابن أعثم : 5/67 ، المناقب للخوارزمي : 1/217 .
2- في معجم البلدان للحموي : 4/107 : ذات عرق : مهل أهل العراق ، وهو الحدّ بين نجد وتهامة ، وقيل : عرق جبل بطريق مكة ، ومنه ذات عرق ، وقال الأصمعي : ما ارتفع من بطن الرمّة فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق ، وعرق : هو الجبل المشرف على ذات عرق . وقال ابن شبيب : ذات عرق من الغور ، والغور من ذات عرق إلى أوطاس ، وأوطاس على نفس الطريق ، ونجد من أوطاس إلى القريتين ، وقال قوم : أول تهامة من قبل نجد مدارج ذات عرق . .
3- الفتوح لابن أعثم : 5/71 ، تاريخ الطبري : 4/290 ، المقتل لأبي مخنف : 68 .
4- كذا في النسخ المطبوعة ، وفي المخطوطة : « بطن الروية » ، « وفي معجم البلدان للحموي : 1/449 : بطن الرمّة : بضمّ الراء ، وتشديد الميم ، وقد يقال بالتخفيف ، وقد ذكر في الرمّة ، وهو واد معروف بعالية نجد ، وقال ابن دريد : الرمّة قاع عظيم بنجد تنصب إليه أودية .

أهل الكوفة يخبرهم بمجيئه ، فأخذه الحصين بن نمير في القادسية ، وبعث به إلى ابن زياد .

فقال له ابن زياد : اصعد القصر ، فسبّ الكذّاب ابن الكذّاب ! !

فصعد فأثنى على اللّه وعلى رسوله وعلى أهل بيته ، ولعن زيادا وابنه .

فرمي به من فوق القصر ، فمات(1) .

زينب عليهاالسلام تسمع هاتفا فى الخزيمية

فلمّا نزل الحسين عليه السلام بالخزيمية قالت زينب عليهاالسلام : يا أخي سمعت في ليلتي هاتفا يهتف :

ألا يا عين فاحتفلي بجهد

ومن يبكي على الشهداء بعدي

إلى قوم تسوقهم المنايا

بمقدار إلى إنجاز وعد(2)

* * *

بين الحسين وعلى الأكبر عليهماالسلام فى الثعلبية

فلمّا وصل إلى الثعلبية جعل يقول :

ص: 324


1- روضة الواعظين : 177 ، الإرشاد للمفيد : 2/70 ، تاريخ الطبري : 4/297 ، المقتل لأبي مخنف : 71 ، اعلام الورى : 1/226 .
2- الفتوح لابن أعثم : 5/70 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/225 .

« باتوا نياما والمنايا تسري »فقال علي بن الحسين الأكبر عليهماالسلام : ألسنا على الحقّ ؟ قال : بلى ، قال : إذا - واللّه - ما نبالي(1) .

فى منزل شقوق

فلمّا نزل شقوق أتاه رجل ، فسأله عن العراق ، فأخبره بحاله ، فقال : إنّ الأمر للّه يفعل ما يشاء ، وربّنا - تبارك - كلّ يوم في شأن ، فإن نزل القضاء فالحمد للّه على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء ، فلم يبعد من الحقّ نيّته(2) ، ثم أنشد :

فإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة

فدار ثواب اللّه أعلى وأنبل

وإن تكن الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به الحرّ يبخل

وإن تكن الأرزاق قسما مقدّرا

فقلّة حرص المرء في الكسب أجمل

وإن تكن الأبدان للموت أنشئت

فقتل امرئ بالسيف في اللّه أفضل

عليكم سلام اللّه يا آل أحمد

فإنّي أراني عنكم سوف أرحل(3)

* * *

ص: 325


1- الفتوح لابن أعثم : 5/71 ، روضة الواعظين : 180 ، مقاتل الطالبيين : 74 ، الإرشاد للمفيد : 2/82 ، تاريخ الطبري : 4/308 ، المقتل لأبي مخنف : 92 ، اعلام الورى : 1/450 .
2- في النسخ المطبوعة : « نفيه » ، وما أثبتناه من المخطوطة والمصادر .
3- الفتوح لابن أعثم : 5/72 .
لقاء الحرّ فى شراف

فلمّا نزل على شراف قال : رأيت النخيل ، فقال رجلان أسديان كانا معه : هذا مكان ما رأينا به نخلاً قطّ ، قال الحسين عليه السلام : فما تريانه ؟

فقالا : لا نراه - واللّه - إلاّ هوادي الخيل .

فقال : أنا - واللّه - أرى ذلك .

وأمر أصحابه أن يستبقوا ، إذا هم بالحرّ الرياحي في ألف رجل ، فقام الحسين عليه السلام ، وصلّى بأصحابه وصلّى الحرّ معه ، فلمّا سلّم ، قال :

أيّها الناس معذرة إلى اللّه وإليكم ، إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم ، وقدمت عليّ رسلكم . . في كلام له حتى قال :

فإن تعطوني ما أطمئن عليه من عهودكم أقدم مصركم ، وإن كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم .

فقال الحرّ : إنّا - واللّه - ما ندري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر .

فدعا الحسين عليه السلام بخرجين مملوئين كتبا ، فنثرها .

فقال الحرّ : لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك ، إنّما أمرنا إذا لقيناك لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد اللّه ابن زياد ، فقال الحسين عليه السلام : الموت أدنى إليك من ذلك(1) .

ص: 326


1- المقتل لأبي مخنف : 82 وما بعدها ، تاريخ الطبري : 4/302 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/230 ، روضة الواعظين : 180 ، الفتوح لابن أعثم : 5/77 ، اعلام الورى : 1/450 .
وصول كتاب ابن زياد للحرّ في نينوى

فلمّا انتهى إلى نينوى كتب ابن زياد إلى الحرّ : أمّا بعد ، فجعجع(1) بالحسين حين يبلغك كتابي ، ولا تنزله إلاّ بالعراء ، في غير حصن ، على غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن لا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري(2) .

فأمر الحسين عليه السلام أن يشدّوا الرحال ، فجعلوا يلازمونه ، فطال بينهما المقال .

فقال الحرّ : خذ على غير الطريق ، فواللّه ، لئن قاتلت لتقتلنّ .

فقال الحسين عليه السلام : أبالموت(3) تخوفني ؟! وتمثّل بقول أخي الأوس : « سأمضي فما بالموت عار على الفتى »(4) . . الأبيات .

فاستدلّ على غير الجادة ، فقال الطرماح بين عدي الطائي : أنا المدلّ ، وجعل يرتجز :

يا ناقتي لا تجزعي من زجري

وامض بنا قبل طلوع الفجر

بخير فتيان وخير سفر

آل رسول اللّه أهل الخير

ص: 327


1- جعجع به : أي ضيّق عليه ولا تتركه يطمئن .
2- المقتل لأبي مخنف : 82 وما بعدها ، تاريخ الطبري : 4/302 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/230 ، روضة الواعظين : 180 ، الفتوح لابن أعثم : 5/77 ، اعلام الورى : 1/450 .
3- في المصادر : « أفبالموت » .
4- تاريخ الطبري : 4/305 ، الإرشاد للمفيد : 2/81 ، أمالي الصدوق : 218 ، روضة الواعظين : 179 ، المقتل لأبي مخنف : 87 ، اعلام الورى : 1/449 .

السادة البيض الوجوه الزهر

الطاعنين بالرماح السمر

الضاربين بالسيوف البتر(1)

* * *

في عذيب الهجانات

فلمّا أصبح بعذيب الهجانات رأى الحرّ في عسكره يتبعه ، فسأله عن الحالة ، فقال : هدّدني الأمير في شأنك ، فقال : دعنا في نينوى والغاضرية ، فقال : لا - واللّه - وعليّ عينه .

فقال زهير بن القين البجلي : إئذن لنا بقتالهم ، فقتال هؤلاء اليوم أسهل من قتال من يجيء بعدهم .

فقال : لا ابتدي(2) .

في قرية عقر

فساقوا إلى قرية عقر ، فسأل عنها ، فقيل : هي العقر ، فقال : إنّي أعوذ بك من العقر(3) .

ص: 328


1- الفتوح لابن أعثم : 5/79 .
2- الفتوح لابن أعثم : 5/80 .
3- تاريخ الطبري : 4/309 ، المقتل لأبي مخنف : 94 .

في كربلاء

اشارة

فساقوا إلى كربلاء يوم الخميس الثاني من المحرم سنة إحدى وستين .

ثم نزل ، وقال : هذا موضع الكرب والبلاء ، هذا مناخ ركابنا ، ومحطّ رحالنا ، ومقتل رجالنا ، وسفك دمائنا(1) .

رسائل بين ابن سعد وابن زياد

ثم أقبل عمر بن سعد في أربعة آلاف حتى نزل بالحسين عليه السلام ، وبعث من غده قرّة بن قيس الحنظلي يسأله ما الذي جاء به ؟

فلمّا بلغ رسالته قال الحسين عليه السلام : كتب إليّ أهل مصركم أن أقدم ، فأمّا إذا كرهتموني فأنا انصرف عنكم .

فلمّا سمع عمر جوابه كتب إلى ابن زياد بذلك ، فلمّا رأى ابن زياد كتابه قال :

الآن إذ علقت مخالبنا به

يرجو النجاة ولات حين مناص

* * *

وكتب إلى عمر : اعرض على الحسين أن يبايع يزيد وجميع أصحابه ، فإذا فعل ذلك رأينا رأينا ، وإن أبى فائتني به(2) .

ص: 329


1- الفتوح لابن أعثم : 5/83 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/234 .
2- اعلام الورى : 1/452 .
قطع الماء عن معسكر الحسين عليه السلام
اشارة

قال الطبري : ثم كتب ابن زياد إلى عمر بن سعد : أمّا بعد ، فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، فلا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي النقي عثمان أمير المؤمنين المظلوم !!!

قال : بعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس ، فنزلوا على الشريعة ، وحالوا بينه وبين الماء ثلاثة أيام إلى أن قتل(1) .

أمر ابن زياد بقتال الحسين عليه السلام والتمثيل به

قال الطبري في حديث عقبة بن سمعان أنّه قال عليه السلام : دعوني أذهب في الأرض العريضة حتى ننظر إلى ما يصير أمر الناس .

فكتب عمر إلى ابن زياد ، وذكر في آخره : وفي هذا للّه رضى وللأمّة صلاح(2) .

فأنفذ ابن زياد بشمر بن ذي الجوشن بكتاب فيه : إنّي لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه ، ولا لتطاوله ، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء ، ولا لتعتذر له عندي ، ولا لتكون له شافعا ، فإن نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا ، فابعث بهم إليّ سالمين ، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم ، وتمثّل بهم !! فإنّهم لذلك مستحقّون !!!

ص: 330


1- تاريخ الطبري : 4/311 ، المقتل لأبي مخنف : 97 ، اعلام الورى : 1/452 ، روضة الواعظين : 182 ، الإرشاد للمفيد : 2/86 .
2- تاريخ الطبري : 4/313 ، المقتل لأبي مخنف : 100 .

فإن قتل الحسين ، فأوطيء الخيل صدره وظهره ، فإنّه عاق شاق قاطعظلوم(1) !!!

فإن أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل أمرنا وجندنا ، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنّا قد أمرناه بأمرنا .

وكان أمر شمرا أنّه إن لم يفعل بما فيه ، فاضرب عنقه ، وأنت الأمير(2) ، وكان قد كتب لعمر منشورا بالري ، فجعل يقول :

فواللّه ما أدري وإنّي لواقف

أفكّر في أمري على خطرين

أأترك ملك الريّ والريّ منيتي

أم ارجع مأثوما بقتل حسين

ففي قتله النار التي ليس دونها

حجاب وملك الريّ قرّة عيني(3)

* * *

كتاب ابن زياد للحسين عليه السلام

وكتب ابن زياد إلى الحسين عليه السلام : أمّا بعد ، يا حسين ! فقد بلغني نزولك

ص: 331


1- اللّهم العن أوّل ظالم ظلم حقّ محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلك ، اللّهم العن العصابة التي جاهدت الحسين عليه السلام وشايعت وبايعت وتابعت على قتلهم ، اللّهم العن بني أميّة قاطبة ، والعن آل أبي سفيان وآل زياد وآل مروان الى يوم القيامة ، وعذّبهم عذابا يستغيث منه أهل النار ، آمين ربّ العالمين .
2- روضة الوعظين : 182 ، الإرشاد للمفيد : 2/88 ، اعلام الورى : 1/453 .
3- الفتوح لابن أعثم : 5/85 و96 .

بكربلاء، وقد أمرني أميرالمؤمنين! أن لا أتوسّد الوثير، ولا أشبع من الخميرحتى ألحقك باللطيف الخبير ، أو ترجع إلى حكمي ! وحكم يزيد بن معاوية !

فلمّا قرأ الحسين عليه السلام الكتاب قال : ليس له جواب ، لأنّه قد حقّت عليه كلمة العذاب(1) .

عدد العسكرين
اشارة

وجهّز ابن زياد عليه خمسا وثلاثين ألفا :

فبعث الحرّ في ألف رجل من القادسية .

وكعب بن طلحة في ثلاثة آلاف .

وعمر بن سعد في أربعة آلاف .

وشمر بن ذي الجوشن السلولي في أربعة آلاف من أهل الشام .

ويزيد بن ركاب الكلبي في ألفين .

والحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف .

ومضاير بن رهينة المازني في ثلاثة آلاف .

ونصر بن حرشة في ألفين .

وشبث بن ربعي الرياحي في ألف .

وحجار بن أبحر في ألف(2) .

ص: 332


1- الفتوح لابن أعثم : 5/85 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/239 .
2- الفتوح لابن أعثم : 5/89 ، أمالي الصدوق : 220 .

وكان جميع أصحاب الحسين عليه السلام إثنين وثمانين رجلاً ، منهم الفرسانإثنان وثلاثون فارسا(1) ، ولم يكن لهم من السلاح إلاّ السيف والرمح !!

زحف عمر واستمهال الحسين عليه السلام لهم

فركب عمر في الناس ثم زحف نحوهم ، فقال الحسين للعباس عليهماالسلام : تقول لهم : ما لكم ؟ وما بدا لكم ؟ وتسألهم عمّا جاء بهم .

فقالوا : جاء أمر الأمير بكيت وكيت .

قال : فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ، وأعرض عليه ما ذكرتم .

فمضى وعرض عليه ، فقال : إنّ أبا عبد اللّه يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا الأمر .

فأبى عمر بن سعد ، فقال : عمرو بن الحجاج الزبيدي : سبحان اللّه ! واللّه ، أن لو كان من الديلم ثم سألكم هذه المنزلة لكان ينبغي أن يجاب .

الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه ليلة العاشر

فجمع الحسين عليه السلام أصحابه ، وحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال بعد دعاء وكلام كثير :

وإنّي قد أذنت لكم ، فانطلقوا جميعا في حلّ ، ليس عليكم منّي ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً ، وليأخذ كلّ رجل بيد رجل من أهل

ص: 333


1- روضة الواعظين : 184 ، الهداية الكبرى : 202 ، دلائل الإمامة : 178 ، الإرشاد للمفيد : 2/95 ، تاج المواليد : 31 ، تاريخ الطبري : 4/320 ، المقتل لأبي مخنف « الشائعة » : 113 ، اعلام الورى : 1/457 .

بيتي ، وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم ، فإنّ القوم إنّما يطلبونني ، ولو قدأصابوني لهوا عن طلب غيري .

فأبوا ذلك كلّهم(1) ، كما قال ابن حماد :

لست أنساه حين أيقن بالموت

دعاهم وقام فيهم خطيبا

ثم قال ارجعوا إلى أهلكم فليس

سواي أرى لهم مطلوبا

فأجابوه والعيون سكوب

وحشاهم قد شبّ منها لهيبا

أيّ عذر لنا غدا حين نلقى

جدّك المصطفى ونحن حروبا

* * *

فقال مسلم بن عوسجة الأسدي : واللّه ، لو علمت أنّي أقتل ، ثم أحيى ، ثم أحرق ، ثم أذرى ، يفعل بي ذلك سبعين مرّة ما تركتك ، فكيف وإنّما هي قتله واحدة ، ثم الكرامة إلى الأبد .

وتكلّم سعد بن عبد اللّه الحنفي ، وزهير بن القين ، وجماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا(2) .

فأوصى الحسين عليه السلام أن لا يشقّوا عليه جيبا ، ولا يخمشوا وجها ، ولا يدعى بالويل والثبور .

وباتوا قارئين راكعين ساجدين(3) .

ص: 334


1- الإرشاد للمفيد : 2/90 ، تاريخ الطبري : 4/315 .
2- تاريخ الطبري : 4/318 ، الإرشاد للمفيد : 2/92 .
3- الإرشاد للمفيد : 2/94 ، تاريخ الطبري : 4/319 ، تاريخ اليعقوبي : 2/244 ، اعلام الورى : 1/457 .

قال علي بن الحسين عليه السلام : إنّي لجالس في تلك الليلة التي قتل أبى في صبيحتها ، وكان يقول :

يا دهر أفّ لك من خليل

كم لك بالإشراق والأصيل

من صاحب وطالب قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل

وإنّما الأمر إلى الجليل

وكلّ حيّ سالك سبيل

ما أقرب الوعد من الرحيل

* * *

قالت زينب عليهاالسلام : كأنّك تخبر أنّك تغصب نفسك اغتصابا ، فقال : لو ترك القطا ليلاً لنام(1) .

ص: 335


1- أمالي الصدوق : 221 ، روضة الواعظين : 184 ، مقاتل الطالبيين : 75 ، الإرشاد للمفيد : 2/93 ، تاريخ اليعقوبي : 2/244 ، تاريخ الطبري : 4/319 ، الفتوح لابن أعثم : 5/84 ، اعلام الورى : 1/456 .

يوم عاشوراء

اشارة

فلمّا أصبحوا عبّأ الحسين عليه السلام أصحابه ، وأمر بأطناب البيوت ، فقرّبت حتى دخل بعضها في بعض ، وجعلوها وراء ظهورهم ، ليكون الحرب من وجه واحد ، وأمر بحطب وقصب كانوا جمعوه وراء البيوت ، فطرح ذلكفي خندق جعلوه ، وألقوا فيه النار ، وقال : لا نؤتى من ورائنا(1) .

توبة الحرّ

فحرّك الحرّ دابته حتى استأمن إلى الحسين عليه السلام ، وقال له : بأبي أنت وأمّي ، ما ظننت أنّ الأمر ينتهي بهؤلاء القوم إلى ما أرى ، فأمّا الآن جئتك تائبا ، ومواسيا لك حتى أموت بين يديك ، أترى إلى ذلك توبة ؟

قال : نعم يتوب اللّه عليك ويغفر لك(2) .

الحسين عليه السلام يعظ القوم

فقال الحسين عليه السلام لبرير : احتج عليهم ، فتقدّم إليهم ووعظهم ، فضحكوا

ص: 336


1- أمالي الصدوق : 221 ، روضة الواعظين : 184 ، مقاتل الطالبيين : 75 ، الإرشاد للمفيد : 2/93 ، تاريخ اليعقوبي : 2/244 ، تاريخ الطبري : 4/319 ، الفتوح لابن أعثم : 5/84 ، اعلام الورى : 1/456 .
2- روضة الواعظين : 184 ، أمالي الصدوق : 222 ، تاريخ الطبري : 4/320 .

منه ورشقوه(1) .

فتقدّم الحسين عليه السلام ، ورأى صفوفهم كالسيل والليل ، فخطب فقال :

الحمد للّه الذي خلق الدنيا ، فجعلها دار فناء وزوال ، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال ، فالمغرور من غرّته ، والشقيّ من فتنته ، « فَلا تَغُرَّنَّكُمُالْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّهِ الْغَرُورُ » . .

ومنها : فنعم الربّ ربّنا ، وبئس العباد أنتم ، أقررتم بالطاعة ، وآمنتم بالرسول محمد صلى الله عليه و آله ، ثم أنتم رجعتم(2) إلى ذريّته وعترته تريدون قتلهم ، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر اللّه العظيم ، فتبّا لكم ولما تريدون ، إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم ، « فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ »(3) .

قوموا الى الموت الذي لابدّ منه

فتقدّم عمر بن سعد وقال : يا أهل العراق ، اشهدوا أنّي أوّل رام ، فرشقوا كالسيل .

فقال الحسين عليه السلام : هي رسل القوم إليكم ، فقوموا - رحمكم اللّه - إلى الموت الذي لابدّ منه(4) .

ص: 337


1- روضة الواعظين : 184 ، أمالي الصدوق : 222 ، تاريخ الطبري : 4/320 .
2- في بعض النسخ : « ثم إنّكم زحفتم » .
3- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/252 .
4- الفتوح لابن أعثم : 5/101 .

فجعل عليه السلام زهير بن القين على الميمنة ، وحبيب بن مظاهر في الميسرة ، وأعطى رايته العباس بن علي(1) عليهماالسلام .

وكان كلّ من أراد الخروج ودّع الحسين عليه السلام وقال : السلام عليك يا ابنرسول اللّه ، فيجيبه : وعليك السلام ونحن خلفك ، ويقرأ : « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ »(2) .

شهادة الحرّ

وبرز الحرّ وهو يرتجز :

إنّي أنا الحرّ ومأوى الضيف

أضرب في أعناقكم بالسيف

عن خير من حلّ بلاد الخيف

أضربكم ولا أرى من حيف(3)

* * *

فقتل نيفا وأربعين رجلاً .

شهادة برير

ثم برز برير بن خضير الهمداني ، وهو يقول :

أنا برير وأبي خضير

ليث يروع الأسد عند الزئر

ص: 338


1- الإرشاد للمفيد : 2/95 ، تاريخ الطبري : 4/320 ، اعلام الورى : 1/457 .
2- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/25 .
3- الفتوح لابن أعثم : 5/101 ، أمالي الصدوق : 223 ، روضة الواعظين : 186 .

يعرف فينا الخير أهل الخير

أضربكم ولا أرى من ضير

كذاك فعل الخير في برير

* * *

قتله بحير بن أوس الضبي(1) .

شهادة وهب الكلبي

ثم برز وهب بن عبد اللّه الكلبي ، وهو يرتجز :

إن تنكروني فأنا ابن الكلب

سوف تروني وترون ضربي

وحملتي وصولتي في الحرب

أدرك ثاري بعد ثار صحبي

وأدفع الكرب أمام الكرب

ليس جهادي في الوغى باللعب

* * *

ص: 339


1- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/17 ، الفتوح لابن أعثم : 5/102 ، روضة الواعظين : 187 ، أمالي الصدوق : 224 .

فلم يزل يقاتل حتى قتل منهم جماعة ، ثم قال لأمّه : يا أمّاه أرضيت أم لا ؟ فقالت : ما أرضى أو تقتل بين يدي الحسين عليه السلام ، فرجع قائلاً :

إنّي زعيم لك أمّ وهب

بالطعن فيهم تارة والضرب

ضرب غلام موقن بالربّ

حتى يذوق القوم مرّ الحرب

إنّي امرء ذو مرّة وغضب

حسبي إلهي من عليم حسبي

* * *

فلم يزل يقاتل حتى قتل تسعة عشر فارسا ، وإثنى عشر راجلاً ، ثم قطعت يمينه وأُخذ أسيرا(1) .

ص: 340


1- الفتوح لابن أعثم : 5/104 ، تاريخ الطبري : 4/327 .
شهادة عمرو بن خالد الأزدي

ثم برز عمرو بن خالد الأزدي قائلاً :

اليوم يا نفس إلى الرحمن

تمضين بالروح وبالريحان

اليوم تجزين على الإحسان

ما خطّ في اللوح لدى الديّان

لا تجزعي فكلّ حيّ فان(1)

* * *

شهادة ابنه خالد

ثم برز ابنه خالد ، وهو يقول :

صبرا على الموت بني قحطان

كيما تكونوا في رضى الرحمن

ذي المجد والعزّة والبرهان

وذو العلى والطول والإحسان

يا أبتا قد صرت في الجنان

في قصر درّ حسن البنيان(2)

* * *

شهادة سعد بن حنظلة التميمي

ثم برز سعد بن حنظلة التميمي مرتجزا :صبرا على الأسياف والأسنّه

صبرا عليها لدخول الجنّه

وحور عين ناعمات هنّه

يا نفس للراحة فاجهدنّه

وفي طلاب الخير فارغبنّه(3)

* * *

شهادة عبد اللّه المذحجي

ثم برز عبد اللّه المذحجي قائلاً :

قد علمت سعد وحيّ مذحج

أنّي لدى الهيجاء غير مخرج

أعلو بسيفي هامة المدجّج

وأترك القرن لدى التعرّجفريسة الذئب الأذلّ الأعرج(4)

* * *

شهادة مسلم بن عوسجة

ثم برز مسلم بن عوسجة مرتجزا :

إن تسألوا عنّي فإنّي ذو لبد

من فرع قوم في ذرى بني أسد

ص: 341


1- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/14 ، الفتوح لابن أعثم : 5/105 .
2- الفتوح لابن أعثم : 5/105 .
3- الفتوح لابن أعثم : 5/105 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/14 .
4- الفتوح لابن أعثم : 5/105 .

فمن بغانا حائد عن الرشد

وكافر بدين جبار صمد(1)

* * *

فقاتل حتى قتله مسلم الضبابي وعبد الرحمن البجلي(2) .

شهادة عبد الرحمن اليزني

ثم برز عبد الرحمن بن عبد اللّه اليزني قائلاً :

أنا ابن عبد اللّه من آل يزن

ديني على دين حسين وحسن

أضربكم ضرب فتى من اليمن

أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن(3)* * *

شهادة يحيى بن سليم المازني

ثم برز يحيى بن سليم المازني ، وهو يقول :

لأضربن القوم ضربا فيصلاً

ضربا شديدا في العدا معجّلا

لا عاجزا فيها ولا مولولاً

ولا أخاف اليوم موتا مقبلا(4)

* * *

ص: 342


1- الفتوح لابن أعثم : 5/106 .
2- تاريخ الطبري : 4/332 .
3- الفتوح لابن أعثم : 5/106 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/17 .
4- الفتوح لابن أعثم : 5/106 .
شهادة قرّة بن أبي قرّة الغفاري

ثم برز قرّة بن أبي قرّة الغفاري ، وهو يرتجز :

قد علمت حقّا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

بأنّني الليث لدى الغبار

لأضربن معشر الفجّار

ضربا وجيعا عن بني الأخيار(1)

* * *

فقتل ثمانية وستّين رجلاً .

شهادة مالك بن أنس الكاهلي

ثم برز مالك بن أنس الكاهلي وقال :

آل علي شيعة الرحمن

وآل حرب شيعة الشيطان

* * *

فقتل أربعة عشر رجلاً(2) .

شهادة عمرو بن مطاع الجعفي

ثم برز عمرو بن مطاع الجعفي ، وقال :

اليوم قد طاب لنا القراع

دون حسين الضرب والسطاع(3)

ص: 343


1- الفتوح لابن أعثم : 5/106 .
2- أمالي الصدوق : 224 ، روضة الواعظين : 187 ، الفتوح لابن أعثم : 5/107 .
3- السطع : كلّ شيء انتشر أو ارتفع من برق أو غبار أو نور أو ريح . . . لسان العرب .

نرجو بذاك الفوز والدفاع

من حرّ نار حين لا امتناع(1)

* * *

شهادة جوين بن أبي مالك مولى أبي ذر

ثم برز جوين بن أبي مالك مولى أبي ذر مرتجزا :

كيف يرى الفجّار ضرب الأسود

بالمشرفي القاطع المهنّد

بالسيف صلتا عن بني محمد

أذبّ عنهم باللسان واليد(2)

* * *

فقتل خمسا وعشرين رجلاً .

شهادة أنيس بن معقل الأصبحي

ثم برز أنيس بن معقل الأصبحي ، وهو يقول :

أنا أنيس وأنا ابن معقل

وفي يميني نصل سيف مصقل

أعلو بها الهامات وسط القسطل(3)

عن الحسين الماجد المفضّل

ابن رسول اللّه خير مرسل(4)* * *

فقتل نيفا وعشرين رجلاً .

ص: 344


1- الفتوح لابن أعثم : 5/107 .
2- الفتوح لابن أعثم : 5/108 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/18 .
3- القسطل : الغبار المتصاعد أثناء المعركة .
4- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/19 ، الفتوح لابن أعثم : 5/108 .
شهادة يزيد بن المهاصر الجعفي

ثم برز يزيد بن المهاصر الجعفي مرتجزا :

أنا يزيد وأبي مهاصر

ليث هصور في العرين خادر

يا ربّ إنّي للحسين ناصر

ولابن سعد تارك وهاجر(1)

* * *

شهادة الحجّاج بن مسروق الجعفي

ثم برز الحجّاج بن مسروق الجعفي ، وهو يقول :

أقدم حسينا هاديا مهديّا

فاليوم تلقى جدّك النبيّا

ثم أباك ذا الندى عليّا

ذاك الذي نعرفه وصيّا(2)

* * *

فقتل خمسا وعشرين رجلاً .

شهادة سعيد بن عبد اللّه الحنفي

ثم برز سعيد بن عبد اللّه الحنفي مرتجزا :

أقدم حسين اليوم تلق أحمدا

وشيخك الخير عليا ذا الندى

وحسنا كالبدر وافى الأسعدا(3)

ص: 345


1- الفتوح لابن أعثم : 5/108 ، أمالي الصدوق : 225 ، روضة الواعظين : 187 ، تاريخ الطبري : 4/340 .
2- الفتوح لابن أعثم : 5/109 .
3- الفتوح لابن أعثم : 5/109 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/14 .
شهادة حبيب بن مظاهر

ثم برز حبيب بن مظاهر الأسدي قائلاً :

إنّي حبيب وأبي مظاهر

فارس هيجاء وحرب تسعر

وأنتم عند العديد أكثر

ونحن أعلى حجّة وأقهر

* * *

فقتل إثنين وستّين رجلاً ، قتله الحصين بن نمير ، وعلّق رأسه في عنقفرسه(1) .

صلاة الحسين عليه السلام

ثم صلّى الحسين عليه السلام بهم الظهر صلاة شدّة الخوف(2) .

شهادة زهير بن القين

ثم برز زهير بن القين البجلي ، وهو يقول :

أنا زهير وأنا ابن القين

أذودكم بالسيف عن حسين

إنّ حسينا أحد السبطين

من عترة البرّ التقي الزين(3)

ص: 346


1- تاريخ الطبري : 4/335 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/20 ، الفتوح لابن أعثم : 5/107 .
2- الإرشاد للمفيد : 2/105 ، تاريخ الطبري : 4/336 ، اعلام الورى : 1/464 .
3- أمالي الصدوق : 224 ، روضة الواعظين : 186 ، تاريخ الطبري : 4/336 ، الفتوح لابن أعثم : 5/109 .

فقتل مائة وعشرين رجلاً ، قتله كثير بن عبد اللّه الشعبي ومهاجر بن أوس(1) .

شهادة نافع بن هلال البجلي

ثم برز نافع بن هلال البجلي قائلاً :

أنا الغلام اليمني البجلي

ديني على دين حسين بن علي

أضربكم ضرب غلام بطل

ويختم اللّه بخير عملي

* * *

فقتل إثني عشر رجلاً(2) ، وروي سبعين رجلاً .

جنادة بن الحارث الأنصاري وابنه

ثم برز جنادة بن الحارث الأنصاري مرتجزا :

أنا جناد وأنا ابن الحارث

لست بخوّار(3) ولا بناكث

عن بيعتي حتى يرثني وارثياليوم ثاري في الصعيد ماكث(4)

* * *

فقتل ستّة عشر رجلاً .

ثم برز ابنه واستشهد .

ص: 347


1- تاريخ الطبري : 4/336 .
2- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/20 .
3- الخوّار : الضعيف الذي لا بقاء له مع الشدّة .
4- الفتوح لابن أعثم : 5/110 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/21 .
شهادة فتى

ثم برز فتى قائلاً :

أميري حسين ونعم الأمير

سرور فؤاد البشير النذير

علي وفاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظير

* * *

فقاتل حتى قتل ورمي برأسه إلى أمّه ، فأخذته ورمته إلى رجل ، فقتله ، ثم برزت قائلة :

أنا عجوز سيّدي ضعيفه

خاوية بالية نحيفه

أضربكم بضربة عنيفه

دون بني فاطمة الشريفه(1)

* * *

شهادة غلام تركي للحرّ

وروي أنّه برز غلام تركي للحرّ ، وجعل يقول :

البحر من طعني وضربي يصطلي

والجو من نبلي وسهمي يمتلي

إذا حسامي عن يميني ينجلي

ينشقّ قلب الحاسد المبجل(2)

* * *

فقتل سبعين رجلاً .

ص: 348


1- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/21 .
2- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/24 .
شهادة مالك بن دودان

ثم برز مالك بن دودان وأنشأ يقول :

إليكم من مالك الضرغام

ضرب فتى يحمي عن الكرام

يرجو ثواب اللّه ذي الإنعام(1)

* * *

شهادة أبي ثمامة الصائدي

ثم برز أبو ثمامة الصائدي ، وقال :

عزاء لآل المصطفى وبناته

على حبس خير الناس سبط محمد

عزاء لزهراء النبي وزوجها

خزانة علم اللّه من بعد أحمد

عزاء لأهل الشرق والغرب كلّهم

وحزنا على حبس الحسين المسدّد

فمن مبلغ عنّي النبي وبنته

بأنّ ابنكم في مجهد أيّ مجهد

* * *

شهادة إبراهيم بن الحصين الأسدي

ثم برز إبراهيم بن الحصين الأسدي يرتجز :

ص: 349


1- المقتل لأبي مخنف « نسخة القندوزي في ينابيع المودّة - تحقيق سيّد علي جمال أشرف » : 3/74 ، وفيه : إليكم من مالك الضرغام ضرب فتى يحمي عن الإماميرجو ثواب الملك العلام سبحانه مقدّر الأعوام

أضرب منكم مفصلاً وساقا

ليهرق اليوم دمي إهراقا

ويرزق الموت أبو إسحاقا

أعني بني الفاجرة الفسّاقا

* * *

فقتل منهم أربعة وثمانين رجلاً .

شهادة عمرو بن قرظة الأنصاري

قال أبو مخنف : وبرز عمرو بن قرظة الأنصاري ، وهو يقول :

قد علمت كتيبة الأنصار

أنّي سأحمي حوزة الذمار

ضرب غلام غير نكس شار

دون حسين مهجتي وداري(1)

* * *

شهادة أحمد بن محمد الهاشمي

ثم برز أحمد بن محمد الهاشمي ، وهو ينشد :

اليوم أبلو حسبي وديني

بصارم تحمله يميني

أحمي به يوم الوغى عن ديني(2)

* * *

ص: 350


1- تاريخ الطبري : 4/230 .
2- المقتل لأبي مخنف نسخة القندوزي في ينابيع المودّة - تحقيق سيّد علي جمال أشرف : 3/75 .
أوّل من برز من بني هاشم عبد اللّه بن مسلم

وأوّل من برز من بني هاشم عبد اللّه بن مسلم ، وهو يقول :

اليوم ألقى مسلما وهو أبي

وفتية بادوا على دين النبي

ليسوا بقوم عرفوا بالكذب

لكن خيار وكرام النسب

من هاشم السادات أهل الحسب(1)

* * *

فقاتل حتى قتل ثمانية وتسعين رجلاً بثلاث حملات ، ثم قتله عمرو بن صبيح الصيداوي وأسد بن مالك(2) .

شهادة جعفر بن عقيل

ثم برز جعفر بن عقيل قائلاً :

أنا الغلام الأبطحي الطالبي

من معشر في هاشم من غالب

ونحن حقّا سادة الذوائب

هذا حسين أطيب الأطايب(3)

* * *

فقتل رجلين ، وفي قول خمسة عشر فارسا ، قتله بشر بن سوطالهمداني .

ص: 351


1- الفتوح لابن أعثم : 5/110 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/26 .
2- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/196 .
3- الفتوح لابن أعثم : 5/111 .
شهادة عبد الرحمن بن عقيل

ثم برز عبد الرحمن بن عقيل ، وهو يرتجز :

أبي عقيل فاعرفوا مكاني

من هاشم وهاشم إخواني

كهول صدق سادة الأقران

هذا حسين شامخ البنيان

وسيّد الشيب مع الشبان(1)

* * *

فقتل سبعة عشر فارسا ، قتله عثمان بن خالد الجهني(2) .

شهادة جماعة من بني جعفر وعقيل

ثم برز محمد بن عبد اللّه بن جعفر ، وهو ينشد :

أشكو إلى اللّه من العدوان

فعال قوم في الردى عميان

قد بدّلوا معالم القرآن

ومحكم التنزيل والتبيان

وأظهروا الكفر مع الطغيان(3)

* * *

فقتل عشرة أنفس ، قتله عامر بن نهشل التميمي .

ثم برز أخوه عون قائلاً :

إن تنكروني فأنا ابن جعفر

شهيد صدق في الجنان أزهر

ص: 352


1- الفتوح لابن أعثم : 5/111 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/27 .
2- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/195 .
3- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/27 .

يطير فيها بجناح أخضر

كفى بهذا شرفا في المحشر(1)

* * *

فقتل ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلاً ، قتله عبد اللّه بن قطنةالطائي(2) .

وروي أنّ عبيد اللّه بن عبد اللّه أخاه قتله بشر بن حويطر القانصي .

وروي أنّ عبد اللّه بن عقيل الأكبر قاتل ، فقتله عثمان بن خالد الجهني .

وروي أنّه قاتل محمد بن مسلم ، فطعنه أبو مريم الأزدي .

وروي أنّه قاتل محمد بن سعيد الأحول بن عقيل ، فقتله لقيط بن ياسر الجهني رماه بنبل في جنبه(3) .

شهادة عبد اللّه بن الحسن بن علي عليهم السلام

ثم برز عبد اللّه بن الحسن بن علي عليهماالسلام ، وهو يقول :

إن تنكروني فأنا فرع الحسن

سبط النبي المصطفى والمؤتمن

هذا الحسين كالأسير المرتهن

بين أناس لا سقوا صوب المزن(4)

* * *

فقتل أربعة عشر رجلاً ، قتله هاني بن شبيب الحضرمي فاسود وجهه .

ص: 353


1- الفتوح لابن أعثم : 5/112 .
2- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/47 ، مقاتل الطالبيين : 60 .
3- مقاتل الطالبيين : 62 .
4- الفتوح لابن أعثم : 5/112 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/27 .
شهادة القاسم بن الحسن عليهماالسلام

ثم برز أخوه القاسم ، وعليه ثوب وإزار ونعلان فقط ، وكأنّه فلقة قمر ،وأنشأ يقول :

إنّي أنا القاسم من نسل علي

نحن وبيت اللّه أولى بالنبي

من شمر ذي الجوشن أو ابن الدعي(1)

* * *

فقتله عمر بن سعيد الأزدي ، فخرّ وصاح : يا عمّاه ، فحمل الحسين عليه السلام ، فقطع يده، وسلبه أهل الشام من يد الحسين عليه السلام، فوقف الحسين عليه السلام على رأسه وقال : عزّ على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا تنفعك إجابته(2) .

شهادة أبي بكر بن علي عليهماالسلام

ثم برز أبو بكر بن علي عليهماالسلام قائلاً :

شيخي علي ذو الفخار الأطول

من هاشم الخير الكريم المفضل

هذا حسين ابن النبي المرسل

عنه نحامي بالحسام المصقل

تفديه نفسي من أخي مبجل(3)فلم يزل يقاتل حتى قتله زجر بن بدر الجعفي ، ويقال : عقبة الغنوي .

ص: 354


1- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/27 .
2- مقاتل الطالبيين : 58 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/180 ، تاريخ الطبري : 3/331 ، الإرشاد للمفيد : 239 .
3- الفتوح لابن أعثم : 5/112 .
شهادة عمر بن علي عليه السلام

ثم برز أخوه عمر ، وهو يرتجز :

خلّوا عداة اللّه خلّو من عمر

خلّوا عن الليث الهصور المكفهر

يضربكم بسيفه ولا يفرّ

يا زجر يا زجر تدان من عمر

* * *

وقتل زجرا قاتل أخيه ، ثم دخل حومة الحرب(1) .

شهادة عثمان بن علي عليه السلام

ثم برز أخوه عثمان ، وهو ينشد :

إنّي أنا عثمان ذو المفاخر

شيخي علي ذو الفعال الطاهر

هذا حسين سيّد الأخاير

وسيّد الصغار والأكابر

بعد النبيّ والوصيّ الناصر(2)

* * *

رماه خولي بن يزيد الأصبحي على جنبه ، فسقط عن فرسه ، وجزّ رأسه رجل من بني أبان بن حازم .

شهادة جعفر بن علي عليهماالسلام

ثم برز أخوه جعفر منشئا :

ص: 355


1- الفتوح لابن أعثم : 5/113 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/28 .
2- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/28 ، الفتوح لابن أعثم : 5/113 .

إنّي أنا جعفر ذو المعالي

ابن علي الخير ذو النوال

ذاك الوصيّ ذو السنا والوالي

حسبي بعمّي جعفر والخال

أحمي حسينا ذي الندى المفضال(1)

* * *

رماه خولي الأصبحي ، فأصاب شقيقته أو عينه .

شهادة عبد اللّه بن علي عليهماالسلام

ثم برز أخوه عبد اللّه قائلاً :

أنا ابن ذي النجدة والأفضال

ذاك علي الخير ذو الفعال

سيف رسول اللّه ذو النكال

في كلّ يوم ظاهر الأهوال(2)

* * *

قتله هاني بن شبيب الحضرمي .

شهادة القاسم بن علي عليهماالسلام !

وروي أنّه خرج أخوه القاسم ، فقال :

يا عصبة جارت على نبيها

وكدّرت من عيشها ما قد نقى

في كلّ يوم تقتلون سيّدا

من أهله ظلما وذبحا من قفا

* * *

ص: 356


1- الفتوح لابن أعثم : 5/113 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/29 .
2- الفتوح لابن أعثم : 5/113 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/29 .

فضرب على رأسه عمرو بن سعيد الأزدي ، فحمل عليه الحسين عليه السلام وضربه ، ثم أتى الغلام وهو يفحص برجله ، فقال : بعدا لقوم قتلوك ، وخصمهم يوم القيامة فيك جدّك(1) .

شهادة العباس بن أمير المؤمنين عليهماالسلام

وكان عباس السقاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين عليه السلام ، وهو أكبر الإخوان ، مضى بطلب الماء ، فحملوا عليه ، وحمل هو عليهم وجعل يقول :

لا أرهب الموت إذ الموت رقى

حتى أوارى في المصاليت لقا

نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا

إنّي أنا العباس أغدوا بالسقا

ولا أخاف الشرّ يوم الملتقي

* * *

ففرّقهم ، فكمن له زيد بن ورقاء الجهني من وراء نخلة ، وعاونه حكيم بن طفيل السنبسي فضربه على يمينه ، فأخذ السيف بشماله ، وحمل عليهموهو يرتجز :

واللّه إن قطعتم يميني

إنّي أحامي أبدا عن ديني

وعن إمام صادق اليقين

نجل النبي الطاهر الأمين

* * *

ص: 357


1- مقتل الطالبيين : 58 ، الإرشاد للمفيد : 2/108 ، اعلام الورى : 465 . وفيها جميعا : « القاسم بن الحسن بن علي عليهم السلام » ، ولم نعثر على الرجز فيما توفّر لدينا من المصادر .

فقاتل حتى ضعف ، فكمن له الحكيم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة ، فضربه على شماله ، فقال :

يا نفس لا تخشي من الكفار

وأبشري برحمة الجبار

مع النبي السيّد المختار

قد قطعوا ببغيهم يساري

فاصلهم يا ربّ حرّ النار

* * *

فقتله الملعون بعمود من حديد ، فلمّا رآه الحسين عليه السلام مصروعا على شطّ الفرات بكى ، وأنشأ يقول :

تعدّيتم يا شرّ قوم بفعلكم

وخالفتم قول النبيّ محمد

أما كان خير الرسل وصّاكم بنا

أما نحن من نسل النبي المسدّد

أما كانت الزهراء أمّي دونكم

أما كان من خير البريّة أحمد

لعنتم وأخزيتم بما قد جنيتم

فسوف تلاقوا حرّ نار توقّد

* * *

شهادة القاسم بن الحسين عليهماالسلام !

ثم برز قاسم بن الحسين(1) عليهماالسلام وهو يرتجز ويقول :

ص: 358


1- قال السيد الخوئي رحمه الله في معجم رجال الحديث : 15/19 ترجمة « 9517 » : القاسم بن حسين بن علي : قال ابن شهرآشوب في المناقب : باب إمامة أبي عبد اللّه الحسين بن علي عليهماالسلام فصل في مقتله عليه السلام : القاسم بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام: من المستشهدين بين يدي أبيه عليه السلام . قال: ثم برز القاسم بن الحسين وهو يرتجز ويقول: «إن تنكروني فأنا ابن حيدره ..» إنتهى . أقول : لا يبعد أنّ في النسخة تحريفا ، والصحيح هو القاسم بن الحسن ، ويدلّ على ذلك أنّه لم يذكر في المبارزين القاسم بن الحسن ، مع أنّه ذكر أنّه قتل مع عمّه الحسين عليه السلام في باب إمامة أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام فصل في تواريخه وأحواله من هذا الجزء ، وباب إمامة أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام فصل في مقتله بعد ما ذكر من قوله الأوّل ، على أنّه لم يذكر للحسين عليه السلام ولد يسمّى بالقاسم . انتهى كلامه رحمه الله . ولكن ابن شهرآشوب ذكر القاسم في باب مقتل الحسين عليه السلام وذكر له رجزا حيث قال بعد ذكر عبد اللّه بن الحسن عليهماالسلام : « ثم برز أخوه القاسم وعليه ثوب وأزار ونعلان فقط ، وكأنّه فلقة قمر ، وأنشأ يقول : « إنّي أنا القاسم من نسل علي . . .» ، الى آخر ما ذكره قبل قليل في هذا الجزء . وقال المجلسي رحمه الله بعد ذكر القاسم بن الحسين عليهماالسلام عن المناقب : إنّ فيه غرابة . .

إن تنكروني فأنا ابن حيدره

ضرغام آجام وليث قسوره

على الأعادي مثل ريح صرصره

أكيلكم بالسيف كيل السندره(1)

* * *

شهادة علي بن الحسين الأكبر عليهماالسلام

ثم تقدّم علي بن الحسين الأكبر عليهماالسلام ، وهو ابن ثمان عشر سنة ، ويقال :ابن خمس وعشرون ، وكان يشبّه برسول اللّه صلى الله عليه و آله خلقا وخلقا ونطقا ، وجعل يرتجز ويقول :

أنا علي بن الحسين بن علي

من عصبة جدّ أبيهم النبي

ص: 359


1- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/29 « نسبها لعبد اللّه بن الحسن الأكبر عليهماالسلام » .

نحن وبيت اللّه أولى بالوصي

واللّه لا يحكم فينا ابن الدعي

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي

أطعنكم بالرمح حتى ينثني

طعن غلام هاشمي علوي

* * *

فقتل سبعين مبارزا ، ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات ، فقال : يا أبة العطش ، فقال الحسين عليه السلام : يسقيك جدّك ، فكرّ أيضا عليهم ، وهو يقول :

الحرب قد بانت لها حقائق

وظهرت من بعدها مصادق

واللّه ربّ العرش لا نفارق

جموعكم أو تغمد البوارق(1)

* * *

فطعنه مرّة بن منقذ العبدي على ظهره غدرا ، فضربوه بالسيف ، فقال الحسين عليه السلام : على الدنيا بعدك العفا ، وضمّه إلى صدره ، وأتى به إلى باب الفسطاط(2) ، فصارت أمّه شهربانويه(3) !! وهي تنظر إليه ولا تتكلّم .

شهادة علي الأصغر عليه السلام

فبقي الحسين عليه السلام وحيدا ، وفي حجره علي الأصغر ، فرمي إليه بسهم ،

ص: 360


1- الفتوح لابن أعثم : 5/115 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/30 - 31 .
2- تاريخ الطبري : 4/340 .
3- قد يكون لقبا لأمّ علي الأكبر عليه السلام ، والمعروف أنّ أمّه هي ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي .

فأصاب حلقه ، فجعل الحسين عليه السلام يأخذ الدم من نحره فيرميه إلى السماء ، فما يرجع منه شيء ، ويقول : لا يكون أهون عليك من فصيل(1) ناقة صالح .

الحسين عليه السلام يطلب ثوبا لا يُرغب فيه

ثم قال : ائتوني بثوب لا يرغب فيه ألبسه غير ثيابي لا أجرّد ، فإنّيمقتول مسلوب، فأتوه بتبّان(2)، فأبى أن يلبسه وقال : هذا لباس أهل الذمّة .

ثم أتوه بشيء أوسع منه دون السراويل وفوق التبّان فلبسه(3) .

وداعه عليه السلام مع سكينة عليهماالسلام

ثم ودّع النساء ، وكانت سكينة تصيح ، فضمّها إلى صدره وقال :

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي

منك البكاء إذا الحمام دهاني

لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة

ما دام منّي الروح في جثماني

وإذا قتلت فأنت أولى بالذي

تأتينه يا خيرة النسوان(4)

* * *

ص: 361


1- مقاتل الطالبيين : 60 .
2- التبّان : سراويل صغير مقدار شبر يستر العورة المغلظة فقط يكون للملاّحين . لسان العرب .
3- المعجم الكبير للطبراني : 3/117 رقم 2850 ، تاريخ دمشق : 14/221 ، اعلام الورى : 1/468 ، تاريخ الطبري : 4/345 .
4- المقتل لأبي مخنف نسخة القندوزي في ينابيع المودّة : 3/79 تحقيق السيّد علي السيّد جمال أشرف .

المصيبة العظمى : شهادة مهجة قلب الرسول وقرّة عين أمير المؤمنين وثمرة فؤاد الزهراء البتول سيّد الشهداء وسلطان المظلومين المولى الحسين عليه السلام

اشارة

ثم برز عليه السلام فقال : يا أهل الكوفة ، قبحا لكم وترحا(1) ، وبؤسا لكم وتعسا(2) ، حين استصرختمونا ولهين ، فأتيناكم موجفين(3) ، فشحذتم(4)

علينا سيفا كان في أيماننا ، وحششتم(5) لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ، ولا ذنب كان منّا إليكم ، فهلاّ لكم الويلات ، إذ كرهتمونا تركتمونا والسيف مشيم ، والجأش طامن(6) ، والرأي لمّا يستحصد ، لكنّكم أسرعتم

ص: 362


1- الترح بالتحريك : ضدّ الفرح ، وهو الهلاك والانقطاع ، وهو الهم والحزن أيضا .
2- التعس : الهلاك والشرّ .
3- موجفين : أي مسرعين .
4- شحذ السيف : أي أحدّه .
5- حششت النار بالحطب : أي ضممت ما تفرّق من الحطب الى النار ، وحشش الحرب : هيّجها وأشعلها .
6- الجأش : النفس ، والجأش : القلب ، وجأش النفس : رواع القلب إذا اضطرب عند الفزع ، وطامن : ساكن دون قلق .

إلى بيعتنا كسرع الدبا(1) ، وتهافتم إليها كتهافت الفراش ، ثم نقضتموهاسفها وضلّة وفتكا لطواغيت الأمّة ، وبقية الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ثم أنتم تتخاذلون عنّا وتقتلونا ، ألا لعنة اللّه عززززلى الظالمين(2) .

قال : ثم أنشأ : « كفر القوم وقدما رغبوا »(3) . . الأبيات .

ص: 363


1- الدبا : الجراد قبل أن يطير ، وقيل : هو نوع يشبه الجراد .
2- الفتوح لابن أعثم : 5/116 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/7 .
3- الإحتجاج : 2/25 ، الفتوح لابن أعثم : 5/115 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/32 . وفي الأوّل : كفر القوم وقدما رغبوا عن ثواب اللّه ربّ الثقلين قتلوا قدما عليا وابنه حسن الخير كريم الطرفين حنقا منهم وقالوا اجمعوا نفتك الآن جميعا بالحسين یالقوم من أناس رذّل جمعوا الجمع لأهل الحرمين ثم صاروا وتواصوا كلّهم باحتياج لرضاء الملحدين لم يخافوا اللّه في سفك دمي لعبيد اللّه نسل الكافرين وابن سعد قد رماني عنوة بجنود كوكوف الهاطلين لا لشيء كان منّي قبل ذا غير فخري بضياء الفرقدين بعلي الخير من بعد النبي والنبي القرشي الوالدين خيرة اللّه من الخلق أبي ثم أمّي فأنا ابن الخيرتين فضة قد خلقت من ذهب فأنا الفضة وابن الذهبين من له جدّ كجدّي في الورى أو كشيخي فإنا ابن القمرين فاطم الزهراء أمّي وأبي قاصم الكفر ببدر وحنين عروة الدين علي المرتضى هادم الجيش مصلّي القبلتين وله في يوم أحد وقعة شفت الغلّ بقبض العسكرين ثم بالأحزاب والفتح معا كان فيها حتف أهل القبلتين في سبيل اللّه ماذا صنعت أمّة السوء معا بالعترتين عترة البرّ التقي المصطفى وعلي القرم يوم الجحفلين عبد اللّه غلاما يافعا وقريش يعبدون الوثنين وقلى الأوثان لم يسجد لها مع قريش لا ولا طرفة عين طعن الأبطال لمّا برزوا يوم بدر وتبوك وحنين

ثم استوى على راحلته وقال : « أنا ابن علي الخير من آل هاشم(1) » ..الأبيات .

ثم حمل على الميمنة وقال :

الموت خير من ركوب العار

والعار أولى من دخول النار

* * *

ص: 364


1- الفتوح لابن أعثم : 5/115 ، الاحتجاج : 2/25 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/32 . وفي الإحتجاج : أنا ابن علي الطهر من آل هاشم كفاني بهذا مفخرا حين أفخر وجدّي رسول اللّه أكرم من مشى ونحن سراج اللّه في الخلق نزهر وفاطم أمّي من سلالة أحمد وعمّي يدعى ذو الجناحين جعفر وفينا كتاب اللّه أنزل صادقا وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر ونحن أمان اللّه للناس كلّهم نطول بهذا في الأنام ونجهر ونحن حماة الحوض نسقي ولاتنا بكأس رسول اللّه ما ليس ينكر وشيعتنا في الحشر أكرم شيعة ومبغضنا يوم القيامة يخسر

ثم حمل على الميسرة وقال :

أنا الحسين بن علي

أحمي عيالات أبي

آليت أن لا أنثني

أمضي على دين النبي

* * *

وجعل يقاتل حتى قتل ألف وتسعمائة وخمسين سوى المجروحين .

فقال عمر بن سعد لقومه :

الويل لكم ! أتدرون من تبارزون ! هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتال العرب ! فاحملوا عليه من كلّ جانب .

فحملوا بالطعن مائة وثمانين ، وأربعة آلاف بالسهام .

قال الطبري : قال أبو مخنف عن جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام قال : وجدنا بالحسين عليه السلام ثلاثا وثلاثين طعنة ، وأربعا وثلاثين ضربة(1) .

وقال الباقر عليه السلام : وجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرين طعنة برمح أو ضربةبسيف أو رمية بسهم(2) .

وروي ثلاثمائة وستون جراحة .

وقيل : ثلاثا وثلاثين ضربة سوى السهام .

وقيل : ألف وتسعمائة جراحة ، وكانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ(3) .

ص: 365


1- تاريخ الطبري:4/346، دلائل الإمامة: 178، شرح الأخبار للقاضي النعمان: 3/164.
2- أمالي الصدوق : 228 مج 31 ح 1 ، روضة الواعظين : 189 .
3- روضة الواعظين : 189 ، الإرشاد للمفيد : 2/111 .

وروي أنّها كانت كلّها في مقدّمه(1) .

قال العوني :

يا سهاما بدم ابن المصطفى منقسمات

ورماحا في ضلوع ابن النبي متصلات

* * *

فقال شمر : ما وقوفكم ؟ وما تنتظرون بالرجل ؟ وقد أثخنته السهام ، احملوا عليه ثكلتكم أمّهاتكم .

فحملوا عليه من كلّ جانب .

فرماه أبو الحتوف الجعفي في جبينه .

والحصين ابن نمير في فيه .وأبو أيوب الغنوي بسهم مسموم في حلقه .

فقال عليه السلام : بسم اللّه ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه ، وهذا قتيل في رضى اللّه .

وكان ضربه زرعة بن شريك التميمي على كتفه الأيسر .

وعمرو بن الخليفة الجعفي على حبل عاتقه .

وكان طعنه صالح بن وهب المزني على جنبه .

وكان رماه سنان بن أنس النخعي في صدره .

فوقع على الأرض ، وأخذ دمه بكفيه ، وصبّه على رأسه مرارا .

فدنا منه عمر وقال : جزّوا رأسه ، فقصد إليه نصر بن خرشة ، فجعل يضربه بسيفه .

ص: 366


1- أمالي الصدوق : 228 مج 31 ح 1 ، روضة الواعظين : 189 .

فغضب عمر وقال لخولي بن يزيد الأصبحي : انزل فجزّ رأسه ، فنزل ، وجزّ رأسه(1) .

سلب الحسين عليه السلام

وسلب الحسين عليه السلام ما كان عليه :

فأخذ عمامته جابر بن يزيد الأزدي .

وقميصه إسحاق بن حوى .

وثوبه جعونة بن حوية الحضرمي .

وقطيفته من خزّ قيس بن الأشعث الكندي .وسراويله بحير بن عمير الجرمي ، ويقال : أخذ سراويله بحير بن كعب التميمي .

والقوس والحلل الرحيل بن خيثمة الجعفي ، وهاني بن ثبيت(2) الحضرمي ، وجرير بن مسعود الحضرمي .

ونعليه الأسود الأوسي .

وسيفه رجل من بني نهشل من بني دارم ، ويقال : الأسود بن حنظلة .

فأحرقهم المختار بالنار(3) .

ص: 367


1- الإرشاد للمفيد : 2/114 ، روضة الواعظين : 189 ، الفتوح لابن أعثم : 5/118 ، اعلام الورى : 1/468 ، تاريخ الطبري : 4/347 .
2- في النسخ المطبوعة : « شبيب » ، وما أثبتناه من المخطوطة .
3- الإرشاد للمفيد : 2/114 ، روضة الواعظين : 189 ، الفتوح لابن أعثم : 5/118 ، اعلام الورى : 1/468 ، تاريخ الطبري : 4/347 .
انتداب عشرة لرضّ جسد الحسين عليه السلام بالخيل

وانتدب عشرة ، وهم : إسحاق بن يحيى الحضرمي ، وهاني بن ثبيب الحضرمي ، وأدلم بن ناعم ، وأسد بن مالك ، والحكيم بن طفيل الطائي ، والأخنس بن مرثد ، وعمرو بن صبيح المذحجي ، ورجاء بن منقذ العبدي ،وصالح بن وهب اليزنى ، وسالم بن خيثمة الجعفي ، فوطؤه بخيلهم(1) .

قال الرضي :

كأنّ بيض المواضي وهي تنهبه

نار تحكّم في جسم من النور

للّه ملقى على الرمضاء غصّ به

فيم الردى بعد إقدام وتشمير

تحنو عليه الظبا ظلاّ وتستره

عن النواظر أذيال الأعاصير

وخرّ للموت لا كفّ يقلّبه

إلاّ بوطيء من الجرد المحاضير(2)

* * *

ص: 368


1- الإرشاد للمفيد : 2/114 ، روضة الواعظين : 189 ، الفتوح لابن أعثم : 5/118 ، اعلام الورى : 1/468 ، تاريخ الطبري : 4/347 .
2- المحاضير : جمع المحضار : الخيل شديدة العدو .

بعد الشهادة

دفن الجثث الطواهر الزواكي

ودفن جثثهم بالطفّ أهل الغاضرية من بني أسد بعد ما قتلوه بيوم(1) !!وكانوا يجدون لأكثرهم قبورا ، ويرون طيورا بيضا .

وكان عمر بن سعد صلّى على المقتولين من عسكره ودفنهم(2) .

قال الطبري : كانوا ثمانية وثمانين رجلاً(3)(4) .

ص: 369


1- المشهور في التاريخ أنّ الدفن تمّ بعد ثلاثة أيام من شهادته عليه السلام ، والقول بالدفن بعد يوم من مقتله عليه السلام غريب جدّا سيما أنّ عمر بن سعد - لعنه اللّه - خرج بعد يوم من مقتل سيّد شباب أهل الجنّة عليه السلام من كربلاء ، فما كان بنو أسد ليجرؤوا على دفن الشهداء وعسكر السقيفة لا زال في كربلاء ، أو كان في طريق الإنسحاب بكلّ عدّته وعديده ، على أنّنا نعتقد أنّ الإمام الصدّيق المعصوم لا يلي أمره إلاّ صدّيق معصوم مثله ، وقد ثبت ذلك في محلّه ، واحتجّ به الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام على الواقفة في الحديث المعروف الذي ينصّ على أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام قد تولّى دفن سيّد الشهداء عليه السلاموأبي الفضل العباس عليه السلام ، وأعانه بنو أسد على دفن بقية الأنصار .
2- تاريخ الطبرى : 4/348 .
3- تاريخ الطبرى : 4/348 .
4- ربما قصد بهذا العدد الذي نقله عن الطبري « ثمانية وثمانون رجلاً » رؤوس عسكر السقيفة ، وكبراءهم المعروفين ، وذلك لأنّ العدد الذي نصّ عليه ابن شهرآشوب - قبل قليل - ممّن حصدهم سيف سيّد شباب أهل الجنّة عليه السلام « ألف وتسعمائة وخمسين سوى المجروحين » ، وظاهر عبارته رحمه الله أنّه عليه السلام قتل هذا العدد في حملة واحدة من حملاته ، هذا غير ما نصّ عليه ممّن قتلهم بقية الأنصار وأهل البيت عليهم السلام .
نهب الخيام

وقصد شمر إلى الخيام ، فنهبوا ما وجدوا حتى قطعت اُذن أمّ كلثوم لحلقة(1) .

حمل الرؤوس المقدّسة والسبايا

قال أبو مخنف : جاءت كندة إلى ابن زياد بثلاثة عشر رأسا ، وصاحبهم قيس بن الأشعث .وجاءت هوازن بعشرين رأسا ، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن .

وجاءت بنو تميم بتسعة عشر رأسا .

وجاءت بنو أسد بتسعة رؤوس .

وجاء سائر الجيش بتسعة رؤوس .

فذلك سبعون رأسا(2) .

وجاء برأس الحسين عليه السلام خولي بن يزيد الأصبحي(3) .

وجاؤوا بالحرم أسارى إلاّ شهربانويه ، فإنّها أتلفت نفسها في الفرات .

عدد الشهداء من أهل البيت عليهم السلام

واختلفوا في عدد المقتولين من أهل البيت عليهم السلام ، فالأكثرون على أنّهم كانوا سبعة وعشرين :

ص: 370


1- الفتوح لابن أعثم : 5/120 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/37 .
2- تاريخ الطبري : 4/358 ، الأخبار الطوال للدينوري : 259 « باختلاف في الأعداد » .
3- تاريخ الطبري : 4/348 ، اعلام الورى : 1/470 ، الإرشاد للمفيد : 2/113 .

تسعة من بني عقيل عليهم السلام : مسلم ، وجعفر ، وعون ، وعبد الرحمن ، ومحمد بن مسلم ، وعبد اللّه بن مسلم ، وجعفر بن محمد بن عقيل ، ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل .

وثلاثة من ولد جعفر عليهم السلام : محمد بن عبد اللّه بن جعفر ، وعون الأكبر بن عبد اللّه ، وعبد اللّه بن عبد اللّه .

وتسعة من ولد أمير المؤمنين عليهم السلام : الحسين ، والعباس عليهماالسلام ، ويقال :وابنه محمد بن العباس ، وعمر ، وعثمان ، وجعفر ، وإبراهيم ، وعبد اللّه الأصغر ، ومحمد الأصغر ، وأبو بكر شكّ في قتله .

وأربعة من بني الحسن عليهم السلام : أبو بكر ، وعبد اللّه ، والقاسم ، وقيل : بشر ، وقيل : عمر ، وكان صغيرا .

وستّة من بني الحسين عليهم السلام مع اختلاف فيهم : علي الأكبر ، وإبراهيم ، وعبد اللّه ، ومحمد ، وحمزة ، وعلي ، وجعفر ، وعمر ، وزيد ، وذبح عبد اللّه في حجره .

وأُسر الحسن بن الحسن مقطوعة يده .

ولم يقتل زين العابدين عليه السلام ، لأنّ أباه لم يأذن له في الحرب ، وكان مريضا .

ويقال : لم يقتل محمد الأصغر بن علي بن أبي طالب لمرضه ، ويقال : رماه رجل من بني دارم فقتله(1) .

ص: 371


1- تاريخ الطبري : 4/358 ، وانظر : شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/117 « فصل في ذكر من قتل مع الحسين عليه السلام » ، الإرشاد للمفيد : 2/125 ، اعلام الورى : 1/476 .
المقتولون في الحملة الأولى

والمقتولون من أصحاب الحسين عليه السلام في الحملة الأولى :

[ 1 ] نعيم بن عجلان .

[ 2 ] وعمران بن كعب بن حارث الأشجعي .

[ 3 ] وحنظلة بن عمرو الشيباني .

[ 4 ] وقاسم بن زهير .

[ 5 ] وكنانة بن عتيق .

[ 6 ] وعمرو بن مشيعة .

[ 7 ] وضرغامة بن مالك .

[ 8 ] وعامر بن مسلم .

[ 9 ] وسيف بن مالك النميري .

[ 10 ] وعبد الرحمن الأرحبي .

[ 11 ] ومجمع العائذي .

[ 12 ] وحباب بن الحارث .

[ 13 ] وعمرو الجندعي .

[ 14 ] والحلاس بن عمرو الراسبي .

[ 15 ] وسوار بن أبي عمير الفهمي .

[ 16 ] وعمار بن أبي سلامة الدالاني .

[ 17 ] والنعمان بن عمرو الراسبي .

[ 18 ] وزاهر بن عمرو مولى ابن الحمق .

ص: 372

[ 19 ] وجبلة بن علي .

[ 20 ] ومسعود بن الحجاج .

[ 21 ] وعبد اللّه بن عروة الغفاري .

[ 22 ] وزهير بن بشر الخثعمي .

[ 23 ] وعمار بن حسان .

[ 24 ] وعبد اللّه بن عمير .

[ 25 ] ومسلم بن كثير .

[ 26 ] وزهير بن سليم .

[ 27 ] [ 28 ] وعبد اللّه وعبيد اللّه ابنا زيد البصري .

[ 29 - 39 ] وعشرة من موالي الحسين عليه السلام .

[ 40 ] [ 41 ] وموليان من موالي أمير المؤمنين .

زينب عليهاالسلام تأبّن الحسين عليه السلام يوم العاشر

وكانت زينب عليهاالسلام تقول : وا محمداه صلّى عليك مليك السماء ، هذا حسين مرمّل بالدماء ، صريع بكربلاء ، مقطّع الأعضاء ، مجزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والردا ، [ يا أبتاه ! بناتك سبايا ، وذريّتك فتلى ، بأبي مسلوب العمامة والردا (1)] ، بأبي من معسكره نهبا ، بأبي من فسطاطه مقطّع بالعَرا ، بأبي من لا هو غائب فيرجى ، ولا مريض فيداوى ،

ص: 373


1- بين المعقوفين من المخطوطة .

أنا الفداء للمهموم حتى مضى ، أنا الفداء للعطشان حتى قضى ، أنا الفداء لمن شيبته تقطر بالدما(1) .

جزاء سنان

قال الطبري : لمّا دخل سنان على عبيد اللّه بن زياد أنشأ يقول :

أوقر ركابي فضّة وذهبا

أنا قتلت الملك المحجّبا

ومن يصلّي القبلتين في الصبا

قتلت خير الناس أمّا وأبا

وخيرهم إذ ينسبون نسبا

* * *

فقال عبيد اللّه : ما تلقى منّي خيرا إلاّ ألحقتك به ، وأمر بقتله(2) .

ص: 374


1- انظر مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/38 .
2- العقد الفريد : 4/381 ، وفي تاريخ الطبري المطبوع : 4/347 : قال : فقال الناس لسنان بن أنس قتلت حسين بن علي وابن فاطمة ابنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله قتلت أعظم العرب خطرا جاء إلى هؤاء يريد أن يزيلهم عن ملكهم ، فأت أمراءك ، فاطلب ثوابهم وإنّهم لو أعطوك بيوت أموالهم في قتل الحسين كان قليلاً ، فأقبل على فرسه ، وكان شجاعا ! شاعرا ، وكانت به لوثة !! فأقبل حتى وقف على باب فسطاط عمر بن سعد ، ثم نادى بأعلى صوته : « أوقر ركابي فضّة وذهبا » الأبيات . فقال عمر بن سعد : أشهد أنّك لمجنون ، ما صحوت قطّ !!! أدخلوه عليّ ، فلمّا أدخل حذفه بالقضيب ، ثم قال : يا مجنون ! أتتكلّم بهذا الكلام أما - واللّه - لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك . . وفيه أيضا : 4/293 : قتله رجل من مذحج وحزّ رأسه وانطلق به إلى عبيد اللّه وقال : « أوقر ركابي فضّة وذهبا » الأبيات ، وأوفده إلى يزيد بن معاوية ومعه الرأس ، فوضع رأسه بين يديه . .

في مجلس الطاغية يزيد

اشارة

وقال الطبري والبلاذري والكوفي : لمّا وضعت الرؤوس بين يدي يزيد جعل يضرب بقضيبه على ثنيّته ، ثم قال : يوم بيوم بدر(1) ، وجعل يقول :نفلّق هاما من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما !

* * *

وقال يحيى بن الحكم أخو مروان :

لهام بجنب الطفّ أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل(2)

سميّة أمسى نسلها عدد الحصىوبنت رسول اللّه أمست بلا نسل

* * *فضرب يزيد في صدر يحيى وقال : اسكت لا أمّ لك(3) .

ص: 375


1- أمالي الصدوق : 229 مج 31 ح 242 ، روضة الواعظين : 190 وفيهما قاله ابن زياد .
2- الوغل : المدّعي نسبا ليس منه ، والوغل من الرجال : النذل والضعيف الساقط المقصّر في الأشياء . لسان العرب .
3- الإرشاد للمفيد : 2/119 ، تاريخ الطبري : 4/352 ، اعلام الورى : 1/474 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/116 ، تاريخ دمشق : 34/316 ، مقتل الحسين عليه السلامللخوارزمي : 1/56 .

فقال أبو برزة : ارفع قضيبك يا فاسق ، فواللّه رأيت شفتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله مكان قضيبك يقبّله ، فرفع وهو يتذمّر مغضبا على الرجل(1) .

وزاد غيرهم في الرواية : أنّه جعل يتمثّل بقول ابن الزبعرى يوم أُحد :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل(2)

لأهلّوا واستهلّوا فرحا

ولقالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا السبط من أسباطهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

لعبت هاشم بالدين فلا

خبر جاء ولا وحي نزل(3)

* * *

قال الحميري :

لم يزل بالقضيب يعلو ثنايا

في جناها الشفاء من كلّ داءقال زيد ارفعن قضيبك ارفع

عن ثنايا غرّ غذى باتقاء

طالما قد رأيت أحمد يلثمها

وكم لي بذاك من شهداء

* * *

ص: 376


1- تاريخ دمشق : 68/95 ، تاريخ الطبري : 4/293 ، الفتوح لابن أعثم : 5/129 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/57 .
2- الأسل : الرماح ، والأسل : النبال .
3- روضة الواعظين : 191 ، الاحتجاج : 2/34 ، بلاغات النساء لابن طيفور : 21 ، الفتوح لابن أعثم : 5/129 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/59 .

وقال الجوالقي(1) :

اختال بالكبر على ربّه

يقرع بالعود ثناياه

بحيث قد كان نبي الهدى

يلثم في قبلته فاه

* * *

وقال الصاحب :

يقرع بالعود ثنايا لها

كان النبي المصطفى لاثما

* * *

من كلام زين العابدين عليه السلام

وفي كلام عن زين العابدين عليه السلام : أنا علي بن الحسين المذبوح بشطّ الفرات ، عن غير دخل على ترات ، أنا ابن من انتهك حريمه ، وسلب نعيمه ، وانتهب ماله ، وسبي عياله ، أنا ابن من قتل صبرا ، وكفى بذلكفخرا . . إلى آخر كلامه .

ثم قال :

ولا غرو في قتل الحسين وشيخه

لقد كان خير من حسين وأكرما

ص: 377


1- الجواليقي : أبو محمد ، إسماعيل بن أبي منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر اللغوي النحوي البغدادي . كان إمام أهل الأدب بعد أبيه أبي منصور بالعراق ، فاختص بتأديب أولاد الخلفاء ، وكانت له معرفة باللغة والأدب ، مليح الخطّ ، جيد الضبط ، وكانت له حلقة بجامع القصر يقرأ فيها كلّ جمعة . . . توفي 575 . ( الكنى والألقاب للقمّي رحمه الله : 2/160 )

فلا تفرحوا يا أهل كوفة فالذي

أصبنا به من قتله كان أعظما

قتيل بشطّ النهر نفسي فداؤه

جزاء الذي أرداه نار جهنما(1)

* * *

من كلام زينب عليهاالسلام

ومن كلام لزينب بنت علي عليهماالسلام : يا أهل الكوفة ، ويا أهل الختر والغدر والختل والخذل والمكر ، فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الزفرة ، إنّما مثلكم كمثل التي « نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ » ، هل فيكم إلاّ الصلف والعجب ، والشنف والكذب ، وملق الإماء ، وغمز الأعداء ، كمرعى على دمنة ، أو كقصّة على ملحودة ، ألا بئس ما قدّمت لكم أنفسكم ، أن سخط اللّه عليكم وفي العذاب أنتم خالدون . .

حتى انتهى كلامها إلى قولها : ألا ساء ما قدّمتم لأنفسكم ، وساء ما تزرون ليوم بعثكم ، فتعسا تعسا ، ونكسا نكسا ، لقد خاب السعي ، وتبت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من اللّه ، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة ، أتدرون ويلكم أيّ كبد لمحمد فريتم ؟ وأيّ عهد نكثتم ؟ وأيّكريمة أبرزتم ؟ وأيّ دم له سفكتم ؟ « لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَْرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا » .

لقد جئتم بها شوهاء خرقاء ، طلاع الأرض والسماء ، أفعجبتم أن تمطر

ص: 378


1- الاحتجاج : 2/32 .

السماء دما ، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ، فلا يستخفنّكم المهل ، فإنّه - عزّ وجلّ - لا يحقره البدار ، ولا يخشى عليه فوت ثار ، كلاّ إنّ ربّك لنا ولهم بالمرصاد(1) .

ثم أنشأت تقول :

ما ذا تقولون إن قال النبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى وقتلى ضرّجوا بدم

إن كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي(2)

* * *

وهذا الشعر ينسب إلى زين العابدين عليه السلام ، وإلى أبى الأسود الدؤليأيضا(3) .

ص: 379


1- الاحتجاج للطبرسي : 2/203 ، أمالي الطوسي : 91 مج 3 ح 142 ، أمالي المفيد : 320 مج 38 ح 8 ، بلاغات النساء لابن طيفور : 37 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/40 .
2- تاريخ دمشق : 69/178 .
3- روضة الواعظين : 193 ، الإرشاد للمفيد : 2/124 ، وفيهما نسبة الأبيات الى أم لقمان بنت عقيل ، المعجم الكبير للطبراني : 3/118 نسبها الى زينب الصغرى بنت عقيل ، وفي تاريخ الطبري : 4/393 نسبها الى امرأة من بني عبد المطلب ، وفي كامل الزيارات لابن قولويه : 193 نسبها الى الجنّ ، وفي مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/76 نسبها لبنت عقيل .
نياحة أسماء بنت عقيل

وخرجت أسماء بنت عقيل تنوح وتقول :

ماذا تقولون إن قال النبي لكم

يوم الحساب وصدق القول مسموع

خذلتم عترتي أو كنتم غيبا

والحقّ عند وليّ الأمر مجموع

أسلمتموه بأيدي الظالمين فما

منكم له اليوم عند اللّه مشفوع

ما كان عند عداة الطف إذ حضروا

تلك المنايا ولا عنهن مدفوع(1)

* * *

ص: 380


1- أمالي المفيد : 319 مج 38 ح 5 ، أمالي الطوسي : 89 ح 139 .

في رثاء الحسين عليه السلام

رثاء الكميت

قال الكميت :

أضحكني الدهر وأبكاني

والدهر ذو صرف وألوان

لتسعة بالطفّ قد غودروا

صاروا جميعا رهن أكفان

وستّة لا يتجازى بهم

بنو عقيل خير فرسان

ثم علي الخير مولاهم

ذكرهم هيّج أحزاني

* * *

رثاء الوفي السري

وقال الوفي السري :

أقام روح وريحان على جدث

ثوى الحسين به ظمآن آمينا

كأنّ أحشاءنا من ذكره أبدا

تطوى على الجمر أو تخشى السكاكينا

مهلاً فما نقضوا أوتار والده

وإنّما نقضوا في قتله الدينا

* * *

ص: 381

رثاء دعبل

وقال دعبل :

هلاّ بكيت على الحسين وأهله

هلاّ بكيت لمن بكاه محمد

فلقد بكته في السماء ملائك

زهر كرام راكعون وسجّد

لم يحفظوا حقّ النبي محمد

إذ جرّعوه حرارة ما تبرد

قتلوا الحسين فأثكلوه بسبطه

فالثكل من بعد الحسين مبدد

هذا حسين بالسيوف مبضّع

وملطّخ بدمائه مستشهد

عار بلا ثوب صريع في الثرى

بين الحوافر والسنابك يقصد

كيف القرار وفي السبايا زينب

تدعو بفرط حرارة يا أحمد

يا جدّ إنّ الكلب يشرب آمنا

ريّا ونحن عن الفرات نطرد

يا جدّ من ثكلي وطول مصيبتي

ولما أعانيه أقوم واقعد

* * *

رثاء كشاجم

وقال كشاجم :

إذا تفكّرت في مصابهم

أثقب زند الهموم قاطعه

فبعضهم قربت مصارعه

وبعضهم بعدت مطارحه

أظلم في كربلاء يومهم

ثم تجلّى وهم ذبائحه

ذلّ حماه وقلّ ناصره

ونال أقوى مناه كاشحه

* * *

ص: 382

رثاء خالد بن معدان

وقال خالد بن معدان :

جاؤوا برأسك يا ابن بنت محمد

مترمّلاً بدمائه ترميلا

قتلوك عطشانا ولم يترقّبوا

في قتلك التنزيل والتأويلا

وكأنّما بك يا ابن بنت محمد

قتلوا جهارا عامدين رسولا

ويكبّرون بأن قتلت وإنّما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

* * *

رثاء سليمان بن قبة الهاشمي

وقال سليمان بن قبة الهاشمي :

مررت على أبيات آل محمد

فلم أرها أمثالها يوم حلّت

ألم تر أنّ الأرض أضحت مريضة

لفقد الحسين والبلاد اقشعرت(1)

وإنّ قتيل الطفّ من آل هاشم

أذلّ رقاب المسلمين فذلّت

وكانوا رجاء ثم عادوا رزيّة

لقد عظمت تلك الرزايا وجلّت

* * *

رثاء السوسي

وقال السوسي :

لهفي على السبط وما ناله

قد مات عطشانا بكرب الظما

لهفي لمن نكّس عن سرجه

ليس من الناس له من حمى

ص: 383


1- اقشعرت : ارتعدت .

لهفي على بدر الهدى إذ علا

في رمحه يحكيه بدر الدجى

لهفي على النسوة إذ برّزت

تساق سوقا بالعنا والجفا

لهفي على تلك الوجوه التي

أبرزن بعد الصون بين الملا

لهفي على ذاك العذار الذي

علاه بالطفّ تراب العزا

لهفي على ذاك القوام الذي

حناه بالطفّ سيوف العدا

* * *

وله أيضا :

كم دموع ممزوجة بدماء

سكبتها العيون في كربلاء

لست أنساه بالطفوف غريبا

مفردا بين صحبه بالعراء

وكأنّي به وقد لحظ النسوان

وان يهتكن مثل هتك الإماء

* * *

وله أيضا :

جودي على حسين

يا عين بانغزار

جودي على الغريب

إذ الجار لا يجار

جودي على النساء

مع الصبية الصغار

جودي على قتيل

مطروح في القفار

* * *

وله أيضا :

ألا يا بني الرسول

لقد قلّ الاصطبار

ألا يا بني الرسول

خلت منكم الديار

ألا يا بني الرسول

فلا قرّ لي قرار

ص: 384

وله أيضا :

لا عذر للشيعي يرقى دمعه

ودم الحسين بكربلاء أُريقا

يا يوم عاشورا لقد خلّفتني

ما عشت في بحر الهموم غريقا

فيك استبيح حريم آل محمد

وتمزّقت أسبابهم تمزيقا

أأذوق ري الماء وابن محمد

لم يرو حتى للمنون أذيقا

* * *

وله أيضا :

وكلّ جفني بالسهاد

مذ عرس(1) الحزن في فؤادي

ناع نعى بالطفوف بدرا

أكرم به رائحا وغاد

نعى حسينا فدته روحي

لمّا أحاطت به الأعادي

في فتية ساعدوا وواسوا

وجاهدوا أعظم الجهاد

حتى تفانوا وظلّ فردا

ونكّسوه عن الجواد

وجاء شمر إليه حتى

جرّعه الموت وهو صادي

وركب الرأس في سنان

كالبدر يجلو دجىالسواد

واحتملوا أهله سبايا

على مطايا بلا مهاد

* * *

وله أيضا :

أأنسى حسينا بالطفوف مجدّلاً

ومن حوله الأطهار كالأنجم الزهر

ص: 385


1- عرس فيه : نزل وحلّ ولازم .

أأنسى حسينا يوم سير برأسه

على الرمح مثل البدر في ليلة البدر

أأنسى السبايا من بنات محمد

يهتكن من بعد الصيانة والخدر

* * *

رثاء العوني

وقال العوني :

فيا بضعة من فؤاد النبي

بالطفّ أجرت كثيبا مهيلا

ويا كبدا في فؤاد البتولة

بالطفّ ثلث فأضحت أكيلا

قتلت فأبكيت عين الرسول

وأبكيت من رحمة جبرئيلا

* * *

وله أيضا :

يا قمرا غاب حين لاحا

أورثني فقدك المناحا

يا نوب الدهر لم يدع لي

صرفك من حادث صلاحا

أبعد يوم الحسين وَيحي

استعذب اللهو والمزاحا

يا بأبي أنفسنا ظماة

ماتوا ولم يشربوا المباحا

يا بأبي غرّة هداة

باكرها حتفها صباحا

يا سادتي يا بني علي

بكى الهدى بعدكم وناحا

ص: 386

يا سادتي يا بني إمامي

أقولها عنوة صراحا

أوحشتم الحجر والمساعي

آنستم القفر والبطاحا

أوحشتم الذكر والمثاني

والسور الطّول الفصاحا

* * *

وله أيضا :

لم أنس للحسين وقد ثوى

بالطفّ مسلوب الرداء خليعا

ظمآن من ماء الفرات معطّشا

ريّان من غصص الحتوف نقيعا

يرنو إلى ماء الفرات بطرفه

فيراه عنه محرّما ممنوعا

* * *

رثاء الزاهي

وقال الزاهي :

أعاتب عيني إذا قصرت

وأفنى دموعي إذا ما جرت

لذكراكم يا بني المصطفى

دموعي على الخدّ قد سطّرت

لكم وعليكم جفت غمضها

جفوني عن النوم واستشعرت

أمثّل أجسادكم بالعراق

وفيها الأسنّة قد كسّرت

أمثّلكم في عراص(1) الطفوف

بدور تكسف إذ أقمرت

غدت أرض يثرب من جمعكم

كخطّ الصحيفة إذ أقفرت

ص: 387


1- عراص : جمع عرصة ، وهي البقعة الواسعة بين الدور ، وساحة الدار .

وأضحى بكم كربلا مغربا

لزهر النجوم إذ أغورت

كأنّي بزينب حول الحسين

ومنها الذوائب قد نشرت

تمرّغ في نحره شعرها

وتبدي من الوجد ما أضمرت

وفاطمة عقلها طائر !

إذ السوط في جنبها أبصرت

وللسبط فوق الثرى شيبة

بفيض دم النحر قد عفّرت

ورأس الحسين أمام الرفاق

كغرّة صبح إذا أسفرت

* * *

وله أيضا :

لست أنسى النساء في كربلاء

وحسين ظام فريد وحيد

ماجد يلثم الثرى وعليه

قضب الهند(1) ركّع وسجود

يطلب الماء والفرات قريبويرى الناس وهو عنه بعيد

* * *

رثاء الناشي

وقال الناشي :

مصائب نسل فاطمة البتول

نكت حسراتها كبد الرسول

ألا بأبي البدور لقين كسفا

وأسلمها الطلوع إلى الأفوال

ألا يا يوم عاشورا رماني

مصابي منك بالداء الدخيل

ص: 388


1- القضب : جمع القضيب ، وهو السيف ، وقضب الهند : السيوف المصنوعة في الهند.

كأنّي يا بن فاطمة جديلاً

يلاقي الترب بالوجه الجميل

يحرن في الثرى قدّا ونحرا

على الحصباء بالخدّ التليل

صريعا ظلّ فوق الأرض أرضا

فوا أسفا على الجسم النحيل

أعاديه توطأه ولكن

تخطّاه العتاق من الخيول

وقد قطع العداة الرأس منه

وعلّوه على رمح طويل

وقد برز النساء مهتّكات

يجزّزن الشعور من الأصول

يسرن مع اليتامى من قتيل

يخضّب بالدماء إلى قتيل

فطورا يلتثمن بني علي

وطورا يلتثمن بني عقيل

وفاطمة الصغيرة بعد عزّ

كساها الحزن أثواب الذليل

تنادي جدّها يا جدّ إنّا

طلبنا بعد فقدك بالذحول

* * *

رثاء المرتضى

وقال المرتضى :

إنّ يوم الطفّ يوما

كان للدين عصبيا

لم يدع للقلب منّي

في المسّرات نصيبا

لعن اللّه رجالاً

أترعوا الدنيا غصوبا

سالموا عجزا فلمّا

قدروا شنّوا الحروبا

طلبوا أوتار بدر

عندنا ظلما وحوبا

* * *

ص: 389

وله أيضا :

لقد كسرت للدين في يوم كربلا

كسائر لا توسى ولا هي تجبر

فأمّا سبي بالرماح مسوق

وأمّا قتيل بالتراب معفّر

وجرحى كما اختارت رماح وأنصل

وصرعى كما شاءت ضباع وأنسر

* * *

رثاء الرضي

وقال الرضي :

كربلا لا زلت كربا وبلا

ما لقي عندك آل المصطفى

كم على تربك لمّا صرّعوا

من دم سال ومن دمع جرى

وضيوف لفلاة قفرة

نزلوا فيها على غير قرى

لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا

بحدا السيف على ورد الردى

تكسف الشمس شمس منهم

لا تدانيها علوّا وضيا

وتنوش الوحش من أجسادهم

أرجل السبق وإيمان الندا

ووجوها كالمصابيح فمن

قمر غاب ومن نجم هوى

غيّرتهن الليالي وغدا

جائر الحكم عليهم البلى

يا رسول اللّه لو عاينتهم

وهم ما بين قتل وسبى

ص: 390

من رميض(1) يمنع الظلّ ومن

عاطش يسقى أنابيب القنا

ومسوق عاثر يسعى به

خلف محمول على غير وطا

جزروا جزر الأضاحي نسله

ثم ساقوا أهله سوق الإما

قتلوه بعد علم منهم

أنّه خامس أصحاب الكسا

ميّت تبكي له فاطمة

وأبوها وعلي ذو العلى

* * *

وله أيضا :

شغل الدموع عن الديار بكاؤنا

لبكاء فاطمة على أولادها

لم يخلفوها في الشهيد وقد رأت

دفع الفرات يذاد عن ورادها

أترى درت أنّ الحسين طريدة

لقنا بني الطرّاد عند ولادها

كانت مآتم بالعراق تعدّها

أموية بالشام من أعيادها

ما راقبت غضب النبي وقد غدا

زرع النبي مظنّة لحصادها

جعلت رسول اللّه من خصمائها

فلبئس ما ذخرت ليوم معادها

ص: 391


1- الرميض : من الرمضاء ، وهي شدّة الحرّ ، والرميض من السيوف : الحادّ .

نسل النبي على صعاب مطيّها

ودم الحسين على رؤوس صعادها(1)

وا لهفتاه لعصبة علويّة

تبعت أميّة بعد ذلّ قيادها

جعلت عران الذلّ في آنافها

وعلاط وسم الضيم في أجيادها(2)

واستأثرت بالأمر عن غيّابها

وقضت بما شاءت على أشهادها

طلبت ترات الجاهلية عندها

وشفت قديم الغلّ من أحقادها

يا يوم عاشوراء كم لك لوعة

تترقّص الأحشاء من إيقادها* * *

أوّل شعر رثي به الحسين عليه السلام

وأوّل شعر رثي به الحسين عليه السلام قول عقبة به عميق السهمي من بني سهم بن عوف بن غالب(3) :

ص: 392


1- الصعاد : جمع الصعدة : وهي القناة المستوية التي لا تحتاج الى تقويم .
2- العران : عود يجعل في أنف البعير ، والعلاط : حبل يجعل في عنق الجمل .
3- اختلفوا في أوّل شاعر وأوّل قصيدة رثي بها سيّد الشهداء عليه السلام .

إذا العين قرّت في الحياة وأنتم

تخافون في الدنيا فأظلم نورها

مررت على قبر الحسين بكربلا

ففاض عليه من دموعي غزيرها

فما زلت أرثيه وأبكي لشجوه

ويسعد عيني دمعها وزفيرها

وبكيت من بعد الحسين عصائبا

أطافت به من جانبيها قبورها

سلام على أهل القبور بكربلا

وقل لها منّي سلام يزورها

سلام بآصال العشيّ وبالضحى

تؤدّيه نكباء الصبا ودبورها

ولا تبرح الوفّاد زوّار قبره

يفوح عليهم مسكها وعبيرها

* * *

رثاء شاعر

وقال شاعر :

تبيت النشاوى(1) من أميّة نومّا

وبالطفّ قتلى ما ينام حميمها

وما قتل الإسلام إلاّ عصابة

تأمّر نوكاها(2) ونام زعيمها

فأضحت قناة الدين في كفّ ظالم

إذا اعوج منها جانب لا يقيمها

* * *

وقال آخر :

وا خجلة الإسلام من أضداده

ظفروا له بمعائب ومعاثر

ص: 393


1- النشاوى : جمع نشوان : وهو السكران .
2- النوكى : جمع أنوك : وهو الأحمق والرذل .

آل العزيز يعظّمون حماره

ويرون فوزا لثمهم للحافر

وسيوفكم بدم ابن بنت نبيكم

مخضوبة لرضى يزيد الفاجر

* * *

رثاء الصنوبري

وقال الصنوبري(1) :

يا خير من لبس النبوة من جميع الأنبياء

وجدي على سبطيك وجد ليس يؤذن بالقضاء

هذا قتيل الأشقياء وذا قتيل الأدعياء

يوم الحسين هرقت دمع الأرض بل دمع السماء

يوم الحسين تركت باب العزّ مهجور الفناء

يا كربلا خلفت من كرب عليّ ومن بلاء

كم فيك من وجه تشرّب ماؤه ماء البهاء

نفسي فداء المصطلي نار الوغى أي اصطلاء

حيث الأسنّة في الجواشن كالكواكب في السماء

فاختار درع الصبر حيث الصبر من لبس السناء

ص: 394


1- الصنوبري : أحمد بن محمد بن الحسن بن مرار الجزري الرقّي الضبّي الحلبي الشهير بالصنوبري ، أبو القاسم وأبو الفضل ، شاعر شيعي مجيد ، قال ابن النديم : في فهرسته : إنّ الصولي عمل شعر الصنوبري على الحروف في مائتي ورقة . الغدير : 3/369 - 376 ، الكنى والألقاب : 2/428 .

وأبى إباء الأسد إنّ الأسد صادقة الإباء

وقضى كريما إذ قضى ظمآن في نفر ظماء

منعوه طعم الماء لا وجدوا لماء طعم ماء

من ذا لمعفور الجواد ممال أعواد الخباء

من للطريح الشلو عريانا مخلّى بالعراء

من للمحنّط بالتراب وللمغسّل بالدماء

من لابن فاطمة المغيب عن عيون الأولياء

* * *

رثاء الشافعي

وقال الشافعي :

تأوّه قلبي والفؤاد كئيب

وأرّق نومي فالسهاد عجيب

فمن مبلغ عنّي الحسين رسالة

وإن كرهتها أنفس وقلوب

ذبيح بلا جرم كأنّ قميصه

صبيغ بماء الأرجوان خضيب

فللسيف إعوال وللرمح رنّة

وللخيل من بعد الصهيل نحيب

تزلزلت الدنيا لآل محمد

وكادت لهم صمّ الجبال تذوب

وغارت نجوم واقشعرت كواكب

وهتّك أستار وشقّ جيوب

يصلّى على المبعوث من آل هاشم

ويغزى بنوه إن ذا لعجيب

لئن كان ذنبي حبّ آل محمد

فذلك ذنب لست عنه أتوب

هم شفعائي يوم حشري وموقفي

إذا ما بدت للناظرين خطوب

ص: 395

رثاء الجواهري

وقال الجوهري(1) :

عاشورنا ذا ألا(2) لهفي على الدين

خذوا حدادكم يا آل ياسين

اليوم شقّق جنب الدين وانتهبت

بنات أحمد نهيب الروم والصين

اليوم قام بأعلى الطفّ نادبهم

يقول من ليتيم أو لمسكين

اليوم خضّب جيب المصطفى بدم

أمسى عبير بخور الحور والعين

اليوم خرّت(3)نجوم الفخر من مضر

على مناخر تذليل وتوهين

اليوم انطفى نور اللّه متّقدا

وجرّرت لهم التقوى على الطين

اليوم هتّك أسباب الهدى مزقا

وبرقعت غرّة الإسلام بالهون

اليوم زعزع قدس من جوانبه

وطاح بالخيل ساحات الميادين

ص: 396


1- أبو الحسن علي بن أحمد الجرجاني ، ويعرف بالجوهري كما ذكر ذلك في غير مورد من شعره ، مقياس من مقاييس الأدب ، وأحد أعضاد العربية ، ومن المفلّقين في صناعة القريض ، كان من صنائع الوزير الصاحب ابن عباد وندمائه وشعرائه ، تعاطى صناعة الشعر في ريعان من عمره وأوليات أمره ، وكان يرمي إلى المغازي البعيدة بلفظ قريب ، وترتيب سهل ، وكان في إعطاء المحاسن إياه زمامها كما قيل : « جذع يبن على المذاكي القرح » . وكان الصاحب يعجب به أشدّ الإعجاب ، ويروقه مستحسن شعره المجانس لحسن روائه ، ومناسبة روحه وشمائله خفّة وظرفا ، وقد اصطنعه لنفسه واختاره للسفارة بينه وبين العمال والأمراء ، فكان يمثّله في رسالاته أحسن تمثيل ، فيملأ العيون جمالاً ، والقلوب كمالاً ... توفي حدود « 380 » . الغدير للشيخ الأميني رحمه الله : 4/82 .
2- في الغدير : 4/85 : « يا أهل عاشور يا لهفي على الدين » .
3- في الغدير : « خرّ » .

اليوم نال بنو حرب طوائلها

ممّا صلوه ببدر ثم صفين

اليوم جدّل سبط المصطفى شرقا(1)

من نفسه بنجيع غير مسنون

* * *

رثاء شاعر

وقال شاعر :

يا كربلا يا كربتي وزفرتي

كم فيك من ساق ومن جمجمة

ومن يمين للحسام بينت

للفاطميات العظام الحرمة

قد خرّ أركان العلى وانهدّت

وغلّقت أبوابه وسدّت

تلك الرزايا عظمت وجلّت

* * *

وقال آخر :

كم سيّد لي بكربلاء

فديته السيّد الغريب

كم سيّد لي بكربلاء

عسكره بالعرا نهيب

كم سيّد لي بكربلاء

ليس لما يشتهي طبيب

كم سيّد لي بكربلاء

خاتمه والردا سليب

كم سيّد لي بكربلاء

خضّب من نحره المشيب

كم سيّد لي بكربلاء

يسمع صوتي لا يجيب

كم سيّد لي بكربلاء

ينقر في ثغره القضيب

ص: 397


1- شرق بريقه : إذا غصّ به ، والشرق : الغصّة ، والشرق : الامتلاء .
رثاء دعبل

وقال دعبل :

رأس ابن بنت محمد ووصيّه

للناظرين على قناة يرفع

والمسلمون بمنظر وبمسمع

لا منكر منهم ولا منتفجّع

كحلت بمنظرك العيون عماية

وأصمّ رزؤك كلّ اُذن تسمع

أيقظت أجفانا وكنت لها كرى(1)

وأنمت عينا لم تكن بك تهجع(2)

ما روضة إلاّ تمنت أنّهالك منزل ولخطّ قبرك مضجع

* * *

رثاء شاعر

وقال آخر :

إذا جاء عاشور تضاعف حسرتي

لآل رسول اللّه وانهل عبرتي

هو اليوم فيه اغبرت الأرض كلّها

وجوما عليها والسماء اقشعرت

أريقت دماء الفاطميين بالملا

فلو عقلت شمس النهار لخرّت

بنفسي خدودا في التراب تعفرّت

بنفسي جسوما بالعراء تعرّت

بنفسي رؤوسا معليات على القنا

إلى الشام تهدى بارقات الأسنّة

بنفسي شفاه ذابلات من الظما

ولم تحظ من ماء الفرات بقطرة

ص: 398


1- الكرى : النعاس .
2- تهجع : تنام .

بنفسي عيونا عابرات سواهر

إلى الماء منها قطرة بعد قطرة

بنفسي من آل النبي خرائد(1)

حواسر لم تعرف عليهم بسترة

* * *

رثاء أبي الفرج ابن الجوزي

وقال أبو الفرج ابن الجوزي :

أحسين والمبعوث جدّك بالهدى

قسما يكون الحقّ فيه مسائلي

لو كنت شاهد كربلا لبذلت في

تنفيس كربك جهد بذل الباذل

وسقيت حدّ السيف من أعدائكم

جللاً وحدّ السمهريّ الذابل

لكنّني أخرّت عنك لشقوتي

فبلابلي بين الغري وبابل

إن لم أفز بالنصر من أعدائكم

فأقلّ من حزن ودمع سائل

* * *

رثاء شاعر

وقال آخر :

يا حرّ صدري يا لهيب الحشا

إنهدّ ركني يا أخي والقوى

كنت أخي ركني ولم يبق لي

ذخر ولا ركن ولا ملتجى

ص: 399


1- الخرائد : جمع الخريدة : وهي الحيية الطويلة السكوت الخافضة الصوت الخفرة المتستّرة ، والبكر التي لم تمس .

وكنت أرجوك فقد خانني

ما كنت أرجوه فخاب الرجا

يا ابن أمّي لو تأمّلتني

رأيت منّي ما يسرّ العدا

حلّ بأعدائك ما حلّ بي

من ألم السير وذلّ السبى

ويا شفيعي أنا أفديك من

يومك هذا وأكون الفدا

ولا هناني العيش يا سيّدي

ما عشت من بعدك أو أدفنا

* * *

وقال آخر :

يا من رأى حسينا

شلوا لدى الفرات

والرأس منه عال

في ذورة القناة

وزينب تنادي

قد قتلوا حماتي

يا جدّ لو ترانا

أسرى مهتّكات

* * *

ص: 400

فصل 10 : في زيارته عليه السلام

ص: 401

ص: 402

إسحاق بن عمار : قال الصادق عليه السلام :

ليس ملك في السماوات والأرض إلاّ وهم يسألون اللّه - تعالى - أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين عليه السلام ، ففوج ينزل ، وفوج يعرج(1) .

الفردوس عن الديلمي : قال النبي صلى الله عليه و آله :

إنّ موسى بن عمران سأل ربّه زيارة قبر الحسين بن علي عليهماالسلام ، فزاره في سبعين ألف من الملائكة(2) .

أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام قال :

وكّل اللّه بقبر الحسين عليه السلام أربعة آلاف ملكا شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة ، فمن زاره عارفا بحقّه شيعوه حتى يبلغوه مأمنه ، وإن مرض عادوه غدوة وعشيّا ، وإذا مات شهدوا جنازته ، واستغفروا له إلى يومالقيامة(3) .

ص: 403


1- كامل الزيارات لابن قولويه : 224 باب 39 ح 329 ، ثواب الأعمال للصدوق : 96 ، تهذيب الأحكام للطوسي : 6/46 ح 100 ، روضة الواعظين : 194 ، المزار للمفيد : 24 باب 8 ح 2 .
2- كامل الزيارات لابن قولويه : 221 باب 38 ح 324 ، الفردوس للديلمي : 1/227 رقم 870 .
3- الكافي : 4/581 ح 7 ، كامل الزيارات لابن قولويه : 232 باب 41 ح 244 ، أمالي الصدوق : 64 مج 4 ح 28 ، ثواب الأعمال : 87 ، روضة الواعظين للفتال : 194 .

الباقر عليه السلام : مروا شيعتنا بزيارة الحسين عليه السلام ، فإنّ زيارته تدفع الهدم والحرق والغرق وأكل السبع ، زيارته مفترضة على من أقرّ له بالإمامة من اللّه (1) .

إسحاق بن عمار : قال الصادق عليه السلام : ما بين قبر الحسين عليه السلام إلى السماء السابعة مختلف الملائكة(2) .

الكاظم عليه السلام : من زار قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقّه غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر(3) .

الصادق عليه السلام : كان الحسين عليه السلام ذات يوم في حجر النبي صلى الله عليه و آله يلاعبه ويضاحكه ، فقالت عائشة : ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي ! فقال لها : ويلك ، كيف لا أحبّه ، ولا أعجب به ، وهو ثمرة فؤادي ، وقرّة عيني ، أما أنّ أمّتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب اللّه له حجّة من حججي ،قالت : يا رسول اللّه ، حجّة من حججك ! قال : نعم ، حجّتين من حججي ، قالت : حجّتين من حججك ! قال : نعم ، وثلاث ، قال : فلم تزل تزاده ويزيد ويضعفه حتى بلغ سبعين حجّة من حجج رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأعمارها(4) .

ص: 404


1- أمالي الصدوق : 206 مج 29 ح 226 ، روضة الواعظين : 194 .
2- كامل الزيارات لابن قولويه : 225 باب 39 ح 331 ، ثواب الأعمال للصدوق : 96 ، كمال الدين : 672 ح 22 ، الفقيه : 2/579 ح 3168 ، دلائل الإمامة : 458 .
3- الكافي : 4/582 ح 8 ، كامل الزيارات لابن قولويه : 264 باب 54 ح 201 ، أمالي الصدوق : 206 مج 29 ح 225 ، ثواب الأعمال للصدوق : 85 ، روضة الواعظين للفتال : 194 .
4- كامل الزيارات لابن قولويه : 144 باب 22 ح 169، أمالي الطوسي : 668 ح 1401.

قال شاعر :

فجعفر الصادق من ولده

خبّرنا من فضله بالتمام

عن جدّه أنّ لمن زاره

ثواب حجّ البيت سبعين عام

* * *

في الرسالة المقنعة ، والمزار للكليني بإسناده عن الرضا عليه السلام قال : من زار قبر أبي عبد اللّه عليه السلام بشطّ الفرات كان كمن زار اللّه فوق عرشه(1) .

نظمه العبدي فقال :

وحديث عن الأئمة فيما

قد روينا عن الشيوخ الثقات

أنّ من زاره كمن زار ذا العر

ش على عرشه بغير صفات

* * *أي كمن عبد اللّه على العرش(2) .

ص: 405


1- كامل الزيارات لابن قولويه : 279 باب 59 ح 438 ، ثواب الأعمال للصدوق : 85 ، تهذيب الأحكام للطوسي : 6/46 ح 98 .
2- لا يخفى أنّ الروايات والأحاديث الواردة في فضل زيارة سيّد الشهداء عليه السلام كثيرة جدّا ألّف فيها العلماء كتبا ضخمة . للمزيد راجع كامل الزيارات لابن قولويه وبحار الأنوار الجزء 98 ، رزقنا اللّه زيارته عليه السلام ومعرفته وشفاعته ورؤيته وخدمته في الدنيا والآخرة .

ص: 406

الفهرست

باب في إمامة أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام

فصل 1 : في المقدمات

( 7 - 18 )

الآيات··· 9

وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ··· 9

وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا . .··· 9

وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ··· 10

الاستدلال بالحساب··· 12

الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّاهُمْ فِي الأَْرْضِ . .··· 13

.. فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ··· 13

فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ··· 13

لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا··· 13

التباع خمسة··· 14

تزويجه ابنة يزدجرد··· 14

في الحساب··· 16

ص: 407

فصل 2 : في معجزاته عليه السلام

( 19 - 28 )

ولد عليه السلام لستّة أشهر وعاش··· 21

ارتضع من لسان النبي صلى الله عليه و آله··· 21

حفر في كربلاء فنبع ماء طيّب··· 23

إخباره مروان بسقوط ردائه . .··· 23

هروب الحمى من الحسين عليه السلام··· 23

رجل تحرّش بامرأة في الطواف··· 24

فلصقت يداهما وخلّصهما الحسين عليه السلام··· 24

تكلّم ببعض فضائلهم فدهش الرجل ووله··· 25

أمر الغلام الصغير فنطق بإذن اللّه ··· 25

إرائة الأصبغ مخاطبة النبي صلى الله عليه و آله لأبي دون··· 26

إخباره بموضع قتله تعريضا بابن الزبير··· 27

كفّ جبرائيل في كفّه··· 27

أصحابه مكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم··· 27

فصل 3 : في آياته بعد وفاته عليه السلام

( 29 - 64 )

بكاء السماء عليه··· 31

حمرة أطراف السماء بعد قتله··· 32

كسفت السماء لقتله··· 33

ص: 408

مطرت السماء دما ورمادا··· 33

إخباره ابن سعد أنّه لا يأكل من برّ العراق بعده إلاّ قليلاً··· 35

شهد النبي صلى الله عليه و آله قتله··· 35

جبرائيل يخبر النبي صلى الله عليه و آله بقتل الحسين عليه السلام··· 36

النبي يدفن الحسين عليه السلام وأصحابه··· 37

صار الورس دما واشتعل النجم نارا··· 37

استعملت امرأة ورسا منهوبا فبرصت··· 38

عقاب رجلين من قتلة الحسين عليه السلام··· 38

اللّهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا··· 39

عقاب الدارمي الذي رماه بسهم فأصاب حنكه··· 40

عقاب ابن حوزة··· 40

عقاب أبحر بن كعب··· 41

عقاب من سلب عمامته··· 42

عقاب من سلب ثوبه··· 42

عقاب من سلب سراويله··· 42

عقاب من سلب برنسه··· 43

الزعفران والجمل المنهوب··· 43

عقاب محمد بن الأشعث··· 44

الفرس يواسي الحسين عليه السلام في عطشه··· 44

الفرس يحامي عنه ويخبر أهله بمصرعه··· 45

عقاب رجل من بني دارم قتل رجلاً من أصحاب الحسين عليه السلام··· 45

سبّ الحسين عليه السلام فأهوى اللّه عليه نجمين فعميت عيناه··· 46

ص: 409

عقاب من كثّر السواد··· 46

عقاب من باع المسمار في عسكر ابن سعد··· 47

عقاب أحد قتلة الحسين عليه السلام··· 48

عقاب الوكلاء على الرأس المقدّس··· 48

راهب قنسرين والرأس المقدّس··· 49

دراهم أمّ كلثوم التي دفعتها لحاجب ابن زياد··· 50

الرأس المقدّس في بيت خولي··· 51

الرأس المقدّس يقرأ القرآن··· 52

حيّة تتخلّل رأس ابن زياد··· 52

طيب الرأس المقدّس··· 53

لحم الجمل الذي حمل عليه رأس الحسين عليه السلام··· 53

آيات عند قتله عليه السلام··· 53

قلم من حديد يكتب شعرا بالدم على الحائط··· 54

أبيات مكتوبة في كنيسة قبل بعثة النبي

صلى الله عليه و آله··· 54

أبيات قسّ بن ساعدة قبل المبعث··· 55

نوح الجنّ··· 55

سليمان بن عبد الملك يدفن الرأس المقدّس !··· 58

رؤيا زر النائحة فاطمة عليهاالسلام··· 59

لعن اللّه قاطع السدرة··· 59

عقاب من تنكّر لطين القبر المقدّس··· 60

عقاب من استهزأ بطين القبر المقدّس··· 60

عقاب من أهان القبر المقدّس··· 61

ص: 410

زيارة زيد المجنون لمّا حرث القبر المقدّس··· 61

عقاب الديزج الذي باشر حرث القبر المقدّس··· 62

عقاب المتوكّل الذي أمر بحرث القبر المقدّس··· 62

فصل 4 : في مكارم أخلاقه عليه السلام

( 65 - 80 )

جوده عليه السلام··· 67

قضاؤه دين أسامة بن زيد··· 67

خير مالك ما وقيت به عرضك··· 67

كيف يأكل التراب جودك··· 68

أثر الجراب على ظهره عليه السلام··· 69

عطاؤه لمن علّم ولده الحمد··· 69

من شعره عليه السلام··· 69

تواضعه عليه السلام··· 70

أجاب دعوة المساكين··· 70

بينه عليه السلام وبين أخيه ابن الحنفية··· 70

فصاحته وعلمه عليه السلام··· 71

جوابه لمن سمعه يخطب فقال من هذا ؟··· 71

جوابه عليه السلام لابن العاص··· 72

تفسيره صيحات بعض الطيور··· 73

علّة افتراض الصوم··· 73

ص: 411

شجاعته عليه السلام··· 74

نزاعه مع والي المدينة··· 74

موت في عزّ خير من حياة في ذلّ··· 74

من شعره عليه السلام··· 75

إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة··· 75

سأمضي فما بالموت عار على الفتى··· 76

زهده عليه السلام··· 77

ما أعظم خوفك من ربّك ؟··· 77

حجّ خمسة وعشرين حجّة ماشيا··· 77

وقوفه عليه السلام على قبر جدّته خديجة عليهاالسلام··· 77

من شعره عليه السلام··· 78

فصل 5 : في محبّة النبي إيّاه

عليه السلام

( 81 - 90 )

رؤيا أمّ أيمن··· 83

تقبيله إيّاه··· 83

ضمّه إيّاه··· 84

إنّ بكاءه يؤذيني··· 84

أنا من حسين وحسين منّي . .··· 84

مناقب لا تعنون !··· 85

أسلم يهودي لما رأى من محبّة النبي صلى الله عليه و آله إيّاه··· 86

أتركب ظهرا حمله رسول اللّه صلى الله عليه و آله··· 87

ص: 412

تأويل رؤيا هند··· 87

من شعره عليه السلام··· 88

فصل 6 : في معالي أُموره

( 91 - 100 )

أحبّ أهل الأرض الى أهل السماء··· 93

سنّة التكبير في الصلاة بركة الحسين عليه السلام··· 94

فطرس عتيق الحسين عليه السلام··· 94

جبرئيل يلهيه حتى تستيقظ أمّه··· 96

قصره عليه السلام وحوريّته في الجنّة··· 96

أعتق غلاما ليهودي كان يواكل كلبا طلبا للسرور··· 97

جمال الحسين عليه السلام ونور وجهه··· 97

الحسنان عليهماالسلام ريحانتا النبي صلى الله عليه و آله في الدنيا··· 98

من تخلّف عنه لم يدرك الفتح··· 98

فصل 7 : في تواريخه وألقابه

( 101 - 118 )

ولادته ومدّة عمره عليه السلام··· 103

قتلته··· 103

تاريخ ومكان شهادته··· 104

موضع قبره ومدفن رأسه وأصحابه··· 107

ص: 413

أبناؤه··· 108

وبناته··· 109

عقبه··· 109

بابه··· 109

بعض أصحابه··· 109

اسمه··· 112

كنيته··· 113

ألقابه··· 113

قول أبي الفضل الهمداني··· 114

من شعره عليه السلام··· 115

فصل 8 : في المفردات من مناقبه عليه السلام

( 119 - 128 )

قتل بالحسين عليه السلام مائة ألف وما طلب بثأره··· 121

فديت من فديته بابني إبراهيم··· 121

أعرابي يشفّعه عليه السلام في حاجته عند معاوية··· 122

معاوية يستشير مروان وابن العاص في أمر الحسين عليه السلام··· 123

من مناقبه عليه السلام··· 124

ما ظهر من مشهد الرأس··· 124

جعل اللّه له ثلاثا··· 124

شعر ذكوان مولى الحسين عليه السلام عند معاوية··· 124

عجائبه عليه السلام··· 125

ص: 414

فصل 9 : في مقتله عليه السلام

( 129 - 400 )

المخاصمة بدم المظلوم يوم القيامة··· 131

اللّه يخبر زكريا بشهادة الحسين عليه السلام··· 132

بين يحيى والحسين عليهماالسلام··· 133

إسماعيل صادق الوعد يتأسّى بالحسين عليه السلام··· 135

لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه ··· 135

النبي والزهراء عليهماالسلام يخاصمان قاتل الحسين عليه السلام··· 136

يوم الحسين عليه السلام أقرح جفوننا··· 136

من آداب يوم عاشوراء··· 137

أجر من شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام ولعن قاتله··· 137

أنا قتيل العبرة··· 138

لا تطعموا الأطفال يوم عاشوراء··· 139

صوم الوحش يوم عاشوراء··· 139

مقتله عليه السلام··· 140

وصيّة معاوية ليزيد··· 140

كتاب يزيد الى الوليد بأخذ البيعة··· 141

الحسين عليه السلام يرى النبى صلى الله عليه و آله فى الرؤيا··· 142

ابن الحنفية وابن مطيع وابن عباس يعترضون الحسين عليه السلام··· 143

خروج الحسين عليه السلام من المدينة··· 144

كتب أهل الكوفة للحسين عليه السلام··· 144

جواب الحسين عليه السلام على كتب الكوفيين··· 150

مسلم بن عقيل عليهماالسلام رسول الحسين عليه السلام لأهل الكوفة··· 151

ص: 415

يزيد يولّي ابن زياد على الكوفة··· 179

محاولة اغتيال ابن زياد ! !··· 234

كتاب مسلم عليه السلام للحسين عليه السلام وشهادة عبد اللّه بن يقطر··· 315

حبس هانى بن عروة··· 315

محاصرة القصر··· 317

مسلم عليه السلام على باب طوعة··· 318

قتال مسلم عليه السلام··· 319

شهادة مسلم عليه السلام··· 320

نصب الرأسين في درب من دمشق··· 321

كتاب يزيد الى ابن زياد··· 321

اعتراض عمرو المخزومى على الحسين عليه السلام··· 321

اعتراض ابن عباس على الحسين عليه السلام وكلامه مع ابن الزبير··· 322

كتاب ابن جعفر وجواب الحسين عليه السلام··· 322

لقاؤه عليه السلام مع الفرزدق فى ذات عرق··· 323

منزل الحاجز وشهادة قيس بن مسهر··· 323

زينب عليهاالسلام تسمع هاتفا فى الخزيمية··· 324

بين الحسين وعلى الأكبر عليهماالسلام فى الثعلبية··· 324

فى منزل شقوق··· 325

لقاء الحرّ فى شراف··· 326

وصول كتاب ابن زياد للحرّ في نينوى··· 327

في عذيب الهجانات··· 328

في قرية عقر··· 328

في كربلاء··· 329

رسائل بين ابن سعد وابن زياد··· 329

ص: 416

قطع الماء عن معسكر الحسين عليه السلام··· 330

كتاب ابن زياد للحسين عليه السلام··· 331

عدد العسكرين··· 332

يوم عاشوراء··· 336

توبة الحرّ··· 336

الحسين عليه السلام يعظ القوم··· 336

قوموا الى الموت الذي لابدّ منه··· 337

شهادة الحرّ··· 338

شهادة برير··· 338

شهادة وهب الكلبي··· 339

شهادة عمرو بن خالد الأزدي··· 340

شهادة ابنه خالد··· 340

شهادة سعد بن حنظلة التميمي··· 341

شهادة عبد اللّه المذحجي··· 341

شهادة مسلم بن عوسجة··· 341

شهادة يحيى بن سليم المازني··· 342

شهادة قرّة بن أبي قرّة الغفاري··· 343

شهادة مالك بن أنس الكاهلي··· 343

شهادة عمرو بن مطاع الجعفي··· 343

شهادة جوين بن أبي مالك مولى أبي ذر··· 344

شهادة أنيس بن معقل الأصبحي··· 344

شهادة يزيد بن المهاصر الجعفي··· 345

شهادة الحجّاج بن مسروق الجعفي··· 345

شهادة سعيد بن عبد اللّه الحنفي··· 345

ص: 417

شهادة حبيب بن مظاهر··· 346

صلاة الحسين عليه السلام··· 346

شهادة زهير بن القين··· 346

شهادة نافع بن هلال البجلي··· 347

جنادة بن الحارث الأنصاري وابنه··· 347

شهادة فتى··· 348

شهادة غلام تركي للحرّ··· 348

شهادة مالك بن دودان··· 349

شهادة أبي ثمامة الصائدي··· 349

شهادة إبراهيم بن الحصين الأسدي··· 349

شهادة عمرو بن قرظة الأنصاري··· 350

شهادة أحمد بن محمد الهاشمي··· 350

أوّل من برز من بني هاشم عبد اللّه بن مسلم··· 351

شهادة جعفر بن عقيل··· 351

شهادة عبد الرحمن بن عقيل··· 352

شهادة جماعة من بني جعفر وعقيل··· 352

شهادة عبد اللّه بن الحسن بن علي عليهم السلام··· 353

شهادة القاسم بن الحسن عليهماالسلام··· 354

شهادة أبي بكر بن علي عليهماالسلام··· 354

شهادة عمر بن علي عليه السلام··· 355

شهادة عثمان بن علي عليه السلام··· 355

شهادة جعفر بن علي عليهماالسلام··· 355

شهادة عبد اللّه بن علي عليهماالسلام··· 356

شهادة القاسم بن علي عليهماالسلام !··· 356

ص: 418

شهادة العباس بن أمير المؤمنين عليهماالسلام··· 357

شهادة القاسم بن الحسين عليهماالسلام !··· 358

شهادة علي بن الحسين الأكبر عليهماالسلام··· 359

شهادة علي الأصغر عليه السلام··· 360

الحسين عليه السلام يطلب ثوبا لا يُرغب فيه··· 361

وداعه عليه السلام مع سكينة عليهماالسلام··· 361

المصيبة العظمى : شهادة مهجة قلب الرسول وقرّة عين أمير المؤمنين وثمرة

فؤاد الزهراء البتول سيّد الشهداء وسلطان المظلومين المولى الحسين عليه السلام··· 362

سلب الحسين عليه السلام··· 367

انتداب عشرة لرضّ جسد الحسين عليه السلام بالخيل··· 368

بعد الشهادة··· 369

دفن الجثث الطواهر الزواكي··· 369

نهب الخيام··· 370

حمل الرؤوس المقدّسة والسبايا··· 370

عدد الشهداء من أهل البيت عليهم السلام··· 370

المقتولون في الحملة الأولى··· 372

زينب عليهاالسلام تأبّن الحسين عليه السلام يوم العاشر··· 373

جزاء سنان··· 374

في مجلس الطاغية يزيد··· 375

من كلام زين العابدين عليه السلام··· 377

من كلام زينب عليهاالسلام··· 378

نياحة أسماء بنت عقيل··· 380

في رثاء الحسين عليه السلام··· 381

رثاء الكميت··· 381

ص: 419

رثاء الوفي السري··· 381

رثاء دعبل··· 382

رثاء كشاجم··· 382

رثاء خالد بن معدان··· 383

رثاء سليمان بن قبة الهاشمي··· 383

رثاء السوسي··· 383

رثاء العوني··· 386

رثاء الزاهي··· 387

رثاء الناشي··· 388

رثاء المرتضى··· 389

رثاء الرضي··· 390

أوّل شعر رثي به الحسين عليه السلام··· 392

رثاء شاعر··· 393

رثاء الصنوبري··· 394

رثاء الشافعي··· 395

رثاء الجواهري··· 396

رثاء شاعر··· 397

رثاء دعبل··· 398

رثاء شاعر··· 398

رثاء أبي الفرج ابن الجوزي··· 399

رثاء شاعر··· 399

فصل 10 : في زيارته عليه السلام( 401 - 406 )

الفهرست··· 407

ص: 420

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.